تطور إنتاج النفط السوري.. تاريخ طويل من التحديات والتحولات
سامر أبووردة
يعكس تطور إنتاج النفط السوري منذ الستينيات، وعلى مدار العقود الماضية، تاريخًا طويلًا مليئًا بالتحولات الاقتصادية والسياسية الكبيرة.
ولطالما شكّل النفط ركيزة أساسية للاقتصاد السوري منذ اكتشافه لأول مرة في منتصف القرن العشرين، وأسهم في تغيير ملامح الاقتصاد الوطني، إذ حددت الحقول النفطية الأولى في شمال شرقي البلاد، ولا سيما في منطقتي السويدية والرميلان، بداية رحلة دمشق في قطاع الطاقة.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، في أوائل الستينيات، كانت عمليات الاستكشاف مستمرة في البلاد بدعم تقني من شركات أجنبية، ومثّل عام 1968 نقطة فارقة في رحلة تطور إنتاج سوريا النفطي، إذ أعلنت الحكومة وجود احتياطيات نفطية تجارية في حقل السويدية.
وتبع ذلك اكتشاف حقل الرميلان الذي عزّز مكانة سوريا بوصفها لاعبًا ناشئًا في سوق النفط الإقليمية، إذ كانت هذه الاكتشافات دافعًا للحكومة السورية للاستثمار في البنية التحتية النفطية وتأسيس شركات وطنية مثل الشركة السورية للنفط.
رحلة اكتشاف النفط السوري
بدأت رحلة اكتشاف النفط السوري، عام 1933، عندما اكتشفت شركة نفط العراق حقولًا نفطية في كركوك بالعراق، تمتد إلى دير الزور في شرق سوريا.
وشهد عام (1956) بدء أول عملية لإنتاج النفط السوري تجاريًا، وظلّت أعمال الاستكشاف مقتصرة على الشركات الغربية حتى عام 1958، إذ أُسست المديرية العامة لشؤون النفط عام 1958، لتتولى أعمال الاستكشاف والإنتاج والتكرير والنقل وشراء المشتقات النفطية.
وعندما تولى حزب البعث السلطة في عام 1963، أصدر المرسوم التشريعي رقم 132 في عام 1964، الذي منع الشركات الأجنبية من الحصول على تراخيص التنقيب والاستثمار، واحتفظ بهذه الحقوق للدولة السورية.
وفي مايو/أيار عام 1968، بدأ إنتاج النفط السوري بصورة جدية، مع وصول أول برميل إلى ميناء طرطوس من محطة ضخ في تل عدس، شمال شرقي سوريا، عبر مصفاة حمص.
وفي عام 1974 تأسست الشركة السورية للنفط التي تولت الإشراف على جوانب صناعة النفط والغاز كافّة في سوريا، بالإضافة إلى شركات أخرى متخصصة بالتكرير والنقل، وكانت جميعها تحت مظلة وزارة النفط والثروة المعدنية.
وشهدت صناعة النفط السورية شراكات مختلفة بين شركات محلية وجهات أجنبية، ففي عام 1980 تأسست شركة الفرات للنفط التي كانت الدولة السورية تمتلك 65% من أسهمها، في حين امتلكت شركات أجنبية على رأسها شركة شل 35% من الأسهم.
وفي العام نفسه، أصبحت شركة بترو كندا -التي استحوذت عليها شركة صنكور إنرجي الكندية الكبرى في عام 2009- شريكة في حقل الشاعر وأنشأت مصنعًا للغاز في الفرقلس.
وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، بدأت شركة توتال الفرنسية عملياتها في سوريا، لكنها انسحبت بسبب التوترات الثنائية، لكنها عادت، في المدة ما بين 2007 و2011، إلى جانب شركات غربية أخرى، لكن في المقابل شهد حضور الشركات الأميركية تراجعًا منذ ثمانينيات القرن العشرين.
مراحل تطور إنتاج النفط السوري
يُمثّل اكتشاف حقل السويدية، الواقع في مدينة السويدية الواقعة بمنطقة المالكية في محافظة الحسكة، أول الاكتشافات النفطية الكبرى عام 1958، وبدأت أعمال تطويره عام 1962، إذ أصبح هذا الحقل رمزًا لدخول سوريا عصر النفط.
وبلغ إنتاج حقل السويدية، أكبر حقل نفطي في سوريا، ما بين 110 آلاف و116 ألف برميل يوميًا قبل عام 2011، بحسب بيانات قطاع النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة.
ويُعد حقل الرميلان المجاور من أقدم الحقول وأهمها أيضًا، إذ أسهم بصورة كبيرة في وضع سوريا على خريطة الدول المنتجة للنفط، إذ كان ينتج 90 ألف برميل يوميًا، يُقدّر خبراء عدد الآبار النفطية التابعة له بـ1322 بئرًا.
وبحلول منتصف السبعينيات، بدأت مرحلة جديدة في تطور إنتاج النفط السوري، إذ بدأت دمشق بالاعتماد على هذه الحقول لتغطية جزء كبير من احتياجاتها المحلية من الطاقة، بالإضافة إلى التصدير، وكانت هذه الفترة محورية في تعزيز موارد الخزينة العامة، ما أسهم في تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وخلال السبعينيات والثمانينيات، شهد قطاع النفط السوري قفزات مهمة في الإنتاج والتصدير، إذ وصل الإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة قارب فيها 600 ألف برميل يوميًا بحلول منتصف التسعينيات.
غير أن تلك المستويات لم تدم طويلًا بسبب عوامل متعددة، أبرزها التراجع في الاستثمارات وضعف التقنية المُستعملة، إلى جانب التحديات السياسية والعقوبات الاقتصادية.
وصل إنتاج النفط السوري إلى ذروته في منتصف التسعينيات، عندما بلغ نحو 600 ألف برميل يوميًا، وشكّل هذا الإنجاز منعطفًا تاريخيًا للبلاد، إذ بات النفط يمثّل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية منذ عام 1968 حتى 2023:
لكن التحديات التقنية واللوجستية بدأت بالظهور تدريجيًا، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الحقول الرئيسة مثل السويدية والرميلان، ومع بداية الألفية الجديدة، بدأ معدل الإنتاج التراجع، ليصل إلى نحو 400 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2011.
ثم تفاقمت الأوضاع مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، إذ خرجت معظم الحقول النفطية عن السيطرة الحكومية. انخفض الإنتاج إلى مستويات قياسية، ولم يتجاوز في كثير من السنوات حاجز 25 ألف برميل يوميًا، إلى جانب ذلك، تسببت العقوبات الغربية في عرقلة خطط التطوير والاستثمار في القطاع.
تطور إنتاج النفط السوري منذ الستينيات
عند رصد تطور إنتاج النفط السوري منذ الستينيات، نجد أنه في عام 1968، بلغ إنتاج النفط السوري 21 ألف برميل يوميًا، وقفز إلى 53 ألف برميل في العام التالي، ووصل إلى 85 ألف برميل يوميًا، خلال عام 1970.
وواصل الإنتاج صعوده في السبعينيات ليصل إلى 201 ألف برميل يوميًا، عام 1976، قبل أن يبدأ في الانخفاض، إذ تراجع إلى 158 ألف برميل يوميًا، خلال عام 1980.
وعاود إنتاج النفط السوري الارتفاع، إذ بلغ 164 ألف برميل يوميًا خلال عام 1981، ووصل مجددًا إلى 201 ألف برميل يوميًا خلال عام 1986.
ثم شهد إنتاج النفط السوري قفزات مهمة، إذ وصل إلى 341 ألف برميل يوميًا خلال عام 1989، وصعد إلى 407 آلاف برميل خلال عام 1990.
واستمر صعود إنتاج النفط السوري بوتيرة مرتفعة، في التسعينيات، متجاوزًا 500 ألف برميل يوميًا، للمرة الأولى، خلال عام 1992، إذ بلغ 514 ألف برميل يوميًا.
وفي عام 1995، ارتفع الإنتاج إلى 596 ألف برميل يوميًا، خلال عامي 1995، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيًا ليصل إلى 579 ألف برميل يوميًا، خلال عام 1999.
وانخفض إنتاج سوريا من النفط إلى 573 ألف برميل يوميًا، خلال عام 2000، ثم عاود الارتفاع بمعدلات كبيرة مسجلًا أعلى مستوى له تاريخيًا، خلال عام 2002، عندما بلغ 677 ألف برميل يوميًا، وبعد ذلك ظل يحوم بين مستويات 400 ألف و300 ألف برميل يوميًا خلال المدة منذ 2004 حتى 2011، وفق تقديرات معهد النفط البريطاني.
وبلغ إنتاج النفط السوري، في عام 2008، نحو 406 آلاف برميل يوميًا، وتراجع عام 2009 إلى 401 ألف برميل يوميًا، ثم انخفض إلى 385 ألف برميل في عام 2010، و353 ألف برميل في عام 2011.
وخلال 12 عامًا، هبط إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية بمقدار يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا، إذ انخفض إلى 40 ألف برميل يوميًا العام الماضي (2023)، من 353 ألف برميل يوميًا في عام 2011.
وسجّل الإنتاج نحو 171 ألف برميل في عام 2012، وواصل تراجعه إلى 59 ألف برميل في عام 2013، ثم 33 ألفًا في عام 2014، ثم 27 ألفًا في عام 2015، و25 ألف برميل يوميًا في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018، بحسب بيانات موقع شركة النفط البريطانية بي بي.
وقُدّر إنتاج سوريا من النفط في عام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل.
وبحسب تصريحات وزير النفط السابق فراس قدور، إلى منصة الطاقة المتخصصة، في ديسمبر/كانون الأول 2023، انخفض إنتاج النفط السوري، حينها، إلى 15 ألف برميل يوميًا، وذلك في المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام بشار الأسد.
احتياطيات النفط السوري
رغم امتلاكها تاريخًا نفطيًا طويلًا، فإن إنتاج النفط السوري واحتياطياته يبقيان محدودين مقارنة بدول عربية أخرى مثل العراق والسعودية.
وتُقدّر احتياطيات النفط السوري المؤكدة بنحو 2.5 مليار برميل، وهي نسبة صغيرة إذا ما قُورنت بالسعودية التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم بما يقارب 267 مليار برميل، أو العراق الذي يحوز نحو 145 مليار برميل.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات النفط في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
ومن ناحية الإنتاج، تُعد السعودية والعراق من الدول الـ10 الأولى عالميًا في الإنتاج، إذ يصل إنتاج السعودية من النفط إلى نحو 9 ملايين برميل يوميًا، وهو أقل من قدراتها الإنتاجية، إذ تلتزم بتطبيق تخفيضات إلزامية وفق الحصص المقررة في أوبك، بالإضافة إلى تخفيضات طوعية ضمن تحالف أوبك+، في حين ينتج العراق ما يزيد على 4 ملايين برميل يوميًا.
بالمقارنة، فإن إنتاج النفط السوري في أفضل مراحله لم يتجاوز 600 ألف برميل يوميًا، ما يعكس محدودية الإمكانات الجيولوجية والنفطية للبلاد.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط السوري قبل وبعد سقوط بشار.. من يسيطر على ثروة الشعب؟ (مقال)
- حقول النفط في سوريا.. واقع مأزوم واحتياطيات هائلة تنتظر حلولًا
- أنس الحجي: النفط في سوريا لا يكفي استهلاكها.. وتحذير من "خطر نووي"
اقرأ أيضًا..
- أكبر مصدر لنمو الطلب العالمي على النفط.. منافس جديد يزيح الصين
- سياسات الحياد الكربوني تفشل في علاج تغير المناخ.. ما علاقة الدببة القطبية؟ (تقرير)
- مستودعات النفط في اليمن ومحطات الكهرباء ضحية القصف الإسرائيلي (فيديو)
المصادر: