المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

عقوبات ترمب ضد النفط والغاز الروسيين.. تحديات وبدائل صعبة (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • اعتماد الاتحاد الأوروبي المستمر على الغاز المسال الروسي يؤكد معضلة الطاقة
  • • الكرملين يظل منفتحًا على المزيد من صادرات الغاز إلى أوروبا
  • • أسعار الغاز المرتفعة في أوروبا تجعل النفط أكثر جاذبية في الوقت الحالي
  • • الولايات المتحدة تظل تعتمد على واردات الخام الثقيل من كندا وفنزويلا

يواصل كل من النفط والغاز الروسيين تعزيز هيمنة موسكو في أسواق الطاقة العالمية، رغم العقوبات الغربية وتقلّبات السوق والتحديات التكنولوجية.

وتشهد ساحة الطاقة العالمية تحولات كبيرة، بسبب التحولات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية ومواءمة السياسات الإستراتيجية.

وفي ظل إدارة ترمب الثانية، من المقرر أن تتجه سياسة الطاقة الأميركية نحو التوسع المحلي وتقليل الاعتماد على النفط الأجنبي.

ويستكشف هذا التحليل التفاعل بين هذه التطورات، مع التركيز على عناصر الفحم والنفط والغاز الروسية، إلى جانب الآثار الأوسع نطاقًا لتحولات سياسة الطاقة الأميركية.

أولًا: النفط والغاز الروسيين.. المرونة في ظل الاضطرابات

أ. قطاع النفط.. أزمة سخالين

يمثّل قطاع النفط في روسيا حجر الزاوية في اقتصادها، إذ يُسهم بصورة كبيرة في إيرادات الحكومة ومكاسب النقد الأجنبي.

وعلى الرغم من العقوبات الغربية المستمرة والاضطرابات العسكرية الناجمة عن الهجمات الأوكرانية، فقد تكيّفت روسيا من خلال تنويع أسواق التصدير، خصوصًا زيادة صادرات النفط إلى آسيا، مع ظهور الصين والهند بصفتهما مستهلكَيْن رئيسَيْن للخام الروسي منخفض السعر.

بالإضافة إلى ذلك، استعملت موسكو آليات تجارية بديلة تشمل المعاملات بالروبل واليوان، فضلًا عن أساطيل ناقلات الظل لتجاوز القيود الغربية.

ويتمثّل التحدي الرئيس، الذي تواجهه روسيا، في الاعتماد التكنولوجي، إذ عرقلت العقوبات الوصول إلى تكنولوجيا الحفر والتكرير الغربية المهمة.

وقد يؤثر هذا القيد في كفاءة الإنتاج في الأمد البعيد، ما يجعل من الضروري لروسيا تطوير التقنيات المحلية أو الحصول على المعدات من شركاء بديلَيْن مثل الصين وإيران.

النفط الروسي

وعلى الرغم من هذه القيود، تظل مستويات الإنتاج في روسيا مستقرة، حيث سمحت الاستثمارات في قدرة التكرير المحلية ومرونة البنية الأساسية لموسكو بالحفاظ على الإنتاج وعلى أحجام صادراتها.

من جهة ثانية، يسلّط الحجم المتزايد من النفط الخام الروسي العالق في المخازن العائمة الضوء على الضغوط المتزايدة التي تفرضها العقوبات الأميركية على صادرات موسكو من النفط.

ونتيجة لبقاء 6.3 مليون برميل من النفط الخام من المحيط الهادئ من مشروعات سخالين معلّقة، فإن عدم تفريغ الشحنات بسبب الناقلات المدرجة على القائمة السوداء يهدّد بتعطيل سلسلة إمدادات الطاقة الروسية.

ويواجه مشروع سخالين-1 مشكلة لوجستية، إذ تصل ناقلاته المكوكية إلى قدرتها الكاملة، في حين يشهد مشروع سخالين-2 مشكلات مماثلة، إذ تتحرك سفينة رابعة الآن بسرعة ضئيلة قبالة هوكايدو اليابانية.

وفي الوقت نفسه، تستمر العقوبات الغربية في عرقلة تدفقات النفط الخام الروسية من القطب الشمالي، حيث تواجه الشحنات من ميناء مورمانسك حالة من الضبابية بشأن وجهاتها النهائية.

وتتحرّك بعض الناقلات المتجهة في الأصل إلى الهند، الآن، إلى شمال الصين، ما يُثير التكهنات حول ما إذا كان هذا يعكس تحول تفضيلات المشتري أو التعتيم المتعمد.

وبعيدًا عن العقبات اللوجستية، تشير هذه التطورات إلى تحدٍّ جيوسياسي أوسع نطاقًا لروسيا في سعيها إلى التعامل مع القيود والحفاظ على إيرادات التصدير.

وتشير التحركات المتغيرة للسفن الخاضعة للعقوبات -بما في ذلك ناقلة يبدو أنها متجهة إلى كوبا على الرغم من إدراج قناة السويس بصفتها وجهة سابقة- إلى أن موسكو تختبر طرقًا بديلة للالتفاف على القيود.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا تجنّبت، إلى حد كبير، نشر السفن المدرجة على القائمة السوداء في موانيها الرئيسة في بحر البلطيق، ما يشير إلى محاولة إستراتيجية للحد من الاضطرابات في مراكز التصدير الأكثر أهمية.

وعند بلوغ مرافق التخزين العائمة سعتها القصوى، وأصبح المشترون أكثر ترددًا في قبول الشحنات الخاضعة للعقوبات؛ فقد تواجه روسيا صعوبات متزايدة في الحفاظ على تجارتها النفطية، ما يزيد من تشديد الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية.

ويزيد إحجام الهند والصين عن قبول النفط الخام الذي تحمله السفن المدرجة على القائمة السوداء من تفاقم الوضع.

فقد غيّرت بعض شحنات النفط والغاز الروسيين المتجهة في البداية إلى الهند مسارها نحو شمال الصين، ما أثار تساؤلات حول المعاملات السرية المحتملة أو الترتيبات المالية البديلة.

وفي حال استمرار الاختناق في التخزين العائم، فقد تضطر روسيا إلى تعليق الإنتاج من هذه المشروعات مؤقتًا، ما يخلق اختلالًا في إمدادات الطاقة لدى المنطقة.

وفي أوروبا، يتضح تأثير العقوبات، إذ تظل شحنات النفط الخام بعد العقوبات من ميناء مورمانسك عالقة. وقد تجبر المخزونات المتزايدة من النفط غير المبيع روسيا على البحث عن طرق تجارية بديلة، مثل أساطيل الظل أو المعاملات غير الدولارية، للالتفاف على القيود.

في هذا الإطار، يؤكد اعتماد الاتحاد الأوروبي المستمر على الغاز المسال الروسي، مع ظهور فرنسا بصفتها أكبر مستورد له، معضلة الطاقة المستمرة في القارة على الرغم من الجهود المبذولة لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.

ب. الغاز الطبيعي.. تعزيز المكانة العالمية

شهد قطاع الغاز في روسيا انتعاشًا ملحوظًا في عام 2024، مدفوعًا بارتفاع الطلب المحلي، وتوسع إنتاج البتروكيماويات، وزيادة في أحجام الصادرات.

ووفقًا لنائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، بلغ إنتاج الغاز نحو 685 مليار متر مكعب، ما يمثّل زيادة بنسبة 7.6% مقارنة بالعام السابق.

وشهدت صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب ارتفاعًا أكثر حدة بنسبة 15.6%، متجاوزة 119 مليار متر مكعب، في حين نمت صادرات الغاز المسال بنسبة 4% إلى نحو 47.2 مليار متر مكعب.

وتتناقض هذه المكاسب مع قطاع النفط المتدهور الذي واجه انخفاضًا في الإنتاج بنحو 3%.

الغاز الروسي عبر خطوط الأنايب

وعلى الصعيد المحلي، ارتفع مستوى التغويز في روسيا إلى 74.7%، ما يعكس الجهود المستمرة لتوسيع نطاق الوصول إلى الغاز الروسي للمستهلكين السكنيين والصناعيين.

وفي الوقت نفسه، ظل نوفاك صامتًا بشأن تأثير العقوبات الغربية على مشروعات الغاز المسال الرئيسة مثل "أركتيك إل إن جي 2" و"كيه إس إن جي بورتوفايا"، ما يشير إلى أن القيود ما تزال تشكّل تحديات لطموحات الغاز الروسية.

وينبع جزء كبير من هذا التوسع من مشروعات البنية التحتية الجارية في إطار برنامج الغاز الشرقي، خصوصًا استمرار بناء خط أنابيب بيلوغورسك-خاباروفسك، الذي يهدف إلى تعزيز الربط بين خط باور أوف سيبيريا-1 وشبكة سخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك.

جدير بالذكر أن إمدادات الغاز اليومية إلى الصين عبر باور أوف سيبيريا-1 وصلت إلى المستوى التعاقدي الأقصى البالغ 38 مليار متر مكعب سنويًا قبل الموعد المحدد، إذ تجاوز إجمالي الشحنات التزامات شركة غازبروم الروسية (Gazprom) السنوية.

من ناحية ثانية، ما يزال طريق إمداد الغاز من الشرق الأقصى إلى الصين على المسار الصحيح للانتهاء في عام 2027.

وبالتوازي مع ذلك، تقترب محطة معالجة الغاز "أمور"، وهي حجر الزاوية في إستراتيجية الغاز المسال في روسيا، من الاكتمال، حيث يعمل خط إنتاجها الرابع منذ منتصف عام 2024.

وعلى الرغم من هذه التطورات، ما تزال جاهزية مجمع الغاز المحتوي على الإيثان في أوست-لوغا عند 46%، ما يشير إلى تأخيرات في توسيع البنية التحتية للغاز المسال على نطاق واسع.

وفي الإطار المحلي، كثّفت روسيا جهودها لتوسيع نطاق التغويز وتعزيز الغاز الطبيعي وقودًا للنقل.

وفي عام 2024، تم توصيل أكثر من 303 آلاف منشأة جديدة بشبكة الغاز، مع انتقال المؤسسات الطبية والتعليمية إلى أنظمة التدفئة التي تعمل بالغاز.

ووُقّع ما يقرب من 23 ألف عقد مع سكان القطاع الخاص، لدعم جهود الدولة من أجل توسيع نطاق الوصول إلى الغاز.

إلى جانب ذلك، تستمر إعانات البنية التحتية لملء الغاز في تسريع انتقال أساطيل النقل إلى وقود قائم على الميثان.

وتعمل الحكومة الروسية حاليًا على الانتهاء من إستراتيجيتها طويلة الأجل لسوق وقود الغاز، التي تستهدف زيادة كبيرة في الاستهلاك من 2.19 مليار متر مكعب في عام 2023 إلى 15.4 مليار متر مكعب بحلول عام 2035.

وعند تنفيذها بالكامل، فإن هذه الإستراتيجية من شأنها أن توسع بصفة كبيرة دور الغاز الطبيعي المضغوط والمسال في مزيج الطاقة في روسيا، ما يعزّز مكانتها بصفتها قوة عالمية في مجال الغاز على الرغم من الضغوط الاقتصادية الخارجية.

من ناحية ثانية، يؤكد أحدث بيانات تجارة الطاقة الاعتماد المستمر للكثير من الدول الأوروبية على الوقود الأحفوري الروسي، رغم الجهود الجارية التي يبذلها الاتحاد الأوروبي للحد من الاعتماد على موسكو.

وبرزت فرنسا بصفتها المشتري الرئيس للغاز المسال الروسي في يناير/كانون الثاني الماضي، فقد ارتفعت الواردات بنسبة 25% إلى 377 مليون يورو (389.80 مليون دولار)، تليها المجر وسلوفاكيا، اللتان شكلتا معًا ما يقرب من 600 مليون يورو (620.37 مليون دولار) من المشتريات.

من ناحيتها، واصلت بلجيكا وإسبانيا شراء النفط والغاز الروسيين، ما يسلط الضوء على تعقيدات قطع العلاقات بالكامل مع الإمدادات الروسية.

ويأتي هذا في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة في الاتحاد الأوروبي بسبب الاضطرابات السابقة في تدفقات الغاز من روسيا، ما دفع إلى تحول في أنماط التجارة العالمية للغاز المسال.

وأُعيد توجيه ما لا يقل عن 7 شحنات من الغاز المسال كانت متجهة في الأصل إلى آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية إلى أوروبا، مستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز.

وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التزام الاتحاد الأوروبي بالتخلي عن واردات الغاز الروسي مع السعي إلى استقرار تكاليف الطاقة، وتوقع إستراتيجية طاقة مفصلة في فبراير/شباط الجاري.

من جهته، يظل الكرملين منفتحًا على مزيد من صادرات الغاز إلى أوروبا، وهو ما يؤكد الصراع الجيوسياسي حول الاعتماد على الطاقة في المنطقة.

ويعود ذلك إلى أن أسعار الغاز المرتفعة في أوروبا تجعل النفط أكثر جاذبية في الوقت الحالي. فقد تجاوزت أسعار الغاز الطبيعي في المنطقة 100 دولار للبرميل.

ويحفّز هذا الارتفاع احتمال استعمال المزيد من وقود الديزل بدلًا من الغاز.

ج. الفحم والكهرباء.. التكيّف مع الحقائق الجديدة

واجه قطاع الفحم في روسيا ظروفًا صعبة في عام 2024، إذ فرض انخفاض الصادرات وتقلص الطلب المحلي ضغوطًا على القطاع.

وعلى الرغم من زيادة الإنتاج المتواضعة بنسبة 1.1%، فقد بلغ الإنتاج 443.5 مليون طن، وهي زيادة غير متوقعة بالنظر إلى التوقعات السابقة للانكماش.

رغم ذلك، انخفضت صادرات الفحم بنسبة 7.7% إلى 196.2 مليون طن، ما يعكس الصعوبات في تأمين الأسواق الخارجية، وسط العقوبات الغربية وتحول سياسات الطاقة العالمية.

وانخفض الاستهلاك المحلي بنسبة 1.8%، ما زاد من إضعاف القطاع.

صادرات الفحم الروسي

واستجابة لذلك، تعمل الحكومة الروسية على منع الأزمة الكاملة من خلال إعطاء الأولوية لمشروعات البنية التحتية التي تسهل صادرات الفحم إلى آسيا.

وتشمل المبادرات الرئيسة تطوير ميناء "إلغا" وخط سكة حديد المحيط الهادئ، ومن المتوقع أن يعملا بكامل قدرتهما في عام 2025، ما يعزّز قدرة نقل الفحم إلى الشرق.

وفي الوقت نفسه، يشير توسع تداول الفحم على منصة سبيمكس SPIMEX -فقد ارتفعت الأحجام بأكثر من 5 أضعاف مقارنة بعام 2023- إلى جهد لزيادة شفافية السوق وكفاءتها.

وتشير هذه التدابير إلى أنه في حين يتعرّض قطاع الفحم للضغوط، تضاعف موسكو إستراتيجياتها لتوجيه الصادرات نحو آسيا والحفاظ على دورها موردًا عالميًا رئيسًا للفحم.

ثانيًا: تحول سياسة الطاقة الأميركية

يعكس الدعم الكبير الذي يبذله دونالد ترمب لإعادة تشكيل قطاع الطاقة الأميركي إستراتيجيته الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع نطاقًا، ولكن جدوى هذه الإستراتيجية ما تزال غير مؤكدة إلى حد كبير.

فقد أصبحت وعود حملته الانتخابية بزيادة إنتاج النفط المحلي بنحو 3 إلى 4 ملايين برميل يوميًا وتسليم البنزين الرخيص إلى المستهلكين الأميركيين رسمية الآن من خلال الأوامر التنفيذية التي أعلنت حالة "طوارئ" الطاقة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب

وفي ظل سياسته "لزيادة التنقيب والإنتاج"، فتح ترمب مناطق جديدة شاسعة لاستكشاف النفط، بما في ذلك أقسام من الجرف القاري واحتياطيات ألاسكا في القطب الشمالي.

إزاء ذلك، يظل الخبراء متشككين في قدرة المنتجين الأميركيين على زيادة الإنتاج بسرعة كافية لتحقيق هذه الأهداف.

وبالنظر إلى إنتاج يبلغ حاليًا 13 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن يزيد بصورة متواضعة إلى 13.44 مليون برميل في عام 2025، تظل الولايات المتحدة تعتمد على الواردات، خصوصًا الخام الثقيل من كندا وفنزويلا، الذي حُسّنت العديد من المصافي الأميركية لمعالجته.

ثالثًا: إغراق السوق بالنفط الخام

يؤكد تواصل ترمب مع منظمة أوبك، وحثّ الدول الأعضاء على إغراق السوق بالنفط الخام لخفض الأسعار العالمية، التحديات التي يواجهها.

ودون زيادة كبيرة في الإنتاج المحلي، سيحتاج البيت الأبيض إلى موردين أجانب للمساعدة في استقرار تكاليف الوقود.

في المقابل، أمضى تحالف أوبك+ سنوات في ضبط حدود الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار، وقد يقاوم أعضاؤه ضغوط واشنطن، خصوصًا أن أسعار النفط تحوم حول 75-76 دولارًا للبرميل، أقل بقليل من هدف 80 دولارًا الذي يفضّله المنتجون الرئيسون.

وفي حال رفض منظمة أوبك التعاون، فقد يضطر ترمب إلى البحث عن مصادر بديلة، بما في ذلك الواردات من الدول الخاضعة للعقوبات مثل فنزويلا وحتى روسيا، وهي مفارقة ساخرة بالنظر إلى القيود التجارية الصارمة التي فرضتها إدارة بايدن في يناير/كانون الثاني الماضي.

النفط الفنزويلي

وستكون التكلفة السياسية لمثل هذه الخطوة كبيرة، بالنظر إلى خطاب ترمب "أميركا أولًا".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، انخفض إنتاج النفط في روسيا إلى ما دون حصة أوبك+، حسبما ذكرت بلومبرغ نقلًا عن مصادرها. لا تزال البيانات الرسمية عن إنتاج النفط في البلاد سرية.

وتزداد الأمور تعقيدًا، إذ تهدّد الحرب التجارية التي يشنها ترمب على كندا أحد أكثر موردي الطاقة موثوقية في أميركا.

وقد أثارت خطته لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الكندية ردود فعل عنيفة من أوتاوا، فقد حذرت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، من أن كندا قد توقف شحنات النفط إلى الولايات المتحدة بالكامل.

وهذا من شأنه أن يجعل واشنطن تتسابق لاستبدال ما يقرب من 650 ألف برميل يوميًا من الخام الكندي، وهي الفجوة التي لا تستطيع فنزويلا وحدها سدها.

وبفضل إجمالي صادرات يزيد قليلًا على 770 ألف برميل يوميًا، ستحتاج كاراكاس إلى مضاعفة شحناتها 3 مرات للتعويض، وهو إنجاز يكاد يكون مستحيلًا نظرًا إلى البنية التحتية النفطية المتعثرة في فنزويلا.

وقد يجبر هذا الوضع الولايات المتحدة على اللجوء إلى النفط الإيراني أو حتى الروسي من خلال عمليات الشراء الخفية، وهي الإستراتيجية التي استُغلت بهدوء من قبل، وإن كان ذلك بكميات صغيرة.

وفي عام 2022، اشترت شركات أميركية 10 آلاف برميل من الخام الروسي على الرغم من العقوبات، وهي سابقة يمكن توسيعها إذا كان ترمب عازمًا على الوفاء بوعود حملته الانتخابية بأي وسيلة ضرورية.

رابعًا: الخلاصة

يسلّط مشهد الطاقة المتقلّب الضوء على أهمية القدرة على التكيّف والمرونة والاستشراف الإستراتيجي.

وعلى الرغم من أن إدارة ترمب تدفع نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة، يواصل النفط والغاز الروسيان تعزيز هيمنتها العالمية على الطاقة.

وسوف تحدد السنوات المقبلة المناورات الجيوسياسية والتكيف التكنولوجي وإعادة توجيه السوق، وكلها ستؤدي دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل أمن الطاقة العالمي والاستقرار الاقتصادي.

وتُعد الآثار الجيوسياسية الأوسع لسياسة ترمب في مجال الطاقة عميقة.

وفي حال زيادة الولايات المتحدة الإنتاج بصورة كبيرة، فقد يؤدي ذلك إلى خفض أسعار النفط العالمية إلى 40 دولارًا للبرميل، ما يجعل استخراج النفط الصخري المكلف غير مربح ويجبر العديد من المنتجين الأميركيين على ضائقة مالية دون إعانات حكومية كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار الرأسمالي الضخم المطلوب لتطوير حقول النفط في القطب الشمالي والبحرية -الذي يُقدر بأكثر من 11 تريليون دولار بحلول عام 2045، مع احتياج 65% منه في أميركا الشمالية وحدها- يثير الشكوك حول مشاركة القطاع الخاص.

وما لم تظل أسعار النفط الخام أعلى كثيرًا من 100 دولار للبرميل، فقد يفضّل المستثمرون توجيه أموالهم إلى أماكن أخرى، الأمر الذي يجعل طموحات ترمب الكبرى في مجال الطاقة غير ممولة بالقدر الكافي.

في هذا الإطار، سوف تخضع التحركات التالية لواشنطن لمراقبة دقيقة ليس فقط من جانب أوبك وروسيا، بل من جانب الصين، التي كانت تعمل على تأمين صفقات الطاقة مع دول الخليج للحد من اعتمادها على الأسواق الغربية.

وفي حال فشل سياسات ترمب في تحقيق أهدافها، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أكثر ضعفًا في لعبة الطاقة العالمية، إذ تعتمد على خصوم مثل روسيا في الإمدادات الحيوية، في حين تنفّر حلفاء مهمين مثل كندا والمملكة العربية السعودية.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق