حساب البصمة الكربونية لمحطات مياه الشرب.. خطوة مصرية لمواجهة تغير المناخ
داليا الهمشري

يُعدّ حساب البصمة الكربونية للمنشآت والأفراد جزءًا من الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى مواجهة تغير المناخ والحدّ من الانبعاثات الكربونية.
وفي هذا الإطار، بدأت شركة مياه الشرب بالإسكندرية في مصر تنفيذ مشروع رائد -اطّلعت على تفاصيله منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- لحساب البصمة الكربونية لمحطاتها التشغيلية.
ويمثّل المشروع خطوة عملية نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتعزيز كفاءة استعمال الموارد.
ويأتي هذا التوجه تماشيًا مع التزامات مصر باتفاق باريس للمناخ، وسعيها نحو الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، إذ يُعدّ قطاع المياه أحد القطاعات الحيوية التي تستهلك الطاقة وتولّد انبعاثات غير مباشرة تؤثّر بالبيئة.
أهداف التنمية المستدامة
تسعى الشركة إلى قياس تلك الانبعاثات وتحليلها وفقًا لميثاق غازات الاحتباس الحراري (GHG Protocol)، أحد أهم الأطر العالمية المعتمدة في هذا المجال، بهدف خفضها ووضع خطط للتحسين والتطوير.
ومن جانبها، أكدت المديرة العامة للبحوث والتطوير بشركة مياه الشرب بالإسكندرية، الدكتورة ميسه صلاح الدين، أن هذه الخطوة تأتي في سياق رؤية أشمل لتقليل الانبعاثات الناتجة عن تشغيل محطات المياه، وتحقيق التزامات الدولة تجاه أهداف التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ.
وتُعرف البصمة الكربونية بأنها الكمية الإجمالية من الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز) التي تصدرها محطة مياه خلال عملياتها التشغيلية، وتُحسَب بوحدة "مكافئ ثاني أكسيد الكربون" سنويًا، ما يتيح معرفة الأثر البيئي الحقيقي للأنشطة المختلفة داخل المحطة.
وأوضحت الدكتورة ميسه -في دراستها للمشروع التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- أن خطوات حساب البصمة الكربونية لأيّ مؤسسة تجري وفق منهجية دقيقة على 5 مراحل رئيسة، هي:
- تحديد مصادر الانبعاث: التي تُصنَّف إلى 4 أنواع رئيسة، هي:
- احتراق ثابت (مثل الغلايات والأفران).
- احتراق متنقل (في وسائل النقل والمركبات).
- انبعاثات العمليات (من التفاعلات الكيميائية أو الصناعية).
- انبعاثات متسربة (من المعدّات أو الأبراج أو الصرف الصحي).
-
تصنيف الانبعاثات حسب النطاق
وتُقسَّم الانبعاثات وفقًا لميثاق GHG إلى:
- نطاق 1: انبعاثات مباشرة من العمليات المملوكة للشركة.
- نطاق 2: انبعاثات غير مباشرة ناتجة عن شراء الكهرباء أو الطاقة.
- نطاق 3: انبعاثات غير مباشرة من سلسلة التوريد أو النقل أو الخدمات.
-
جمع البيانات التشغيلية
ويشمل ذلك: استهلاك الكهرباء والوقود، واستعمال المواد الكيميائية (مثل الكلور والشبة والجير)، واستهلاك المضخات والمرشحات، والانبعاثات الصادرة عن النقل والتخلص من الرواسب.
-
تطبيق عوامل الانبعاث
تُضرَب الكميات المستهلكة في "عامل انبعاث" محدد مسبقًا لكل نشاط.
-
تحليل النتائج ووضع خطة للتحسين
تحلّل الفرق الفنية البيانات لتحديد أكثر مصادر الانبعاث تأثيرًا، ووضع خطط تحسين مثل: استعمال الطاقة الشمسية، وتحسين كفاءة المضخات، وتقليل استهلاك الكيماويات.
ضمان جودة البيانات
أوضحت الدكتورة ميسه أن ميثاق GHG يستند إلى 5 مبادئ رئيسة، لضمان جودة البيانات:
1- الملاءمة: توفير بيانات دقيقة وذات صلة لصنّاع القرار.
2- الاستيفاء: جمع بيانات شاملة قدر الإمكان مع توثيق الثغرات.
3- الاتّساق: توحيد منهجية الحساب للمقارنة عبر الزمن.
4- الشفافية: توثيق جميع العمليات والمعايير والافتراضات.
5- الدقة: تقليل نسب الخطأ وعدم اليقين إلى أدنى حدّ.
أدوات المساعدة والتحليل
أشارت الدكتورة ميسه إلى اعتماد شركة مياه الشرب بالإسكندرية على بعض الأدوات والبرامج في قياس بصمتها الكربونية، مثل:
1- GHG Protocol Calculator:
هو أداة مبنية على ميثاق غازات الاحتباس الحراري (Greenhouse Gas Protocol)، وهو الإطار الدولي الأكثر اعتمادًا لحساب انبعاثات الكربون.
وهذا الميثاق يمكّن المؤسسات من حساب الانبعاثات في النطاقات الثلاثة (1، 2، 3) استنادًا إلى بياناتها التشغيلية مثل استهلاك الكهرباء والوقود والأنشطة الصناعية.
ويُستعمل على مستوى الشركات والمؤسسات لتقدير إجمالي انبعاثاتها ووضع تقارير بيئية رسمية.
2- Carbon Footprint Calculator:
هو مصطلح عامّ يشير إلى أيّ أداة إلكترونية أو برمجية تُستعمَل لحساب البصمة الكربونية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
وينقسم إلى عدّة أنواع، هي:
- أدوات بسيطة للأفراد (مثلاً: حساب انبعاثات السيارة أو السفر أو استهلاك الكهرباء).
- أدوات أكثر تعقيدًا للمؤسسات (تشمل أنشطة إنتاج، نقل، طاقة، مخلفات).
- جهات التطوير: تتوفر هذه الأدوات من منظمات بيئية، مثل: وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، والأمم المتحدة، والشركات الاستشارية البيئية.
3- برنامجا SimaPro وOpenLCA:
هما برنامجان احترافيان لتحليل دورة الحياة البيئية (LCA – Life Cycle Assessment)، ويُستعملان لتقييم الأثر البيئي الكامل لأيّ منتج أو عملية أو منشأة.
وبرنامج SimaPro طُوِّرَ في هولندا، ويستعمل من قبل الشركات الكبرى والباحثين لتحليل دورة حياة المنتج، بدءًا من المواد الخام حتى التخلص النهائي.
بينما يُعدّ برنامج OpenLCA مفتوح المصدر ومجانيًا، يدعمه المجتمع البحثي والأكاديمي، وهو مناسب للمؤسسات التي تبحث عن أداة مرنة دون تكاليف تراخيص.
وبينما يركّز برنامجا GHG Protocol Calculator وCarbon Footprint Calculator على الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة، فإن برنامجي SimaPro وOpenLCA يوفران رؤية أشمل للأثر البيئي (ماء، طاقة، نفايات، سمية، وغيرها)، وليس فقط الكربون.

وترى الدكتورة ميسه أن هذا التوجّه يمثّل نقلة نوعية في قطاع المياه بمصر، لا سيما في ظل التوسع الحضري واحتياجات السكان المتزايدة.
وتهدف شركة مياه الشرب بالإسكندرية إلى تحويل محطاتها لكيانات ذات كفاءة بيئية عالية، في خطوة تعكس التزامًا عمليًا بالتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
موضوعات متعلقة..
- البصمة الكربونية.. طرق القياس ووسائل خفض الانبعاثات (مقال)
- البصمة الكربونية لصناعة الألواح الشمسية.. 4 أسئلة تكشف عن الأثر البيئي
- خفض البصمة الكربونية في الزراعة.. تقنية ليبية جديدة
اقرأ أيضًا..
- مناورة الغاز الإسرائيلي ورفع الأسعار.. تحرك عاجل من مصر
- أوابك تكشف سبب انخفاض أسعار النفط
- أنس الحجي: سوء بيانات أسواق النفط يتفاقم مع عقوبات ترمب ورسومه الجمركية