احتجاز الكربون.. تقنية جديدة تلتقط كمية غاز تعادل ملعب كرة في ملعقة شاي
محمد عبد السند
- يتسم الكربون النانوي بكثافة طاقة حجمية عالية
- بُنيت تقنية احتجاز الكربون على أساس التفاعلات الكيميائية المفرطة
- الكربون النانوي يتفوّق على الكربون المنشط تجاريًا 4 أضعاف
- الكربون النانوي يتمتع بدرجة مسامية عالية
تشهد تقنية احتجاز الكربون وتخزينه تطورًا ثوريًا، بفضل ابتكار جديد من شأنه أن يعزّز من مساحة التقاط الغاز على نحو غير مسبوق، وفق متابعات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وتعتمد التقنية على مادة من الكربون النانوي التي تتسم بكثافة طاقة حجمية تلامس 60 واط/ساعة/لتر؛ ما يجعلها متفوقة على الكربون المنشط المتوافر تجاريًا بواقع 4 أضعاف، وتعادل كمية الكربون المحتجزة داخل ملعب كرة قدم في ملعقة شاي.
وقد بُنيت تقنية احتجاز الكربون وتخزينه على أساس ما يُطلق عليه التفاعلات الكيميائية المفرطة التي تزيد من درجة مسامية الكربون، وتجعله بذلك مثاليًا لامتصاص المواد السامة وتخزين الطاقة.
ويُعوّل كثيرًا على استثمارات احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا في تسريع جهود المناخ، ووفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، من المرجّح أن تلامس السعة العالمية لاحتجاز الكربون 440 مليون طن سنويًا خلال 10 سنوات، في حين يُتوقع أن تبلغ السعة التخزينية 664 مليون طن سنويًا.
وقود الصواريخ الملهم
نجح الباحثون في جامعة كورنيل في استغلال تفاعل كيميائي عادةً ما يُستعمَل في إشعال وقود الصواريخ، لتصنيع كربون نانوي بأعلى مساحة سطح مسجلة على الإطلاق، تصل إلى 4 آلاف و800 متر مربع لكل غرام.
وتعادل تلك المادة المبتكرة احتجاز الكربون داخل مساحة ملعب كرة قدم في ملعقة شاي، وهي تُعد بذلك ثورة محتملة في تقنيات احتجاز الكربون وتخزين الطاقة.
وتقدّم الدراسة تقنية مبتكرة، بفضل مادة جديدة تتسم بدرجة مسامية غير مسبوقة دون المساس بالسلامة الهيكلية لتلك المادة.
ولطالما سعى العلماء إلى تعزيز مسامية الكربون؛ ما يُتيح تعرضًا أكبر لسطح المادة ويحسّن أداءها في تطبيقات مثل امتصاص الملوثات وتخزين الكهرباء والتحفيز بفضل الخصائص الاستثنائية للمادة.
تقنية جديدة
استلهم فريق البحث الذي يقوده أستاذ العلوم وهندسة المواد في جامعة كورنيل، إيمانويل جيانيليس، التقنية الجديدة من التفاعلات الكيميائية المفرطة، وهي تفاعلات كيميائية نشطة وعفوية تُستعمل بصورة تقليدية في الدفع الفضائي.
وقال جيانيليس: "التعرض لمساحة سطح أكبر لكل كتلة مسألة غاية في الأهمية، غير أنه بمقدورك أن تصل إلى مرحلة لا يتبقى عندها أي مادة متاحة، إنه مجرد هواء"، وفق تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح: "لذا فإن التحدي القائم يتمثّل في كمية المسامية التي يتعيّن عليك إتاحتها، مع المحافظة على بنية المادة دون مساس".
وقاد الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه نيكولاس تشالمبيس تلك الجهود، مستغلًا التفاعلات الكيميائية المفرطة لتخليق الكربون النانوي.
ومن خلال ضبط معايير هذا التفاعل بدقة، اكتشف تشالمبيس وسيلة لإنتاج مسامية عالية للغاية في المواد الكربونية؛ ما يمثل انحرافًا كبيرًا عن طرق التركيب التقليدية.
تصنيع المادة
وتبدأ عملية تصنيع المادة بالسكروز (سكر معقد ثنائي)، وعامل مساعد لتشكيل بنية الكربون، وعند مزجه بمواد كيميائية معينة، يشتعل التفاعل المفرط تلقائيًا، ما يشكّل أنابيب كربون بوفرة فريدة من حلقات الكربون التي تتألّف من 5 أعضاء على عكس حلقات الكربون التي تتألّف من 6 أعضاء.
ثم تخضع المادة للمعالجة بوساطة هيدروكسيد البوتاسيوم، التي تزيل بصورة انتقائية التراكيب الأقل استقرارًا؛ ما ينتج عنه تكوين شبكة معقدة من المسام المجهرية.
وفي هذا الصدد قال أستاذ العلوم وهندسة المواد في جامعة كورنيل، إيمانويل جيانيليس: "حينما يحدث هذا التفاعل السريع جدًا، فإنه يصنع موقفًا مثاليًا لا يمكن فيه للنظام أن يهدأ ويذهب إلى حالة الطاقة الأقل له، وهو ما ينشطه بصورة طبيعية".
وأوضح جيانيليس: "بسبب السرعة المفرطة لتلك التفاعلات، يكون بمقدورك أن تلتقط المادة في تكوين غير مستقر لا يمكنك الحصول عليه من التسخين البطيء للتفاعل الطبيعي".
قدرات استثنائية
يُظهر الكربون النانوي قدرات استثنائية؛ إذ لدى تلك المادة القدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بأعلى من سعة الكربون النشط تقليديًا بواقع مرتين تقريبًا.
ويلتقط هذا الكربون النانوي 99% من سعته في خلال دقيقتين فقط؛ ما يجعله إحدى أسرع المواد الماصة على الإطلاق، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبفضل كثافة الطاقة الحجمية التي تبلغ 60 واط/ساعة/لتر، تتفوّق المادة على الكربون المنشط المتوافر تجاريًا بمقدار 4 أضعاف؛ ما يجعلها مثالية للمكثفات فائقة السعة.
ومن الممكن أن تُسهم تلك التقنية في إعادة تعريف تصميم وتطبيق المواد القائمة على الكربون في مجالات تتطلّب حلولًا فاعلة موفرة للمساحة، مثل المواد الماصة والعوامل الحفازة وخدمات تخزين الطاقة.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- قدرة احتجاز الكربون وتخزينه واستعماله عالميًا:
تطبيقات محتملة
يستكشف إيمانويل جيانيليس حاليًا إمكان استعمال التفاعلات الكيميائية المفرطة في تطوير سبائك الجسيمات النانوية والمحفزات الكهربائية ذات الخصائص المعززة؛ ما قد يُسهم في توسيع نطاق التقنية بشكل أكبر.
وقال جيانيليس: "هذه التقنية توفّر إستراتيجية بديلة لتصميم وتخليق المواد القائمة على الكربون المناسبة للمواد الماصة وحوامل المحفزات والمواد النشطة للمكثفات فائقة السعة، لا سيما في تطبيقات تتطلّب كفاءة في استعمال المساحات".
وعبر دمج كيمياء الفضاء في علوم المادة، حدّد فريق البحث معيارًا جديدًا للكربون النانوي، بل وضع أساسًا متينًا كذلك لتحقيق طفرات في معياري الاستدامة والكفاءة.
موضوعات متعلقة..
- احتجاز الكربون وتخزينه يقلل انبعاثات الكربون 4%
- سعة احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا ترتفع إلى 55 مليون طن سنويًا.. نصفها في أميركا
- احتجاز الكربون وتخزينه لا يضمن خفض الانبعاثات ويهدد أهداف المناخ.. كيف ذلك؟
اقرأ أيضًا..
- صفقة مرتقبة لتأمين احتياجات مصافي النفط في سوريا.. هل يحل الأكراد أزمة نقص الوقود؟
- حقل العد الشرقي.. 1.2 مليار برميل نفط تدعم إنتاج قطر
- أكبر مشروع بطاريات في العالم يقترب من التشغيل