القمة المصرية التركية.. خطوة لتطوير العلاقات بالمجالات النووية والمتجددة والغاز المسال (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • الشركات التركية قد تختار تمويل مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر
- • الهيدروجين الأخضر يُعدّ عنصرًا متزايد الأهمية في سياسات الطاقة في مصر وتركيا
- • مصر تواصل أداء دور مهم بفضل مرافق تصدير الغاز المسال في إدكو ودمياط
- • الهيدروجين الأخضر يُعدّ جزءًا من خطة تركيا الأكبر لتحسين قدراتها بمجال الطاقة المتجددة
في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري 2024، انعقدت القمة المصرية التركية، خلال زيارة أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنقرة، لتكون نقطة تحول لاستعادة وتحسين العلاقات الثنائية، خصوصًا في قطاع الطاقة.
وشكّل هذا اللقاء التاريخي تغييرًا إستراتيجيا نحو تعاون أعمق في مجالات، مثل الطاقة النووية والطاقة المتجددة والغاز المسال.
وتُعدّ هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيسان السيسي وأردوغان، منذ 12 عامًا، على مائدة واحدة خلال القمة المصرية التركية.
ويرغب البلَدان في تعميق تعاونهما بمجال الطاقة، وتريد تركيا شراء المزيد من الغاز المسال من مصر، بالإضافة إلى التعاون في مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة.
القمة المصرية التركية والطموحات المشتركة
توفر طموحات مصر وتركيا المشتركة في مجال الطاقة المتجددة –42% في مصر بحلول عام 2035، و50% في تركيا بحلول عام 2030- الأساس للجهود التعاونية في تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين.
بالإضافة إلى تعزيز العلاقات في مجال الطاقة، أدت الزيارة إلى تحسين العلاقات عبر العديد من القطاعات، مع احتمالات لتوقيع أكثر من 20 اتفاقية في المجالات العسكرية والتمويل والصحة.
ومن خلال القمة المصرية التركية، ترغب تركيا في زيادة التجارة الثنائية من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار، وزيادة الإمدادات العسكرية، خصوصًا مبيعات الطائرات المسيرة، إلى مصر.
وخلال القمة المصرية التركية، وُقِّعت اتفاقية بقيمة 200 مليون دولار لتطوير المناطق الصناعية في مصر.
وتدلّ القمة المصرية التركية على حدوث تغيير جذري في ديناميكيات المنطقة، وتعزز الخطة الأوسع لتركيا لتعزيز العلاقات مع الدول العربية وتعزيز التعاون الاقتصادي.
التعاون في مجال الطاقة المتجددة
حددت القمة المصرية التركية أهدافًا طموحة لعلاقات البلدين، وستعطى الأولوية للطاقة المتجددة.
وقد يستفيد تطوير مصر للطاقة المتجددة من الخبرة المهمة التي توفرها تركيا في تكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية، حيث توجد فرص استثمارية محتملة.
من ناحيتها، قد تختار الشركات التركية تمويل مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر من خلال الاستفادة من سياسات الطاقة المتجددة المواتية في البلاد.
وبحثت الدولتان -خلال القمة المصرية التركية- عن شراكات تعاونية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى نقل المعرفة والاستثمار. وقد تشجع مشاركة تركيا في الصناعة، والاتفاقيات الحالية لمصر مع الاتحاد الأوروبي، نمو التعاون.
ويأتي إمكان آخر للتعاون في مجال التصنيع من إمكان استعمال القدرة المصرية لإنتاج مكونات للطاقة المتجددة لإنشاء مركز إقليمي لتصنيع المعدّات من خلال الشراكات التركية المصرية.
وقد تزيد هذه الشراكة من النفوذ الإقليمي لتركيا ومصر، مع عملهما على أن تصبحا مركزين إقليميين للطاقة، مع تركيز مصر على مصادر الطاقة المتجددة وتركيا على الغاز الطبيعي.
ولكي تنجح الشراكة الثنائية في مجال الطاقة، فسوف تحتاجان إلى معالجة قضايا، بما في ذلك تطوير البنية التحتية وتمويل المشروعات والتوافق التنظيمي.
عمومًا، فإن التعاون في مجال الطاقة بين مصر وتركيا يعزز ريادة البلدين في التحول إلى مصادر الطاقة الأكثر خضرة، ويوفر إمكانات كبيرة للتقدم العلمي والنمو المتبادل.
القمة المصرية التركية وشراكة الطاقة: مراجعة شاملة
ارتفعت واردات تركيا من الغاز المسال المصري بشكل كبير إلى 1.2 مليار متر مكعب في النصف الأول من عام 2024، من 0.2 مليار متر مكعب في المدة نفسها من العام السابق.
وتؤكد هذه الزيادة قرار تركيا بتقليل اعتمادها على الغاز الروسي وتنويع مصادر الطاقة.
من جهتها، تزود مصر تركيا الآن بالغاز المسال عند رابع أكبر مستوى، بعد الولايات المتحدة وقطر والجزائر. ويتوافق هذا التطور مع هدف تركيا في أن تصبح مركزًا رئيسًا للطاقة في أوروبا، ويعكس تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
في النصف الأول من عام 2024، زوّدت مصر ما يقرب من 15% من إجمالي واردات تركيا من الغاز المسال، التي بلغت 8 مليارات متر مكعب.
ويشكّل ارتفاع الواردات عنصرًا من خطة تركيا الأكبر لتعزيز مكانتها في سوق الطاقة الإقليمية، من خلال الاستفادة من موقعها المميز والبنية التحتية الحالية.
وتستفيد تركيا ومصر من هذه الشراكة، حيث تضمن مصر سوقًا صاعدة لصادراتها من الغاز المسال، في حين تحصل تركيا على إمدادات طاقة أكثر تنوعًا.
ومن المتوقع أن تعمل الاتفاقيات الجديدة بين مصر وتركيا، مع التركيز على التعاون بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة خطوط أنابيب النفط والغاز التركية (بوتاش)، على تحسين التعاون في تجارة الغاز الطبيعي والغاز المسال.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التعاون الذي دُعِمَ خلال القمة المصرية التركية، إلى زيادة شحنات الغاز المسال من مصر إلى تركيا.
إضافة ذلك، تشمل الاتفاقيات التعاون على صعيد التقنية والبنية التحتية، بما في ذلك التخزين تحت الأرض والبنية التحتية للغاز الطبيعي وتبادل التكنولوجيا.
وتعزز هذه الجوانب تطلعات تركيا للظهور بصفتها مركزًا أوروبيًا للغاز الطبيعي، وهدف مصر المتمثل بتعزيز مكانتها في سوق الطاقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من أن الغاز المسال والغاز الطبيعي هما الموضوعان الرئيسان للمناقشة الآن، فإن التعاون المستقبلي في مجال الطاقة المتجددة ممكن.
لقد حددت كل من مصر وتركيا أهدافًا طموحة لاستعمال الطاقة المتجددة: تريد مصر استعمال 42% من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2035، بينما تريد تركيا استعمال 50% بحلول عام 2030، و80% بحلول عام 2053.
ويوفر توافق الأهداف هذا أساسًا متينًا للجهود التعاونية في مجال الطاقة المتجددة، خصوصًا الهيدروجين الأخضر.
الهيدروجين الأخضر في الإستراتيجيات المستقبلية
يُعدّ الهيدروجين الأخضر عنصرًا بالغ الأهمية بسياسات الطاقة في مصر وتركيا.
وقد حددت تركيا أهدافًا متقدمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بموجب "إستراتيجية الخطة التفصيلية لتقنيات الهيدروجين"، التي كُشِفت في يناير/كانون الثاني 2023، بهدف خفض تكاليف الإنتاج إلى أقل من 2.4 دولار/كغم بحلول عام 2035، وأقل من 1.2 دولار/كغم بحلول عام 2053.
وتريد تركيا بناء أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر وزيادة سعة المحلل الكهربائي إلى 2 غيغاواط بحلول عام 2030، و5 غيغاواط بحلول عام 2035، و70 غيغاواط بحلول عام 2053.
وتخطط تركيا لاستعمال موقعها الإستراتيجي والبنية التحتية الحالية لتوليد الكهرباء محليًا، واستعمال الهيدروجين للاستعمالات الصناعية، وتصديره إلى أوروبا.
بدورها، تحدد مصر أهدافًا طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، على أمل إنتاج 20 مليون طن سنويًا بحلول عام 2035، والحصول على 5% من السوق العالمية بحلول عام 2040.
وفي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تعمل مصر على إنشاء مبادرات تتعلق بالهيدروجين والأمونيا، بهدف دمج الهيدروجين في إستراتيجيتها المتكاملة للطاقة المستدامة.
وتتمتع مصر بالعديد من المزايا، مثل الطاقة المتجددة رخيصة التكلفة، وموقع رئيس للصادرات، ووفرة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتتعامل كلتا الدولتين مع قضايا تشمل بناء البنية التحتية، وجذب الاستثمار، ونقص المياه.
من ناحية أخرى، يمنحهما قربهما من أوروبا ميزة في سوق الهيدروجين.
وللتغلب على هذه العقبات وترسيخ دور مصر وتركيا بصفتهما مورّدَين مهمَّين للهيدروجين الأخضر، سيكون الاستثمار الأوروبي والتعاون التكنولوجي ضروريًا.
التداعيات على ديناميكيات الطاقة الإقليمية
اكتُشِفت مكامن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث عثرت مصر وقبرص وإسرائيل على احتياطيات بحرية كبيرة.
وتتمتع هذه الموارد بالقدرة على تعزيز أمن الطاقة الإقليمي بشكل كبير.
في المقابل، تواصل مصر أداء دور مهم بفضل مرافق إدكو ودمياط لتصدير الغاز المسال، حتى لو واجه مشروع خط أنابيب شرق المتوسط إيست ميد -الذي كان من المفترض أن ينقل الغاز من حوض شرق المتوسط إلى اليونان وإيطاليا- عقبات، بسبب انسحاب الولايات المتحدة من التمويل عام 2022.
ويتماشى طموح تركيا لتنويع إمداداتها من الطاقة وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي مع التعاون المتوسع في مجال الطاقة بين مصر وتركيا، خصوصًا في مجال الغاز المسال.
بدورهما، تريد تركيا ومصر، وسط التركيز على الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، أن تصبحا مركزين إقليميين للطاقة، ويُعدّ هذا التعاون في مجال الطاقة أحد مكونات استعادة العلاقات الأوسع بين تركيا ومصر، التي قد تؤدي إلى المزيد من الاستثمارات والمشروعات التعاونية.
ومن الممكن أن تتعزز مكانة البلدين في سوق الطاقة بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال هذه المصالحة، التي لديها القدرة على تغيير ديناميكيات الطاقة الإقليمية.
خاتمة
تمّ التوصل إلى نقطة تحول مهمة في ديناميكيات الطاقة شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال اتفاقيات الطاقة الأخيرة بين القاهرة وأنقرة، التي دعمتها القمة المصرية التركية، والتي لها آثار بعيدة المدى في الأسواق الإقليمية والدولية.
وتعزز هذه الاتفاقيات، التي تدل على تعاون إستراتيجي يهدف إلى زيادة أمن الطاقة، وخفض الاعتماد، وتعزيز دور كل دولة بصفة جهة فاعلة مهمة في مجال الطاقة، التعاون في قطاعي الغاز الطبيعي والغاز المسال.
ويتعزز الهدف الشامل لتركيا المتمثل في تنويع مصادر الطاقة وخفض اعتمادها على الغاز الروسي من خلال شراء الغاز المسال المصري.
وبالاستفادة من موقعها المتميز، فإن هذا التغيير يزيد من قدرة تركيا على تحمُّل تقلبات الطاقة في الداخل، ويعزز مكانتها مركزًا مهمًا لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.
ومن خلال الحصول على سوق ثابتة لصادراتها من الغاز المسال، تهدف مصر بدورها إلى زيادة نطاق نفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط، والحفاظ على مكانتها مصدرًا رئيسًا للطاقة.
على صعيد آخر، تشمل الاتفاقيات مشروعات الطاقة المتجددة المستقبلية، خصوصًا في قطاع الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى التعاون الحالي في مجال الغاز الطبيعي.
وإدراكًا من تركيا ومصر أن الهيدروجين الأخضر قد يكون عنصرًا حيويًا في النمو الاقتصادي المستدام على المدى الطويل، فقد وضعتا معايير عالية لدمجه في محافظ الطاقة لديهما.
ويُعدّ الهيدروجين الأخضر جزءًا من خطة تركيا الأكبر لتحسين قدراتها في مجال الطاقة المتجددة ومواكبة أهداف التحول بمجال الطاقة في أوروبا، حيث تستعمل مصر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة لديها لترسيخ موقعها مركزًا عالميًا لتصنيع الهيدروجين.
ويريد كلا البلدين قيادة منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط في تطوير الطاقة المتجددة، وهو ما ينعكس باهتمامهما المشترك في الاستدامة والابتكار في قطاع الطاقة.
وبفضل علاقتهما المتنامية، تتمتع تركيا ومصر بالقدرة على التأثير في الاتجاهات العالمية بمجال أمن الطاقة والاستدامة والتنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى تشكيل مشهد الطاقة في منطقتهما.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- واردات تركيا من الغاز المسال المصري في 11 عامًا (بيانات حصرية لأول مرة)
- أنس الحجي: مصر وتركيا مهمتان لأسواق الطاقة العالمية.. وسببان يميزان القاهرة
- واردات تركيا من الغاز المسال تهبط 26% في 3 أشهر.. ما علاقة مصر؟
اقرأ أيضًا..
- الطاقة النووية في الدول العربية.. 3 مشروعات عملاقة
- العراق يرد على الاتهامات الأميركية لقطاع النفط: مزاعم وافتراءات
- واردات أميركا النفطية من 5 دول عربية تسجل 10.5 مليار دولار