3 خبراء: تصدير الهيدروجين المسال نقلة نوعية لـ"عُمان".. وفرص واعدة لدول الشرق الأوسط
داليا الهمشري

يُعدّ تصدير الهيدروجين المسال أحد أبرز ملامح التحول الإستراتيجي في سلطنة عمان، لا سيما بعد توقيعها في أبريل/نيسان 2025، اتفاقية تاريخية لتطوير أول ممر تجاري عالمي للهيدروجين المسال.
ويربط هذا الممر بين ميناء الدقم في السلطنة وميناء أمستردام في هولندا، وصولًا إلى مراكز لوجستية محورية في ألمانيا مثل ميناء دويسبورغ.
وأكد خبراء -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن هذه الاتفاقية، التي شاركت فيها شركات هايدروم وأوكيو وميناء الدقم تمثّل خطوة محورية لترسيخ موقع السلطنة بصفتها مركزًا عالميًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر.
وتسعى السلطنة للاستحواذ على حصة مؤثرة في سوق الطاقة النظيفة العالمية، بإنتاج مستهدف يبلغ 1.25 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، واستثمارات تُقدّر بنحو 49 مليار دولار.
نقلة نوعية
أكد المدير العالمي لقطاع الهيدروجين في شركة شارت إندستريز (إحدى الشركات العالمية الرائدة في تقنيات تسييل ونقل الهيدروجين) المهندس صلاح مهدي، أن خطوة سلطنة عمان نحو إنشاء أول ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين المسال، يربطها بكل من هولندا وألمانيا، تمثّل نقلة نوعية ورؤية استباقية تجمع بين الطموح والواقعية.
وأضاف أن هذا الاتفاق التاريخي يبعث برسالة واضحة إلى العالم مفادها أن سلطنة عمان لا تكتفي فقط باستكشاف فرص الهيدروجين، بل تتحرك لتطبيقه على نطاق فعلي واسع.
وأكد أن هذا المشروع يعكس اتجاه السلطنة لتكون لاعبًا رئيسًا في اقتصاد الهيدروجين العالمي، مستفيدةً من مواردها الطبيعية الممتازة من طاقتي الشمس والرياح، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، إضافة إلى شراكاتها القوية مع الدول الأوروبية.
وأوضح مهدي أن نجاح هذا الممر يتوقف على 3 عوامل رئيسة، هي:
- القدرة على زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر وتسييله بشكل فعّال من حيث التكلفة.
- تطوير بنية تحتية موثوقة تشمل التسييل، والشحن، وإعادة التغويز.
- مواءمة هذه الجهود مع سياسات الطلب والطاقة في أوروبا.
وقال: "إذا ما أُحسِن تنفيذ هذا المشروع -وهو ما يتضح في المؤشرات الأولية-، فإن هذا الممر قد يتحول إلى نموذج يُحتذى به في تجارة الهيدروجين بين القارات".
نموذج عالمي لتجارة الهيدروجين
يرى المهندس صلاح مهدي -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن اختيار سلطنة عمان لتقنية الهيدروجين المسال (LH₂) يُعدّ اختيارًا إستراتيجيًا.
وأضاف أن الهيدروجين المسال يتيح النقل بكميات كبيرة عبر مسافات طويلة، ويمكن أن يسير على خُطى نموذج الغاز الطبيعي المسال (LNG)، مما يجعله خيارًا قابل للتوسع، ويمكن تداوله، كما يمكن أن تزداد جدواه الاقتصادية بفضل التقدم السريع في تقنيات التبريد العميق.
وأضاف أنه في ظل وجود منظومة متكاملة تضم إنتاجًا واسع النطاق للهيدروجين الأخضر، وتقنيات تسييل متطورة، وشحن خاص بالحاويات المبردة، ومنشآت لإعادة التغويز في أوروبا، يمكن لهذا المشروع أن يصبح نموذجًا عالميًا لتجارة الهيدروجين، وشريانًا للطاقة النظيفة يربط الشرق الأوسط بأوروبا.
وفيما يخصّ وسائل النقل، أوضح مهدي أن اختيار الوسيلة الأنسب لتصدير الهيدروجين يعتمد على الجغرافيا والمسافة، لافتًا إلى أنه بالنسبة للمسافات القصيرة أو التوزيع داخل القارات، تُعدّ خطوط الأنابيب هي الخيار الأكثر كفاءة من حيث التكلفة، نظرًا لانخفاض الفاقد من الطاقة وسهولة التشغيل.
ولكن حين يتعلق الأمر بالتجارة بين القارات -كما هو الحال من سلطنة عمان إلى أوروبا-، فإن خطوط الأنابيب ليست خيارًا عمليًا، وهنا يأتي دور الهيدروجين المسال، الذي يمكن نقله عبر المحيطات باستعمال ناقلات متخصصة، مثل الغاز الطبيعي المسال.
وقال، إن خيار التسييل والشحن البحري يمثّل الحل الأنسب في الوقت الراهن للنقل العابر للقارات.
مشروعات واعدة
أكد المهندس صلاح مهدي أن هناك عدّة دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدرس مشروعات مشابهة لتصدير الهيدروجين المسال.
وأضاف أن شركة شارت إندستريز (Chart Industries ) تعمل -حاليًا- مع عدد من المطورين في هذه الدول لإنتاج وتسييل الهيدروجين محليًا وتصديره بكفاءة إلى أوروبا.
وأوضح أن هذه المنطقة تمتلك مقومات قوية من مصادر طاقة متجددة وافرة، وسواحل ممتدة، وقرب جغرافي من مراكز الطلب الرئيسة في أوروبا وآسيا يمكنها الاستفادة من التقنيات المتقدمة في تسييل الهيدروجين والنقل المبرد لتحقيق أهدافها.
وتوقَّع أن تضع سلطنة عمان -بما أنها الدولة السباقة- المعايير، وتؤسّس لنماذج البنية التحتية في هذا المجال، ويمكن لبقية الدول العربية التي تمتلك القاعدة الصناعية والطموح الاستثماري اللحاق بالركب، والانخراط في هذه السوق الحيوية.
ومن جهته، أشار العضو المنتدب في شركة موران إنوفيشن (Moran Innovation LLC) -إحدى الشركات الرائدة في مجال الهيدروجين المسال- مات موران، إلى أن هذه الخطوة قد منحت سلطنة عمان ميزة تنافسية قوية بصفتها أول مبادر في هذا المجال، في وقت بدأت فيه دول أخرى محاولة اتّباع المسار نفسه.
وتوقّع موران -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن تستفيد عمان -أيضًا- من الدروس المستخلصة من تجربة تصدير الهيدروجين المسال التي جرت قبل عدّة أعوام من أستراليا إلى اليابان.
شراكات إستراتيجية
قال موران، إن عمان تتميز بعدّة نقاط قوة أبرزها: توفُّر موارد هائلة من الإشعاع الشمسي، وانخفاض تكلفة الأراضي القابلة للتوسع في إنشاء محطات الطاقة الشمسية، إضافة إلى بنية تحتية قائمة في قطاع الغاز الطبيعي، وقوى عاملة مدربة.
وأضاف أن السلطنة تتمتع -كذلك- بوفرة من مياه البحر، وغاز الميثان بصفته مادة أولية لإنتاج الهيدروجين.
وأوضح أن نجاح هذا المشروع يتطلب إقامة شراكات تجارية إستراتيجية مع مستوردين رؤساء، لافتًا إلى أن هولندا وألمانيا تُعدّان شريكين مثاليين لعمان.
وأرجع ذلك إلى عدّة أسباب، من بينها: وجود علاقات تجارية قائمة في مجال شحن الغاز الطبيعي المسال، وارتفاع الطلب على الطاقة في مقابل انخفاض معدل الإشعاع الشمسي الموسمي، إضافة إلى أن هذين البلدين يتمتعان ببنية تحتية قائمة لاستيعاب الهيدروجين واستعماله في قطاعات سوقية متعددة تشهد نموًا ملحوظًا.
واستطرد قائلًا: "هناك عوامل أخرى داعمة للنجاح، مثل الاستثمارات الكبيرة طويلة الأجل اللازمة لبناء البنية التحتية المطلوبة، التي قد تأتي من صناديق الثروة السيادية".
تحقيق الجدوى الاقتصادية
قارن "موران" بين طرق التصدير، سواء التسييل أو النقل عبر أنابيب الغاز، من حيث الجدوى الاقتصادية، مشيرًا إلى أن اختيار الطريقة المثلى يعتمد على السيناريو المطلوب.
وأوضح أن الغاز الطبيعي يُعدّ النموذج الأقرب لتوزيع وتصدير الهيدروجين في صورته الغازية، وهو أكثر ملاءمة للتوزيع الإقليمي أو المحلي، بما في ذلك مزجه في أنابيب الغاز الطبيعي الحالية.
بينما يُعدّ الشكل السائل الأنسب للتصدير عبر مسافات طويلة، وللعملاء الذين يحتاجون إلى الهيدروجين في حالته السائلة لاستعمالات معينة.
وسلّط موران الضوء على وجود تداخل تكاملي مهم بين الطريقتين، يتمثل في إمكان توليد غاز عالي الضغط من الهيدروجين المسال دون الحاجة إلى ضواغط أو باستعمال ضواغط أصغر.
وأضاف أن هذه التقنية مستعملة منذ عقود في صناعات التبريد في ما يُعرف بأنظمة "بناء الضغط"، مشيرًا إلى أنها تتيح استرداد جزء من الطاقة التي استُعمِلَت في عملية التسييل.
وأشار إلى أن هناك -كذلك- طرق متنوعة لتحسين كفاءة النظام الكلّية باستعمال المبادلات الحرارية التي تستغل طاقة التبريد الكامنة في الهيدروجين المسال، وتُعدّ هذه العناصر شائعة في الأنظمة المصممة بعناية.
سوق تصدير الهيدروجين المسال
أكد موران أن هناك العديد من الدول العربية مؤهلة للدخول في سوق تصدير الهيدروجين المسال بقوة عمان نفسها، نظرًا لامتلاكها المقومات اللازمة للتوسع في الإنتاج.
وأوضح أن الهيدروجين الأخضر يُعدّ خيارًا إستراتيجيًا مثاليًا -بالنسبة لمعظم دول الشرق الأوسط- للتحول من إنتاج النفط والغاز، خاصة مع اتجاه العالم نحو تقليل التلوث والانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري.
ولفت إلى أن أنظمة الهيدروجين موجودة في العديد من مصانع الكيماويات ومصافي النفط، فضلًا عن توافر المهارات والقوى العاملة والبنية التحتية الموجودة حاليًا.
وأضاف أن هذه الإمكانات تمنح الدول العربية ميزة تنافسية قوية للاستفادة من هذه الفرصة الجديدة، موضحًا أنه بمرور الوقت، سيكون عملاء النفط والغاز هم -أيضًا- المستهلكين الجدد للهيدروجين في المستقبل، في ظل عملية التحول الطاقي.
ومن جانبه، قال رئيس تحالف الهيدروجين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، النائب الأسبق للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة فرانك ووترز، إن تسييل الهيدروجين الأخضر يُعدّ إحدى طرق النقل عبر السفن، بالإضافة إلى تحويله إلى أمونيا أو ربطه بحامل هيدروجين عضوي سائل.
وأضاف أنه نظرًا للزخم الذي يشهده مجال الهيدروجين المسال، أطلق تحالف هيدروجين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريق عمل للهيدروجين السائل العام الماضي.
وتابعَ، أن نقل الهيدروجين عبر الأنابيب يُعدّ الخيار الأرخص لنقل الجزيئات الخضراء بكميات كبيرة، مؤكدًا أنه ذو جدوى اقتصادية أكبر من الشحن، إلّا أن الشحن يتميز بمرونة أكبر، ولا يتطلب خطوط أنابيب معقّدة عبر الحدود.
أرخص وسيلة لتصدير الهيدروجين
في دراسة سابقة، كشفت منظمة أوابك أرخص وسيلة لتصدير الهيدروجين، ضمن مسارات النقل المختلفة.
وحسب الدراسة التي أعدّها خبير الغاز والهيدروجين في المنظمة المهندس وائل حامد عبدالمعطي، فإنه عند مقارنة مسارات تجارة الهيدروجين المختلفة التي من المتوقع أن تكون سائدة بحلول عام 2050، تبرز الأمونيا بصفتها خيارًا فعالًا عند نطاق واسع من عوامل المسافة والكميات المراد نقلها.
ويمكن استعمال سفن الأمونيا بصورة تجارية لنقل كمية بداية من 0.4 مليون طن سنويًا من الهيدروجين، وحتى مسافات تصل إلى 15 ألف كيلومتر".
وحسب الدراسة، فإن نقل الهيدروجين عبر إنشاء خطوط أنابيب جديدة، "يبدو خيارًا فعالًا بالنسبة إلى المسافات القصيرة نوعًا ما حتى 2000 كيلومتر، مع إمكان نقل أيّ كمية من الهيدروجين، سواء كانت صغيرة بداية من 0.1 مليون طن سنويًا، أو كبيرة حتى 1.5 مليون طن سنويًا".
وحال إعادة استعمال خطوط أنابيب النفط والغاز القائمة -إن كانت متاحة ومؤهلة للعمل بحلول عام 2050- فيمكنها نقل الهيدروجين إلى مسافات أبعد قد تصل إلى 8 آلاف كيلومتر، وبكميات متنوعة، لتكون أكثر تنافسًا مع مسار نقل الهيدروجين بعد تحويله إلى أمونيا.
أمّا نقل الهيدروجين باستعمال المواد العضوية السائلة الحاملة للهيدروجين، "يُعدّ فعالًا للكميات الصغيرة التي يمكن نقلها إلى مسافات قد تصل إلى أكثر من 11 ألف كيلومتر".
في حين يبدو نطاق الهيدروجين المسال محدودًا بالنسبة إلى عامل المسافة الملائمة له التي تتراوح بين 2000 و3000 كيلومتر، حتى لا تزداد الخسائر الناتجة عن التبخر في أثناء النقل، وبكميات لا تقل عن 0.7 مليون طن هيدروجين سنويًا، وحتى 1.5 مليون طن هيدروجين سنويًا.
موضوعات متعلقة..
- هايدروم تطلق مزايدة جديدة لمشروعات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان
- وزير الطاقة العماني: لا يمكننا التعويل على الغاز.. والهيدروجين البديل الأنسب
- الهيدروجين المسال أفضل خيارات التصدير رغم التحديات.. سلطنة عمان نموذجًا
اقرأ أيضًا..
- أرامكو تعلن أسعار بيع النفط السعودي في يونيو 2025
- أمين عام أوابك لـ"الطاقة": 5 دول عربية تتحرك لتصدير الهيدروجين والأمونيا
- سفينة حفر عملاقة تبحث عن مشترٍ منذ 11 عامًا.. ما قصتها؟
- أنبوب الغاز العابر للصحراء.. مشروع الجزائر يواجه شبح الانهيار