تقارير النفطالنشرة الاسبوعيةسلايدر الرئيسيةنفط

في دولة عربية.. حكاية 4 آبار مهدت الطريق لاكتشاف 267 مليار برميل نفط

ياسر نصر

شكلت 4 آبار استكشافية الانطلاقة الأولى لشركة نفط عربية، لتصبح واحدة من أكبر شركات النفط على مستوى العالم، والأعلى قيمة في قطاع الطاقة.

وتعدّ آبار أرامكو الاستكشافية -عين دار والسفانية والخرسانية والظلوف- خير دليل على تاريخ عملاقة النفط السعودية في السعي لتحقيق التميز في التنقيب والإنتاج.

وحسب قاعدة بيانات النفط والغاز التاريخية لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) فقد مهّدت الـ4 آبار لاكتشاف احتياطيات نفطية في السعودية تصل إلى 267.2 مليار برميل بنهاية عام 2023، لتحتلّ المرتبة الثانية في قائمة أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في العالم بعد فنزويلا.

وما تزال معظم آبار أرامكو الاستكشافية الأولى بعد عقود من حفرها للتنقيب، تنتج النفط أو الغاز أو كليهما، وذلك بفضل تبنّي تقنيات الاستخلاص الجديدة والمحسّنة وأفضل الممارسات في قطاع الطاقة باستمرار.

آبار أرامكو الاستكشافية

انطلقت رحلة آبار أرامكو الاستكشافية في 30 أبريل/نيسان 1935، مع بدء الحفر في بئر الدمام رقم 1 في الدمام، إيذانًا ببدء رحلة أرامكو بصفتها واحدة من أكبر الشركات الرائدة في العالم بإنتاج المواد الهيدروكربونية.

وعلى مدار السنوات الـ90 التي تلت ذلك، واصلت الشركة اكتشاف الموارد الطبيعية الهائلة في السعودية، إذ اكتشفت العديد من المكامن في مختلف أنحاء المملكة، التي كان الكثير منها وفيرًا بالنفط الخام أو الغاز أو كليهما.

وعلى الرغم من الخبرات الجيولوجية، ووجود كثير من العلامات الإيجابية، فإن أيّ اكتشاف لا يمكن التأكد منه حتى تُحفَر بئر استكشافية ويُتأكَّد مما هو موجود تحته.

ومن الطبيعي أن تكون هناك مخاطرة في حفر أول بئر (البئر التجريبية أو ما يسمى بالبئر رقم 1) في أيّ منطقة، لأنه غالبًا ما تُحفَر في موقع غير معروف مسبقًا، وغير مأهول بالسكان، وغالبًا ما يكون في أماكن نائية.

فالذهاب في تلك الرحلة يكون أقرب "للبعثات الاستكشافية" منه ليوم عمل عادي، كما أن النجاح فيها ليس مضمونًا أبدًا، وهذا هو السبب في أن العثور على النفط من البئر الأولى في المنطقة يعدّ إنجازًا كبيرًا في أيّ جهود تنقيبية.

من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية
من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية- الصورة من أرامكو

وخلال السنوات الأولى، كانت المرحلة الأولى من إثبات وجود حقل نفطي هي قيام الجيولوجيين التابعين لشركة أرامكو بالبحث فوق الأرض وتحت سطحها عن الخصائص الجيولوجية التي تشير إلى احتمال وجود مكامن نفط وغاز مخفية في باطن الأرض.

ويكون القرار المصيري التالي هو تحديد مكان حفر البئر التجريبية، فإذا أسفرت البئر التجريبية عن اكتشاف النفط بكميات تجارية في هذا الحقل المكتشف حديثًا، فتسمّى بئر الاكتشاف.

وقصص آبار أرامكو الاستكشافية (عين دار، والسفانية، والخرسانية، والظلوف) ليست سوى 4 أمثلة من بين مئات آبار أرامكو في جميع أنحاء المملكة التي توضح تاريخ الشركة في السعي لتحقيق التميز في مجال التنقيب والإنتاج والعمليات التشغيلية المعقّدة التي تصاحب كل اكتشاف للمواد الهيدروكربونية.

يقول النائب الأعلى للرئيس لهندسة النفط والتطوير في أرامكو، وليد الملحم: "إن آبار الشركة الاستكشافية (رقم 1) القديمة تشكّل أهمية كبيرة بالنسبة لنا، فهي لم تكن مجرد بداية عصر جديد في تاريخ إنتاجنا للنفط الخام فحسب، بل استمرت في تحقيق عوائد كبيرة على مدى عقود عديدة".

وأضاف: "صمدت هذه الآبار أمام اختبار الزمن، فقدّمت شهادة خالدة على مدى عبقرية وعراقة ممارسات أرامكو في إدارة المكامن، وهي الممارسات التي فتحت المجال بعد ذلك أمام الإمكانات الهائلة لموارد الطاقة في المملكة".

بئر عين دار

تعدّ بئر عين دار (ANDR-1) واحدة من آبار أرامكو الاستكشافية، التي أدت فيما بعد إلى اكتشاف حقل الغوار العملاق، حاليًا، صاحبة أطول عمر إنتاجي على الإطلاق، وصاحبة أعلى إنتاج تراكمي في المملكة العربية السعودية.

وبدأت قصة هذه البئر التاريخية عندما استؤنف الحفر في أنحاء المملكة بعد ما توقَّف خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من الواضح أن موقع بئر عين دار الأنسب لاستئناف أعمال الحفر التجريبية نظرًا لقربها من مرافق الإنتاج القائمة في بقيق، أحد أقدم حقول النفط التي اكتشفتها أرامكو في عام 1940.

وبدأت أعمال الحفر في عين دار في عام 1948، وبدأ الإنتاج في عام 1951 بمعدل غير عادي بلغ 15.6 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، لم يحتوِ إلّا على كمية صغيرة فقط من الرواسب الأساسية.

من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية
من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية- الصورة من أرامكو

وعلى الرغم من أن الآبار التقليدية معروفة بأنها تبدأ في إنتاج كميات أكبر من المياه بعد عدّة سنوات من الإنتاج التجاري، فقد استمر النفط الخام في بئر عين دار في التدفق لمدة 49 عامًا، قبل أن ينتج أول كميات من المياه في عام 1999.

واليوم، وعلى الرغم من أنها من أوائل الآبار الاستكشافية، فإنها ما تزال تنتج 2800 برميل يوميًا، أي بعد نحو 73 عامًا من بدء الإنتاج في الموقع، ووصل معدل الإنتاج التراكمي من البئر نحو 160.2 مليون برميل.

ومن اللافت للنظر أن الأنابيب الأصلية التي استعملت في تبطين الآبار ما تزال قائمة، مما يؤكد جودة المواد التي استعملها مهندسو أرامكو في الأربعينيات من القرن الماضي، والحرفية العالية التي بذلت في تركيبها.

بئر السفانية

في عام 1939، رسم الجيوفيزيائي ديك كير سهمًا أحمر افتراضيًا على خريطة لشمال شرق المملكة العربية السعودية، وكتب إلى جانبه "منطقة مرتفعة محتملة في البحر"، مشيرًا إلى أن هناك فرصة للعثور على النفط في تلك المنطقة.

وكان السهم يشير إلى الخليج العربي، مرورًا ببقعة من الرمال تسمى السفانية، وكانت هذه الملاحظة المشفّرة التي كتبها كير في الواقع تنبؤًا مستندًا على معلومات حول الطبقات التي تقع تحت الخليج، وكان الهدف منها الإيحاء لزملائه الجيولوجيين في أرامكو باحتمال العثور على تشكيل حامل للنفط قبالة السفانية.

وكان كير على حق، فقد كانت "المنطقة المرتفعة" موجودة، وكذلك كان مكمن النفط، تحت آلاف الأقدام من المياه والأرض.
وبدأ المضي قدمًا في استكشاف منطقة الامتياز الشاسعة، ولكن في غضون 3 سنوات أدى نشوب الحرب العالمية الثانية إلى تقليص جميع عمليات الاستكشاف والتطوير.

من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية
من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية- الصورة من أرامكو

وعندما عاد البحث مرة أخرى عن مصادر جديدة للنفط بقوة أكبر بعد الحرب على مستوى العالم، بدأ مهندسو أرامكو الأوائل في عام 1951 العمل في بئر السفانية- 1 التجريبية، لتصبح أول بئر تحفرها الشركة في الخليج العربي.

واختيرَ موقع البئر، الذي يبلغ طوله نحو 3.3 كيلومترًا في مياه الخليج، جزئيًا على ضوء البيانات السيزمية البحرية.

واستغرق إنجاز أعمال الحفر اللازمة للوصول إلى البئر 3 أشهر، وأكدت الاختبارات الأولية وجود النفط في المنطقة، وتبيَّن بعد ذلك أن حقل السفانية هو أكبر حقل نفطي بحري في العالم.

واليوم، تستعمل السفانية-1 بئر رصد، أي إنها تساعد الشركة على مراقبة وجمع البيانات حول ظروف المكمن مع مرور الوقت، بعد أن وصل الإنتاج التراكمي منها 33 مليون برميل.

وتساعد المعلومات في تحسين إستراتيجيات الإنتاج، وإدارة أداء المكامن، وضمان الاستخراج الفعّال للمواد الهيدروكربونية على المدى البعيد.

بئر الخرسانية

كان اكتشاف حقل النفط في الخرسانية في عام 1956 اكتشافًا كبيرًا، إذ يقع الحقل فيما يُعرَف بـ"مصطبة الحسا المدّرجة"، وهي منطقة ذات انحدارات لطيفة التدرّج تمتد على طول الساحل إلى الخليج العربي.

وبدأت قصة الخرسانية-1 عندما رصد جيولوجيو أرامكو وجود تشكيل ظاهر في جبل فيضة، أحد التلال البارزة في المنطقة، واستعملوا الحفر الهيكلي، وهو تقنية حفر تستعمل في حفر ثقوب ضحلة لفحص التركيب الجيولوجي تحت سطح الأرض، مما كشف عن صخور طبقية على شكل قبة ممدودة.

وأثار ذلك الأمل بوجود نفط في المنطقة، واختير الجزء العلوي من القبة موقعًا للتنقيب التجريبي.

من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية
من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية- الصورة من أرامكو

وعلى مدى 6 عقود من عمرها، ظلت بئر الخرسانية-1 رمزًا دائمًا للنجاح، إذ لم يُغيَّر مسارها أبدًا، أي لم تكن هناك حاجة إلى حفر بئر جانبية بعيدًا عن البئر الأصلية.

وللمساعدة في ضمان المحافظة على سلامة البئر وقدرتها الإنتاجية العالية، تطبّق أرامكو أفضل الممارسات في هذا المجال من حيث المراقبة والصيانة المستمرة.

وما تزال بئر الخرسانية-1 مزدهرة، وشاهدة على موثوقية أرامكو في إدارة الأصول، إذ تعدّ واحة من أعلى الحقول البرية في المنطقة الشمالية من حيث الإنتاج التراكمي الذي وصل إلى 103 ملايين برميل.

بئر الظلوف

تعدّ بئر الظلوف-1 بئرًا بحرية بارزة أُخرى من آبار أرامكو الاستكشافية، التي ما تزال تنتج النفط حتى اليوم.

واكتُشِفَت البئر في عام 1965، واستغرقت أعمال الحفر نحو شهر، بما في ذلك تسجيل بيانات البئر (إعداد مستند تفصيلي، وسجل بيانات البئر عن التكوينات الجيولوجية في أثناء الحفر) واختبار الإنتاجية خلال الحفر (إجراء لعزل واختبار الضغط والنفاذية والقدرة الإنتاجية للتكوين الجيولوجي).

غير أن الإنتاج من حقل الظلوف-1 لم يبدأ بالفعل حتى عام 1973، بسبب مشكلات في نقل البنية التحتية البحرية باستعمال الموارد المحدودة المتاحة في ذلك الوقت.

من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية
من عمليات الاستكشاف الأولى عن النفط في السعودية - الصورة من أرامكو

ونظرًا لأن البئر كانت على بعد 40 ميلاً تقريبًا شمال شرق المرافق الساحلية التي تخدم حقل السفانية البحري، فقد أنشئ مرفق مؤقت لأعمال فصل الغاز عن الزيت بالكامل داخل البحر.

وكان النفط الخام يتدفق من حقل الظلوف-1 إلى معمل عائم فوق البحر، إذ يُزال الغاز المصاحب له، قبل إرساله عبر خطوط تحت الماء إلى صهريج تخزين عائم في الخليج.

وبعد تحميل النفط، يُضخّ إلى ناقلات بحرية أخرى راسية بأمان على بعد ميل واحد فقط، واستمرت هذه العملية لمدة 3 سنوات حتى أنشئت معامل دائمة لفصل الغاز عن النفط الخام في المناطق البحرية والبرية في عام 1977.

وعلى الرغم من التحديات، فقد سجّل حقل الظلوف-1 إنتاجًا تراكميًا بلغ 77 مليون برميل تخزيني منذ عام 1973.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق