الغاز المسال بين الشرق والغرب.. 3 تطورات تغيّر قواعد اللعبة (مقال)
أحمد شوقي*

- الطلب على الغاز المسال عربيًا يشهد طفرة غير مسبوقة
- البحرين ومصر تعززان واردات الدول العربية من الغاز المسال
- كندا تتحول إلى لاعب مهم في سوق الغاز المسال العالمية
- صفقة الطاقة الأميركية الأوروبية ستؤثّر في سوق الغاز المسال
- أوروبا تخاطر بالاعتماد على مورد واحد حال تعزيز وارداتها من الغاز الأميركي
حراك كبير شهدته سوق الغاز المسال في الأشهر الـ3 الأخيرة، تطورات جديدة على جانبي التصدير والاستيراد، وصفقة بمليارات الدولارات تزيد من الزخم حول وقود المستقبل.
وفي ظل جمود السوق الآسيوية، قاد الشرق الأوسط وأميركا الشمالية السوق نحو مدة ذهبية بـ3 أحداث بارزة سيكون لها تأثير ملموس عالميًا:
- مايو/أيار: بدأت البحرين فعليًا استيراد الغاز المسال.
- نهاية يونيو/حزيران: صدّرت كندا -ذات الاحتياطيات الهائلة- أولى شحناتها إلى السوق العالمية.
- أواخر يوليو/تموز: دخل الغاز الأميركي في قلب صفقة ضخمة، مع موافقة الاتحاد الأوروبي على شراء واردات طاقة أميركية بنحو 750 مليار دولار لمدّة 3 سنوات، لمعالجة الاختلالات التجارية بين الطرفين.
هذه الصفقة الأخيرة تعكس بروز محرّك جديد لسوق الغاز المسال، بعيدًا عن العوامل التقليدية مثل الطلب على الكهرباء، ويتمثل في سلاح التعرفات الجمركية الذي هدّد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاتحاد الأوروبي.
البحرين تعزز الطلب على الغاز المسال عربيًا
دخلت البحرين رسميًا نادي مستوردي الغاز المسال، بخطوة مهمة تعكس ارتفاع الطلب في المنطقة، وتُضاف إلى التحركات المصرية المتسارعة في هذا الاتجاه.
واستوردت البحرين 67 ألف طن في مايو/أيار، قبل أن تعزز وارداتها إلى 146 ألف طن في يونيو/حزيران، بحسب تقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول من 2025" الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة الصادرة من واشنطن.
ورغم أن هذه الكميات ما تزال ضئيلة، فإنها تفتح الباب أمام البلاد لتلبية الطلب المتزايد، وسط انخفاض الإنتاج (يبلغ 2.5 مليار قدم مكعبة يوميًا) مع عدم تطوير احتياطيات جديدة.
وما يعزز هذا الاتجاه وجود قدرة حالية على استيراد نحو 6 ملايين طن سنويًا من الغاز المسال (ما يعادل 800 مليون قدم مكعبة يوميًا) متمثلة في الوحدة العائمة "سيبيك بحرين".
وبالتوازي مع البحرين، شهدت سوق الغاز المسال العربية قفزة غير مسبوقة في واردات مصر، لتصل إلى 2.41 مليون طن في النصف الأول من 2025، مقابل 73 ألف طن فقط في المدّة نفسها من 2024.
ومع تشكُّل ملامح هذه المرحلة الجديدة للطلب على الغاز المسال عربيًا، أفردنا في وحدة أبحاث الطاقة مساحة خاصة لموضوع واردات الغاز المسال العربية للمرة الأولى في التقارير الفصلية، وجاء فيه قفزة الواردات الإجمالية بنسبة 77% إلى 6.51 مليون طن في النصف الأول، كما يستعرض الرسم أدناه:
كندا تبدأ عهدًا جديدًا
في الوقت الذي تزيد فيه المنطقة العربية وارداتها، فتحت كندا بوابة جديدة على الجهة الأخرى من سوق الغاز المسال، مع بدء التصدير من الوحدة الأولي بطاقة 5.6 مليون طن سنويًا من مشروع "إل إن جي كندا".
وستتحول كندا بفضل هذا المشروع، الذي تبلغ طاقته 14 مليون طن سنويًا، إلى لاعب مهم على الساحة العالمية، بعدما كانت صادراتها مقيّدة بالسوق الأميركية فقط عبر خطوط الأنابيب.
وبناءً على بيانات الشحن من شركة كبلر، تتوقع وحدة أبحاث الطاقة أن تصل صادرات كندا من الغاز المسال إلى نحو 0.5 مليون طن في يوليو/تموز 2025، مقارنة مع التقديرات الأولية بتصدير 0.21 مليون طن فقط.
وهذه الكميات بداية طفرة جديدة لصادرات الغاز المسال من أميركا الشمالية، لتُضاف إلى هيمنة الولايات المتحدة على السوق العالمية، بحصّة تقترب من 25%.
فبالإضافة إلى مشروع "إل إن جي كندا"، لدى كندا 4 مشروعات أخرى قيد التطوير وحاصلة على التراخيص، وحال اكتمالها ستصل قدرة إنتاج الغاز المسال في البلاد إلى أكثر من 47 مليون طن سنويًا بحلول عام 2029.
صفقة أميركية أوروبية بمئات المليارات
أمّا الحدث الثالث في الأشهر الـ3 الأخيرة؛ فيَعِدُ بمزيد من التغلغل للغاز المسال الأميركي في السوق الأوروبية، الذي استحوذ على أكثر من 54% من واردات الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من 2025، بحسب بيانات وحدة أبحاث الطاقة، الموضحة في الرسم التالي:
وفي 28 يوليو/تموز 2025، وقّعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفاقًا لشراء منتجات طاقة أميركية -تشمل النفط والغاز والتقنيات النووية- بقيمة 250 مليار دولار سنويًا، على مدى 3 سنوات، دون إعلان المزيد من التفاصيل حتى الآن.
ورغم ضخامة فاتورة الواردات الأوروبية مقارنة مع 80 مليار دولار فقط عام 2024، وصعوبة تنفيذها فعليًا، فإنها تضمن حضورًا أكبر للغاز المسال الأميركي في قلب معادلة الطاقة الأوروبية.
ما تأثير هذه الأحداث في سوق الغاز المسال؟
مع تزايُد الطلب العربي وسط توسُّع الاستيراد في البحرين ومصر، تشتد المنافسة في السوق الفورية التي يهيمن عليها الغاز الأميركي.
فقد أبرمت مصر عقودًا لاستيراد أكثر من 125 شحنة سنويًا لعامين، في حين يخطط العراق لدخول السوق لأول مرة باستيراد 3 ملايين طن سنويًا لتلبية احتياجات الكهرباء.
ويبعث زخم صادرات أميركا الشمالية الطمأنينة حيال وفرة الإمدادات، إذ تستمر الولايات المتحدة في تحقيق مستويات قياسية، كما تبدأ كندا بدورها بتلبية جزء من الطلب الآسيوي، الذي شكّل 68% من الطلب العالمي في 2024.
ورغم أن الغاز المسال الكندي سيخفّف ضغط الطلب الآسيوي على السوق الفورية خلال السنوات المقبلة؛ فإنه سيقتنص جزءًا من أسواق الغاز الأميركي.
إذ يتمتع مشروع "إل إن جي كندا" بميزة غير مسبوقة في أميركا الشمالية، كونه أول منشأة رئيسة للغاز المسال تتمتع بوصول مباشر إلى ساحل المحيط الهادئ دون المرور بقناة بنما، ومن ثم سرعة التصدير إلى آسيا بمقارنة بالغاز الأميركي.
وأمام ذلك، تأتي أهمية الصفقة الأوروبية الأميركية، فرغم صعوبة تحقيقها بالنظر إلى حجمها الضخم وتباطؤ الطلب الأوروبي، فإن الاتحاد الأوروبي سيحاول تأمين واردات الغاز الكافية لتحقيق هدفه بالاستغناء عن الطاقة الروسية بحلول 2027.
كما أن هناك ميزة أخرى تتعلق بالغاز المسال الأميركي، هي أنه غير مقيّد الوجهة، بمعني أن المشترين الأوروبيين بإمكانهم بيع الغاز الفائض إلى أسواق أخرى تعرض سعرًا أعلى.
وفي مقابل هذه الإيجابيات، تُخاطر أوروبا مجددًا بالاعتماد على مورّد واحد وتكرار الخطأ نفسه مع روسيا، لا سيما إذا كانت مشتريات الغاز الأميركي ستأتي على حساب مورّدين موثوقين مثل النرويج والجزائر.
وعلى أيّة حال، ومع اختلاف التأثير، لا شك أن تطورات الأشهر الـ3 الماضية ستُشكّل مرحلة جديدة من التنافس العالمي في سوق الغاز المسال، مع تزايُد الطلب في العالم العربي، وظهور مورّدين جدد على الساحة الدولية.
* أحمد شوقي مدير وحدة أبحاث الطاقة.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول (ملف خاص)
- الطلب على الغاز المسال.. 7 دول عربية ترسم مرحلة جديدة (مقال)