التقاريرتقارير النفطتقارير دوريةسلايدر الرئيسيةنفطوحدة أبحاث الطاقة

عقود النفط والغاز بين بشار الأسد والشركات الروسية.. كيف أُبرِمت؟ وما مصيرها؟ (القصة كاملة)

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

يحيط الغموض بملف عقود النفط والغاز الموقّعة بين حكومة بشار الأسد والشركات الروسية وغيرها خلال السنوات الـ12 الماضية وحتى سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وما زالت الحكومة السورية الجديدة برئاسة المهندس محمد البشير في مرحلة استلام البيانات والعقود الخاصة بجميع قطاعات الدولة، ومنها قطاع النفط والغاز من آخر حكومة تركها بشار الأسد قبل هروبه إلى روسيا.

ورغم أن البشير لم يصدر أيّ تصريحات بشأن عقود النفط والغاز الموقّعة مع الشركات الأجنبية ومصيرها حتى الآن، لكن الحكومة الجديدة قد تصطدم بما لا يسرّها في نصوص العقود المُبرَمة مع الشركات الروسية تحديدًا.

وتشير البيانات التي جمعتها وحدة أبحاث الطاقة -ومقرّها واشنطن- من مصادر مختلفة، إلى أن الشركات الروسية وقّعت سلسلة عقود واسعة النطاق مع نظام الأسد خلال المدة من 2013 إلى 2024.

انسحاب شركات النفط الأجنبية من سوريا

كانت شركتا شل وتوتال إنرجي أكبر الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط والغاز السوري قبل عام 2011، إلى جانب شركة بعض الشركات البريطانية والكندية و الكرواتية والروسية والصينية.

ويوضح الجدول التالي عدد الشركات الأجنبية المالكة لحصص في 9 شركات نفط سورية تابعة للمؤسسة العامة للنفط الحكومية:

اسم الشركة تاريخ بدء الأعمال الجهة المالكة في سوريا الشركة الأجنبية المساهمة
شركة الفرات للنفط 1985 المؤسسة العامة للنفط شل العالمية متعددة الجنسيات
شركة دير الزور للنفط 1990 المؤسسة العامة للنفط توتال إنرجي الفرنسية
شركة حيان للنفط 1998 المؤسسة العامة للنفط إينا الكرواتية
شركة كوكب للنفط 2004 المؤسسة العامة للنفط شركة النفط الوطنية الصينية
شركة عودة للنفط 2008 المؤسسة العامة للنفط شركة سينوبك الصينية
شركة دجلة للنفط 2008 المؤسسة العامة للنفط غلف ساندز بتروليوم البريطانية
شركة إيبلا للنفط 2010 المؤسسة العامة للنفط شركة بترو كندا
شركة الرشيد 2010 المؤسسة العامة للنفط شركة أي بي آر الكندية
شركة البوكمال 2009 المؤسسة العامة للنفط شركة تاتنفت الروسية

وتشير بيانات متصلة إلى وجود شركات أجنبية أخرى عاملة في سوريا، من بينها شركة سيونكور إنرجي الكندية (Suncor Energy)، التي دخلت البلاد قبل عام 2010، وتمتلك حصة 50% في مشروع غاز إيبلا وسط سوريا، والنصف الآخر للمؤسسة العامة للنفط.

واضطرت شل إلى تعليق أعمالها في سوريا عام 2011، التزامًا بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المؤسسة العامة للنفط السورية وشركة سترول وشركة الفرات للنفط، وغيرها من الشركات والشخصيات، بهدف محاصرة نظام الأسد.

ولم تمرّ أشهر على انسحاب شل، حتى أعلنت شركات أجنبية أخرى، منها توتال إنرجي، وغلف ساندز بتروليوم، وسيونكور إنرجي، تعليق أعمالها التزامًا بالعقوبات المفروضة على المتعاملين مع النظام السوري ومؤسساته.

وفي عام 2019، أقرّت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على أيّ شخص أو كيان يتعامل مع الحكومة السورية، أو يوفر لها التمويل أو الدعم التقني، عبر قانون يحمل اسم" قيصر"، وشمل النفط ومصادر الطاقة الأخرى.

لم تعلن الشركات الروسية الانسحاب من سوريا على غرار الشركات الأجنبية طوال هذه المدة، خاصة مع دخول روسيا إلى المشهد داعمةً الأسد بصورة عسكرية مباشرة إلى جانب إيران.

ورغم ذلك، فقد اقتصر وجود روسيا على شركات صغيرة أو غير مشهورة ذات ارتباطات مشبوهة بشركات مجموعة فاغنر الروسية التي تقدّم خدمات القتال نظير أجر في أكثر من دولة لصالح روسيا.

أول عقود النفط والغاز مع الشركات الروسية

كان أول اتفاق كبير مع الشركات الروسية، بعد أحداث الثورة، من نصيب شركة سويز نفت غاز الروسية (SoyuzNefteGaz) التي وقّعت اتفاقية مع وزارة النفط السورية في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 2013، لمدة 25 عامًا.

ومنحت الاتفاقية الشركة الروسية حق إطلاق أول عملية استكشاف لمصادر النفط والغاز السورية قبالة ساحل مدينة طرطوس، وهي منطقة قريبة من قاعدة عسكرية روسية، وقليلة التعرض لهجمات الجماعات المسلحة.

وغطّت اتفاقية الامتياز مساحة تبلغ 2190 كيلومترًا مربعًا في المربع البحري رقم (2) على عمق 83.34 كيلومتر في البحر المتوسط، كما نصَّ الاتفاق على تمويل روسيا لعملية الاستكشاف بمبلغ 100 مليون دولار على مدار الـ25 عامًا، بحسب تصريحات نقلتها وكالة رويترز عن وزير النفط السوري آنذاك سليمان عباس.

ومع تفاقم الصراع في سوريا، توقّفت الشركة عن العمل في المشروع البحري عام 2015، مع نقله إلى شركة طاقة روسية أخرى لم يسمِّها رئيس شركة "سويز نفت غاز" يوري شافرانيك في تصريحاته على هامش قمة رويترز للاستثمار في روسيا سبتمبر/أيلول 2015.

رئيس شركة سويوز نفت غاز ووزير الطاقة الروسي السابق يوري شافرانيك
رئيس شركة سويوز نفت غاز ووزير الطاقة الروسي السابق يوري شافرانيك - الصورة من The moscow times

وفي 2017، استأنفت الشركة نشاطها بعقد لاستخراج مليوني طن من الفوسفات سنويًا من مناجم محافظة حمص، بشرط تأمين الحماية للمناجم.

وتشير البيانات المتاحة حول شركة سويوز نفت غاز إلى أنها تأسست عام 2000، ومملوكة جزئيًا للبنك المركزي الروسي، وتعمل في أكثر من 20 دولة، وخاصة دول الاتحاد السوفيتي سابقًا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

ورغم فوزها بعطاءات حكومية للتنقيب عن النفط في سوريا عام 2004، ولديها مشروعات نفطية أخرى في العراق وأوزبكستان، فإن خبرتها مقتصرة على الحقول البرية فقط، ولم تحفر بئرًا بحرية واحدة منذ إنشائها، ما أثار الشكوك حول جدوى تعاقدها على أعمال بحرية في سوريا عام 2013.

وما زاد من الشكوك تعاقد الشركة مع الحكومة السورية عبر شركة مؤسسة في بنما قبل التعاقد بـ3 أشهر فقط، وتحمل اسم (سويوز بنما للتنقيب عن النفط) -قبل أن تغير اسمها لاحقًا إلى إيست ميد أمرت" ( East Med Amrit S.A)- بحسب نص الاتفاقية المنشورة في الجريدة الرسمية السورية يوليو/تموز 2014.

وأظهرت وثائق بنما التي كُشِفت للعلن عام 2016 أن هذه الشركة مسجلة باسم مواطن بنمي أُلقي القبض عليه بتهمة الاستيلاء على أموال عامة، كما حُقِّق مع نائبه في فضيحة فساد بكولومبيا عام 2019.

عقود النفط والغاز مع 3 شركات روسية جديدة

في ديسمبر/كانون الأول 2019، أقرّ البرلمان السوري عقودًا جديدة للتنقيب عن النفط مع شركتين روسيتين مغمورتين، تحمل الأولى اسم ميركيوري إل إل سي (Mercury LLC)، والثانية فيلادا إل إل سي (Velada LLC).

وتغطي العقود الممنوحة لهاتين الشركتين التنقيب والإنتاج في 3 مربعات على مساحة 12 ألف كيلومتر مربع، تشمل حقل نفط في شمال شرق سوريا، وحقل غاز شمال العاصمة دمشق.

وحصلت الشركات الروسية على هذه العقود في إطار استراتيجية الحكومة السورية لتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة التي وقفت إلى جانبها، وعلى رأسها روسيا وإيران، بحسب تصريحات نقلتها وكالة رويترز عن وزير النفط السوري آنذاك، علي غانم.

وفي عام 2020، أبرمت حكومة بشار الأسد اتفاقية جديدة مع شركة روسية جديدة تُدعى كابيتال ليمتد ليابيلتي (Kapital Limited Liability) للتنقيب عن النفط في المربع البحري رقم (1).

وتضمنت الاتفاقية حقوقًا حصرية للشركة للتنقيب عن النفط في المياه الاقتصادية لسوريا على مساحة تصل إلى 2250 كيلومترًا مربعًا، لمدة زمنية تتجاوز 30 عامًا، تنقسم لمرحلتين.

وتمتد المرحلة الأولى الخاصة بالاستكشاف حتى 48 شهرًا قابلة للتمديد إلى 36 شهرًا إضافية، بينما تختصّ الثانية بالتطوير والإنتاج، وتمتد إلى 25 عامًا قابلة للتمديد 5 سنوات إضافية، بحسب نصّ الاتفاقية التي نُشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 مارس/آذار 2021.

كيف ظهرت فاغنر في مشهد النفط السوري؟

يشير تحقيق نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية في أبريل/نيسان 2021 إلى أن شركة كابيتال الروسية الحاصلة على عقد التنقيب البحري عام 2020 هي جزء من شبكة الشركات التي تديرها مجموعة المرتزقة الروس " فاغنر".

كما أشار التحقيق إلى أن شركتي ميركيوري إل إل سي، وفيلادا إل إل سي، هما أيضًا جزء من شبكة فاغنر، إضافة إلى شركة أخرى تدعى إيفوربوليس (Evropolis) أُدرِجت في قوائم العقوبات الأميركية عام 2018.

وكانت إيفوربوليس قد أبرمت صفقة مع نظام الأسد تقضي بحصولها على 25% من عائدات حقول النفط والغاز المحررة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مقابل حمايتها.

وتاريخيًا، توزعت مناطق إنتاج النفط والغاز في سوريا تاريخيًا على 3 مناطق رئيسة، اثنتين منها تنتجان النفط الثقيل والخفيف (شمال وشرق سوريا)، والثالثة كانت تنتج الغاز الطبيعي (وسط سوريا).

وكانت هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية قبل عام 2011، ثم تأرجحت السيطرة عليها بين المجموعات الإسلامية المسلّحة تارة، والمجموعات الكردية تارة منذ عام 2012.

وتسيطر المجموعات الكردية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على الجزء الأكبر من حقول النفط والغاز -حاليًا-، بينما تسيطر هيئة تحرير الشام التي أسقطت النظام على بعض الحقول، وما زال الصراع بينهما جاريًا للسيطرة على المناطق بعد سقوط النظام.

ورغم انخراط إيران في سوريا بصورة مباشرة داعمة لنظام الأسد منذ عام 2011، فإن الشركات الإيرانية لم تظهر في مشهد عقود التنقيب عن النفط والغاز مقارنة بالحضور القوى للشركات الروسية، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، ومقرّها واشنطن.

وظلّت طهران طوال هذه المدة المورّد الأساس للنفط إلى دمشق، التي تضررت مصافيها وهبط إنتاجها الخام بصورة حادّة من 400 ألف إلى 40 ألف برميل يوميًا، مع تعرُّض الحقول للهجمات المسلحة، كما يرصد الرسم البياني التالي:

إنتاج النفط في سوريا

سيناريو التعامل مع عقود النفط والغاز السابقة

تبدو سيناريوهات تعامل الحكومة السورية الجديدة مع عقود النفط والغاز المُبرمة في عهد بشار الأسد أقل صعوبة من الحكومات التي تتولى الحكم بعد ثورات على أنظمة سابقة، نظرًا للعقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ 12 عامًا.

إذ يمكن للحكومة الجديدة أن تستند إلى العقوبات الدولية في عدم الاعتراف بأيّ حقوق امتياز ممنوحة لأيّ شركة أجنبية، سواء كانت روسية أو إيرانية أو غيرها خلال السنوات الممتدة من 2011 إلى 2024.

كما يمكن للحكومة مقاضاة هذه الشركات أمام المحاكم الدولية والحصول على تعويضات، على عكس المألوف في حالة الشركات الأجنبية التي دائمًا ما تلجأ للتحكيم ضد الدول لدى خرق شروط اتفاقية الامتياز.

أمّا بالنسبة لعقود الشركات الأجنبية المُبرمة قبل عام 2011، فيمكن للحكومة أن تستأنفها على الشروط نفسها، أو وفق شروط جديدة، على حسب مسار التفاوض مع هذه الشركات للعودة إلى البلاد.

وتحتاج الحكومة الجديدة إلى خطة سريعة لإنعاش حقول النفط والغاز وتحريرها من الصراعات العسكرية التي أنهكتها على مدار 14 عامًا، وتطوير الاحتياطيات النفطية المستقرة عند 2.5 مليار برميل، وكذلك احتياطيات الغاز البالغة 8.5 تريليون قدم مكعبة.

الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، يرصد تطور احتياطيات النفط في سوريا تاريخيًا:

احتياطيات النفط في سوريا

وما زالت الحكومة السورية المؤقتة تعمل على استلام بيانات قطاع النفط والغاز من آخر حكومة تركها بشار الأسد، ومن المقرر أن تستغرق الحكومة وقتًا في معرفة تفاصيل العقود المبرمة في كل قطاعات الدولة، قبل أن تقرر كيفية التعامل معها.

استنادًا إلى ذلك، لا تتوقع وحدة أبحاث الطاقة أن تُصدر الحكومة الحالية قرارات بشأن عقود النفط والغاز مع الشركات الروسية وغيرها، مع ترك هذا الملف للحكومة المقبلة.

وبدأت بعض الشركات الأجنبية المالكة لأصول نفط وغاز معلّقة في سوريا، دعوة المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات عن البلاد بعد سقوط النظام وتولّي حكومة جديدة.

في هذا السياق، قال مدير شركة غلف ساندز بتروليوم البريطانية جون بيل -مؤخرًا-، إن صناعة النفط والغاز في سوريا قادرة وحدها على توليد إيرادات كافية لإعادة إعمار البلاد، إذا رُفِعت العقوبات وسُمِح للشركات الأجنبية بالعودة.

وأشار بيل في تصريحات نقلتها صحيفة فايننشيال تايمز، إلى أن رفع العقوبات سيساعد الشركات على بيع النفط بأسعاره العالمية بدلًا من بيعه في السوق السوداء بأقل من 20 دولارًا، ما سيساعد على التعافي المبكر للقطاع.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. بيانات الشركات الأجنبية العاملة في سوريا قبل 2011 من المؤسسة العامة للنفط.
  2. بيانات حصة سيونكور إنرجي الكندية في سوريا من الموقع الإلكتروني للشركة.
  3. توقيع عقد التنقيب البحري مع مع شركة سويزر نفت غاز من أويل آند غاز ميدل إيست.
  4. إعلان توقف سويزر نفت غاز عن مشروعها في سوريا من رويترز.
  5. توقيع اتفاقية التنقيب مع شركتين روسيتين في 2019 من رويترز.
  6. ارتباط الشركات الروسية في روسيا بمجموعة فاغنر من فورين بوليسي.
  7. قصة الشركة الروسية المسجلة في بنما وعلاقتها بسوريا من ذا نيو أراب
  8. دعوة مدير غلف ساندرز البريطانية لرفع العقوبات عن سوريا من فايننشيال تايمز
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق