مسؤول: مشروعات الطاقة المتجددة في مصر تجذب المستثمرين (حوار)
داليا الهمشري

شهدت مشروعات الطاقة المتجددة في مصر طفرة كبيرة في ظل إمكانات البلاد الهائلة من الشمس والرياح، فضلًا عن التشريعات والحوافز التي وضعتها البلاد لجذب المستثمرين.
وفي قلب هذا التحول، يؤدّي قطاع الدراسات والبحوث في هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة (نريا) دورًا محوريًا، بوصفه العقل التحليلي للهيئة، والمسؤول عن التقييمات البيئية والهندسية والاقتصادية للمشروعات، بجانب إدارته المعامل المركزية التي تختبر الكفاءة والجودة لمكونات الطاقة.
وفي حوار شامل مع منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يكشف رئيس قطاع الدراسات والبحوث بالهيئة المهندس أمجد الحويحي عن أبرز ملامح المشهد الراهن، بدءًا من أدوار القطاع الفنية، مرورًا بآخر تطورات مشروعات الطاقة في مصر، وخطط التوسّع في التصنيع المحلي.
كما يسلّط الحويحي الضوء على التحديات التي تعوق نشر بعض التقنيات مثل السخانات الشمسية، والتوجهات البحثية لاستغلال حرارة باطن الأرض، والطاقة الحيوية، وإلى نص الحوار:
ما الدور الذي يؤدّيه قطاع الدراسات والبحوث في الهيئة لدعم منظومة الطاقة المتجددة؟
قطاع الدراسات والبحوث هو العمود الفقري العلمي والفني للهيئة؛ حيث نُجري الدراسات الشاملة التي تسبق تنفيذ أي مشروع، وتشمل: الدراسات الاقتصادية، والهندسية، والبيئية، والاجتماعية؛ وذلك لتقييم جدوى المشروعات وتأثيرها على البيئة والمجتمع.
كما يضم القطاع المعامل المركزية للهيئة، وهي تؤدّي دورًا محوريًا في ضمان جودة الأجهزة ومكونات الطاقة المتجددة، وتُعد الجهة الثالثة المستقلة بين المصنع والمستهلك.
لدينا معامل لاختبار كفاءة الأجهزة المنزلية المنتجة محليًا، ونُصدر تقارير تُستعمل في إصدار ملصقات كفاءة الطاقة.
ولدينا -أيضًا- معامل متخصصة لاختبار الخلايا الشمسية الفوتوفولتية والسخانات الشمسية، وهذه المعامل معتمدة دوليًا وتطبّق المواصفات القياسية العالمية، ما يُضيف ثقلًا علميًا لنتائجها.
ما مدى أهمية معامل اختبار الألواح الشمسية التي تحدثت عنها؟
لدينا معملان معتمدان يُطبّقان المواصفة القياسية الدولية لاختبار الألواح الشمسية، ونُجري 10 اختبارات مختلفة، تشمل تحليل الأداء والتوافق مع المعايير الفنية العالمية.
وهذا يمنح ثقة كبيرة بالسوق المحلية، إذ يلجأ إلينا العملاء وشركات التركيب والمستوردون للحصول على شهادات معتمدة تُثبت جودة المنتجات.
وهذان المعملان لا يخدمان فقط الجهات الصناعية، بل أيضًا المستثمرين والأفراد الراغبين في تركيب أنظمة شمسية موثوقة.

ما أبرز المشروعات التي دخلت حيز التشغيل مؤخرًا؟
شهدنا توليد 700 ميغاواط من الطاقة الشمسية مؤخرًا، منها: 200 ميغاواط لصالح أكوا باور في أسوان، و500 ميغاواط لصالح إيميا باور.
أما في قطاع طاقة الرياح، فلدينا مشروعان بارزان هما: مشروع رأس غارب لتحالف أوراسكوم وإنجي وتويوتا، بقدرة 650 ميغاواط، سيدخل 250 ميغاواط منه حيز التشغيل هذا العام.
ومشروع آخر لشركة إيميا باور بقدرة 550 ميغاواط، سيبدأ تشغيل 250 ميغاواط منه خلال هذا العام أيضًا، وهذه الإضافات تُعزّز من إجمالي القدرات المتجددة المركبة في مصر.
ماذا عن الطاقة الشمسية الحرارية؟ هل هناك نية للتوسع بها؟
لدينا محطة المركزات الشمسية في الكريمات بقدرة إجمالية 140 ميغاواط، منها 20 ميغاواط من الحقل الشمسي.
وهذه المحطة أُنشئت عام 2007 ودخلت حيز التشغيل عام 2011، ونحن نتطلع إلى التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية الحرارية خلال المدة المقبلة، إلا أننا في انتظار انخفاض أسعار المركزات الشمسية عالميًا؛ لأن سعرها الحالي يبلغ تقريبًا 4 أمثال الخلايا الفوتوفلطية .
ونحن نُدرج التوسع في هذه المشروعات في الإستراتيجية طويلة الأجل.
هل توطين صناعة الألواح الشمسية في مصر على المسار الصحيح؟
نعم، فقد بدأت الجهود الرسمية في هذا الإطار منذ 10 أعوام بتشكيل لجنة برئاسة وزير الدولة للإنتاج الحربي الراحل اللواء محمد العصار، وشاركت فيها هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، واستعنا باستشاري عالمي لعمل دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية والتسويقية، إلا أن هذه الجهود توقفت في ذلك الحين.
الخبر السار أنه جرى توقيع مذكرة تفاهم مؤخرًا مع شركة GA الصينية، إحدى أكبر الشركات في هذا المجال، لإنشاء مصنعَيْن في مصر: أحدهما لتصنيع الخلايا الشمسية بقدرة 2 غيغاواط، والآخر لإنتاج الألواح بقدرة 2 غيغاواط.
كما صدر قرار من رئيس الوزراء العام الماضي (2024) بإنشاء المجلس الوطني لتوطين صناعة الرقائق والخلايا الفوتوفولتية، وهذه خطوة محورية تدعم توطين هذه الصناعة في مصر.
ما أحدث المستجدات في قطاع الهيدروجين الأخضر؟
وقّعت الدولة 23 مذكرة تفاهم مع تحالفات دولية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، تحوّلت منها 12 إلى اتفاقيات إطارية تتيح إجراء الدراسات، وتخصيص الأراضي، ولم تبدأ المشروعات الكبرى فعليًا بعد، لأن هذا النوع من الاستثمارات يتطلب وقتًا طويلًا للدراسات الفنية والمالية.
وبدأ تنفيذ مشروع واحد صغير فقط في المنطقة الاقتصادية تابع لشراكة أوراسكوم، لكنه لا يُمثل بعد حجم التطلعات الحكومية أو التحالفات الكبيرة.
هل يشارك قطاع الدراسات والبحوث بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في دعم قطاع السيارات الكهربائية؟
نشارك في اللجان التنظيمية التي تشكّلها وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة الخاصة بالسيارات الكهربائية.
ورغم أن التصنيع ليس ضمن اختصاصاتنا، فإننا نؤدي دورًا رئيسًا في تحديد المواصفات والمعايير الفنية ووضع التعرفة بالتنسيق مع جهاز تنظيم مرفق الكهرباء؛ لأن هذه السيارات يمكن شحنها إما بالكهرباء التقليدية وإما بالطاقة المتجددة، وبالتالي لا بد أن يكون لنا دور.
وهذا القطاع ما يزال في بداياته بمصر، ولكن هناك شركات خاصة مثل إنفينتي تقود نشر محطات الشحن منذ مؤتمر كوب 27، ولكن التحدي الأكبر يبقى في ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية للمستهلكين.
وعُقد اجتماع مؤخرًا مع الهيئة العربية للتصنيع لبدء اتخاذ خطوات بالمشاركة مع شركات صينية لتصنيع السيارات الكهربائية في مصر.
ما السبب في عدم انتشار السخانات الشمسية في مصر رغم فوائدها؟
هذه السوق تواجه تحديًا رئيسًا يتمثّل في استمرار دعم البلاد للغاز والكهرباء؛ ما يجعل السخان الشمسي خيارًا غير اقتصادي نسبيًا.
ولكننا نبذل جهودًا في هذا القطاع، إذ أنشأنا معملًا معتمدًا دوليًا لاختبار السخانات الشمسية، وأصدرنا أول شهادة جودة عربية بالتعاون مع المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة "ركري" وجامعة الدول العربية.
والتجربة التونسية ملهمة في هذا القطاع، إذ تدخلت الدولة لحساب تكلفة الغاز، ووفرت دعمًا ماليًا مباشرًا للسخانات، ونأمل أن تُطبق آلية مشابهة في مصر.
هل تؤدّي البنوك دورًا في تمويل مشروعات الطاقة المتجددة للأفراد؟
بعض البنوك توفّر ما يُعرف بـ"القرض الأخضر"، لكن الفائدة تصل أحيانًا إلى 18%، وهو رقم مرتفع جدًا، ونأمل في استعادة القروض ذات الفائدة المنخفضة (5% مثلًا) لتشجيع المواطن على التحول إلى السخانات والمنظومات الشمسية.
ما أبرز التحديات أمام التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة؟
نقص الوعي يمثّل التحدي الأكبر أمام التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، إذ ينظر المستهلكون إلى تكلفة التركيب المبدئية دون النظر إلى أن هذه المنظومات تعمل لما يقرب من 25 عامًا دون تكاليف تشغيل تُذكر.
ما ترتيب مصر عربيًا في مجال الطاقة المتجددة؟
مصر تحتل المركز الأول بلا منازع، فلدينا 7 غيغاواط من القدرات المتجددة المركبة، ضمن إجمالي 60 غيغاواط من مصادر الطاقة كافّة، وهي بذلك تتجاوز قدرات الدول العربية مجتمعة في هذا المجال.
ما الذي يجذب المستثمرين لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة في مصر؟
مصر تمتلك موارد طبيعية استثنائية تتمثّل في سرعات رياح عالية جدًا وإشعاع شمسي قوي طوال العام، وهذه الموارد تُسهم في تحقيق الجدوى الاقتصادية المطلوبة من المشروعات.
بالإضافة إلى البنية التشريعية الجاذبة التي تبنتها البلاد منذ عام 2014، عندما صدر قانون الكهرباء، كما خصصت البلاد نحو 42 ألفًا و500 كيلومتر مربع من الأراضي لصالح المشروعات، وهناك نية لتخصيص المزيد من الأراضي.
ما أولويات الهيئة خلال المدة المقبلة؟
نتحرك في 4 مسارات هي: الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية، وحرارة باطن الأرض.
وبدأنا شراكات بحثية موسعة، وجرى تنفيذ مشروع مشترك مع وزارتي البترول والتعليم العالي، و3 جامعات أوروبية، أسفر عن إنشاء أول دبلومة متخصصة في الطاقة الأرضية الجوفية في كلية الهندسة بجامعة القاهرة.
كما نُجري دراسات استكشافية مع هيئة المواد النووية ومعهد الأرصاد لتحديد أفضل المواقع الجيولوجية للاستغلال.
هل أثرت أزمة الكهرباء خلال صيف 2023 في التوسع بالطاقة المتجددة؟
بالعكس، كانت بمثابة جرس إنذار دفع الجميع نحو تسريع إجراءات تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة في مصر.
هناك توجه حكومي لدعم منظومات الطاقة الشمسية فوق الأسطح، وفتح المجال لتركيب 1000 ميغاواط، لكن ما جرى تركيبه لا يتجاوز 200 ميغاواط، ونحتاج إلى مشاركة البنوك وشركات التمويل لتقديم تسهيلات حقيقية للمواطنين.
موضوعات متعلقة..
- مصر تخصص أراضي جديدة لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر
- الطاقة المتجددة في مصر.. هل تحصّنها من أزمات الكهرباء؟
- الطاقة الشمسية سلاح مصر لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أرامكو السعودية توقّع صفقة غاز مسال ضخمة
- أبرزها مشروع مع 3 دول عربية.. الجزائر تكشف عن خطة ضخمة
- أكبر حقل غاز في العراق.. 15 تريليون قدم مكعبة بمرمى النيران
- حقل غاز عربي عملاق يواجه أزمة في تصدير أول شحنة.. ماذا يحدث هناك؟