كيف تستنزف الطاقة المتجددة جيوب المواطنين؟ بريطانيا نموذجًا
أسماء السعداوي
قبل وصوله إلى السلطة، وعد حزب العمال بأن التحول إلى الطاقة المتجددة سيخفض أسعار الكهرباء في بريطانيا، فضلًا عن القضاء على "طواغيت" الوقود الأحفوري، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن بيانات حديثة اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) كشفت ارتفاع فواتير الكهرباء التي دفعها البريطانيون بمقدار 183 جنيه إسترليني (229.2 دولار أميركي) بمقارنة بمنتصف عام 2022.
وعلاوة على ذلك، تؤكد تقديرات رسمية ارتفاع الرسوم الخضراء المُضافة إلى فواتير الكهرباء بنسبة 23% إلى 14.8 مليار جنيه إسترليني بحلول العام المالي (2029-2030).
بدوره، اتّهم مدير حملة "نت زيرو ووتش" (Net Zero Watch) المعنية بشؤون تغير المناخ أندرو مونتفورد الحكومة باستنزاف جيوب المواطنين عبر تقديم إعانات باهظة لدعم مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة وتكاليف أخرى لإصلاح الضرر الذي تُلحقه بالعائلات والاقتصاد.
أسعار الكهرباء في بريطانيا
في تحليله لأسباب ارتفاع فواتير الكهرباء في بريطانيا، قال مدير حملة "نت زيرو ووتش" أندرو مونتفورد، إن أسعار الغاز وراء الزيادة بأسعار الكهرباء بالجملة، والتي شكلّت الحصة الأكبر من الفاتورة بمقدار 85 جنيهًا إسترلينيًا.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، يُحدّد سعر الغاز سعر الكهرباء؛ لأن سعر بيع الكهرباء بالجملة يتحدد من خلال إنتاج آخر محطة غاز.
وقفزت أسعار الغاز خلال العام المنقضي (2024) إلى ما بين 70 و80 جنيهًا، في زيادة مضاعفة من 40 جنيهًا عام 2020.
وهنا، يقول الكاتب في أحدث مقالاته بعنوان "لماذا كان انخفاض أسعار الكهرباء ضئيلًا جدًا؟"، إن التراجع الكبير في أسعار الغاز منذ ذروة الأزمة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية لم ينعكس في صورة انخفاض أسعار الكهرباء التي مازالت أعلى بكثير من التوقعات.
وجاءت بقية تكاليف الفاتورة بقيمة 100 جنيه إسترليني بسبب تحول الطاقة في صورة بنود "توازن وشبكة" بقيمة 50 جنيهًا و"إعانات" بقيمة 11 جنيهًا وتكاليف "الموردين وأخرى" بقيمة 37 جنيهًا.
وبحسب الكاتب، يشتمل بند "التوازن والشبكة" على تكاليف مرافق الشبكة الجديدة، وكذلك مدفوعات آلية التوازن (BM)، وهي أداة رئيسة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في الشبكة، لكنها تكبّد البريطانيين مليار جنيه إسترليني سنويًا منذ عام 2022.
أمّا بند الإعانات، فيُمثّل الجزء الأقل من الفاتورة بـ11 جنيهًا فقط، وأرجعه الكاتب إلى تراجع قيمة إعانات الإنتاج عن كل وحدة من الكهرباء (كيلو واط/ساعة) نتيجة لارتفاع أسعار البيع بالجملة.
وكان بند "تكاليف الموردين" أحد أبرز المسؤولين عن رفع فاتورة الكهرباء بتكلفة 37 جنيهًا، مقسّمة بين 16 جنيهًا رسوم التسوية الخاصة بالتكاليف والتغييرات غير المتوقعة في سوق الطاقة، بما يضمن تغطية تكاليف التشغيل، مع حماية المستهلكين من الرسوم الباهظة.
كما يشمل ذلك رسومًا أخرى بقيمة 11 جنيهًا لضمان قدرة مزودي الكهرباء على التشغيل المستدام وتغطية التكاليف في حالة انخفاض الأسعار المستقبلية عن الحالية.
تكلفة الطاقة المتجددة
يقول الكاتب أندرو مونتفورد، إن الطاقة المتجددة تقف وراء الزيادات في أسعار الكهرباء في بريطانيا التي يتحمّلها المواطنون بموجب برامج الدعم الحكومي، مثل تلك الخاصة بالعزل الحراري للمنازل.
وأضاف: "كما رأينا.. هناك مجموعة من التكاليف الأخرى لمحاولة إصلاح الضرر الذي تُلحقه طاقة الرياح والشمس بالعائلات والاقتصاد".
وفي ضوء ذلك، لا يتوقع الكاتب تغيرًا بالمسار الصعودي لارتفاع أسعار الكهرباء، قائلًا: "يعتزم السير كير والسيد ميليباند مواصلة استنزافك حتى آخر قرش تملكه".
واختتم بقوله: "فاتورتك تواصل الارتفاع بسبب الطاقة المتجددة، وإذا حسبت الفشل في استعمال مواردنا الأحفورية، فسيمكنك القول، إن (ارتفاع أسعار الكهرباء) ناتج بالكامل عن السياسة الخضراء".
وفي السياق نفسه، تشير تقديرات رسمية إلى أن تكلفة الرسوم الخضراء المضافة إلى فواتير الكهرباء سترتفع بمقدار 23% بحلول نهاية العقد الجاري.
وذكر مكتب مسؤولية الموازنة، التابع لوزارة الخزانة في نوفمبر/تشرين الثاني (2024)، أن الرسوم ستقفز إلى 12 مليار جنيه في العام المالي 2024-2025، وإلى 14.8 مليار جنيه في 2029-2030.
*(العام المالي في بريطانيا يبدأ في الأول من أبريل/نيسان، وينتهي في 31 مارس/آذار من العام التالي له).
وعلاوة على ذلك، تقول تقديرات المكتب، إن تكلفة سوق الكهرباء الاحتياطية الداعمة لتقطع إمدادات الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة سترتفع من 1.3 مليار جنيه إلى 4.1 مليار جنيه على مدار المدة نفسها.
ويقود تلك التكاليف المدفوعات إلى محطات الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي، لتبقى جاهزة لتقديم الإمدادات فور الحاجة، عندما لا تهب رياح أو تسطع شمس، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة.
كما تشمل الزيادة بنسبة 35% المدفوعات الحكومية بموجب نظام العقود مقابل الفروقات، من 2.3 مليار جنيه إسترليني إلى 3.1 مليار جنيه في 2029-2030.
وتضمن تلك العقود سعرًا ثابتًا لمبيعات شركات الطاقة المتجددة من الكهرباء، وهو أحد أشكال الدعم المباشر لمسيرة تحول الطاقة، وصولًا إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.
موضوعات متعلقة..
- كير ستارمر يهرول وحيدًا في سباق التحول الأخضر.. ورسالة لترمب (تقرير)
- كيف يؤدي التحول الأخضر إلى فشل اقتصادي؟.. ألمانيا نموذجًا
- كيف تُسهم منشآت النفط والغاز في تحقيق التحول الأخضر؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- حصري - أول حوار مع وزير النفط السوري: تلقينا وعودًا من بعض الدول لإرسال وقود.. وهذا حجم إنتاجنا من النفط
- سايبم 10000 تستعد لمهمة في مصر.. ماذا تعرف عن السفينة العملاقة؟
- الطقس يحاصر مخزونات الغاز في أوروبا.. هل تصمد القارة خلال الشتاء؟
- صناعة الطاقة الشمسية في أميركا تغازل ترمب.. "نُموّنا أمن قومي"
المصادر:
- مقال الكاتب أندرو مونتفورد عن ارتفاع أسعار الكهرباء من "نت زيرو ووتش"
- توقعات رسمية بزيادة الرسوم الخضراء إلى فواتير الكهرباء من "فايننشال تايمز"