المقالاتالتغير المناخيرئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات التغير المناخي

كيف يفاقم تغير المناخ والصراعات المسلحة أزمة الهجرة البيئية؟ (مقال)

د. منال سخري

تعدّ الهجرات البيئية في أفريقيا من الظواهر التي تزداد تعقيدًا مع تزايد تأثيرات تغير المناخ والصراعات المسلحة.

نتيجة لهذه العوامل، يواجه ملايين من السكان في القارة الأفريقية تحديات تتعلق بالاستقرار البيئي والاجتماعي، مما يدفعهم إلى مغادرة أراضيهم بحثًا عن بيئات أكثر استقرارًا وأمانًا.

في هذا السياق، تتداخل العوامل البيئية مثل الجفاف والفيضانات مع المشكلات السياسية والاقتصادية، مما يفاقم من حجم الأزمة الإنسانية.

ويتطلب التعامل مع هذه الظاهرة اتّباع إستراتيجيات شاملة تدمج بين الحلول البيئية والاجتماعية لضمان استدامة التنمية في القارة.

ما الأسباب التي تؤدي إلى الهجرات البيئية؟

يمكن صياغة جملة من الأسباب التي تدفع الى الهجرات البيئية في أفريقيا والمرتبطة بتغير المناخ وغيره من العوامل، منها:

1. الجفاف المستمر وتدهور الأراضي: تشهد مناطق متعددة من القارة الإفريقية، ولا سيما في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل، تزايدًا في فترات الجفاف الطويلة، التي تسببت في فقدان القدرة على الزراعة والرعي على سبيل المثال في الصومال وكينيا، أجبرت فترات الجفاف الطويلة في عام 2023 أكثر من 27 مليون شخص على مغادرة أراضيهم بحثًا عن مياه ومراعٍ جديدة.

2. الفيضانات والعواصف: على الرغم من أن الجفاف هو التحدي الأكبر في بعض المناطق، فإن الفيضانات والعواصف الشديدة التي تتسبب في تدمير المحاصيل وتهديد المناطق السكنية تتسبب أيضًا في نزوح جماعي ففي عام 2024، تسببت الأمطار الغزيرة في مناطق غرب ووسط أفريقيا بإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية، مما دفع السكان إلى البحث عن مناطق آمنة.

3. ارتفاع مستوى سطح البحر: تشكّل السواحل الإفريقية، خاصة في دول مثل السنغال ونيجيريا، مناطق مهددة من التآكل الساحلي وارتفاع مستوى البحر، ومن ثم فالمناطق الساحلية التي كانت تشكّل مصدرًا للغذاء والموارد الاقتصادية أصبحت مهددة بالغمر، ما يدفع السكان المحليين إلى الهجرة إلى الداخل.

4. الصراعات والنزاعات المسلحة: تؤدي الصراعات والنزاعات المسلحة الى تدمير النظم الزراعية والغابات وتعطيل أنظمة المياه والكهرباء والصحة العامة، مما يزيد من صعوبة العيش في مناطق النزاع.

تغير المناخ في أفريقيا

وهذا يجعل السكان يفرّون من مناطقهم بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا وأقل تضررًا، مثلًا الصراع المستمر في دارفور أدى إلى تدمير الغابات والموارد الطبيعية، مما دفع السكان إلى النزوح داخليًا وخارجيًا بحثًا عن بيئات أكثر استقرارًا، وكذلك في منطقة الساحل الأفريقي (مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو) وأيضًا الصراعات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

إن ظاهرة الهجرات البيئية تترتب عليها عدّة تداعيات خطيرة، سواء على النازحين أنفسهم أو على المناطق التي تستقبلهم:

على المستويين الاقتصادي والاجتماعي

تؤدي الهجرات البيئية إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية بين السكان المحليين والنازحين، حيث يصعب على المجتمعات المضيفة استيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين.

يترتب على ذلك تحديات كبيرة في تقديم خدمات التعليم والصحة، فضلًا عن صعوبة توفير فرص العمل.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني النازحون -وخصوصًا في المناطق الحضرية- من صعوبة في الوصول إلى فرص عمل لائقة، مما يضطرهم للعمل في وظائف غير رسمية أو ذات دخل ضعيف، وهو ما يزيد من معدلات الفقر والبطالة في المناطق المضيفة.

على المستوى البيئي

يسبّب تدفُّق أعداد كبيرة من النازحين ضغطًا على الموارد الطبيعية في المناطق المستقبلة، مثل المياه والغذاء والخدمات الأساسية.

هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى صراعات محلية على هذه الموارد، خاصة في المناطق التي تعاني أصلًا من نقص في الإمدادات.

على سبيل المثال، في منطقة الساحل، شهد العديد من المناطق زيادة في حدّة الصراعات بين المجتمعات المحلية والنازحين بسبب التنافس على الأراضي والمراعي.

رغم وجود بعض المبادرات لمواجهة التحديات البيئية، فإن العديد من الحكومات الأفريقية لا يمتلك الموارد والقدرات اللازمة للتعامل مع الأزمات البيئية بفعالية.

كما أن جهود التنسيق الإقليمي والدولي في هذا المجال ما تزال محدودة.

مثال على ذلك، أطلق الاتحاد الأفريقي في 2018 إطار سياسة للهجرة الأفريقية وخطة عمل 2018-2030، التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية في مجالات الهجرة وتغير المناخ.

ورغم أهمية هذه المبادرة، فإن التحديات المتعلقة بالموارد والقدرات ما تزال قائمة، مما يؤثّر بفعالية التنفيذ والتنسيق الإقليمي والدولي في هذا المجال.

تغير المناخ

على المستوى الأمني

الهجرات البيئية قد تؤدي إلى تهديدات أمنية متعددة نتيجة للتوترات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن النزوح.

يمكن أن تسهم هذه الهجرات في تفاقم النزاعات المسلحة، خاصة في مناطق مثل الساحل وشرق أفريقيا، حيث تتداخل الهجرات مع النزاعات المسلحة القائمة.

في بعض الحالات، يصبح النازحون هدفًا للقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يتزايد تدفُّق المهاجرين غير الشرعيين إلى البلدان المجاورة أو حتى إلى خارج القارة بسبب تغير المناخ، مما يشكّل تهديدات أمنية على الحدود، ويزيد من التوترات السياسية بين الدول المعنية.

كما أن ازدياد أعداد النازحين واللاجئين قد يؤدي إلى انتشار الجريمة المنظمة، مثل تهريب البشر والاتجار بالأسلحة، وهو ما يمثّل تهديدًا للأمن الوطني والإقليمي في بعض المناطق الأفريقية.

وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2024، يُتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين سيضطرون إلى الهجرة بسبب التغيرات المناخية في أفريقيا إلى نحو 216 مليون شخص بحلول عام 2050.

الحاجة إلى إستراتيجيات فعالة

هذا ما يبرز الحاجة إلى إستراتيجيات فعالة لمواجهة تداعيات هذه الظاهرة من خلال تبنّي إستراتيجيات شاملة تتضمن عدّة محاور:

أولًا: على المستوى الوطني، تُعدّ الحوكمة البيئية العنصر الأساس في وضع السياسات والتشريعات التي تنظّم استعمال الموارد الطبيعية وتحدّ من التدهور البيئي.

من خلال تعزيز الحوكمة البيئية، يمكن للدول الأفريقية أن تضع إستراتيجيات فعّالة للتعامل مع التغيرات المناخية وأزماتها.

على سبيل المثال، أطلقت جنوب أفريقيا استراتيجيات وطنية للتكيف مع المناخ تهدف إلى تعزيز الزراعة المستدامة وتقليل انبعاثات الكربون، بينما تبنّت رواندا "الإستراتيجية الوطنية للنمو الأخضر والمناخ المرن" التي تركّز على تحسين الأمن الغذائي والمائي.

ورشة العمل بشأن تمويل التكيف مع المناخ في أفريقيا
ورشة عمل بشأن تمويل التكيف مع المناخ في أفريقيا – الصورة من بنك التنمية الأفريقي

وبجزء من هذه الإستراتيجيات، يصبح من الضروري الاستثمار في حلول مبتكرة لتحسين تقنيات الري، وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف، والاستثمار في نظم الطاقة المتجددة.

تعزز هذه الحلول من قدرة الدول على التكيف مع التغيرات المناخية وتحقيق استدامة الزراعة، ومن ثم تسهم في مواجهة تحديات الأمن الغذائي.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تطوير آليات التنسيق الوطني بين الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية في مجال الهجرة، بهدف وضع سياسات وإستراتيجيات وطنية متكاملة، مما يساعد في تحقيق التكامل ومنع الازدواجية بين الأنشطة والسياسات المختلفة.

ثانيًا: من الضروري تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، حيث ينبغي أن تتعاون الدول الأفريقية مع المنظمات الدولية لتحسين التنسيق بين الحكومات والمنظمات الإنسانية وتوفير الدعم اللازم للنازحين.

وأخيرًا: يجب على الدول المضيفة تحسين بُنيتها التحتية لتلبية احتياجات النازحين، وزيادة توفير الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل في المناطق المتأثرة.

مما تَقدَّم، فإن معالجة الهجرات البيئية في أفريقيا تتطلب تنسيقًا فعالًا بين الحكومات والمنظمات الدولية، وتبنّي سياسات فعالة تسهم في التكيف مع التغيرات المناخية.

بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة البيئية وتحسين آليات التنسيق الوطني، يجب أن تُخصص الموارد لمواجهة التحديات المترتبة على النزوح البيئي.

مع استمرار التحديات، تُظهر البيانات أن المستقبل القريب قد يشهد تدفقًا أكبر للنازحين، مما يستدعي اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الأمن الاجتماعي والاقتصادي في المناطق المتأثرة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق