صادرات النفط البرازيلي إلى الولايات المتحدة.. هدف جديد لرسوم ترمب (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- البرازيل صدّرت 1.78 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في عام 2024
- إستراتيجية البرازيل لتصدير النفط تستند إلى قدرتها على تنويع الأسواق
- شعور المستثمرين تجاه قطاع النفط البرازيلي ما يزال قويًا نسبيًا
- نحو 13% من صادرات النفط البرازيلية يذهب إلى الولايات المتحدة
أصبحت صادرات النفط البرازيلي إلى الولايات المتحدة هدفًا جديدًا لرسوم ترمب الجمركية، إذ أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، في يوليو/تموز 2025، أن جميع الواردات البرازيلية، بما في ذلك النفط، ستخضع لرسوم جمركية بنسبة 50% بدءًا من 1 أغسطس/آب المقبل.
وينعكس تفاقم التوترات السياسية بين قادة البلدين في هذه الزيادة الكبيرة من ضريبة الـ 10% التي كانت تستثني النفط البرازيلي سابقًا.
ويُنظر إلى الإجراء على نطاق واسع على أنه إشارة اقتصادية وسياسية في ظل تصاعد التوتر الدبلوماسي، ويمثّل تغييرًا جذريًا في العلاقات الأميركية البرازيلية، ويزيد من حالة الضبابية المحيطة بالتجارة العالمية.
وتُطبَّق الرسوم على جميع الصادرات البرازيلية، بما في ذلك السلع المصنعة والمنتجات الزراعية والنفط الخام.
النفط البرازيلي والرسوم الجمركية
بعد أن كانت صادرات النفط البرازيلي معفيّة من الرسوم الجمركية، أصبحت الآن خاضعة بالكامل لضريبة الـ50%.
ولذلك، ازدادت المخاوف بشأن الانقطاعات المؤقتة بين المصدرين والمشاركين في القطاع بسبب توقيت الإعلان، الذي يأتي قبل شهر واحد فقط من بدء التنفيذ.

ونظرًا لاتّساع نطاق الصناعات المتأثرة، من المتوقع أن يكون للضريبة تأثير في كل من المصدرين البرازيليين والمستوردين الأميركيين الذين يعتمدون على السلع البرازيلية.
وتجاوزت صادرات النفط البرازيلي مؤخرًا فول الصويا، ليصبح الصادرات الرئيسة إلى الولايات المتحدة.
صادرات البرازيل من النفط
سجلت صادرات البرازيل من النفط رقمًا قياسيًا بلغ 1.78 مليون برميل يوميًا من الخام في عام 2024، إذ تلقّت الولايات المتحدة أكثر من 243 ألف برميل يوميًا، أي ما يعادل 13% من إجمالي صادراتها.
ونظرًا لأن 4% فقط من صادراتها في الربع الأول من عام 2024 تذهب إلى المستهلكين الأميركيين، فإن شركة النفط المملوكة للدولة بتروبراس (Petrobras) لديها تعامل مباشر محدود مع السوق الأميركية.
وهذا يعني أنه على الرغم من أهمية الإحصاءات الوطنية، فإن بتروبراس قد لا تتضرر مباشرةً، حسبما كان يُعتقد في البداية.
ويتوقع المحللون انخفاض هوامش الربح في العقود الفورية وانقطاعات تجارية مؤقتة في أعقاب ذلك.
ورغم المخاوف التي أعرب عنها المعهد البرازيلي للبترول والغاز، أكد أن الرسوم الجمركية لا تمثّل تهديدًا وجوديًا لقطاع النفط البرازيلي.
وعقب الإعلان، انخفضت قيمة الريال البرازيلي مقابل الدولار الأميركي، ما زاد من تكلفة الواردات على الشركات المحلية، وزاد من الضغوط المالية.
في المقابل، استجاب قطاع النفط البرازيلي باعتدال، مؤكدًا قدرته على التكيف السريع وامتصاص الصدمات الخارجية، إذ من المرجّح أن تُكثِّف البرازيل جهودها لتنويع أسواق صادراتها النفطية على المدى الطويل.
مبيعات النفط البرازيلي
تبيع البرازيل حاليًا 44% من نفطها إلى الصين، ومع توجُّه المصدرين نحو آسيا وأوروبا، من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة.
ويشير المحللون إلى أن البنية التحتية التجارية واللوجستية القابلة للتكيف في البرازيل ضرورية لتسهيل إعادة توجيه تدفقات التجارة بسرعة، وتقليل المخاطر الهيكلية.
في سعيها إلى التواصل الدبلوماسي لتخفيف التوترات وحماية المصالح الاقتصادية، ألمحت الحكومة البرازيلية إلى احتمال فرض ضرائب انتقامية على الواردات الأميركية.
ومن الناحية الإستراتيجية، تُواصل شركة بتروبراس تقييم البيئة المتغيرة، وهي ملتزمة بكسب أفضل أسواق التصدير في ظل مجموعة من الظروف الدولية.

ويبدو أن البرازيل مستعدة لتعميق روابطها في مجال الطاقة مع الأسواق الآسيوية والأوروبية المهمة في ظل تطوّر الصراع، ما سيقلل بشكل أكبر من الاعتماد على أميركا.
ويشير هذا المثال إلى مواءمة أوسع للتجارة العالمية، إذ تتأثر تدفقات الطاقة بشكل متزايد بالمخاوف الجيوسياسية.
وعلى الرغم من التكاليف قصيرة الأجل المتوقعة للرسوم الجمركية، فإن مرونة قطاع الطاقة البرازيلي ونهجه المتنوع في التصدير قد يُخفّفان من أيّ آثار طويلة الأجل.
خطط صادرات النفط البرازيلي
من خلال إعادة توجيه الصادرات وتنويعها، ستتكيف خطط صادرات النفط البرازيلي بسرعة مع الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50%.
وتتمتع البرازيل بوضع جيد لإعادة توجيه الكميات إلى أسواق بديلة طبيعية، مثل الصين، التي تستقبل حاليًا 44% من الصادرات، بالإضافة إلى أوروبا وأجزاء أخرى من آسيا، إذ لا يذهب سوى 13% تقريبًا من صادراتها من النفط الخام إلى الولايات المتحدة، بينما ترسل بتروبراس 4% فقط إلى هناك.
ويؤكد المحللون لدى شركة الخدمات المالية "بي تي جي باكتوال" البرازيلية (BTG Pactual) أن الضريبة لا تمثّل خطرًا هيكليًا على قطاع النفط البرازيلي، على الرغم من صعوبات الهامش قصيرة الأجل، خصوصًا في العقود الفورية.
بدورها، تحافظ البرازيل على قدرتها التنافسية في الصادرات من خلال السماح بالتكيف السريع مع المستهلكين الجدد والطرق البديلة بفضل بنيتها التحتية اللوجستية القوية واتفاقياتها التجارية القابلة للتكيف.
وتشعر مصادر القطاع بالتفاؤل بشأن مرونة القطاع، على الرغم من توقُّع حدوث انتكاسات قصيرة الأجل.
من ناحيتها، أقرّت بتروبراس بالتأثير المحتمل للرسوم الجمركية، وهي تعمل على تقييم الوضع بنشاط.
ويتيح حضورها المحدود في السوق الأميركية لشركة بتروبراس اغتنام فرص تصديرية واعدة، بما في ذلك إعادة توزيع المنتجات المكررة والنفط الخام على مناطق أقلّ تأثرًا بالنزاعات التجارية.
وتوفر هذه المرونة التشغيلية -إلى جانب شبكة التصدير الواسعة للبرازيل- قدرة على مواجهة التحولات المفاجئة في السياسات، مثل الرسوم الجمركية الحالية.
التخفيف من أثر الرسوم الجمركية
إلى جانب التعديلات التجارية، تُعدّ البرازيل استجابات دبلوماسية وتجارية، وقد حثّ المعهد البرازيلي للبترول والغاز (IBP) على المشاركة الدبلوماسية للتخفيف من أثر الرسوم الجمركية.
وأشار مسؤولون حكوميون إلى احتمال فرض رسوم جمركية متبادلة على الواردات الأميركية، مشيرين إلى أن النزاع قد يتطور إلى مفاوضات أوسع نطاقًا.
وفي الوقت نفسه، تستند إستراتيجية البرازيل لتصدير النفط إلى قدرتها على تنويع الأسواق، والحفاظ على المرونة اللوجستية، والنشاط الدبلوماسي لضمان استقرار القطاع على المدى الطويل في ظل الاضطرابات التجارية قصيرة المدى.
ويُنظر على نطاق واسع إلى الآثار طويلة المدى للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50% على صادرات البرازيل النفطية على أنها قابلة للإدارة.
ويتفق خبراء لدى شركة الخدمات المالية "بي تي جي باكتوال" البرازيلية والمعهد البرازيلي للبترول والغاز على أن الرسوم الجمركية ستتسبَّب في اضطرابات قصيرة المدى وضغوط على هامش الربح، لكنّها لا تهدد السلامة الهيكلية لقطاع النفط.
ويخفف التعامل المحدود لشركة بتروبراس مع الولايات المتحدة ــنحو 4% فقط من الصادراتــ من التأثير، ويحافظ على مرونة الشركة في ظل مسارات التجارة المتغيرة.
وجهات صادرات البرازيل من النفط
من المرجّح أن تُسرّع البرازيل تنويع وجهات صادراتها النفطية نحو أسواق أكثر ملاءمة، لا سيما آسيا وأوروبا.
وتُعدّ الصين -التي تستحوذ حاليًا على 44% من صادرات النفط الخام- وجهة رئيسًة للكميات المُعاد توجيهها، ويتماشى هذا التعديل الإستراتيجي مع أهداف البرازيل طويلة الأجل في مجال الطاقة، ويُقلّل من اعتمادها على أسواق حساسة سياسيًا مثل الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تُعوَّض حصة الصادرات الأميركية الحالية -التي تتراوح بين 11% و13%- بزيادة الطلب في أماكن أخرى في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا.
وإلى جانب النفط، قد تمتد الآثار الاقتصادية للرسوم الجمركية إلى العملة وقطاعات أوسع.
وانخفض الريال البرازيلي بعد الإعلان، إذ أدى انخفاض تدفقات الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة إلى زيادة حالة الضبابية الاقتصادية.
ويؤدي ضعف الريال إلى زيادة تكاليف الاستيراد والتمويل، ما قد يُضعف الاستثمار.
وتستفيد بعض القطاعات -ولا سيما قطاع الأعمال الزراعية- بشكل غير مباشر إذا خفّضت عمليات تعديل الرسوم الجمركية التضخم أو حسّنت أسعار السلع الأساسية.
وسيعتمد التأثير الاقتصادي الأوسع للبرازيل على إعادة التوازن التجاري وإدارة الاستقرار المالي على المدى القريب.

التأثير السياسي
من الناحية السياسية، تُخاطر الرسوم الجمركية بزيادة توتر العلاقات الأميركية البرازيلية.
وأشارت الحكومة البرازيلية إلى رسوم جمركية انتقامية محتملة على السلع الأميركية، التي قد تشمل قطاعات أخرى مثل اللحوم والقهوة والمنتجات المصنّعة، ما قد يؤثّر في الميزان التجاري للبرازيل وتوقعات النمو. رغم هذه التوترات، ما يزال شعور المستثمرين تجاه قطاع النفط البرازيلي قويًا نسبيًا، مدعومًا باحتياطيات مكامن ما قبل الملح منخفضة الكربون، ومرونة التصدير، والموقع الإستراتيجي لشركة بتروبراس.
وعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية تمثّل عقبات قصيرة الأجل، فمن المتوقع أن تمنع إستراتيجية البرازيل المتنوعة في التصدير والنشاط الدبلوماسي أيّ ضرر دائم للاقتصاد أو قطاع الطاقة.
وتؤدي الإجراءات الانتقامية البرازيلية المحتملة إلى تصعيد التوترات التجارية وتعطيل العلاقات في قطاع الطاقة.
مصافي التكرير الأميركية
تشمل الآثار المباشرة اضطرابات في سلسلة التوريد وارتفاع التكاليف على مصافي التكرير الأميركية، مثل إكسون موبيل وشيفرون، اللتين تعتمدان على النفط الخام البرازيلي.
ستجبر الرسوم الجمركية المتبادلة أو قيود التصدير مصافي التكرير الأميركية على البحث عن مورّدين بدلاء، ما يزيد التكاليف ويضغط على هوامش الربح، وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود المحلية.
وتأتي الإجراءات الانتقامية في سياق جيوسياسي أوسع نطاقًا من النزاعات السياسية، بما في ذلك محاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو ومزاعم التدخل الأميركي.
ويُهدد التسييس التعاون الثنائي طويل الأمد في مجال الطاقة من خلال زيادة انعدام الثقة والضبابية، ما يُعقّد المشروعات والاستثمارات المشتركة.
من ناحية ثانية، يمنح قانون المعاملة بالمثل في البرازيل أدوات تتجاوز الرسوم الجمركية، بما في ذلك تقييد الواردات الأميركية، وحظر الاستثمارات، وتعليق حقوق الملكية الفكرية للشركات الأميركية.
وتعوق الصلاحيات عمليات شركات الطاقة الأميركية، وتُؤخّر المشروعات المشتركة، وتُضعف ثقة المستثمرين. وتُحذّر غرفة التجارة الأميركية البرازيلية من اضطرابات في سلاسل التوريد وتباطؤ نمو الإنتاج، ما قد يؤثّر في التعاون الاقتصادي الأوسع.
الحلول الدبلوماسية
على الرغم من هذه المخاطر، يُدرك كلا البلدين المخاطر، ويواصلان إظهار اهتمامهما بالحلول الدبلوماسية، وتُفضّل البرازيل التفاوض مع الاستعداد لاتخاذ تدابير مضادة.
وتُحفّز شراكتهما الاقتصادية طويلة الأمد على تجنُّب الحروب التجارية المُطوّلة، بالرغم من أن تصعيد الإجراءات الانتقامية ما يزال يُشكّل تهديدًا.
وفي غياب دبلوماسية ناجحة، قد تؤثّر التداعيات في الاستثمارات والإنتاج والعلاقات الإستراتيجية على المدى الطويل.
باختصار، تُمثّل الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50% على النفط البرازيلي تحولًا كبيرًا في العلاقات التجارية الثنائية، حيث يواجه المستوردون والمصدرون صعوبات فورية.
ويذهب نحو 13% من صادرات النفط البرازيلية إلى الولايات المتحدة، التي كانت في السابق سوقًا رئيسة، ولكنها تواجه الآن ارتفاعًا في الأسعار وانقطاعًا في تدفقات التجارة.
رغم ذلك، يتمتع قطاع النفط البرازيلي بوضع جيد للتكيف بفضل لوجستياته القوية وأسواقه التصديرية المتنوعة.
توجيه صادرات النفط البرازيلي إلى أوروبا والصين
من المتوقع أن تعيد البرازيل توجيه الإمدادات المتجهة إلى الولايات المتحدة وفقًا لحقيقة أن أوروبا أصبحت سوقًا رئيسة، وأن الصين تتلقى حاليًا 44% من النفط البرازيلي.
ومن أجل الحفاظ على الأحجام وتقليل خسائر الإيرادات، أظهرت بتروبراس والمشاركون الآخرون مرونة تجارية.
وعلى الرغم من أن معظم المحللين يتفقون على أنه ستكون هناك بالتأكيد انقطاعات قصيرة الأجل، فإنه ما يزال هناك القليل من المخاطر الهيكلية طويلة الأجل على صناعة النفط البرازيلية.
وتعتمد مسارات صادرات النفط المستقبلية بين الولايات المتحدة والبرازيل على العلاقات السياسية والتجارية المتغيرة.
وعلى الرغم من أن التوترات التجارية والإجراءات الانتقامية قد تجعل الأمور أكثر صعوبة، فإن كلا الحكومتين لديهما حافز للانخراط في الحوار وتجنّب النزاعات المطولة.
وبالنظر إلى انخفاض جاذبية نظام الرسوم الجمركية للسوق الأميركية، من المتوقع أن يظلّ قطاع النفط البرازيلي قويًا بسبب قدرته على تنويع الصادرات والاستفادة من المزايا التنافسية.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- صادرات النفط البرازيلي إلى الصين والهند تنخفض بأكثر من 40%
- صادرات النفط البرازيلي إلى الصين تنتعش بسبب السعودية
اقرأ أيضًا..
- صادرات قطر من الغاز المسال ترتفع 4%.. وزيادة في واردات الكويت
- خريطة توقعات الطلب على الطاقة في الشرق الأوسط بحلول 2050 (تقرير)
- أوبك تتوقع ارتفاع تجارة النفط العالمية 6 ملايين برميل يوميًا بحلول 2030