المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

تعاون روسيا وإيران في مجال الطاقة.. هل يخفّف تأثير العقوبات الدولية؟ (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • إيران وروسيا اتفقتا على تنسيق تنفيذ المشروعات في قطاع النفط والغاز
  • • المناطق الشمالية من إيران تعاني حاليًا نقصًا كبيرًا في الغاز
  • • إنتاج النفط في روسيا تعرّض للضغوط بسبب استمرار تنفيذ اتفاقيات تحالف أوبك+
  • • توقعات بأن يتراوح إنتاج النفط الروسي في عام 2024 بين 505 و515 مليون طن

يهدف التعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة إلى تخفيف تأثير العقوبات الدولية وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، وتعزيز التكامل الإقليمي.

ويمثّل هذا التعاون عامل استقرار لعلاقات الطاقة المتطورة في منطقة أوراسيا التي تتميّز بموارد متنوعة وموقع جغرافي مهم.

ومن أهم التطورات في هذه الشراكة هو توريد الغاز الروسي إلى إيران عبر أذربيجان، الذي اتُّفق عليه مؤخرًا في المحادثات الثنائية رفيعة المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان.

ويمتد هذا التعاون إلى ما هو أبعد من مجرد اتفاقيات تجارية بسيطة، ويؤدي دورًا في تحقيق أهداف جيوسياسية أوسع نطاقًا، مثل الالتفاف على العقوبات الغربية، وضمان أمن الطاقة الإقليمي، وزيادة النفوذ الاقتصادي لكلا البلدين داخل أسواق الطاقة العالمية.

أولًا: التعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة

شهدت علاقات الطاقة بين روسيا وإيران تعزيزًا مستمرًا في السنوات الأخيرة، واقتربت الدولتان، اللتان تواجهان مستويات متفاوتة من العقوبات الغربية، من بعضهما بعضًا في سياساتهما المتعلقة بالطاقة.

وفي الوقت الذي تواجه فيه روسيا عقوبات تستهدف صناعاتها النفطية والغازية والتحديات المستمرة التي تفرضها الحرب في أوكرانيا، فإنها تبحث عن أسواق بديلة لصادراتها من الطاقة.

بدورها، تحرص إيران التي تعاني قيودًا ناجمة عن العقوبات، على تأمين مصادر موثوقة للطاقة، سواء للاستهلاك المحلي أو وسيلة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي.

وقد تحقّق أحدث إنجاز في هذه الشراكة في 17 يناير/كانون الثاني 2025، خلال المحادثات رفيعة المستوى بين الرئيسَيْن فلاديمير بوتين ونظيره مسعود بزشكيان.

ووقّع الزعيمان اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة تشمل مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والأمن والخدمات اللوجستية.

وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات الوثيقة، لا سيما في قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية.

(من اليمين) الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين
(من اليمين) الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين

ويتمثّل أحد الجوانب الرئيسة للاتفاقية في نية تطوير وتوسيع ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب (ITC)، الذي من شأنه تسهيل الحركة السلسة للسلع، بما في ذلك إمدادات الطاقة، بين روسيا وإيران وغيرهما من الشركاء الإقليميين الرئيسين.

التعاون في مجال الطاقة النووية

بحسب وزارة الطاقة الروسية، اتفق الجانبان على تنسيق تنفيذ المشروعات في قطاع النفط والغاز، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة النووية.

من ناحيتها، شاركت شركة روساتوم (Rosatom) الروسية المملوكة للدولة في بناء محطة بوشهر للطاقة النووية الإيرانية، إلى جانب مشروعات جديدة قيد الدراسة.

وناقش البلدان الاستثمارات المشتركة في تطوير حقول النفط الإيرانية وتوسيع مشاركة روسيا في قطاع البتروكيماويات الإيراني.

وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المحادثات إلى أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين ارتفع بنسبة 15.5% في عام 2024، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى البيئة الاقتصادية العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، اتجه كلا البلدين نحو استعمال عملتيهما الوطنية في التجارة الثنائية، ما أدى إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي واليورو في معاملاتهما.

ويعكس هذا التعاون المالي الرغبة المشتركة بين روسيا وإيران في تعزيز الاستقلال الاقتصادي ومواجهة الضغوط المالية الغربية.

ومن بين المشروعات البارزة في التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة بناء وحدتَيْن نوويتين جديدتين في محطة بوشهر للطاقة النووية من قِبل شركة روساتوم، ومن المتوقع أن يعزّز هذا المشروع بصفة كبيرة قدرة إيران على توليد الكهرباء.

عمليات تبادل الغاز

حقّقت روسيا وإيران خطوات واسعة في مجال الغاز الطبيعي، مع التركيز على عمليات تبادل الغاز وصادراته المباشرة.

ووقعت شركتا غازبروم الروسية (Gazprom) والغاز الوطنية الإيرانية مذكرة تفاهم إستراتيجية في يونيو/حزيران 2024، التي حدّدت الخطوط العريضة لتنظيم إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى إيران.

وتشير المذكرة إلى أنه من الممكن توريد ما يصل إلى 300 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا إلى إيران في المرحلة الأولى، وهو ما من شأنه أن يغطي احتياجات الاستهلاك المحلي ويغذي الأسواق المجاورة.

ومن الممكن أن يؤدي هذا المستوى من الإمدادات إلى تحويل مشهد الطاقة الإيراني، لأنه سيضمن استقرار الطاقة وأمنها في المناطق الشمالية من البلاد، التي تعاني حاليًا من نقص كبير في الغاز.

شعار شركة غازبروم الروسية
شعار شركة غازبروم الروسية – الصورة من رويترز

ثانيًا: طريق نقل الغاز الأذربيجاني

كان التطور الأهم في ترتيبات توريد الغاز بين روسيا وإيران هو القرار بنقل إمدادات الغاز عبر أذربيجان. هذا الطريق، الذي يشمل خط أنابيب حاجيكابول-أستارا-عبادان، من شأنه أن يسمح لروسيا بنقل الغاز الطبيعي إلى إيران عبر أذربيجان، متجاوزة طرقًا أخرى قد تكون أكثر عرضة للعقوبات أو التوترات الجيوسياسية.

ويُعد هذا قرارًا إستراتيجيا مهمًا، إذ توفّر البنية التحتية في أذربيجان، ولا سيما شبكة خطوط أنابيب الغاز، حلًا آمنًا وعمليًا لنقل الغاز الروسي إلى إيران.

وأكد وزير الطاقة الروسي، في أوائل عام 2025، أنه اتُّفق على الطريق عبر أذربيجان، إذ وصلت الدولتان إلى المراحل النهائية من التفاوض على الشروط.

ورغم أن حجم الغاز الذي سيُنقل في المراحل الأولية لا يزال غير معلن، فمن المتوقع أن يكون كمية متواضعة، ربما تصل إلى مليارَي متر مكعب سنويًا.

وفي الوقت نفسه، فإن التوسع المستقبلي قد يزيد هذا الحجم بشكل كبير، ليصل إلى 55 مليار متر مكعب سنويًا مع استمرار تطوير البنية التحتية.

وتمثّل شبكة خط الأنابيب الأذربيجاني في حد ذاتها أحد الأصول المهمة.

ويربط خط أنابيب حاجيكابول-أستارا-عبادان أذربيجان بالبنية التحتية للطاقة في جنوب إيران، ما يسهل نقل الغاز عبر الحدود.

ويُعد هذا الخط جزءًا من إستراتيجية أكبر لربط روسيا وإيران وآسيا الوسطى في شبكة طاقة توفر قدرًا أكبر من المرونة والقدرة على التكيف.

ويتمتع الطريق بأهمية إستراتيجية بالنسبة إلى أذربيجان نفسها، لأنه يضع البلاد في مركز شبكة طاقة إقليمية أصبحت تعتمد بصورة أقل على قنوات الطاقة الغربية.

منصة بحرية في حقل سلمان النفطي بالقرب من جزيرة لافان الإيرانية
منصة بحرية في حقل سلمان النفطي بالقرب من جزيرة لافان الإيرانية – الصورة من بلومبرغ

مفاوضات تحديد سعر الغاز

تتعلق العقبة الأخيرة في الاتفاق بين روسيا وإيران بتحديد سعر الغاز والكمية المحددة التي ستُنقل في المرحلة الأولية.

وحسبما أكد الرئيس بوتين ومسؤولون روس آخرون، فإن هيكل التسعير يعتمد على نموذج التكافؤ الذي يربط القيمة الحرارية للنفط والغاز.

ويُعد هذا النهج نموذجيًا في اتفاقيات الطاقة، ويمكن أن يصبح قضية مثيرة للجدل في أثناء تفاوض البلدين على صيغة مفيدة للطرفين.

التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع نطاقًا

تشكل الشراكة الروسية الإيرانية في مجال الطاقة، التي تيسرها أذربيجان، تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا من الممكن أن تكون له آثار دائمة في أسواق الطاقة العالمية.

ومن خلال تجاوز طرق التجارة والأسواق التي يسيطر عليها الغرب، تعمل روسيا وإيران على بناء شبكة طاقة أكثر اعتمادًا على الذات، التي قد تكون بمثابة نموذج للدول الأخرى التي تتطلع إلى الهروب من النفوذ الاقتصادي الغربي.

ومن شأن توسيع ممر الطاقة هذا أن يقلل من النفوذ العالمي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خصوصًا في تسعير الطاقة والسيطرة على سلاسل إمدادات الطاقة.

الدور الإستراتيجي لأذربيجان

تُعد الأهمية المتزايدة لأذربيجان -بصفتها مركز عبور لصادرات الطاقة- نتيجة مباشرة لموقعها الجغرافي المركزي بين روسيا وإيران.

ويُسهم قرار البلاد بالتعاون مع كل من روسيا وإيران مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب في منحها مكانة إستراتيجية متميزة.

ومن المتوقع أن تستفيد أذربيجان بصورة كبيرة من هذا الترتيب، بصفتها دولة عبور ومن خلال فرص الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، التي قد تشهد نموًا كبيرًا نتيجة للاستثمار الروسي والإيراني.

ويمكن للدور الذي تؤديه أذربيجان وسيطًا لتجارة الطاقة بين روسيا وإيران أن يضعها في صميم ممر جديد للطاقة من شأنه أن يغير توازن الطاقة الإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تعاون أذربيجان مع روسيا وإيران يدعم موقفها في المفاوضات مع اللاعبين الدوليين الرئيسين الآخرين في مجال الطاقة، مثل الاتحاد الأوروبي والصين والهند.

أمن الطاقة في المنطقة

يحمل الاتفاق الروسي الإيراني في مجال الطاقة آثارًا كبيرة في أمن الطاقة الإقليمي، خصوصًا في سياق الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

محطة بوشهر للطاقة النووية الإيرانية
محطة بوشهر للطاقة النووية الإيرانية – الصورة من بلومبرغ

ومن الممكن أن يؤدي التكامل المتزايد بين قطاعي الطاقة في روسيا وإيران إلى مزيد من الاستقرار الإقليمي، إذ ستُصبح الدولتان أقل عرضة للاضطرابات الخارجية في إمداداتهما من الطاقة.

ويُعد هذا مهمًا بالنسبة إلى إيران التي خضعت بنيتها التحتية للطاقة منذ فترة طويلة للعقوبات والقيود الغربية. ومن خلال تأمين شريك موثوق به في مجال الطاقة في روسيا، تنجح إيران في حماية نفسها من تقلبات السوق العالمية والاضطرابات المحتملة الناجمة عن السياسة الغربية.

رابعًا: التكيف الإستراتيجي لروسيا في سوق النفط والغاز العالمية

في سياق سوق الطاقة العالمية المتطورة، تواجه روسيا منافسة متزايدة، خصوصًا من الولايات المتحدة، حيث أدى تنصيب الرئيس دونالد ترامب وسياساته المتعلقة بالطاقة إلى تحول ديناميكيات قطاع النفط والغاز العالمي.

وفي الوقت نفسه، تمر روسيا بفترة مضطربة تتسم بالعقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف قطاعات رئيسة في صناعة الطاقة لديها.

ورغم هذه التحديات، أظهر قطاع النفط والغاز في روسيا مرونة، واستجاب للضغوط المحلية والدولية بتحركات إستراتيجية تنطوي على تنويع السوق، وتوسيع البنية الأساسية، وتعزيز قدرات إنتاج الطاقة.

ويستكشف هذا التحليل العوامل الرئيسة التي تشكل صناعة الطاقة في روسيا، مع التركيز على المنافسة مع الولايات المتحدة، والعقوبات الأخيرة، وإستراتيجية الطاقة الأوسع لروسيا في مواجهة هذه التحديات الجيوسياسية الجديدة.

تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا

في أعقاب تنصيب الرئيس دونالد ترامب، انتهجت الولايات المتحدة سياسات طاقة عدوانية، ولا سيما نهج "زيادة أعمال الحفر"، الذي يدعو إلى توسيع إنتاج النفط المحلي.

وقد أدت هذه الإستراتيجية إلى زيادة إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة، وهو ما يشكل تحديًا لدور روسيا طويل الأمد بصفتها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم.

ويبدو تأثير هذه المنافسة واضحًا في أسواق الطاقة، حيث يتنافس البلدان على حصة السوق في مناطق حيوية، بما في ذلك آسيا وأوروبا.

ومن بين المجالات الرئيسة للمنافسة بناء ناقلات النفط، إذ واجهت روسيا عقوبات أميركية تستهدف صناعة بناء السفن المحلية.

ومن الجدير بالذكر أن 6 ناقلات نفط قيد الإنشاء في حوض بناء السفن الروسي "زفيزدا"، حيث تأثرت -مثل ألكسندر بيغروف، وأليكسي بوغوليوبوف، ونور سلطان نزارباييف- بهذه العقوبات.

وتُعد هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على ناقلات لم تنقل أي شحنة بعد، وهو ما يمثل تصعيدًا كبيرًا في الضغوط الاقتصادية التي يواجهها قطاع الطاقة في روسيا.

من ناحية ثانية، تشكل العقوبات إشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لاستغلال قوتها الاقتصادية لعرقلة الجهود الروسية لتوسيع البنية التحتية للنفط والغاز لديها.

إنتاج النفط والغاز الروسيين في ظل العقوبات وضغوط السوق

تعرّض إنتاج النفط في روسيا للضغوط بسبب استمرار تنفيذ اتفاقيات تحالف أوبك+، التي تهدف إلى إدارة العرض العالمي والحفاظ على استقرار الأسعار.

ومن المتوقع أن يتراوح إنتاج النفط الروسي في عام 2024 بين 505 و515 مليون طن، وهو انخفاض عن الأعوام السابقة في إطار التزامات أوبك+.

ورغم ذلك، عملت روسيا على تنويع طرق تصدير النفط وخفض الحسومات على نفطها للحفاظ على قدرتها التنافسية.

وتظل قدرة البلاد على إنتاج النفط وتصديره ركيزة أساسية لاقتصادها.

وبحسب بيانات السوق العالمية، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2024 بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى 104.4 مليون برميل يوميًا.

وأكد استعداد روسيا لتلبية هذا الطلب المتزايد -خصوصًا في ظل التخفيضات الطوعية التي فرضتها أوبك+- قدرتها على التكيف في سوق ضيقة.

وتخطط الدولة لمواصلة هذه التخفيضات الطوعية، التي تبلغ 2.2 مليون برميل يوميًا، وستستمر حتى عام 2025، مع توقع التعافي الجزئي بحلول الأول من أبريل/نيسان 2025 فقط.

ويهدف هذا القرار الإستراتيجي إلى ضمان ديناميكية العرض والطلب المتوازنة، ما سيساعد على استقرار أسعار النفط.

ومن المتوقع أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع مع استمرار نمو الطلب العالمي بمعدل متوقع يتراوح بين 1 و1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2025.

واستجابة للطلب المتزايد، شهد قطاع تكرير النفط في روسيا تحسينات كبيرة.

وارتفعت سعة التكرير إلى 86% بفضل مشروعات التحديث في مصافيها القديمة.

وأسهم هذا الارتفاع في كفاءة التكرير في دعم الاستهلاك المحلي، وأدى إلى تحسين جودة المنتجات النفطية الموجهة إلى أسواق التصدير.

وتُعد هذه الترقيات ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية لروسيا في الأسواق العالمية، خصوصًا مع ارتفاع الطلب على منتجات الوقود الأكثر نظافة وأعلى جودة على مستوى العالم.

التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي

تركز روسيا على توسيع إنتاجها من الغاز الطبيعي استجابة لسياسات التصدير المتغيرة، خصوصًا انخفاض صادرات الغاز الأوروبية الذي حدث في عام 2022.

وفي الأشهر الـ10 الأولى من عام 2024، ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الروسي بنسبة 8.2%، ليصل إلى 578.2 مليار متر مكعب.

ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي إنتاج الغاز بحلول عام 2024 نحو 665 مليار متر مكعب، وهو ما يمثّل تعافيًا كبيرًا من الانخفاضات السابقة.

ويرجع هذا النمو، جزئيًا، إلى جهود روسيا الرامية إلى تنويع أسواق تصدير الغاز، خصوصًا مع دول آسيا.

ويمثّل أحد الإنجازات المهمة التي حقّقتها روسيا في عام 2024، في تسجيل رقم قياسي في إمدادات الغاز اليومية إلى الصين، والوفاء بأهداف العقد مع هذا الشريك البارز.

وواصلت البلاد توسيع خطوط أنابيب الغاز، مثل خط أنابيب سخالين بمنطقة أمور، الذي من المتوقع أن ينقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا.

بالإضافة إلى ذلك، يجري النظر في مشروع خط أنابيب جديد مع قازاخستان، الذي من شأنه أن يدعم 45 مليار متر مكعب من البنية التحتية للغاز، مع تخصيص 35 مليار متر مكعب للتصدير إلى الصين.

وتشير هذه المشروعات الجديدة إلى تحول في اتجاه صادرات الغاز الروسي، وإلى جهد واضح لمواكبة الطلب المتزايد في الصين وآسيا الوسطى، فضلًا عن توسيع الاستهلاك المحلي المدفوع بالنمو الاقتصادي.

شحنات الغاز المسال

شهدت صادرات روسيا من الغاز المسال نموًا ملحوظًا.

ومن المتوقع أن ترتفع شحنات الغاز المسال في عام 2024 بنسبة 4.65% على أساس سنوي، لتصل إلى 27.4 مليون طن بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ووُجِّه جزء كبير من هذه الصادرات -أكثر من النصف بقليل- إلى أوروبا، على الرغم من التحديات الجيوسياسية الناجمة عن العقوبات وأزمات الطاقة.

بصفة إجمالية، ارتفعت إمدادات الغاز المسال الروسي إلى أوروبا بنحو 18-20% في عام 2024، متجاوزة 54.45 مليار متر مكعب من خطوط الأنابيب وتسليمات الغاز المسال.

ويوضح هذا استمرار الطلب على الغاز الروسي في أوروبا، على الرغم من المنافسة المتزايدة من جانب الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين.

وتبرز جهود روسيا للحفاظ على هيمنتها في سوق الغاز المسال من خلال مشروعات مثل سخالين-2 ويامال للغاز المسال، التي من المتوقع أن توفر معًا نحو 33 مليون طن من الغاز المسال في عام 2024.

ويشير التوسع الناجح لهذه المشروعات، حتى في ظل العقوبات، إلى قدرة روسيا على الصمود وتلبية الطلب العالمي على الطاقة في المناطق الرئيسة.

إيرادات قطاع الطاقة في روسيا

رغم التحديات التي تفرضها العقوبات الدولية وتقلبات أسعار النفط العالمية، يظل قطاع الطاقة في روسيا مصدرًا حيويًا للإيرادات بالنسبة إلى الدولة.

في عام 2024، من المتوقع أن ترتفع إيرادات النفط والغاز بنسبة 25.7%، لتصل إلى 10.341 تريليون روبل (103 مليارات و410 ملايين دولار) في الأشهر الـ11 الأولى.

وكانت هذه الزيادة مدفوعًة -في المقام الأول- بارتفاع أسعار النفط وانخفاض الحسم على خام الأورال، الذي انخفض من 15.5% في بداية العام إلى 5-6% فقط بحلول نهاية عام 2024.

وقد سمحت هذه الأسعار المرتفعة لروسيا وهذه الخطوة إلى تعويض الانخفاض في الطلب ببعض المناطق، خصوصًا من الصين، وتخفيف تأثير العقوبات في قطاع الطاقة لديها.

(روبل روسي = 0.0100 دولارًا أميركيًا)

النفط الروسي

رغم ذلك، فإن روسيا تدرك المخاطر التي تشكلها تقلبات أسعار الطاقة العالمية.

وفي الأشهر الأخيرة من عام 2024، بدأت أسعار النفط الانخفاض، ما أدى إلى انخفاض كبير في إيرادات النفط والغاز مقارنة بالعام السابق.

ومن المتوقع أن تنخفض إيرادات النفط والغاز في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بنحو 26% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

ويُعزى هذا الانخفاض إلى انخفاض الطلب من الصين، إلى جانب زيادة العرض من دول خارج تحالف أوبك+.

ورغم هذه التحديات، وُجّهت إيرادات إضافية بلغت 1.24 تريليون روبل إلى صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني في روسيا، وهو ما عزز الاحتياطيات الاقتصادية للبلاد.

سوق الوقود وتحديات العرض المحلي

في سوق الوقود المحلية الروسية، ارتفعت معدلات التضخم وأسعار الوقود، ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 9.6-9.8% بحلول نهاية عام 2024.

وعلى الرغم من ذلك، تمكنت الحكومة الروسية من تجنب النقص الحاد في البنزين ووقود الديزل.

وما يزال إنتاج وقود الديزل يتجاوز الاستهلاك المحلي، ما يوفر فرص التصدير وتحقيق إيرادات إضافية.

رغم ذلك، يظل إنتاج البنزين في السيارات أعلى بنسبة 10% فقط من الاستهلاك المحلي، ما يتطلّب اتخاذ تدابير تنظيمية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

من جهتها، استجابت الحكومة الروسية لهذه التحديات من خلال مواصلة تحديث مصافي النفط، التي من المتوقع أن تزيد من قدرتها على إنتاج البنزين عالي الجودة للأسواق المحلية والتصدير.

ويُعد هذا البرنامج جزءًا من جهود أوسع نطاقًا، لضمان قدرة روسيا على تلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة والتزاماتها تجاه الأسواق الدولية، خصوصًا في مواجهة المنافسة المتزايدة.

خامسًا: التداعيات الجيوسياسية والتوقعات المستقبلية

من المرجح أن تشتد المنافسة المستمرة بين روسيا والولايات المتحدة في قطاع النفط والغاز في السنوات المقبلة.

وتدعم الاستجابة الإستراتيجية لروسيا -بما في ذلك تنويع صادرات الطاقة إلى آسيا، وتوسيع قدراتها في مجال الغاز الطبيعي المسال، وتطوير مشروعات البنية الأساسية الجديدة- دور البلاد البارز في أسواق الطاقة العالمية.

ورغم ذلك، فإن فرض عقوبات جديدة، خصوصًا تلك التي تستهدف قطاع بناء السفن الروسي، يسلّط الضوء على مدى ضعف البنية التحتية للطاقة في روسيا في مواجهة الضغوط الاقتصادية الأميركية.

وتشكّل جهود روسيا للحفاظ على نفوذها في مجال الطاقة في آسيا وتوسيعه، خصوصًا مع الصين والهند، عنصرًا أساسيًا في إستراتيجيتها طويلة الأمد.

وتوضح الزيادة في حصة النفط الروسي في واردات الهند -36% في عام 2024- نفوذ روسيا المتزايد في أسواق الطاقة الآسيوية، وهو ما يعوّض عن الانخفاض في الصادرات إلى أوروبا.

وعلى نحو مماثل، يوضح النمو في صادرات الغاز الطبيعي إلى الصين وآسيا الوسطى قدرة روسيا على تأمين أسواق جديدة في ظل بيئة عالمية للطاقة تتزايد فيها المنافسة.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق