التغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسية

مكافحة آثار تغير المناخ بـ"الذباب".. تجربة كينية رائدة

أسماء السعداوي

ربما لا تدرك السيدة جانيت موتونغي، وهي مالكة مطعم كينية، أزمة تغير المناخ العالمية بصورة كاملة، وأسبابها وسبل التخلص منها لإنقاذ الحياة على كوكب الأرض، لكنها تعلم جيدًا أنها كانت سببًا في الفيضانات المدمرة التي ضربت بلادها.

وأملًا في أن تصبح تلك الفيضانات شيئًا من الماضي، وأن تعاود تقديم الطعام إلى عملائها بصورة أسرع بعد الفيضانات، قدمت "قشور البطاطس" التي كانت تطهيها في منزلها إلى أحد مربيّ حشرة الذباب الأسود.

ومن ناحية، لن تضطر السيدة موتونغي إلى بذل مجهود أكبر في التخلص من القمامة، وبدوره سيغذي صاحب مزرعة الذباب الحشرات على تلك القشور والمخلفات العضوية الأخرى التي يجمعها.

وداخل مزارع الذباب، تتغذّى الحشرات السوداء على الفضلات العضوية، لتعمل بوصفها جنودًا للتخلص من النفايات بدلًا من سد قنوات تصريف مياه الأمطار والفيضانات التي تُغرق الأرض لفترات طويلة.

وبذلك، لن يكون الذباب مصدر إزعاج للسكان مع البحث عن طرق مكلفة للتخلص منه، بل أداة للتخلص من الفيضانات والحفاظ على نظافة الشوارع والمنازل، وإنتاج السماد العضوي وإطعام الخنازير أيضًا، وفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

تغير المناخ في كينيا

عندما تحدث الفيضانات المفاجئة من جرّاء هطول الأمطار الكثيف، تتعقد المشكلة بفعل أكوام القمامة التي تسد قنوات التصريف.

ورغم أن عاصمة كينيا نيروبي تُنتج نحو 2500 طن من القمامة يوميًا، يجري التخلص من ثلثها فقط بصورة مناسبة.

أزمة صرف متفاقمة في ماكورو
أزمة صرف متفاقمة في ماكورو - الصورة من وكالة بلومبرغ

ويعود تاريخ بناء شبكة الصرف في نيروبي إلى عقود طويلة مضت، كما أنها مُصممة لخدمة عُشر عدد السكان الحالي البالغ 5 ملايين نسمة، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي حي موكورو العشوائي بضواحي نيروبي حيث يعيش عشرات الملايين من المهاجرين بحثًا عن فرص العمل، لا يوجد ما يُعرف في الحضر بالجمع الدوري للقمامة.

وعلى نحو خاص، فإن موكورو عُرضة للفيضانات الناتجة عن تغير المناخ كون الحي العشوائي يقع بالجوار من نهر نيروبي إلى الجنوب من وسط العاصمة.

وفي مايو/أيار (2024)، ضربت فيضانات كارثية المنطقة وتسببت في مقتل العشرات من المواطنين، وكان أحد أسباب تفاقم الوضع هو انسداد قنوات التصريف التي استغرقت تنقيتها أيامًا طويلة، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة نقلًا عن وكالة بلومبرغ.

أهمية التجربة

موّل المركز العالمي للتكيف، ومقره هولندا، مشروعًا تجريبيًا لمكافحة أكوام القمامة عبر إقامة 10 مزارع لتربية ذبابة الجندي الأسود.

ويتطلع الرئيس التنفيذي للمركز باتريد فيركويجن إلى تكرار التجربة الكينية في أنحاء أخرى من العالم؛ حيث يوجد نحو مليار شخص يعيشون في أحياء عشوائية ويواجهون التحديات ذاتها.

ولذلك، ستقدم التجربة سواء نجحت أو فشلت "دروسًا مهمة ليس لنيروبي أو كينيا فحسب، وإنما للجنوب العالمي ككل للاستفادة من الطبيعة بدلًا من الإضرار بها".

وإذ يوجد في كل قارات العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا، انتبه العملاء لدور ذباب الجندي الأسود في إدارة المخلفات، وأثبتت دراسات علمية أنه يمكن للحشرة معالجة المخلفات العضوية بأسرع من تحويلها إلى سماد بالطرق التقليدية.

ومن هنا، كانت المزارع في كينيا بمثابة دراسة حالة لتقييم مدى فاعلية الفكرة وتحديد أوجه القصور المحتملة ليس في نيروبي فحسب وإنما في كل العالم.

تربية ذباب الجندي الأسود في كينيا
تربية ذباب الجندي الأسود في كينيا - الصورة من بلومبرغ

وعن التجربة، تقول الباحثة المتخصصة في التكيف مع تغير المناخ بجامعة كولومبيا ليزا ديل، إن هذا النوع من الحلول المبتكرة "جاذب حقًا"، وسيقلل الحاجة إلى بناء المزيد من مرافق البنية الأساسية الرمادية الخاصة بتصريف مياه الفيضانات.

وفي ضوء تغير أنماط الطقس بسبب تغير المناخ، تُنفق حكومات دول العالم المليارات على توسعة وتطوير مرافق البنى الأساسية للصمود في وجه الفيضانات المستقبلية.

وتوصل تقرير صدر خلال العام الجاري (2024) إلى أن مدينة نيويورك الأميركية بحاجة إلى مليار دولار لتطوير أنظمة تصريف مياه الأمطار سنويًا خلال الأعوام الـ30 المقبلة.

تحديات وفرص

داخل مزارع الذباب الكينية، يجري خلط المخلفات العضوية ثم تحويلها إلى قطع أصغر و إضافة مواد لتغيير طعمها ورائحتها ثم تقديمها إلى الحشرات.

ويمكن بيع روث الذباب بوصفه سمادًا عضويًا، كما جذبت يرقات الذباب المجففة بالهواء أنظار مربي الخنازير لإطعام حيواناتهم كونها غنية بالبروتين وأرخص من العلف التقليدي.

وتتطلب تجربة الاستفادة من ذباب الجندي الأسود في التخلص من الفضلات العضوية أموالًا كثيرة؛ إذ تتكلف المزرعة الواحدة 7 آلاف دولار، وهو مبلغ ليس بصغير بالنظر إلى أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في كينيا ألف و950 دولارًا في العام الماضي (2023).

وعلاوة على ذلك، تتسم ذبابة الجندي الأسود بشهية لا تنتهي، وتتباين استجابتها للمخلفات العضوية، وهو ما يؤثر في معدلات معالجة النفايات.

كما تتطلب عملية تربية الذباب انتباهًا كبيرًا لتجنّب أخطاء مثل تلويث الطعام ببطارية الرصاص الحمضية، وهو ما سيدخل في الأسمدة وغذاء الحيوانات.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق