أنس الحجي: بيانات أسواق النفط متدهورة.. وهذا دور "الصخري الأميركي"
أحمد بدر

يؤدي سوء حالة بيانات أسواق النفط إلى كوارث كبيرة، لا سيما أن تجارة النفط الخام تعدّ الأكبر عالميًا، ولا يمكن أن تنافسها أيّ سلعة أخرى، خاصة في حالة ارتفاع الأسعار.
وفي هذا السياق، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن تجارة النفط هي الأكبر في العالم، إذ لا توجد سلعة في العالم تضاهيها.
وأضاف: "عندما كانت الأسعار مرتفعة، كانت التجارة بحدود تريليونَي دولار، والآن انخفضت إلى نحو 1.2 إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا"، وهو ما أظهرته بيانات أسواق النفط.
لذلك، وفق الحجي، فالحديث هنا عن أكبر تجارة عالميًا، تعتمد بشكل كبير على بيانات أسواق النفط، إذ إن هناك أسواقًا تشهد تجارة دائمة، وتحتاج إلى بيانات، وهناك دول منتجة وأخرى مستهلكة تحتاج إلى بيانات.
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا) بعنوان: "مشكلة تدهور جودة بيانات أسواق النفط وأثرها في دول الخليج".
الحاجة إلى بيانات أسواق النفط
قال أنس الحجي، إن الحاجة إلى بيانات أسواق النفط تتزايد، لا سيما في ظل وجود منظمة أوبك وتحالف أوبك+، وكذلك كل جهة تُصدر توقعات بأيّ شكل للأسواق، ولأيّ نوع من المنتجات النفطية.
لكن، وفق الحجي، المشكلة أن هذه البيانات -أو نوعية هذه البيانات وجودتها- تدهورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، والمشكلة الأكبر تاريخيًا أن بيانات أغلب دول العالم تأتي متأخرة، وبعضها يأتي متأخرًا عامين أو 3 أعوام.
لذلك، وبسبب ندرة البيانات، وجد بعض الأذكياء فرصة في استعمال التقنية وأساليب مختلفة لمراقبة شحن السلع، ومن ثم يمكن الحصول على البيانات بسرعة ودقة، وقبل الحكومات بوقت طويل جدًا.
وأضاف: "حتى الدول التي لا تُصدر أيّ بيانات على الإطلاق، يمكن الحصول على بياناتها من خلال بيانات المواني والشحن".
وأوضح أن هذه المشكلة تاريخية ومعروفة، لكن الأمور ساءت بشكل كبير منذ عام 2017، والسبب هو ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وتابع: "هنا أودّ أن أُفرّق بين النفط التقليدي والنفط الصخري والصخر النفطي.. فالنفط التقليدي، مثل الموجود في دول الخليج، عبارة عن نفط مهاجر، وُلِد بمكان ما، وبعد تحولات كبيرة عبر السنين، وكانت الصخور مسامية، فهاجر، وكانت هجرته من مكان إلى آخر حتى وصل إلى منطقة كتيمة وحُبِس فيها.. وتُثقَب الأرض بالحفر العمودي للوصول إليه واستخراجه".
أمّا النفط الصخري، وفق الحجي، فهو -من ناحية النوعية- نفط، ولكن طريقة استخراجه تختلف تمامًا، إذ يجري الذهاب إلى الصخرة الأم لأنه انحبس فيها لأن المسامات ضيقة جدًا، أو لا توجد مسامات، ومن ثم لم يستطع الهجرة، لذلك تُفَتَّت وتُكَسَّر من الداخل بطريقة "التكسير المائي"، بحيث ينساب النفط والغاز والهيدروكربونات منها.
وأردف: "بما أن طريقة الاستخراج تختلف، فما يمكن الحصول عليه يختلف، إذ إن النفط المهاجر يكون محصورًا في منطقة كتيمة، ومع الحفر يخرج النفط مع قليل من الغاز، لكن عند الذهاب للصخرة الأم يكون كل شيء موجودًا، النفط بأنواعه والغاز بكل أنواعه، وهو أحد أسباب سوء حالة بيانات أسواق النفط".
وبالنسبة للنوع الثالث، وهو الصخر النفطي، فهو قريب من الفحم، ولكنه ليس صلبًا مثله، والنفط المستخرج منه من أجود أنواع النفط في العالم وأنقاها، لكن تكلفة استخراجه عالية جدًا، تتجاوز 100 دولار للبرميل، ويوجد في أماكن عدّة حول العالم، وأغلب الاحتياطيات موجودة في الصين وأميركا، وبعض المناطق العربية مثل الأردن.
النفط الصخري الأميركي
أشار أنس الحجي إلى أن النفط الصخري الأميركي يمثّل أزمة بالنسبة لبيانات أسواق النفط، إذ إن الإشكال في النفط الصخري، في البئر الذي يُحفَر، أن جزءًا كبيرًا منه غازات وسوائل غازية.
وأضاف: "مثلًا، في البئر التقليدية، نفترض أن 90% أو 95% نفط، و5% غاز وسوائل غازية.. أمّا في البئر الصخرية -حاليًا- يكون هناك تقريبًا 60% نفط و40% غاز وسوائل غازية".
وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة أن المشكلة بدأت مع بداية صناعة النفط منذ أكثر من 150 عامًا، عندما بدأت الولايات فرض ضرائب على النفط.
وتابع: "أغلب النفط الموجود في أمريكا مملوك ملكية خاصة، أي إن من يملك الأرض أو المزرعة يملك النفط تحت الأرض، فبدأت الولايات تفرض ضرائب، لأن هذا يُعدّ دخلًا لصاحب المزرعة أو الشركة المنتجة".
وتبنّت الولايات نظامًا ضريبيًا مبنيًا على وجود 3 صناديق:
- الصندوق الأول: إيرادات النفط.
- الصندوق الثاني: إيرادات الغاز.
- الصندوق الثالث: إيرادات الغازات السائلة.
ووضعت الولايات تعريفًا أن الغازات السائلة هي التي تُستخرج من آبار الغاز، لأنها -عند الحفر في مناطق لاستخراج الغاز- في آبار الغاز غير المصاحب، تخرج معه سوائل غازية.
وبحسب الحجي، فقد استمر هذا النظام لسنوات طويلة، وعندما قررت الحكومة الفيدرالية إنشاء وزارة الطاقة الأميركية، أنشؤوا معها إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ولكن الوزارة لم تكن لديها أيّ معرفة أو بيانات أو خبرة، فكان الحل الوحيد أن تتواصل مع الولايات النفطية للتعلم وأخذ البيانات منها، فورثت عنها النظام الضريبي نفسه، ومن ثم تقُسَم بناءً على "نفط، وغاز، وسوائل غازية".
ومن ثم، تُصدر إدارة معلومات الطاقة هذه المعلومات بشكل دوري ودائم، بناءً على هذا التقسيم، ومنذ عام 1977 حتى عام 2010 أو 2011 تقريبًا، لم تكن هناك أيّ مشكلة، وكان النظام يعمل بشكل ممتاز.
ولكن عندما جاء النفط الصخري، ظهرت المشكلة في بيانات أسواق النفط، وتمثلت في أن السوائل الغازية بكميات كبيرة، لكن تعريفها لا يتطابق معها، فالتعريف -في الصندوق الثالث- يقول، إنها تُستخرج من بئر غاز، والآن لدينا سوائل مستخرجة من بئر نفط.
ولأن الموظفين الحكوميين تعساء، ولا يريدون العمل، وكانت البيروقراطية الأميركية شديدة، فقد اتخذ مسؤول قرارًا بأن تضاف هذه السوائل الغازية إلى صندوق النفط، ما أحدث ارتباكًا شديدًا في بيانات أسواق النفط.
وأردف: "وعليه، كانت هناك زيادات كبيرة في إنتاج النفط الأميركي، ولكن جزءًا منها لم يكن نفطًا أصلًا، وإنما أضيفت الأرقام له لأن هؤلاء الموظفين لا يريدون العمل، أو لا يريدون إنشاء صندوق رابع متخصص للسوائل الغازية المستخرجة من آبار النفط".
مشكلات بيانات أسواق النفط
قال أنس الحجي، إن المشكلة الأولى في بيانات أسواق النفط حدثت بسبب عدم تخصيص صندوق رابع للسوائل الغازية المستخرجة من آبار النفط، والحديث هنا خصوصًا عن سوء حالة البيانات.
وأشار إلى أنه مع الزيادة الضخمة في إنتاج النفط الصخري، التي كانت من الصفر تقريبًا، وفي عام 2017 بحدود 8 ملايين برميل يوميًا، جاءت معها كمية ضخمة من السوائل الغازية التي عُدَّت نفطًا، ولكنها ليست كذلك.

ولفت خبير اقتصادات الطاقة إلى أن الشركات لا تعدّ هذه السوائل نفطًا، وعند مطالعة بياناتها فهي لا تتطابق مع بيانات الحكومة الأميركية، وهو ما خلق مشكلة كبيرة في بيانات أسواق النفط.
وأضاف: "عندما أتوقع، وأقول بناءً على كل المعلومات التي عندي، إن إنتاج النفط الأميركي سيزيد بمقدار 800 ألف برميل يوميًا، ثم تصدر البيانات وتُظهر زيادة 1.2 مليون برميل، يتّهمني الناس بالخطأ، بينما الـ400 ألف الإضافية سوائل غازية نشرتها الحكومة على أنها نفط".
أمّا المشكلة الثانية، فهي أن هذه السوائل الغازية لن يشتريها أحد على أنها نفط، بل سيشتريها لاستعمالها في البتروكيماويات، أو أغراض أخرى، أو لمزجها مع النفط الثقيل، لذلك فهي تُصنَّف بأنها سوائل غازية، ولكنها في البداية كانت مصنَّفة بأنها نفط خام.
وهنا تُخلق مشكلة أخرى لبيانات أسواق النفط، فالأرقام لا تتطابق مع بعضها، إذ هناك معروض وهناك طلب، ولكن المعروض لا يتطابق مع الطلب؛ لأن الطلب مسجّل على أنه سوائل غازية، والمعروض مسجّل على أنه نفط خام.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: بيانات أسواق النفط تتدهور.. وهذه حقيقة انخفاض الصادرات السعودية
- أنس الحجي: أسواق النفط تشهد أزمة بيانات كبيرة بسبب ثورة الصخري
- هل تتأثر أسواق النفط العالمية بسوء البيانات؟ أنس الحجي يجيب (صوت)
اقرأ أيضًا..
- الطاقة الشمسية تضيئ القصر الحكومي في العراق
- أبرز 5 مناجم في الجزائر.. أرقام عن مليارات الأطنان من ثروات التعدين
- مصر تستعد لفصل الصيف بشحنات قياسية من المازوت والديزل
المصدر..