تحديات أمن الطاقة.. 7 معوقات تهدد الإمدادات والأسعار (مقال)
د. منال سخري*
![أمن الطاقة](https://attaqa.net/wp-content/uploads/2025/02/610708a014e4273f7a5a23b9ca4e77a7.jpg)
في عصر تتزايد فيه التحديات البيئية والجيوسياسية، أصبح ضمان التوازن بين أمن الطاقة والأمن البيئي أمرًا حيويًا لمستقبل التنمية المستدامة.
وتعدّ الطاقة أحد المحركات الأساسية للاقتصادات الحديثة، بينما يُعدّ الحفاظ على البيئة وحمايتها من التدهور مسؤولية مشتركة بين الدول.
وفي هذا السياق، يتعين على العالم البحث عن حلول توازن بين تأمين إمدادات الطاقة وحماية كوكب الأرض من الأضرار الناتجة عن الاستعمال غير المستدام لموارد الطاقة.
كان أمن الطاقة في بداياته يرتكز على تفادي أزمات نقص الإمدادات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتهدّد الاستقرار الاقتصادي.
وتَرسَّخ هذا المفهوم بعد أزمة النفط عام 1973، عندما أوقفت الدول العربية صادراتها ردًا على الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي، وتكرر الأمر خلال الحرب الإيرانية عام 1979.
لكن التحولات العالمية والتطورات الجيوسياسية جعلت أمن الطاقة أكثر تعقيدًا، متجاوزًا مجرد ضمان الإمدادات، ليشمل أبعادًا اقتصادية، وسياسية، وبيئية، وأمنية أوسع.
ومع تزايد التنافس على مصادر الطاقة المتجددة، أصبحت الأسواق عرضة لمتغيرات عديدة، كالحروب والنزاعات، مما عزز مكانة الطاقة بصفتها عاملًا إستراتيجيًا مؤثرًا في الاقتصاد والسياسة الدولية.
مفهوم أمن الطاقة
رغم تعدُّد الدراسات حول مفهوم أمن الطاقة، ما يزال يفتقر إلى تعريف موحَّد بسبب تباين الرؤى حول معناه الدقيق.
وقال خبير الطاقة والمؤرخ الأميركي دانيال يرغين: "الجميع يؤيد أمن الطاقة، لكنّ هناك تباينًا كبيرًا في تفسيره".
ويختلف مفهوم الأمن الطاقي باختلاف الجهات الفاعلة، فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يعني ضمان إمدادات مستدامة من الطاقة بأسعار معقولة، مع القدرة على التكيف مع تقلبات السوق، في حين يركّز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على توافر الطاقة دون الإضرار بالبيئة.
أمّا على مستوى الدول، فالمستهلكة منها تراه مرتبطًا بتأمين إمدادات كافية بأسعار مستقرة، مع مخزون احتياطي لمواجهة الأزمات.
وفي المقابل، تعدّه الدول المصدّرة مرهونًا باكتشاف مصادر جديدة وضمان استمرار التصدير عبر التقنيات المتطورة التي تعزز الإنتاج وتخفض التكاليف.
أهمية الطاقة للتنمية الاقتصادية
تؤدي الطاقة دورًا محوريًا في الحياة الحديثة، إذ تمثّل أساسًا لكل القطاعات الاقتصادية، من الصناعة والزراعة، إلى النقل والتكنولوجيا.
ومع تزايد الطلب العالمي على الطاقة بمعدل 1.3% سنويًا، خاصة في الدول النامية، ما تزال المصادر الأحفورية كالنفط والغاز والفحم تشكّل أكثر من 80% من مزيج الطاقة العالمي.
وتُعدّ الطاقة عنصرًا حاسمًا لتحقيق التنمية المستدامة، إذ تسهم في القضاء على الفقر، وتعزيز التصنيع، وضمان مدن مستدامة، فدون إمدادات مستقرة، يصبح تحقيق التنمية الاقتصادية أمرًا بالغ الصعوبة، مما يجعل الأمن الطاقي أولوية إستراتيجية على المستوى العالمي.
التحديات التي تواجه أمن الطاقة
يواجه أمن الطاقة العديد من التهديدات التي تؤثّر بشكل كبير في استقرار الإمدادات وأسعار الطاقة، ومن أبرز هذه التحديات:
- الاضطرابات الجيوسياسية:
تؤدي التوترات والصراعات في مناطق إنتاج الطاقة الرئيسة، مثل الشرق الأوسط، إلى تعطيل الإمدادات وارتفاع الأسعار، فعلى سبيل المثال، كانت النزاعات في هذه المنطقة سببًا في اضطراب إنتاج النفط والغاز، ما أدى إلى تقلبات حادّة في أسواق الطاقة العالمية.
- الإرهاب الدولي:
تستهدف الجماعات الإرهابية البنية التحتية للطاقة، مثل خطوط الأنابيب والمنشآت النفطية، مما يسبّب تعطيل الإمدادات ويزيد من المخاطر الأمنية، وفي بعض الحالات، تؤدي هذه الهجمات إلى تهديد سلامة العاملين في القطاع، وهو ما يعزز هشاشة الأمن الطاقي.
- التقلبات الاقتصادية:
تؤثّر الأزمات الاقتصادية مباشرةً باستقرار أسواق الطاقة، وعلى سبيل المثال، يؤدي الركود الاقتصادي إلى انخفاض الطلب على الطاقة، بينما يسبّب الانتعاش السريع وزيادة مفاجئة في الطلب، ما يؤدي إلى تقلبات شديدة في الأسعار، فوفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة، من المتوقع أن يستمر الطلب العالمي على الطاقة في النمو بمعدل 1.3% سنويًا حتى عام 2030، وهو ما يزيد من التحديات المرتبطة بتوازن العرض والطلب.
- الكوارث الطبيعية:
تشكّل الظواهر الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل تهديدًا كبيرًا للبنية التحتية للطاقة، فعلى سبيل المثال، في عام 2020، تسببت الأعاصير بتعطيل الإنتاج النفطي في خليج المكسيك، ما أدى إلى تقلبات في أسعار النفط وتوقُّف عمليات النقل والتوزيع لأوقات طويلة.
![أبراج كهربائية](https://attaqa.net/wp-content/uploads/2024/01/e84c15a11fddda1d6c51d1654c2c6a30.jpg)
- نقص الاستثمارات في قطاع الطاقة:
يؤدي نقص الاستثمارات في تطوير البنية التحتية للطاقة إلى تقادم المنشآت وعدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد، مما يهدد استدامة الإمدادات، وتشير التوقعات إلى أن العالم بحاجة إلى استثمار ما لا يقل عن 4.5 تريليون دولار في البنية التحتية للطاقة بحلول عام 2040 لضمان تلبية الطلب المستقبلي.
- التحديات البيئية:
تفرض اللوائح البيئية الصارمة قيودًا على إنتاج واستهلاك الطاقة التقليدية، مما يتطلب تحولًا إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، وهذا التحول يواجه تحديات تقنية ومالية كبيرة، ويستلزم استثمارات ضخمة في البحث والتطوير لتجاوز العوائق التقنية المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة.
- الاعتماد المفرط على مصادر محددة:
يعتمد عدد من الدول على مورد واحد للطاقة، مما يعرّضها لمخاطر كبيرة في حال حدوث اضطرابات، فعلى سبيل المثال، الدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط قد تجد نفسها في مواجهة تحديات كبيرة إذا ما نشبت أيّ صراعات في تلك المناطق.
ولمواجهة التحديات، من أجل ضمان أمن الطاقة، ينبغي على الدول تبنّي سياسات استباقية تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز كفاءة استعمالها، وتطوير خطط طوارئ شاملة، كما يجب تعزيز التعاون الدولي لتقوية استقرار الأسواق العالمية وضمان استدامة الإمدادات
تأثيرات الطاقة بالأمن البيئي
يعدّ الأمن البيئي جزءًا أساسيًا من الأمن القومي، إذ يهدف إلى تقليص المخاطر البيئية والحدّ من تأثيراتها بصحة الإنسان وسلامة المجتمعات.
وتعتمد إستراتيجية الأمن البيئي المتكاملة على الوقاية واليقظة، مماثلةً لتلك التي تُعتمد في الأمن الوطني لمواجهة التهديدات التي تستهدف استقرار الدولة وسيادتها.
التلوث البيئي: يعتمد العديد من الدول على استعمال مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز والفحم لتحقيق أمن الطاقة، ولكن، يؤدي استخراج واستعمال هذه المصادر إلى انبعاث غازات دفيئة وتلوث الهواء والماء، مما يشكّل تهديدًا للأمن البيئي.
تغير المناخ: يعزز الاستعمال المكثّف للوقود الأحفوري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يسهم في الاحتباس الحراري وتغير المناخ، وهذه التغيرات تؤثّر سلبًا بالنظم البيئية والتنوع البيولوجي.
استنزاف الموارد الطبيعية: السعي لتحقيق أمن الطاقة قد يتطلب استغلالًا مفرطًا للموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى تدهور بيئي وفقدان للتنوع البيولوجي.
النفايات الخطرة: بعض عمليات إنتاج الكهرباء، مثل تلك المتعلقة بالطاقة النووية، تولّد نفايات خطرة تحتاج إلى إدارة دقيقة لتجنُّب تأثيراتها السلبية في البيئة.
ولمعالجة هذه التأثيرات السلبية، يتجه العديد من الدول نحو تحول الطاقة، الذي يشمل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح، إذ يهدف هذا التحول إلى تحقيق توازن بين أمن الطاقة والحفاظ على البيئة، ومن ثم دعم التنمية المستدامة.
التوازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة
تحقيق التوازن بين الأمن الطاقي والأمن البيئي يُعدّ من أبرز التحديات المعاصرة، إذ يتطلب تبنّي إستراتيجيات تضمن تلبية احتياجات الطاقة المستدامة، مع الحفاظ على صحة البيئة.
- أولًا: يُسهم تنويع مصادر الطاقة في تعزيز أمن الطاقة، إذ يقلل الاعتماد الكبير على مصادر طاقة تقليدية ومؤقتة، مما يقلل الحاجة إلى استعمال مصادر ملوثة في حالات النقص.
- ثانيًا: يُعدّ الانتقال إلى الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خطوة أساسية في تحقيق التوازن بين أمن الطاقة والبيئة، إذ توفر هذه المصادر طاقة مستدامة ونظيفة تسهم في حماية البيئة.
- ثالثًا: تحسين كفاءة الطاقة يُعدّ أحد العوامل المهمة في تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الضارة، مما يعزز من استدامة إمدادات الطاقة.
- رابعًا: تبنّي الدول سياسات تنموية شاملة تأخذ في حسبانها الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية لضمان توفير الطاقة دون التأثير السلبي بالبيئة.
من خلال هذه الإستراتيجيات، يمكن تحقيق توازن فعّال بين تلبية احتياجات الطاقة وحماية البيئة، وهو ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. علاوة على ذلك، تُعدّ كفاءة الطاقة وتحسين تقنيات الإنتاج من الأسس الحيوية لتقليل التأثيرات البيئية السلبية، إذ تسهم تحسينات الكفاءة في تقليل الفاقد وتحقيق فوائد بيئية واقتصادية.
ومن ثم، يتطلب تحقيق أمن الطاقة المستدام تبنّي إستراتيجيات تراعي التأثيرات البيئية، وتعزز من استعمال التقنيات النظيفة والممارسات الصديقة للبيئة.
ولا شك أن تحقيق التوازن بين أمن الطاقة والأمن البيئي يمثّل تحديًا معقّدًا، لكنه في الوقت نفسه فرصة لبناء مستقبل أكثر استدامة، فمن خلال التنوع في مصادر الطاقة والانتقال إلى الطاقات المتجددة، وكذلك تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، نستطيع تأمين إمدادات الطاقة المطلوبة، مع الحدّ من الآثار البيئية السلبية.
وبتبنّي إستراتيجيات شاملة تأخذ في الحسبان الأبعاد الاقتصادية والبيئية، سيتمكّن العالم من تحقيق تنمية مستدامة تحقق التوازن بين الاحتياجات البشرية وحماية البيئة.
* د.منال سخري - خبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تعاون روسيا وإيران في مجال الطاقة.. هل يخفّف تأثير العقوبات الدولية؟ (مقال)
- كفاءة الطاقة بقطاع النقل في الجزائر.. كيف تدعم العمل المناخي؟ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- توقعات صفقات الدمج والاستحواذ في النفط والغاز.. كيف تستفيد قطر والإمارات؟
- مسؤول: اكتشافات الغاز في المغرب ليست من الطراز العالمي
- ستتجه لدولة عربية.. منصة عملاقة تتوقف عن الإنتاج من حقل احتياطياته مليار برميل