أمين عام أوبك يكتب لـ"الطاقة" عن اجتماعات قمة المناخ.. ويُطلق تحذيرات مهمة
*أمين عام أوبك - هيثم الغيص

- بعد انتهاء كل قمة يبدو الأمر وكأن المحادثات لم تؤدِ إلا إلى خطوات بسيطة
- منذ عام 1850 بلغت حصة أميركا من الانبعاثات 25% وحصة أوروبا 17%
- حصة دول أوبك في الانبعاثات 4% والهند 3.5% وأفريقيا وأميركا الجنوبية أقل من 3%
- لن يتمكن أحد من استضافة قمة المناخ دون وجود المنتجات النفطية
- بعد مرور 32 عامًا ما زالت معضلة وفاء وتنفيذ البلدان المتقدمة بالتزاماتها مدرجة على جدول الأعمال
في سياق انعقاد كل مؤتمرات الأطراف للتغير المناخي، أو قمة المناخ، تخصّص العديد من المقالات للأطراف المختلفة لتوضيح ما يجب تحقيقه، ولكن بعد انتهاء كل قمة، قد يبدو الأمر وكأنّ المحادثات لم تؤدِ إلا إلى خُطوات بسيطة نحو الأمام.
وقد تبدو الأصوات العديدة في اجتماعات مؤتمر الأطراف في كثير من الأحيان وكأنها تتحدّث عن أهداف متناقضة، مع استبعاد بعض الآراء تقريبًا وتناسي التاريخ والهدف الأساسي وراء انعقاد هذه الاجتماعات.
ومع تزايد التحديات التي تواجهها اجتماعات قمة المناخ؛ هل نحتاج إلى إعادة النظر فيما اتّفق عليه الذين وقّعوا على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، التي أدّت إلى المفاوضات العالمية التي تُقام سنويًا، أو ما يُعرف اختصارًا بـ"UNFCCC"؟
ويتعيّن علينا أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة الواضحة والصريحة؛ مثلًا:
- هل انحرفنا بعيدًا عن الوثيقة الأصلية؟
- هل تُعقد قمم المناخ في عالم موازٍ منفصل عن واقعنا وعن الحقائق التي يواجهها السكان حول العالم؟
- هل أصبحت مؤتمرات قمة المناخ تلك بالنسبة إلى بعض الأطراف مجرد مسألة "فوز أو خسارة" بدلًا من تحقيق الفوز للجميع؟
- وكيف يمكن لاجتماعات قمة المناخ المقبلة أن تحقّق المزيد من هذه الأهداف؛ أي الفوز للجميع؟
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية
عندما وُقّعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، بذلت الأطراف التي وافقت عليها جهدًا كبيرًا للتمييز بين الدول المتقدمة من جانب، التي كانت وراء "أكبر حصة من الانبعاثات العالمية التاريخية والحالية"، والدول النامية من جانب آخر؛ إذ إن نصيب الفرد من الانبعاثات فيها ما يزال منخفضًا نسبيًا.
وفي الواقع، ما يزال هذا الفرق موجودًا حتى يومنا هذا.
ومن منظور تاريخي، فمنذ عام 1850 (انطلاق الثورة الصناعية)، بلغت حصة الولايات المتحدة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نحو 25%، في حين بلغت حصة الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 17%، ودول مجموعة السبع أكثر من 43%.

في المقابل، بلغت نسبة الدول الأعضاء في أوبك 4%، والهند 3.5%، وأفريقيا وأميركا الجنوبية أقل من 3%.
علاوة على ذلك، وعلى أساس نصيب الفرد من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة، فقد اتّسعت الفجوة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والدول غير الأعضاء فيها منذ عام 1992.
وقد تمّ تأكيد ذلك من خلال سطر مهم في الصفحة الأولى من الوثيقة الأولية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي سلّط الضوء على أن الاستجابة الدولية الفعّالة والمناسبة ينبغي أن تتفق مع مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة حسب قدرات الدول وظروفها (Common but differentiated responsibility) الاجتماعية والاقتصادية.
البعض يتغافل عن هذا التمييز
في يومنا الحالي، وفي بعض الأحيان، قد يبدو الأمر وكأنّ البعض يتغافل عن هذا التمييز في اجتماعات قمة المناخ، ولكن من المهم أن يظلّ هذا الأمر محوريًا في العملية للمضي قدمًا، ولصالح مسارات الطاقة المستقبلية الواقعية والعادلة للجميع.
علاوة على ذلك، وفي الصفحة الأولى، تؤكّد الوثيقة أيضًا الحق السياديّ للدول في استغلال مواردها الطبيعية وفقًا لسياساتها البيئية والتنموية.
وتؤكد الوثيقة -كذلك- أهمية الإقرار "بالصعوبات الخاصة التي تواجهها تلك البلدان، خاصة البلدان النامية، التي تعتمد اقتصاداتها بصفة أساسية على إنتاج الوقود الأحفوري واستهلاكه وتصديره، نتيجة للإجراءات المتخذة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة".
وبينما من الواضح اليوم أن الدول المنتجة للنفط تخفّض الانبعاثات من خلال تعزيز الكفاءة التشغيلية وتطوير التقنيات التكنولوجية الحالية والجديدة، فمن المهم أيضًا التذكير بهذا المبدأ الذي ما يزال ذات أهمية حتى يومنا هذا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك نحو 100 دولة تنتج النفط حاليًا في مختلف أنحاء العالم، في حين تستمر الدول المستهلكة في شرائه، مع تزايد الطلب العالمي على النفط سنة تلو الأخرى، وتظلّ المنتجات البترولية ضرورية للاحتياجات اليومية.
عند التمعن جيدًا، يبدو جليًا أنه لن يتمكّن أحد حتى من استضافة قمة المناخ دون وجود المنتجات النفطية، فعقد القمة يتطلّب سفر وتنقل آلاف الناس بالسيارات والقطارات والطائرات، وكلها تحتاج إلى منتجات نفطية.
كما أن كمية الكهرباء الضخمة المُستهلكة في أثناء القمة سواء في الإضاءة أو التبريد أو التدفئة، تستهلك كميات كبيرة من الغاز وأحيانًا منتجات نفطية.
وبينما كان لمنتجي النفط مقعد على الطاولة في الاجتماعات الثلاثة الأخيرة، بعدما استُبعدوا في قمة المناخ "كوب 26"، فمن المهم ألا ننسى الروح التي تنبثق في جميع أجزاء الوثيقة التأسيسية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الوثيقة التي تؤكد أنه ينبغي احترام جميع الآراء ووجهات النظر.

مسؤولية الدول المتقدمة
من النقاط الرئيسة الأخرى التي جرى تأكيدها في عام 1992، مسؤولية الدول المتقدمة في توفير موارد مالية إضافية وتقديمها، بما في ذلك الموارد اللازمة لتيسير نقل التكنولوجيا، لتمكين البلدان النامية من تغطية التكاليف الإضافية الكاملة المتفق عليها لتنفيذ التدابير التي أبرزتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وبعد مرور 32 عامًا، ما زالت معضلة وفاء وتنفيذ البلدان المتقدمة بالتزاماتها القائمة بسد فجوات التمويل وتوسيع نطاق تمويل المناخ للدول النامية مدرجة على جدول أعمال باكو، وفي حين تم التوصل إلى هدف تمويلي جديد هناك، فمن المهم أيضًا تحقيقه بالكامل.
إن الوثيقة التأسيسية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هي وثيقة شاملة تهدف إلى تلبية مصالح الجميع.
كما أن الروايات المناهضة للنفط التي ارتبطت بطريقة أو بأخرى بالمناقشات في قمة المناخ بأكثر من نسخة، ليس لديها أي أساس في النص الأصلي للاتفاقية.
كما تشير الاتفاقية إلى الحاجة "لأوسع تعاون ممكن"، وتعترف باحتياجات جميع الأمم والشعوب، من منظور السبل العادلة والمنصفة للمضي قدمًا. ولا تشير الاتفاقية إلى اختيار مصادر الطاقة، بل تتطرّق إلى الحاجة لتقليل الانبعاثات والاستفادة من التقنيات المناسبة.
إنه "نهج شامل"، وهو النهج الذي تواصل منظمة أوبك الدعوة إليه حتى يومنا هذا.. لا يمكننا أن نستبعد أي مصدر للطاقة، أو أي تكنولوجيا، فالعالم بحاجة إلى حلول عملية للجميع في اجتماعات قمة المناخ، التي تأخذ في عين الاعتبار جميع وجهات النظر، تمامًا كما كان منشودًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
موضوعات متعلقة..
- أمين عام أوبك: النفط أساسي في حياتنا اليومية.. ومتمسكون بدورنا في تلبية الطلب
- أمين عام أوبك: هدفنا توازن سوق النفط وليس تحديد الأسعار
- لماذا تفشل قمة المناخ كل مرة؟ وكيف يمكن إنقاذها؟ (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- 4 خبراء يحللون أداء سهم أرامكو بعد نتائج الأعمال.. وتوقعات مستقبلية
- التخلص من تخفيضات أوبك+ الطوعية وتوقعات أسعار النفط.. 6 خبراء يتحدثون
- اكتشاف غاز ومكثفات باحتياطيات تصل إلى 44 مليون برميل مكافئ