تقارير الطاقة المتجددةرئيسيةطاقة متجددة

انتقادات لدعم الطاقة المتجددة في بريطانيا.. "انتحار اقتصادي"

أسماء السعداوي

وجّه خبير اقتصادي كبير انتقادات لاذعة إلى الدعم الحكومي السخي لمطوري مشروعات الطاقة المتجددة في بريطانيا، قائلًا إنها بمثابة "انتحار اقتصادي".

جاء هذا في تحليل لأوجه الإنفاق على العطاءات، بما يضمن للمطورين تحقيق أرباح حتى مع توقف الإنتاج، قدّمه رئيس معهد الشؤون الاقتصادية والمسؤول السابق ببنك إنجلترا المركزي نيل ريكورد، ضمن مقال جديد له.

ووفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإنه رغم تزايد الاعتماد على الطاقة المتجددة في بريطانيا، ما زالت أسعار الكهرباء في ارتفاع حتى مع تقليل الاعتماد على محطات الغاز الطبيعي الذي ارتفعت أسعاره بعد غزو أوكرانيا في عام 2022.

وجاءت الحكومة الحالية بقيادة حزب العمال إلى السلطة في يوليو/تموز (2024) حاملة هدف إزالة الكربون من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030، وصولًا إلى هدف الحياد الكربوني في 2050.

وترى الحكومة وسائل إنتاج الكهرباء النظيفة بمثابة ضمانة لتحقيق استقلال الطاقة وأمنها، وتجنّب تقلبات أسعار الوقود الأحفوري، فضلًا عن تحقيق الأهداف المناخية، وتوفير فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي، لكن كاتب المقال له رأي مغاير.

عطاءات الطاقة المتجددة في بريطانيا

أعلنت الحكومة نتائج آخر عطاءات الطاقة المتجددة في بريطانيا يوم الثلاثاء الموافق (3 سبتمبر/أيلول 2024).

وفي الجولة السادسة للعقود مقابل الفروقات، منحت السلطات مطوري مشروعات توليد الكهرباء من طاقة الرياح البحرية عقودًا لشراء الكهرباء بسعر أعلى من المتوسط في العام الحالي بنحو 30%.

وبالنسبة إلى محطات الرياح البحرية العائمة غير المثبتة بقاع البحر، كان السعر أعلى بنسبة 200% عن سعر السوق، وفق المقال المنشور في صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية (The telegraph).

ويقول كاتب المقال نيل ريكورد إن تلك الأسعار كانت ستكون أقل لو مُنحت العقود إلى مطوري مشروعات الطاقة الشمسية والرياح البرية.

الكاتب نيل ريكورد
الكاتب نيل ريكورد - الصورة من موقع معهد الشؤون الاقتصادية

وبعد أيام معدودة على فوزه بالانتخابات، قرر حزب العمال بقيادة كير ستارمر رفع الحظر الفعلي "السخيف" على تطوير مشروعات رياح بحرية جديدة.

ورغم رفع الحظر صوريًا فقط في وقت سابق، فإن الحظر كان ساريًا؛ إذ كانت اللوائح تتطلب تقديم دليل قوي على عدم وجود أيّ معارضة من جانب السكان المحليين؛ ما جعل بناء مشروعات جديدة أمرًا مستحيلًا؛ بسبب وجود مقاومة دائمًا، وفق تقارير يومية تتابعها منصة الطاقة المتخصصة.

وبناء على الزيادة التي دفعتها الحكومة إلى المطورين، ستتحول إلى فواتير الكهرباء، وربما سيشعر المواطنون بوطأة الأمر عندما يكون لزامًا عليهم التحول إلى مصادر تدفئة تعمل بالطاقة النظيفة واستقلال السيارات الكهربائية، بحسب ريكورد.

وكانت المملكة المتحدة تستهدف حظر بيع السيارات العاملة بالديزل والبنزين بداية من عام 2035، لكن حزب العمال تعهد بتبكير الموعد 5 سنوات.

أزمة العطاءات

قبل إقامة عطاءات الطاقة المتجددة في جولتها السادسة، رفعت الحكومة حجم الدعم المالي لميزانية العطاء إلى مليار ونصف المليار جنيه إسترليني (ملياري دولار أميركي).

وبالمقارنة بعطاء العام الماضي (2023) الذي لم يجذب أي متنافسين بسبب الأسعار المنخفضة حينئذٍ، أشادت الحكومة بنتائج الجولة السادسة؛ إذ ستلبي المشروعات الفائزة، وعددها 131، احتياجيات 11 مليون منزل.

وفي بيان حمله موقع الحكومة الرسمي، انتقد وزير أمن الطاقة والحياد الكربوني إد ميليباند، سياسة حزب المحافظين التي خلّفت "سياسة طاقة محطمة"، متعهدًا ببذل المزيد "للبناء على النجاح".

بدوره، انتقد الكاتب نيل ريكورد الطريقة التي تُدار بها عطاءات الطاقة المتجددة، قائلًا إنها لن تؤدي إلى الريادة، وأن تصبح بريطانيا قوة عظمى (كما يطمح العمال)، بل إلى "انتحار اقتصادي".

وخلافًا لمعظم المشروعات الاستثمارية الضخمة التي يتحمل فيها المطورون المخاطر الطبيعية للمكسب والخسارة التي عادة ما تصاحب أي مشروع، تتحمل الحكومة نيابة عن مطوري المشروعات الفائزين بالعطاء ضمان كل من السعر الجيد وبيع كل الإنتاج.

رئيس حزب العمال اللورد كير ستارمر وسط توربينات رياح
رئيس حزب العمال كير ستارمر وسط توربينات رياح - الصورة من الغارديان

ويتميّز إنتاج الطاقة المتجددة بعدم الاستقرار بسبب الاعتماد على سطوع الشمس نهارًا وهبوب الرياح بصورة غير متوقعة، كما لا يمكن تخزين الكهرباء المنتجة للاستفادة منها في أوقات الحاجة أو في الليل وعند توقف الرياح.

لكن الحكومة تُلزم مديري الشبكات باستيعاب كل الكهرباء النظيفة المنتجة، بغض النظر عن وجود بدائل أرخص وعن الحاجة الفعلية لذلك الكم من الكهرباء.

وإذا لم تتمكّن الشبكة من استيعاب كهرباء الطاقة المتجددة، تتوقف المحطة عن الإنتاج وتستمر الحكومة بالدفع لها.

وفي حال تشغيل محطات الطاقة المتجددة، يكون الخاسر هو محطات توليد الكهرباء بحرق الغاز التي تتنحى جانبًا حتى حلول الظلام أو عدم هبوب الرياح.

ونتيجة لذلك، وعندما يكون على محطات الغاز تعويض إنتاج محطات الطاقة المتجددة عند توقفها، تكون تكلفة توليد الكهرباء بالغاز أغلى من المفترض، لأنها تستلزم توافر عدد كبير من محطات توليد الكهرباء بالغاز دون تشغيل في معظم الأوقات، وعند تشغيلها وإيقافها فجأة ترتفع تكاليف الصيانة.

كابوس مستثمري الطاقة المتجددة

تضمن الحكومة لمطوري مشروعات الطاقة المتجددة في بريطانيا تقديم سعر مناسب نظير إنتاجهم عبر إبرام العقود بناء على نظام العقود مقابل الفروقات.

وعندما تنخفض أسعار بيع الكهرباء بالجملة عن الحد الأدنى تغطي الحكومة ذلك الفارق، أما إذا ارتفعت الأسعار فإن المنتجين يدفعون ذلك الفارق إلى الحكومة.

وقال مستثمرون في القطاع صراحة للحكومة، إنهم لن يضخوا أموالهم ما لم يحققوا إيرادات عالية بما يكفي.

وما يخشاه المستثمرون فعلًا هو أن تشيح الحكومة بوجهها عن قطاع الطاقة المتجددة بعدما كان جاذبًا يومًا ما، وربما يأتي يوم ما مستقبلًا وتشكك في جدوى إنفاق مليارات الجنيهات على القطاع.

وبالفعل، ولوقت طويل قيل إن مصادر الطاقة المتجددة أرخص من الغاز في توليد الكهرباء، لكن الكاتب نيل ريكورد يقول إن ذلك كان لفترة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتوقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، أما الآن فلا.

واختتم بقوله، إن أسعار الكهرباء في بريطانيا تواصل الارتفاع رغم أن أسعار الغاز انخفضت، محذرًا من مواصلة الارتفاع إذا أصرت الحكومة على دعم الطاقة المتجددة، وهو ما سيجعل المملكة المتحدة غير تنافسية اقتصاديًا، كما أنه سيُلحق الضرر بالمستهلكين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق