سلايدر الرئيسيةرئيسيةكهرباءمقالات الكهرباء

شبكة الكهرباء في سوريا.. حلول عاجلة لحل الأزمة (مقال)

د. مراحي رضا*

تشكّل إعادة تأهيل شبكة الكهرباء في سوريا واحدة من الأولويات الضرورية لتلبية احتياجات القطاعات المتنوعة، مثل الزراعة والصناعة والطاقة والسياحة وغيرها، ما يضمن استمرار عجلة الاقتصاد.

وتُعدّ الطاقة الكهربائية حاليًا واحدة من الاحتياجات الأساسية في الحياة الحديثة، بعدما كانت تُعدّ سابقًا نوعًا من الكماليات، إذ لا يمكن تصوُّر الأنشطة اليومية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، دون الكهرباء التي تعتمد على شبكة معقّدة لتوصيلها إلى مختلف المناطق.

ولضمان تشغيل الشبكة بكفاءة، ينبغي تنفيذ عمليات صيانة دورية، إلى جانب تطوير القطاع، من خلال إنشاء محطات توليد وتحويل وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء.

هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي يتطلب استثمارات ضخمة وميزانيات كبيرة، ومع ذلك، يعاني العديد من الدول من ضعف الإمكانات المالية، مما ينعكس سلبًا على أدائها الكهربائي، فتقلّ ساعات التزويد بالكهرباء، ويُحرم العديد من السكان من الوصول إليها، ما يؤثّر على جودة حياتهم.

علاوة على ذلك، يتأثر الأمن الطاقي بالعوامل الداخلية والخارجية، وله صلة وثيقة بالاستقرار الأمني، فكلما زادت التوترات في المنطقة، ازدادت التحديات التي تواجه الشبكة الكهربائية، وصولًا إلى استهدافها خلال النزاعات لقطع الإمدادات وإضعاف الطرف الآخر.

واقع قطاع الكهرباء في سوريا

بعد 13 عامًا من عدم الاستقرار، تعاني منشآت شبكة الكهرباء في سوريا من تدهور كبير، أدى إلى اضطراب الخدمات أو انقطاعها.

ويتمثل التحدي الرئيس الذي تواجهه وزارة الطاقة حاليًا في إعادة تأهيل الشبكة بجميع مكوناتها لضمان انتعاش القطاعات الإستراتيجية والحيوية.

شبكة الكهرباء في سوريا
محطة كهرباء في سوريا -الصورة من وكالة الأنباء الحكومية سانا

وتدير قطاع الكهرباء في سوريا شركتان هما:

  • المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء (PEEG).
  • المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء (PETE).

وقد أدى الصراع إلى تضرُّر المنشآت الكهربائية مع وجود إمكانات محدودة، مما يزيد العبء على هاتين الشركتين.

وفقًا للتقرير الإحصائي لعام 2020 الصادر عن المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، تمتلك سوريا 13 محطة إنتاج بقدرة إجمالية تبلغ 4382 ميغاواط، وهناك 3 محطات خارج الخدمة بسبب الحاجة إلى إعادة التأهيل أو نتيجة أعطال.

ويعتمد تشغيل المحطات على الغاز بالدرجة الأولى، إذ يستهلك 4.174 مليون طن مخصصة لمحطات الإنتاج، يليه الوقود السائل بمقدار 2.135 مليون طن.

ويُظهر الرسم التوضيحي التالي توزيع قدرات محطات الكهرباء في سوريا حسب نوع العنفات لعام 2020:

توزيع محطات الكهرباء في سوريا حسب نوع الوقود

لذا، فإن تشغيل محطات الكهرباء في سوريا يرتبط أيضًا بجاهزية شبكتَي الغاز والوقود السائل من حيث الكمية والقدرة، إذا تعرضت هذه المنشآت بدورها لأضرار، فستصبح عملية التأهيل أكثر تعقيدًا.

وليس من السهل إيصال الكميات الهائلة من الوقود السائل إلى المحطات بوساطة الشاحنات، وحتى إذا طُرحت هذه الخطة، فإنها ستقتصر على محطة واحدة أو محطتين بحدّ أقصى.

الوصول إلى الكهرباء في سوريا

فيما يخص الوصول إلى الكهرباء في سوريا، تُقدَّر النسبة بـ 0.7 ميغاواط/ساعة (MWh) للفرد، وقد تراجعت بنسبة 35% بين عامي 2000 و2022، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، وهذه النسبة ضئيلة جدًا، وتعكس مدى العجز الذي تعاني منه منظومة الكهرباء.

بالإضافة إلى ذلك، تقلّص عدد ساعات توفير الكهرباء للمنازل والمرافق الصحية، مثل المستشفيات والمدارس، وكذلك للإنارة وغيرها من الخدمات الأساسية.

أمّا من ناحية التبادل الكهربائي بين سوريا والدول المجاورة، فتملك سوريا 9 خطوط ربط كهربائية بسعات مختلفة تتراوح بين 55 و1135 ميغاواط.

وتشمل هذه الخطوط:

  • 3 خطوط مع الأردن.
  • 3 خطوط مع لبنان.
  • خط واحد مع تركيا.
  • خطين مع العراق.

وذلك وفقًا للتقرير الصادر عام 2010 بعنوان "الحلقة الكهربائية سوق الكهرباء الأورومتوسطية" عن معهد التوقعات الاقتصادية للعالم المتوسطي (IPEMED).

الكهرباء في سوريا
محطة كهرباء في سوريا - أرشيفية

التحديات وآفاق الحلول

في وضع مثل سوريا، يؤدي الوقت دورًا حاسمًا في إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية، على الرغم من أن استثمارات القطاع تتطلب سنوات، فإن الوضع الحالي يستدعي تسريع العمل لمواجهة الاحتياجات العاجلة.

فعلى سبيل المثال، يستغرق إنشاء محطة توليد جديدة من 5 إلى 10 سنوات بعد توقيع العقود، بينما تحتاج إجراءات المناقصة وحدها إلى عام أو عامين.

لذلك، إذا اعتمدت الوزارة النهج التقليدي، فقد تستغرق إعادة تأهيل الشبكة ما لا يقل عن 10 سنوات، وهذا يتضمن إنشاء خطوط النقل والتوزيع، ومحطات التحويل عالية ومتوسطة ومنخفضة الجهد، وفي ظل هذه المدة الطويلة، يصبح من الضروري اعتماد خطة بديلة للإسراع بالعودة إلى الخدمة.

خطوات مقترحة لحل أزمة الكهرباء في سوريا

- إجراء دراسة شاملة للشبكة:

يجب البدء بدراسة تفصيلية وشاملة لجميع مكونات الشبكة، بما في ذلك محطات التوليد، وخطوط النقل، ومحطات التحويل.

وتهدف هذه الدراسة إلى تقييم الوضع الحالي للمنشآت وتحديد قدرتها على العمل من جديد، وبناءً على نتائج الدراسة، يمكن وضع برنامج عمل واضح يحدد الأولويات التي يجب التركيز عليها في المرحلة الراهنة، لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة، والاستفادة بأسرع وقت ممكن.

- إصلاح خطوط النقل والتوزيع الكهربائي

يجب العمل على إصلاح شبكات النقل والتوزيع، بدءًا بتغيير الأسلاك التالفة وصيانة الأبراج والأعمدة، مع إنشاء أعمدة جديدة عند الحاجة.

كما يجب إصلاح -أو تغيير- الأجهزة المختلفة مثل أنظمة الحماية، والعوازل، والمحولات، وهذا الإجراء أساسي وضروري لأن خطوط النقل تشكّل العمود الفقري للشبكة الكهربائية، فهي المسارات التي تتيح إيصال الكهرباء إلى مختلف محطات التوزيع.

بينما يمكن الاستغناء عن تشغيل محطة معينة في بعض الحالات، فإن أيّ تعطيل في خطوط النقل يؤثّر مباشرةً على كامل المنظومة.

- إعادة تأهيل الربط الكهربائي الإقليمي:

تتعين إعادة تهيئة شبكة الربط الكهربائي بين سوريا والدول المجاورة، مما يتيح تبادل الطاقة الكهربائية، ويضمن استيراد الكهرباء بكميات متَّفق عليها مع الدول المزوّدة.

لتحقيق ذلك، يجب على الوزارة الشروع في محادثات عاجلة مع هذه الدول للوصول إلى اتفاقيات تلبّي احتياجات البلاد في أقصر وقت ممكن، ويُعدّ هذا الإجراء الحل الأنسب والأكثر واقعية في ظل الظروف الحالية.

- استعمال المحطات الكهربائية المتحركة:

نظرًا لأن إنشاء محطات التوليد والتحويل يستغرق سنوات، يمكن اللجوء إلى الحلول السريعة عبر استعمال محطات كهربائية متحركة بسعات تتراوح بين 20 و25 ميغاواط، وتُربَط هذه المحطات بالشبكة في المواقع ذات الأولوية.

وبالمثل، يمكن استعمال محطات تحويل كهربائية متحركة لتغيير الجهد الكهربائي وتسهيل توزيع الطاقة، إذ تتميز هذه المنشآت بسهولة نقلها إلى المواقع المطلوبة وسرعة تركيبها وتشغيلها، حيث لا يتجاوز ذلك بضعة أشهر، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لتلبية الاحتياجات العاجلة.

محطة كهرباء عائمة
محطة كهرباء عائمة تابعة لشركة كارباوشيب التركية

بالإضافة إلى التوربينات المتحركة التي يمكن نقلها بوساطة الشاحنات، توجد أيضًا سفن مخصصة لتوليد الكهرباء، هذا النوع من المحطات متحرك أيضًا، ولكنه قليل الاستعمال ومكلف بالمقارنة مع التوربينات المتحركة، ومع ذلك، يعدّ خيارًا أخر لتلبية احتياجات الكهرباء في سوريا في الوقت الراهن.

وبالفعل، هناك سفينتان لتوليد الكهرباء تابعتان لكل من قطر وتركيا، بسعة إجمالية تبلغ 800 ميغاواط، قد أعلنتا توجّهَهما إلى سوريا، وفقًا للموقع الإلكتروني لشركة النقل والتوزيع للكهرباء، ولكي تتمكن هذه السفن من ضخّ الطاقة اللازمة، يجب أن تكون هناك محطة تحويل بخصائص ملائمة بالقرب من ميناء موجود في سوريا.

إذا تواجه الوزارة تحديات كبيرة تتعلق بإعادة تهيئة وتشغيل منظومة الشبكة الكهربائية في وقت قصير لتلبية احتياجات المستهلكين والقطاعات الحيوية وفق الأولويات، لتحقيق ذلك، يتعين على الوزارة تبنّي خطّتين متكاملتين:

1. خطة قصيرة المدى:

تتمثل في إصلاح شبكة الربط الداخلية وإعادة تشغيل شبكة الربط مع الدول المجاورة، مع الاستعانة بمحطات التوليد والتحويل المتحركة بحل سريع وفعّال لتأمين احتياجات الكهرباء العاجلة.

2. خطة طويلة المدى:

تشمل خطة إعادة تأهيل الشبكة تنفيذها تدريجيًا، مع تطوير جميع المنشآت والبنية التحتية اللازمة، وتتضمن هذه الخطة تعميم الجهد الكهربائي بقيمة 400 كيلوفولت، بهدف تقليل الفاقد الكهربائي وتحسين كفاءة الشبكة.

كما يجب البدء في مشروعات الطاقة المتجددة بالتوازي مع تطوير مصادر الطاقة التقليدية، لتحقيق مزيج طاقي متوازن ومستدام يلبي احتياجات البلاد المستقبلية.

المهمة ليست سهلة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الهش، لكنها ليست مستحيلة، ويمكن للدول الصديقة والمتقدمة أن تؤدي دورًا مهمًا في دعم سوريا خلال هذه المرحلة الحرجة، نتمنى لهذا البلد النجاح في تجاوز هذه المدة الحساسة واستعادة استقراره وتنميته.

* د. مراحي رضا - باحث وخبير في مجال الطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق