رئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

قطاع الطاقة الروسي يواجه تحديات عقوبات الغرب وشراكة غير متكافئة مع الشرق (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الهيدروكربونات الروسية تتدفق حاليًا عبر قنوات ضيقة مثقلة بالعقوبات والقيود اللوجستية.
  • روسيا أصبحت ثالث أكبر مورد للغاز المسال للصين في مايو الماضي.
  • مشروع روسنفط لتحويل الغاز إلى سوائل طُوِّر داخليًا وحصل على براءة اختراع كاملة.
  • فرنسا تستورد حاليًا أكثر من 4 ملايين طن سنويًا من الغاز المسال الروسي.

يواجه قطاع الطاقة الروسي تحديات متعددة؛ أبرزها تداعيات العقوبات الغربية والشراكة غير المتكافئة مع الشرق وسط تحولات جيوسياسية متسارعة.

وبعد أن كانت صادرات موسكو تمثل سابقًا ركيزة الطاقة لأوروبا، يتدفق النفط والغاز الروسي الآن عبر قنوات ضيقة، مثقلة بالعقوبات والقيود اللوجستية وفقدان الثقة.

إزاء ذلك، ينفذ الكرملين إستراتيجية ذات شقين: إعادة توجيه البنية التحتية للغاز نحو آسيا، وتجديد قطاع النفط من خلال الابتكار التكنولوجي.

ولا يُعد التحول الإستراتيجي سلسًا على الإطلاق؛ لأنه يكشف عن استعداد روسيا للتضحية بقوة التسعير والأسهم من أجل الوصول إلى الأسواق، في حين يزداد اعتمادها على النفوذ الاقتصادي للصين والجيوسياسية المعاملاتية للمشترين "المقرّبين".

خط المواجهة الجديد: باور أوف سيبيريا 2

يُجسّد خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2"، المُصمّم لنقل 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا من شبه جزيرة يامال عبر منغوليا إلى الصين، جهود الكرملين لإعادة ترسيخ صادراته من الغاز في الشرق.

ونظرًا إلى أن سعته المتوقعة تتجاوز خط "باور أوف سيبيريا" الحالي بنسبة 32%، يُعدّ خط الأنابيب بالغ الأهمية لإستراتيجية الطاقة الروسية بعيدًا عن أوروبا.

وتأمل موسكو في إتمام الصفقة التي طال انتظارها بحلول نهاية عام 2025، إلا أن بكين، مُدركةً لتقلص خيارات شركة غازبروم (Gazprom)، تُحاول جاهدةً إبرام صفقة صعبة.

وعلى الرغم من أن موسكو تسعى إلى الحصول على سعر تعاقدي قدره 350 دولارًا أميركيًا لكل 1000 متر مكعب، تُقدّم الصين أقل من 60 دولارًا أميركيًا، وهي فجوة هائلة تُؤكّد هيمنة بكين.

محطة تابعة لشركة غازبروم في جمهورية ساخا الروسية
محطة تابعة لشركة غازبروم في جمهورية ساخا الروسية – الصورة من بلومبرغ

ويتوقع المحللون حلًا وسطًا في نطاق 250-300 دولار أميركي، وهو لا يزال أقل بكثير من متوسطات السوق الفورية الأوروبية التاريخية.

وبعد ازدياد التوتر بين إيران وإسرائيل في ربيع عام 2025، أصبحت بكين حذرة من اعتمادها على تدفقات الغاز المسال من الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز، وهو منطقة معرّضة لتصعيد الصراع، وقد دفع هذا إلى اتجاه إستراتيجي نحو إمدادات برية أكثر أمانًا من روسيا.

وتُعد واردات الغاز الصينية من روسيا آخذة في الارتفاع حاليًا، فوفقًا لبيانات الجمارك الصينية، ارتفعت تدفقات الغاز عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا" الأصلي بنسبة 24% في الأشهر الـ5 الأولى من عام 2025، وأصبحت روسيا ثالث أكبر مورد للغاز المسال للصين في مايو/أيار الماضي؛ بعد أستراليا وقطر.

وعلى الرغم من النمو؛ فإن هذا التوجه شرقًا ليس حلًا سحريًا لشركة غازبروم، التي تتاجر فعليًا بالحجم مقابل القيمة؛ حيث تستبدل أسعار السوق الفورية الأوروبية المربحة بعقود طويلة الأجل تهيمن عليها الشروط الصينية.

إضافة إلى ذلك، لا تزال آليات التسعير دون حل؛ فبينما تُفضّل روسيا صيغًا مرتبطة بخام برنت، تُشير التقارير إلى سعي الصين إلى معايير تسعير صناعية محلية قد تُخفّض هوامش الربح بشكل كبير.

وبالنظر إلى تغير المنظور الجيوسياسي، لا يُعد خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" رمزًا للتحالف، بل ضرورة إستراتيجية.

وعلى الرغم من أن بكين تحصل على ضمانات بتنوع الإمدادات، وتكتسب موسكو استمرارية السوق؛ فإن الصين ستُملي الشروط.

وقد ينقل خط الأنابيب هذا الغاز الروسي، الذي سيتدفق وفق اعتبارات بكين الجيوسياسية.

النفط الروسي تحت الحصار

يتعرّض قطاع النفط الروسي لضغوط متعددة الاتجاهات؛ إذ استهدفت العقوبات الغربية، التي فُرضت ضمن 17 حزمة شاملة من الاتحاد الأوروبي، صادرات النفط الخام، وسقوف الأسعار، والتأمين، والخدمات اللوجستية للشحن.

رغم ذلك؛ فلا تزال دول الاتحاد الأوروبي رابع أكبر مستهلك للنفط الروسي؛ حيث اشترت ما يزيد على 20 مليار يورو (23.41 مليار دولار) من النفط الخام منذ عام 2023، غالبًا من خلال وسطاء أو إمدادات مُعاد تسميتها.

ولحماية قاعدة إيراداتها النفطية، تبتكر روسيا من الداخل، وفي منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي لعام 2025، كشف الرئيس التنفيذي لشركة روسنفط (Rosneft) إيغور سيتشين، عن مبادرة الشركة لتحويل الغاز إلى سوائل (GTL) باعتبارها ركيزة الإستراتيجية الجديدة.

وطُوّر مشروع روسنفط لتحويل الغاز إلى سوائل داخليًا وحصل على براءة اختراع كاملة، ويدخل الآن حيز التنفيذ في شبه جزيرة تايميار.

وتُحوّل هذه العملية الغاز الطبيعي إلى نفط خام صناعي خالٍ من الكبريت، مناسب للخلط والتصدير إلى الأسواق المتميزة.

بدوره، قدّم سيتشين رمزيًا قارورة من النفط المشتق من تحويل الغاز إلى سوائل، ووصفها بأنها مكونة من "جزيئات هيدروكربونية نقية".

محطة تصدير النفط الخام كوزمينو في خليج ناخودكا في روسيا
محطة تصدير النفط الخام كوزمينو بخليج ناخودكا في روسيا - الصورة من رويترز

إلى جانب ذلك، تحدّى سيتشين في مداخلته، بعنوان "ملحمة أوديسة الاقتصاد العالمي بحثًا عن الصوف الذهبي"، المعتقدات التقليدية للتحول الأخضر الغربي.

وأوضح أن تحولات الطاقة عبر التاريخ -من الخشب إلى الفحم، ومن الفحم إلى النفط- كانت تراكمية، وليست طرحية.

وانتقد سياسة الاتحاد الأوروبي لإزالة الكربون ذات الدوافع الأيديولوجية، لتجاهلها فروق كثافة الطاقة، واختناقات البنية التحتية، والزيادة الكبيرة في الطلب العالمي المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، ومراكز البيانات الصناعية.

ومن الجدير بالذكر أن سيتشين استشهد بتوقعات وكالة الطاقة الدولية (IEA) التي تُظهر أنه بحلول عام 2030، ستستهلك مراكز البيانات أكثر من 1000 تيراواط/ساعة؛ وهو مستوى يُضاهي إجمالي طلب اليابان على الكهرباء.

وحذّر من أن تعدين العملات المشفرة وحده يتجاوز، حاليًا، استهلاك بولندا للكهرباء.

وتتمثل النتيجة المترتبة على ذلك في أن الحاجة إلى الوقود الأحفوري والطاقة النووية لن تكون على الرغم من التحول الرقمي؛ بل بسببه.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يضغط لوضع سقف لسعر النفط عند 45 دولارًا للبرميل؛ فإن الولايات المتحدة تُقاوم ذلك خوفًا من أن يُضعف أسعار المُصدرين المحليين.

من جهتها، تُقلل شركات بي بي وشيفرون، وحتى أرامكو، من عمليات إعادة شراء الأسهم أو تلجأ إلى الاستدانة لدعم توزيعات الأرباح؛ ما يعكس ضغوطًا على هامش الربح على مستوى القطاع.

في المقابل، تسعى روسنفط إلى ترسيخ مكانتها كرائدة في مجال التكنولوجيا، وليس مجرد مُورّد للسلع.

أوروبا والغاز الروسي

على الرغم من ادعاءات استقلال أوروبا في مجال الطاقة؛ فإن تخليها عن الغاز الروسي لا يزال ناقصًا ومجزًأ ومليئًا بالتناقضات.

وتواجه خطة المفوضية الأوروبية التفصيلية للتخلص من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2027 مقاومة؛ ليس من دول مشتبه بها كالمجر وسلوفاكيا، بل من فرنسا وبلجيكا، اللتين ترتبط مرافقهما ارتباطًا وثيقًا بعقود طويلة الأجل للغاز المسال ومشروعات مشتركة مع شركة نوفاتيك (NOVATEK).

على سبيل المثال، تمتلك شركة توتال إنرجي 19% من نوفاتيك، و20% من مشروع يامال للغاز المسال، و10% من مشروع أركتيك للغاز المسال 2، ويخضع الأخير لعقوبات أميركية.

تستورد فرنسا حاليًا أكثر من 4 ملايين طن سنويًا من الغاز المسال الروسي، ولا تزال محطة زيبروغ البلجيكية ملزمة تعاقديًا باتفاقيات إعادة الشحن.

وتدفع المسؤوليات القانونية، والانكشاف المالي، والتبعيات المرتبطة بشبكات إعادة التغويز، باريس وبروكسل إلى المطالبة بـ"ضمانات اقتصادية وقانونية" قبل إقرار حظر كامل.

منصة للغاز المسال تعمل بالجاذبية بمنطقة مورمانسك، في روسيا
منصة للغاز المسال تعمل بالجاذبية بمنطقة مورمانسك في روسيا – الصورة من رويترز

وفي الوقت نفسه؛ فقد مركز غازبروم التركي للغاز، الذي كان يُروَّج له سابقًا، زخمه، واقتُرح إنشاء هذا المركز بعد تخريب خط أنابيب نورد ستريم عام 2022، وكان من المقرر أن يُعيد تعبئة الغاز الروسي جزيئات مجهولة المصدر تتدفق إلى أوروبا.

تجدر الإشارة إلى أن أنقرة، التي تشتري ما يقرب من نصف استهلاكها السنوي البالغ 50 مليار متر مكعب من روسيا، تُفضل إعادة البيع، على الاستثمار المشترك.

ومع انتهاء العقود طويلة الأجل مع شركة بوتاش (BOTAS) في 2025-2026، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.

ولم يُراعِ هذا المركز، الذي أصبح الآن مجرد إرث سياسي أكثر منه آفاقًا تجارية، إعادة توجيه أوروبا المتزايدة نحو الغاز المسال، وتنويع تركيا المتزايد لوارداتها من الغاز.

ويُظهر تخزين الغاز تحت الأرض في أوروبا صورةً مُقلقة؛ إذ تتراوح مستويات التعبئة الإجمالية حول 53%، في حين تتخلف ألمانيا عند 45%؛ ما يُثير المخاوف قبل حلول فصل الشتاء.

من ناحية ثانية، تُهدد الصيانة الدورية لخط أنابيب "ترك ستريم" وخطوط الأنابيب الأخرى بإبطاء ضخ الغاز خلال ذروة الطلب الصيفي.

وارتفعت أسعار الغاز الفورية بنسبة 10-15% مقارنةً بنهاية أبريل/نيسان الماضي، مع وجود تهديد وشيك بنشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط؛ ما يُعَد محفزًا صعوديًا.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتحقيق هدف ملء 90% من الغاز المسال؛ فإن بعض الحكومات تطالب بخفضه إلى 80%؛ خوفًا من اضطراب السوق وأزمات القدرة على تحمل التكاليف.

ودون تدفقات قوية من الغاز المسال -وفي غياب العبور الأوكراني- ستحتاج أوروبا إلى تحمل تكاليف أعلى، وتجاوز تقلبات الأسعار الفورية، وقبول الاعتبارات السياسية للواردات الروسية المتبقية عبر عقود طويلة الأجل.

التحول الكبير في قطاع الطاقة الروسي

يتواصل التحول الكبير في قطاع الطاقة الروسي، ولكن بثمن، وسترتفع صادرات الغاز إلى الصين، ولكن بشروط بكين، لا موسكو.

وستكتسب الصين إمدادات آمنة، ونفوذًا تسعيريًا، وتنويعًا إستراتيجيا، في حين تقبل روسيا بهوامش ربح منخفضة وتبعية إستراتيجية.

وفي مجال النفط، تُبدع روسيا في مجال تسييل الغاز، لكن خامها لا يزال مخفض السعر، وخاضعًا للعقوبات، ومُقاطعًا بشكل انتقائي، ومع ذلك لا يزال يتدفق إلى أوروبا.

من جانبه، يكتشف الاتحاد الأوروبي عن أن الفضيلة الجيوسياسية مكلفة؛ فالتخلي الكامل عن الطاقة الروسية يُهدد بتفكك اقتصادي، وإشكالات قانونية، ونقص في الإمدادات في الشتاء.

ونتيجة ذلك، تبخّر حلم إنشاء مركز غاز تركي، وانتهى النقل الأوكراني، والبنية التحتية للغاز المسال تحت ضغط.

وأسفر ذلك عن نظام طاقة عالمي مُجزأ ومتعدد السرعات، حيث لم تعد روسيا القوة العظمى في مجال الطاقة كما كانت في السابق، ولكنها لم تعد خارج اللعبة، حيث يُعاد توجيه هيدروكربوناتها، وإعادة تعبئتها، وإعادة تسعيرها.

إن ما يبرز ليس عزلة الطاقة، بل تجزئة الطاقة، في عالم من الأنظمة المتوازية، والعقود غير المتكافئة، والمساومات الجيواقتصادية؛ حيث يصعب الاستغناء عن الوقود الأحفوري، حتى مع تراجع قبوله السياسي.

وبالنسبة لمحترفي الطاقة، يعني هذا إعادة ضبط نماذج المخاطر، وافتراضات العرض، وإستراتيجيات التسعير.

أما بالنسبة للوزراء؛ فيتطلب الأمر دبلوماسية جديدة للبنية التحتية، وتنويعًا في المشتريات، وجداول زمنية واقعية للتحول الطاقة.

وبالنسبة للتجار؛ فإن المستقبل ليس ملكًا لمن يستبعدون المخاطر، بل لمن يستطيعون فهمها.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق