التقاريرتقارير الغازرئيسيةغاز

التخزين الجوفي للغاز.. حل إستراتيجي لأمن الطاقة العالمي

سامر أبووردة

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي، تزداد أهمية التخزين الجوفي للغاز بوصفه أداة إستراتيجية لتأمين الإمدادات وضمان استقرار الأسواق، لا سيما خلال فترات الذروة الموسمية.

فبينما تتنامى التحديات المرتبطة بالطلب والتقلبات الجيوسياسية، برز هذا النمط من التخزين بوصفه عنصرًا حاسمًا في منظومة الطاقة الحديثة.

ووفقًا لدراسة صادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، أعدّها خبير الغاز المهندس وائل حامد عبدالمعطي، فإن التخزين الجوفي للغاز يكتسب زخمًا عالميًا متصاعدًا، ولا سيما بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية التي دفعت أوروبا إلى إعادة النظر في سياساتها الطاقية، وتبني تشريعات تستهدف تعزيز مخزوناتها المحلية لمواجهة أي اضطرابات محتملة.

وتلجأ الدول المستهلكة للغاز إلى هذا النمط من التخزين لتجاوز تقلبات السوق ومواجهة الطوارئ، إذ يُمكن حقن الغاز في تكوينات جيولوجية طبيعية خلال أوقات انخفاض الطلب، وسحبه لاحقًا عند الحاجة، ما يضمن مرونة تشغيلية ويحقّق التوازن بين الإمداد والاستهلاك.

ما التخزين الجوفي للغاز؟

يُعرف التخزين الجوفي للغاز بأنه عملية حقن الغاز الطبيعي في تكوينات جيولوجية تقع تحت سطح الأرض، خلال أوقات انخفاض الطلب، ومن ثم سحبه مجددًا عند ذروة الاستهلاك أو في حالات الطوارئ.

وتكمن أهميته في تأمين الإمدادات، وتوفير استقرار سعري للأسواق، وتعزيز كفاءة شبكات توزيع الغاز.

ويتكامل التخزين الجوفي مع سلسلة القيمة في صناعة الغاز، ليكون بمثابة "حلقة أمان" توفر مرونة تشغيلية عالية عند تقلبات السوق، لا سيما في الشتاء القارس الذي يشهد ذروة في الاستهلاك داخل أوروبا وآسيا.

خبير أوابك المهندس وائل حامد عبدالمعطي

مكوّن إستراتيجي في منظومة الطاقة

لم يعد التخزين الجوفي للغاز مقتصرًا على تلبية الطلب الموسمي، بل أصبح عنصرًا رئيسًا في دعم منظومة الطاقة، وتحقيق أمن الإمدادات، والانتقال نحو مصادر متجددة.

ويمكن عدّه حلًا تكميليًا للطاقة النظيفة، نظرًا إلى قدرته على التعويض عن تقلبات الإنتاج في الطاقة الشمسية والرياح.

وتشير بيانات منظمة أوابك إلى أن نحو 40% من استهلاك الغاز اليومي في الشتاء الأوروبي يُغطّى من خلال منشآت التخزين الجوفي، ما يؤكد محورية هذه المنشآت في استقرار السوق.

أنواع خزانات التخزين الجوفي

تنقسم منشآت التخزين الجوفي للغاز إلى ثلاثة أنواع رئيسة:

  • الحقول المستنفدة (Depleted Fields): وهي الأقل تكلفة والأوسع انتشارًا عالميًا، وتُستعمل بعد انتهاء إنتاج الغاز أو النفط منها.
  • كهوف الملح (Salt Caverns): توفر مرونة تشغيلية عالية وسرعة سحب كبيرة، لكنها مكلفة نسبيًا، وتنتشر في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة.
  • طبقات المياه الجوفية العميقة (Aquifers): تتطلّب تحليلات جيولوجية دقيقة، وتُستعمل في الحالات التي لا تتوافر فيها خيارات أخرى، وتُعد الأعلى تكلفة.

أما اختيار نوع الخزان فبناءً على معايير تتعلّق بالجيولوجيا والتكلفة وقرب الموقع من مراكز الاستهلاك.

أداة مواجهة للطوارئ والأزمات

أسهم التخزين الجوفي للغاز في الحد من تأثيرات الأزمات الطارئة، كما حدث خلال أزمة أوكرانيا، إذ لجأت الدول الأوروبية إلى تعظيم طاقاتها التخزينية لمواجهة نقص الإمدادات الروسية.

وتؤدي هذه المنشآت دورًا محوريًا عند حدوث أعطال مفاجئة في الإنتاج أو انخفاض غير متوقع في درجات الحرارة أو الانقطاعات الجيوسياسية.

كذلك، يمكن للمشغلين الاستفادة من الفروقات السعرية بين المواسم، عبر شراء الغاز بأسعار منخفضة في الصيف، وإعادة بيعه بأسعار أعلى في الشتاء، وهو ما يُعزّز من الجدوى الاقتصادية لهذه الاستثمارات.

تخزين الغاز في حقل مويعيد الإماراتي
مشروع تخزين الغاز في حقل مويعيد الإماراتي - الصورة من "وام"

الدول الرائدة عالميًا

تُعد الولايات المتحدة الدولة الأكثر تطورًا في مجال التخزين الجوفي، تليها ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا.

كما تمتلك أوكرانيا قدرات تخزينية ضخمة تُقدَّر بنحو 31 مليار متر مكعب، إذ تُمثل أهمية إستراتيجية خاصة في شرق أوروبا.

أما الصين فقد بدأت مؤخرًا في تسريع بناء منشآت التخزين، مع توقعات ببلوغ طاقتها التخزينية نحو 55 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.

أين تقف الدول العربية؟

رغم امتلاك الدول العربية مقومات جيولوجية واحتياطيات غازية ضخمة، فإنها لا تزال متأخرة في اعتماد التخزين الجوفي للغاز.

وتُسجَّل فقط مشروعات محدودة في الإمارات والسعودية، فيما تعتمد أغلب الدول على التخزين السطحي للغاز المسال أو الأنابيب المضغوطة.

وتُظهر الدراسة أن هناك فرصًا واعدة للتوسع في هذا المجال، ولا سيما في الدول ذات الإنتاج الغازي العالي، مثل الجزائر وقطر ومصر، في ظل توافر البنية التحتية وقرب المواقع من مراكز الطلب.

أول مشروع لتخزين الغاز في السعودية
معامل حقل الحوية - الصورة من "أرامكو"

الخلاصة..

يمثّل التخزين الجوفي للغاز عنصرًا لا غنى عنه في المشهد الطاقي الحديث، ليس فقط لدوره في تحقيق أمن الإمدادات، بل أيضًا لجدواه الاقتصادية وقدرته على التكيّف مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

وبينما تتوسع الدول الصناعية في بناء منشآت جديدة، لا بد من تحرك عربي منظّم للاستفادة من الإمكانات الهائلة غير المستغلة في هذا المجال الحيوي.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

  1. دراسة عن التخزين الجوفي للغاز، من "أوابك".
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق