متى اكتُشف النفط في إيران؟ أنس الحجي يكشف عن دور مهم لـ"تشرشل"
أحمد بدر

لا يعرف الكثيرون أن شركة أرامكو السعودية كانت تمتلك نحو 32% من النفط في إيران، التي بدأ التنقيب عن النفط فيها منذ سنوات طويلة.
وفي هذا السياق، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن التنقيب في بلاد فارس القديمة بدأ بحصول البريطاني ويليام دارسي على امتياز لمدة 60 عامًا مقابل 20 ألف جنيه إسترليني.
وأضاف: "منح دارسي إيران 20 ألف جنيه إسترليني أخرى، وكان هذا المبلغ -في ذلك الوقت- كبيرًا جدًا، بالإضافة إلى 20 ألف جنيه إسترليني أخرى في الأسهم، و16% من الأرباح الصافية بصفتها ريعًا".
وتابع: "شمل الامتياز كل بلاد فارس -ولاحظوا أنني أقول بلاد فارس ولا أقول إيران- لأنها هي نفسها بالإضافة إلى الولايات الـ5 المحاذية لروسيا في ذلك الوقت، أو المحاذية الآن لتركمانستان، أي أن بلاد فارس كانت أصغر مما عليه طهران الآن".
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" بعنوان: "إيران والقلاقل السياسية.. أكبر مؤثر في أسواق النفط خلال الـ115 سنة الماضية".
التنقيب عن النفط الإيراني
قال أنس الحجي إن دارسي حصل على الاستثناء للتنقيب عن النفط الإيراني، وذلك في بلاد فارس فقط، ولم يشمل الامتياز الولايات الـ5 المحاذية لروسيا، التي لاحقًا ستؤدي دورًا مهمًا ممتدًا حتى يومنا هذا.
وأضاف: "حاول دارسي كثيرًا، وبعد 7 سنوات من الفشل أفلس، فتخلى عن المشروع وباع معظم أسهمه لشركة اسمها (نفط بورما) البريطانية، إذ وقّع العقد عام 1901".
وأوضح أنس الحجي، أنه عند الحديث عن البيع إلى شركة نفط بورما، يجب إدراك أن بريطانيا -عندما تعاملت مع مستعمراتها والمعسكرات في أماكن مختلفة- كان لديها نوع من اللامركزية في الحكم.
وبالتالي، كل شيء جنوب السويس كان يتبع مركزيًا للإدارة البريطانية في الهند، وبما أنهم عدّوا أن هذا الجزء إيراني -بمجلس سليمان، وهو بالأحواز تقريبًا شمال شرق البصرة- فهذه المنطقة عُدّت تابعة لجنوب السويس، وبالتالي تابعة لإدارتها في الهند.
وجاءت شركة بورما هذه إلى إيران في عام 1908، وحاولت كثيرًا، قبل أن يأتي القرار بوقف كل شيء والانسحاب من بلاد فارس، ووصلت الرسالة بالانسحاب، فاكتُشف النفط، وهذه واحدة من أعاجيب صناعة النفط؛ لأن هذا الأمر تكرر في مناطق عدة، بما فيها السعودية.
وتابع: "دائمًا عند اللحظة الأخيرة، عندما يقرر الناس التوقف، يُكتشف النفط، وهذا فعلاً ما حصل؛ في اللحظة الأخيرة صدرت الرسالة ولكن أخذت وقتًا حتى وصلت، فكان قرار الانسحاب من فارس، ولكنهم اكتشفوا النفط حينها".
ولفت أنس الحجي إلى أن الاكتشاف التجاري الأول دائمًا يُذكر أنه في مجلس سليمان في 26 مايو/أيار من عام 1908، وعلى إثر ذلك، وبما أن الشركة أجنبية، تأسّست شركة النفط الأنجلو-فارسية، لإدارة المشروع بالاتفاق نفسه الذي أبرمه دارسي.
وبموجب الاتفاق، تحصل الحكومة الفارسية على 16% من الأرباح الصافية وفقًا للامتياز الأصلي، وكانوا بالفعل قد حصلوا على المدفوعات الأصلية مسبقًا، فلم تتبقَّ إلا الأرباح والأسهم في الشركة، وبدأت الشركة الجديدة تطور الاكتشاف وتنتج النفط.

الأسطول البحري الملكي البريطاني
قال أنس الحجي، إن عام 1912 شهد تطورًا جديدًا، بصدور قرار تحويل الأسطول البحري الملكي البريطاني من الفحم إلى النفط، وهذا من أكبر التطورات في تاريخ صناعة النفط.
لذلك، وفق الحجي، عندما نقول في العنوان إن إيران هي أكبر مؤثر في أسواق النفط على مدى 115 عامًا، فهذا صحيح، لأننا نعرض كل الأدلة التاريخية على أنها أثرت في كثير من الأمور، رغم أن جزءًا كبيرًا منها سلبي وليس إيجابيًا.
وأضاف: "البحرية البريطانية قررت أن تتحول إلى النفط، وهذا يعني مباشرة الاعتماد على النفط الإيراني. ولكن، بصفة عامة، كان السبب بسيطًا جدًا: وهو أن السفن التي تسير بالنفط أسرع من السفن التي تسير بالفحم".
وتابع: "وفي المعارك البحرية، موضوع السرعة مهم جدًا، فقد سبق الألمان وغيرهم البريطانيين بزمن في هذا المجال. وسبب تأخر البريطانيين -وهنا درس لطلاب الاقتصاد- أن بريطانيا كانت من أكبر منتجي الفحم في العالم، وعدد العاملين في صناعة الفحم كان الأكبر، وبالتالي لهم وزن سياسي واقتصادي".
وأوضح أن قائد البحرية البريطانية في ذلك الوقت كان ونستون تشرشل، وهو الذي اتخذ القرار، لتظهر مشكلة مفاجئة، وهي أن بريطانيا بالفعل لا تمتلك نفطًا، والبحرية كانت أساس انتشارها في العالم، ووسيلة التواصل مع المستعمرات، كما أنها مسؤولة عن حماية التجارة الدولية والمضائق وكل أماكن النزاعات.

لذلك، قررت الحكومة البريطانية شراء 51% من شركة النفط الأنجلو-فارسية، تحت ذريعة الأمن القومي، وهي الفكرة التي أدت دورًا كبيرًا فيما بعد، وأبرزت أهمية موضوع اليوم، وهو أن إيران كانت مصدر قلاقل عالميًا، وكانت الأكثر تأثيرًا من ناحية النفط.
ولكن الإشكالية التي حصلت بعدها أن هذه الشركة أصبحت قوية ومدعومة من الحكومة البريطانية، ولم يعد تشرشل في الحكومة، ولكنهم تذكروا أنه هو من غيّر البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط.
الغريب في الأمر، وفق أنس الحجي، أنه بمجرد أن توقف تشرشل عن العمل السياسي، وظّفته الشركة نفسها مستشارًا، لذلك، هناك بعض الأدلة التاريخية التي تشير إلى أن موافقته أصلًا على التحول من الفحم إلى النفط، لم تكن مجرد فكر سياسي وعسكري، بل يبدو أن هناك شبهة فساد إداري أيضًا.
الضغط على الحكومة الفارسية
أوضح أنس الحجي، أنه بعدما أصبح تشرشل مستشارًا للشركة، طلبوا منه الضغط على الحكومة الفارسية للحصول على امتياز نفطي في الولايات الـ5 المحاذية لروسيا، وبالتالي سيطروا على إيران -بمفهومها الحالي-.
ومع توقيع العقد وتوسيع الامتياز، جرى تجديد العقد كله؛ ليكون لمدة 60 عامًا، وهذا العقد أُبرم في عام 1933، وجرّد إيران من أي سلطة للسيطرة على إنتاج النفط وصادراته.
وأضاف: "لا أحد يعرف كيف حدث ذلك، حتى عند قراءة الكتب التاريخية في هذا الموضوع، لا يُعرف كيف وافق الإيرانيون أصلًا على توقيع مثل هذا العقد، الذي ترك آثارًا كبيرة جدًا في مستقبل بلادهم لاحقًا".

ومن أبرز آثار هذا العقد، ثورتا مصدق والخميني، وغيرهما، إذ إن فكرتَي التأميم وطرد المستعمر بدأتا من ذلك الوقت، بسبب هذا العقد المجحف الذي وُقِّع لمدة 60 عامًا، وكان الحاكم في البلاد وقتها هو رضا شاه، والد الشاه المعروف محمد رضا بهلوي.
وفي عام 1935، قرر رضا شاه تغيير اسم بلاده من فارس إلى إيران؛ لأن حكمه كان يمتد من فارس إلى الولايات الـ5 الأخرى المحاذية لروسيا، وبما أنه غيّر الاسم، فقد تغير اسم الشركة من "النفط الأنجلو-فارسية" إلى "النفط الأنجلو-إيرانية"، وذلك أيضًا في عام 1935.
موضوعات متعلقة..
- الحجي: مخزونات النفط الصينية خط دفاعي.. ولا مصلحة لإيران في تعطيل صادرات الخليج
- توقعات واردات الصين من النفط الإيراني في ضوء الحرب مع إسرائيل (تقرير)
- سيناريوهات أسعار النفط مع تدخّل أميركا في الحرب الإسرائيلية الإيرانية (تحليل)
اقرأ أيضًا..
- إيرادات دول أوبك من صادرات النفط في 2024 تتراجع 26 مليار دولار
- ارتفاع سعة تكرير النفط العالمية في 2024.. ودولة عربية ضمن الـ10 الكبار
- إنتاج الفحم في العالم يرتفع لمستوى قياسي.. وهؤلاء الـ10 الكبار
المصدر..