صمود تاريخي لشبكة الكهرباء في مصر.. ماذا حدث في صيف 2025؟ (مقال)
أحمد شوقي*

منذ العام الماضي، والأنظار تتجه إلى منظومة الكهرباء في مصر وقدرتها على تجاوز صيف شديد الحرارة قد يدفع الاستهلاك إلى مستويات غير مسبوقة، وبين حالة من الترقب لدى المواطنين والقطاع الصناعي، جاء صيف 2025 ليكتب نجاحًا للشبكة القومية في اختبار استثنائي.
هذا الاختبار الاستثنائي ليس مقتصرًا على صيف شهدَ أكثر أوقات الضغط على شبكة الكهرباء في تاريخها، نتيجة موجات الحر الشديدة، بل هو أيضًا اختبار لثقة المواطنين في الحكومة وتعهداتها مرارًا بعدم قطع الكهرباء.
ورغم أن ذروة استهلاك الكهرباء في مصر -حتى الآن- تجاوزت الحمل القياسي المسجّل العام الماضي بأكثر من 2000 ميغاواط؛ فإن الشبكة القومية تمكّنت من استيعاب هذه القفزة بكفاءة عالية، دون اللجوء إلى انقطاعات مبرمجة أو مفاجئة، ما يبرز فاعلية التخطيط المسبق من جانب وزارة الكهرباء بالتنسيق مع وزارة البترول، فضلًا عن عدّة عوامل أخرى سنتناولها بالتفصيل في هذا المقال.
ولم يقتصر نجاح منظومة الكهرباء في ضمان استقرار الإمدادات على تلبية احتياجات المواطنين فحسب، بل امتدّت انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد المحلي مع ضمان استمرار عجلة الإنتاج، ومن ثم تعزيز ثقة المستثمرين وحمايتهم من الخسائر المحتملة نتيجة انقطاع التيار.
أرقام استثنائية لاستهلاك الكهرباء في مصر
مقارنة بالحمل القياسي المسجّل في 2024 ليوم واحد عند 38 ألف ميغاواط، واجهت منظومة الكهرباء في مصر هذا العام عدّة اختبارات حقيقية تمثّلت في 5 أرقام قياسية للأحمال، بحسب ما سجّله المركز القومي للتحكم في الطاقة، على النحو التالي:
- 26 يوليو: 38 ألفًا و800 ميغاواط.
- 27 يوليو: 39 ألفًا و400 ميغاواط.
- 12 أغسطس: 39 ألفًا و500 ميغاواط.
- 13 أغسطس: 39 ألفًا و800 ميغاواط.
- 14 أغسطس: 40 ألف ميغاواط.
ويمثّل رقم ذروة الـ40 ألف ميغاواط -الذي نقلته منصة الطاقة المتخصصة عن مصادر في القطاع- 80% من قدرة محطات الكهرباء العاملة في مصر (50 ألف غيغاواط يوميًا).
كما أنها تتجاوز ذروة الطلب في دولة صناعية مثل جنوب أفريقيا (أكبر اقتصاد في القارة السمراء)، البالغة 38.9 ألف ميغاواط، مع الوضع في الحسبان أن كيب تاون لا تتمكن من تلبية الذروة، بل تلجأ إلى تخفيف الأحمال وسط مشكلات كبيرة في البنية التحتية للشبكة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصر تجاوزت جنوب أفريقيا في عام 2024 وأصبحت أكثر دولة توليدًا للكهرباء في أفريقيا للمرة الأولى تاريخيًا بكمية 237.4 تيراواط/ساعة، بحسب بيانات معهد الطاقة البريطاني، وبالتأكيد ستكون على موعد مع قفزة جديدة في إجمالي 2025.
3 عوامل دعمت قطاع الكهرباء في مصر خلال الصيف
يقف وراء صمود شبكة الكهرباء في مصر هذا الصيف 3 عوامل رئيسة تجاوزت بها الحكومة الانتقادات والشكوك التي طالتها العام الماضي:
أولًا: الإجراءات العاجلة التي اتخذتها وزارة الكهرباء بداية من الصيانة الشاملة منذ العام الماضي لضمان أعلى كفاءة تشغيلية للمحطات، وحتى تعزيز فرق الدعم الفني والطوارئ والمراقبة اللحظية للأحمال على مدار الساعة خلال أشهر الصيف.
ثانيًا: تعزيز قدرات الطاقة المتجددة، إذ رُبِط نحو 2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية والرياح وبطاريات تخزين الكهرباء بالشبكة القومية منذ أواخر العام الماضي، ساعدت في تلبية الكهرباء المتجددة لنحو 12% من ذروة الطلب.
وكانت محطة "أبيدوس-1" للطاقة الشمسية في أسوان بقدرة 500 ميغاواط هي البداية أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024، تبعها هذا العام اكتمال التشغيل التجاري لمحطة رياح بسعة 650 ميغاواط بالقرب من منطقة رأس غارب، فضلًا عن محطة أمونت لطاقة الرياح بقدرة 500 ميغاواط.
وكان يونيو/حزيران 2025 شاهدًا على خطوة تاريخية لقطاع الكهرباء في مصر بتشغيل أول نظام لبطاريات التخزين بقدرة 300 ميغاواط/ساعة، المتصل بمحطة "أبيدوس-1" للطاقة الشمسية، ما يضمن استمرار ضخ إمدادات الكهرباء المتجددة على مدار الساعة، وهذه بداية لمشروعات أخرى تترقبها البلاد في هذا الصدد.
ثالثًا: يبقى توفير إمدادات الغاز المسال وتعزيز قدرات الاستيراد أبرز وأهم عوامل نجاح منظومة الكهرباء في مجابهة الطلب القياسي هذا الصيف، لاسيما مع اعتماد مزيج التوليد على الغاز الطبيعي بأكثر من 80%.
وبحسب بيانات وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، استوردت مصر أكثر من 3.4 مليون طن خلال الأشهر الـ7 الأولى من 2025، منها مليون طن في يوليو المنصرم وحده خلال ذروة الصيف، وبعد ربط سفن التغويز الجديدة بالشبكة، كما يستعرض الرسم البياني أدناه:
وبتشغيل سفينتي التغويز "إنرغوس باور" و"إنرغوس إسكيمو" بقدرة إنتاجية 750 مليون قدم مكعبة يوميًا لكل منهما خلال الشهر الماضي، نجحت مصر في تعزيز قدرة استيراد الغاز المسال الداخلية إلى 2.25 مليار قدم مكعبة يوميًا.
بالإضافة إلى ذلك، تستطيع مصر الاستفادة من السفينة إنرغوس فورس القابعة في ميناء العقبة بالأردن التي دخلت الخدمة بسعة 750 مليون قدم مكعبة يوميًا، وفقًا لاتفاق بين البلدين.
هذه القدرة الإجمالية لسفن التغويز (3 مليارات قدم مكعبة يوميًا) تُسهم في تأمين الإمدادات اللازمة لتلبية الطلب المحلي، ومواجهة أيّ طوارئ محتملة على الأقل خلال السنوات الـ5 المقبلة، كما تعطي الحكومة مرونة أكبر في خطط الاستيراد المقبلة من خلال طرح مناقصات للحصول على شحنات الغاز المسال بأفضل الأسعار.
في النهاية، ونحن على وشك توديع أشهر الصيف الحارّة، لا شك أن الحكومة أوفت بوعدها بعدم قطع الكهرباء، لكن الأهم أن التجربة قدّمت دروسًا واضحة، أبرزها أن الاستثمار في الصيانة الدورية، وتنويع مزيج الكهرباء، والتخطيط المسبق لإدارة الأحمال، هي ركائز أساسية لضمان أمن الطاقة.
* أحمد شوقي مدير وحدة أبحاث الطاقة.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
اقرأ المزيد عن تغطية منصة الطاقة لملف الطاقة في مصر:
- مصر.. ماذا تعرف عن أقدم دولة عربية في صناعة النفط وأكثرها تنوعًا بمصادر الطاقة؟
- قطاع النفط والغاز في مصر.. إمكانات ضخمة ومستقبل واعد (مقال)
- حقول النفط والغاز في مصر.. احتياطيات عملاقة وكنوز واعدة (ملف خاص)
- أهم 5 مشروعات طاقة شمسية في مصر.. قدرات ضخمة تضعها بالصدارة (إنفوغرافيك)