قصة تعثر الحياد الكربوني في نيوزيلندا.. كيف تحول المسعى الأعمى إلى أزمة؟
أسماء السعداوي
أطلقت الحكومة في عام 2018 خطة طموحة لتحقيق هدف الحياد الكربوني في نيوزيلندا، عبر تركيز توليد الكهرباء من مصادر نظيفة والابتعاد عن الوقود الأحفوري الملوث.
والآن وبعد 6 أعوام، ترزح نيوزيلندا تحت وطأة أزمة شح إمدادات الكهرباء، وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، حتى إن بعض المصانع والشركات أوقفت أو أرجأت عملياتها.
وفي تعارض صارخ مع الخطط السابقة، تدخلت الحكومة الجديدة أمس الإثنين (26 أغسطس/آب 2024) لحل الأزمة، لتطرح حزمة إجراءات عاجلة كان على رأسها إلغاء حظر التنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية واستيراد الغاز المسال لأول مرة.
وفي مقال حديث اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، حلّل الكاتب، الخبير بشؤون الكهرباء برايان ليلاند أسباب الأزمة، وربط بين الحياد الكربوني وفرص زيادة معدلات انقطاع التيار وارتفاع أسعار الكهرباء، من جراء عدم التوازن في مزيج الإنتاج وتجاهل أهمية توفير إمدادات بأسعار معقولة.
أزمة الطاقة في نيوزيلندا
عزا الكاتب برايان ليلاند المشكلات الخطيرة الناجمة عن شح إمدادات الكهرباء إلى 3 أسباب هي: المناخ، وبنية سوق الكهرباء المليئة بالعيوب، ومساعي تحقيق الحياد الكربوني في نيوزيلندا.
وتوفر الطاقة الكهرومائية 65% من الكهرباء، لكن منسوب الماء انخفض في البحيرات؛ ما أدى إلى تراجع الإنتاج.
وخسرت الدولة الواقعة في المحيط الهادئ 10% من قدرات توليد الكهرباء من السدود الكهرومائية بسبب الجفاف، وهو ما يخالف الاعتقاد السابق بأنها بمنأى عن تقطع الإمدادات مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وإلى جانب الطاقة الكهرومائية، تغطي الطاقة الحرارية الأرضية والفحم والغاز والطاقة المتجددة بقية الاستهلاك، لكن فُرضت قيود صارمة على محطات الغاز التي كانت تنتج 20% من الكهرباء.
وتوجد محطة وحيدة لتوليد الكهرباء بالفحم، لكن شح الإمدادات يعرقل عملها، وبسبب سياسة إزالة الكربون التي بدأت قبل 6 سنوات، حظرت الحكومة السابقة عمليات التنقيب الجديدة عن الغاز.
والنتيجة، هي أن نيوزيلندا في حاجة ماسة حاليًا إلى الغاز، كما تشجع الحكومة عمليات التنقيب الجديدة رغم أن النتائج لن تظهر إلا بعد سنوات عديدة من الآن، وفق تقرير لصحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية (The telegraph).
سوق الكهرباء
انتقد كاتب المقال التصميم الرديء لسوق الكهرباء في نيوزيلندا قائلًا إنه محفوف بالمخاطر، وأثبتت التجربة أنه يشوبه الكثير من العيوب.
وبعد ارتفاع الأسعار إلى جنيه إسترليني لكل كيلوواط/ساعة وإغلاق بعض المصانع، تدخل السياسيون بعدما أدركوا آثار السياسة في المستهلكين.
(الجنيه الإسترليني = 1.32 دولارًا أميركيًا)
وقد يتطور الأمر لتشغيل محطات الغاز والفحم ليلًا ونهارًا دون توقف، لكن ذلك لن يُجدي نفعًا بسبب شح الوقود؛ ما سيؤدي إلى تطبيق خطة تخفيف الأحمال وإطلاق حملة لترشيد الاستهلاك.
يُشار هنا إلى أن نيوزيلندا تعتمد على حقول الغاز المحلية، لكن إنتاجها تراجع مؤخرًا، كما تراجعت الاحتياطيات وارتفع الطلب.
وهنا يقول الكاتب إن السعي الأعمى وراء الحياد الكربوني تسبب في وقف عمليات التنقيب عن الغاز، والرغبة في إغلاق محطة الفحم رغم أنها تؤدي دورًا مهمًا في توليد الكهرباء.
ما الحل؟
سلط الخبير في شؤون الكهرباء كاتب المقال برايان ليلاند الضوء على حجم التعقيد والتحديات داخل منظومة الكهرباء في نيوزيلندا.
ورغم أن البلد خارج دائرة الخطر حاليًا، فإن الأزمة مستمرة على المدى الطويل بسبب تراجع إنتاج الغاز والحاجة إلى استيراد الفحم وهبوط مخزونات المياه في سدود الطاقة الكهرومائية.
وانتقد الإغلاق الوشيك لمحطة غاز بقدرة 380 ميغاواط، بسبب مزاعم نقص الإمدادات خلال الأعوام الـ20 المقبلة.
وفي المقابل، تركز الحكومة على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء عندما يقل إنتاجها وانخفاضها عن وفرة ضوء الشمس وهبوب الرياح، وهو ما لا يدعم مطوري مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تحظى -أيضًا- بدعم حكومي مباشر.
وحتى تصبح تلك المصادر المتجددة مجدية اقتصادية، يجب دعمها ببطاريات تخزين ذات قدرات عملاقة، لكن ذلك ليس بخيار متاح في الوقت الحاضر، كما أنها باهظة التكلفة ولا يمكن استعمالها في شبكات الكهرباء الوطنية.
يتزامن ذلك مع توقعات بارتفاع سريع للطلب على الكهرباء، بسبب مساعي كهربة وسائل النقل والاستهلاك المنزلي والصناعي ومراكز البيانات.
وبالنظر إلى محطات الطاقة الحرارة الأرضية، أشار إلى مقترح ببناء المزيد، لكن تلك الفكرة تصطدم بحقيقة أن عمليات التطوير ستستغرق وقتًا طويلًا، كما غادرت منصات الحفر المطلوبة للإنتاج إلى الخارج، كما اصطدمت الفكرة بانتقادات بيئية رغم قدرات إنتاج 2000 ميغاواط في الجزيرة الجنوبية.
يُشار هنا إلى أن مرافق الطاقة الحرارية الأرضية تحتاج إلى حفر الآبار لكنها مكلفة، ويمكن استعمال الآبار المحفورة لتقليل التكاليف.
وبالنسبة إلى استيراد الكهرباء من أستراليا، فالأمر مستحيل بسبب المسافة الطويلة بين البلدين التي تصل إلى 2000 كيلومتر، وربما يكمن الحل في شراء توربينات غاز وتشغيلها بالديزل، لكنه لا يبدو خيارًا جيدًا.
وفي المقابل، دعا الكاتب إلى التفكير في إمكان استعمال الطاقة النووية بوصفها الطريقة العملية والاقتصادية الوحيدة لتوفير إمدادات موثوقة ذات انبعاثات كربونية منخفضة.
موضوعات متعلقة..
- الحياد الكربوني في بريطانيا يتراجع على أجندة "المحافظين" (تقرير)
- تحقيق الحياد الكربوني في أستراليا يتطلب 2.4 تريليون دولار (تقرير)
- هل يمنح تقلب أسعار النفط فرصة لتحقيق الحياد الكربوني بالدول المنتجة؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قطاع الكهرباء في الأردن خلال 2023.. المملكة تؤمّن نفسها بمزيج متنوع
- بعد إغلاق حقول النفط في ليبيا.. 4 خبراء يتحدثون لـ"الطاقة" عن التطورات
- حقل الظلوف البحري السعودي.. ثالث أكبر الحقول عالميًا بـ31 مليار برميل
- صفقة غاز مسال عربية ضخمة لمدة 15 عامًا