التقاريرتقارير النفطرئيسيةنفط

استثمارات النفط في بحر الشمال تواجه مفترق طرق.. الضرائب أم التطوير؟

هبة مصطفى

وقعت صناعة النفط في بحر الشمال بمأزق مع استمرار حالة "عدم اليقين" تجاه سياسات حزب العمال الحاكم، ويتردّد المطورون في توجيه استثماراتهم لحين استقرار المشهد السياسي.

وكان حزب العمال قد تعهّد -قبل الانتخابات- بفرض التزامات ضريبية على شركات النفط والغاز، وترجم هذه التعهدات بصورة فعلية إلى إجراءات مع تولي رئيس الحزب كير ستارمر رئاسة الحكومة الجديدة.

ومع فرض ضرائب جديدة -سواء على الشركات بصفة دائمة أو في صورة ضرائب استثنائية مؤقتة- يخشى المستثمرون تجديد مرافق التنقيب والإنتاج في ظل الافتقار إلى ملامح واضحة حول مستقبل الصناعة.

وتكتسب صناعة النفط والغاز في بحر الشمال أهمية كبرى، بحسب متابعة منصة الطاقة التخصصة (مقرها واشنطن)، إذ تُعد المنطقة موطنًا لاستثمارات كبريات شركات الطاقة الراغبة في تعزيز استثمارتها جنبًا إلى جنب مع خفض الانبعاثات ومحاولة تعويضها بأنشطة الرياح البحرية.

زيادات ضريبية

تتعطّل عملية ضخ الاستثمارات بقطاع النفط في بحر الشمال، وسط تساؤلات المطورين عن مصيرها حال مد العمل بالضرائب الاستثنائية أو تفاقم نسبة الثابتة منها على الشركات.

وعقب الانتخابات البريطانية، التي أُعلنت نتائجها في يوليو/تموز 2024، عدلت حكومة حزب العمال نسبة الضرائب المفروضة على شركات النفط والغاز، ورفعتها من 75% إلى 78%.

وشملت قرارات الحكومة حينها تمديد العمل بضريبة الأرباح الاستثنائية حتى عام 2030.

احتجاجات مطالبة بفرض ضرائب استثنائية على النفط في بحر الشمال
احتجاجات مطالبة بفرض ضرائب استثنائية على النفط في بحر الشمال - الصورة من أوفشور تكنولوجي

وتعيد هذه الزيادات إلى الأذهان حالة الارتباك التي شهدتها الصناعة جراء إعلان رئيس الحكومة السابق ريشي سوناك فرض هذه الضريبة للمرة الأولى في مايو/أيّار 2022.

وواجهت قيادات معنية بتطوير صناعة النفط في بحر الشمال انتقادات آنذاك، محذرةً من "هجرة" الشركات لمشروعات التنقيب والإنتاج، ما يلقي على الحكومة أعباء طويلة الأمد نتيجة تسريح العمالة وسحب الاستثمارات.

وتعود هذه الضجة إلى الدور الذي تؤديه عائدات صناعة النفط والغاز بالنسبة إلى الاقتصاد البريطاني، خاصة أن ضريبة القطاع تنعش خزائن الدولة بمليارات الدولارات.

وقبيل إعلان حزب العمال الزيادات الجديدة، كانت هيئة الرقابة المالية في البلاد قد توقعت هبوط عائدات ضرائب صناعة الوقود الأحفوري من 9.8 مليار جنيهًا إسترلينيًا عام 2023، إلى 2.2 مليار جنيهًا إسترلينيًا بحلول 2029.

(الجنيه الإسترليني = 1.30 دولارًا أميركيًا)

فرصة أخيرة

بجانب زيادات الضرائب وتمديد بعضها، قررت وزارة الخزانة البريطانية اتخاذ إجراءات لحماية خطط انتقال الطاقة وتوجيه شركات النفط والغاز للإسهام في تنفيذ هذه الرؤية.

واستهدفت الوزارة من هذه الخطوة حماية تعرّض العمال لمخاطر خلال فترة انتقال الطاقة، وفق صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).

وتترقب شركات تطوير النفط في بحر الشمال، وقطاع الوقود الأحفوري في بريطانيا بالكامل، خطوة حاسمة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع إفصاح حكومة حزب العمال عن رؤيته لضبط إنفاق القطاع.

وحتى وقت قريب، كان المستثمرون يعوّضون الضرائب المفروضة عليهم بمخصصات أخرى وبموافقة حكومية، لكن يبدو أن حزب العمال يدرس إلغاء سبل التعويض التي تعتمد عليها الشركات لتقليص خسائرها الضريبية.

وتعتزم الحكومة البريطانية الجديدة طرح خطتها التفصيلية للتغييرات الضريبية عقب شهرين، في أولى موازناتها.

وتتزامن التقلبات المالية للقطاع ولاستثمارات النفط في بحر الشمال، مع تراجع فعلي وملحوظ في الإنتاج.

وقدرت الهيئة الانتقالية المنظمة لسير العمل في بحر الشمال الإنتاج بنحو 1.27 مليون برميل مكافئ يوميًا العام الماضي 2023، بانخفاض كبير مقارنة بمستويات عام 1998 التي شهدت إنتاج 4.33 مليون برميل.

وتُشير التوقعات إلى استمرار وتيرة تراجع الإنتاج اليومي بحلول عام 2030، لتهبط إلى 730 ألف برميل مكافئ يوميًا فقط.

وقد تؤدي الزيادات الضريبية لحكومة حزب العمال إلى تراجع قياسي عن المستويات المتوقعة، إذ اضطرت شركات كبرى إلى التخارج وسحب استثماراتها.

مرافق بحرية لتطوير النفط
مرافق بحرية لتطوير النفط - الصورة من The National

مكاسب أم كارثة؟

يرى خبراء أنه رغم المكاسب التي قد تجنيها الزيادات الضريبية لحزب العمال، فإنها تشكل تهديدًا واسعًا لصناعة النفط والغاز، بل قد تطول الأضرار أمن الطاقة في المملكة المتحدة بالكامل.

وأوضح محلل بنك "ستيفل" للاستثمار، كريس ويتون، أن تمديد الضريبة الاستئنائية على شركات النفط في بحر الشمال قد تنعش خزانة الدولة بنحو 4 مليارات جنيه إسترليني إضافية.

ورغم ذلك ما زالت قيمة الضرائب الجديدة غير كافية لتوفير مخصصات تمويل الشركة الحكومية الجديدة للاستثمار في الطاقة المتجددة "جي بي إنرجي"، التي أطلقها حزب العمال سابقًا بتمويل يصل إلى 6 مليارات جنيه إسترليني.

وأوضح ويتون أن تمديد الضرائب الاستثنائية سيؤدي إلى تراجع غير مسبوق في إنتاج الطاقة بالبلاد ويشكّل ضربة لأمنها، إذ ستقوّض الزيادات قدرة الصناعة على المنافسة، ما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات والإنتاج ومعدلات التوظيف.

وأطلق الرئيس التنفيذي لمجموعة أوفشور إنرجيز يو كيه، ديفيد وايت هاوس، جرس إنذار حول تسبب حالة عدم اليقين بشأن الضرائب في تسجيل الآونة الحالية أدنى مستويات العام في عدد الآبار المحفورة في منطقة بحر الشمال.

ومقابل ذلك، دافع رئيس رابطة الاستثمار والتمويل المستدام في بريطانيا جيمس ألكسندر عن الزيادات الضريبية بنسبة 3%، مشيرًا إلى أنها خطوة مشابهة لسياسات النرويج لتوسعة نطاق استثمارات الطاقة المتجددة.

مصير خطوات التطوير

تقف سياسات حزب العمال حائلًا أمام توسعات التنقيب عن النفط في بحر الشمال، مع التحفظ على منح تراخيص حفر جديدة، وسجل معدل الإنفاق على الاستكشافات الجديدة وتطويرها تراجعًا.

وواجهت التحالفات العمالية والنقابية هذه الإجراءات بالمعارضة والرفض، خاصة أنها لن تؤثر في الصناعة وخطط الحفر سلبًا فقط، وإنما تداعياتها ستمتد لتشكل تهديدًا لخطط تحول الطاقة؛ إذ ينتتقل عمال النفط والغاز إلى العمل في مناجم الفحم.

ورغم الانتقادات البيئية والمناخية، تستوعب صناعة النفط في بحر الشمال حاليًا 200 ألف وظيفة، بعدما فقدت 55 ألف وظيفة على مدار السنوات الـ5 الماضية.

ومن جانب آخر، تعطّل السياسة غير الواضحة بشأن الضرائب المفروضة على صناعة النفط والغاز في بريطانيا وبحر الشمال عمليات التطوير داخل المواقع ذاتها.

وبجانب تضرر الإنتاج والتوظيف بالزيادات الضريبية الجديدة، هناك بُعد آخر يتعلق بتطوير المرافق والمعدات القديمة والمتهالكة.

سفينة إكس كاليبر التابعة لشركة بينغ بتروليوم
سفينة إكس كاليبر التابعة لشركة بينغ بتروليوم - الصورة من ODE Assest Management

سفينة إكس كاليبر

دفعت حالة عدم اليقين حول ضخ استثمارات النفط في بحر الشمال نحو تعطل تجديد سفينة "إكس كاليبر" للتنقيب التابعة لشركة "بينغ بتروليوم".

وتستقر السفينة في خليج قرب شمال شرق إسكتلندا، ولديها القدرة على استخراج وتخزين 270 ألف برميل نفط، وتجاور السفينة عددًا من المنصات ومرافق تخزين ومعالجة الخام قبل تحميله على الناقلات.

وكانت الشركة المالكة تعتزم تطوير وتجديد السفينة لتصبح الأولى من نوعها العاملة بالكهرباء، وخصّصت للتجديد 100 مليون جنيه إسترليني، لكن يبدو أن الزيادات الضريبية قد ضربت خطط التجديد في مقتل.

وعوّلت الشركة على السفينة للعمل لمدة 15 عامًا، بعدما اشترتها عام 2022، وسط أجواء متفائلة بارتفاع أسعار الطاقة.

وكشف رئيس شركة "بينغ بتروليوم"، روبرت فيشر، أن حالة عدم اليقين تجاه السياسات الضريبية للحكومة الجديدة تقلّص خطط الإنفاق والتطوير التي خططت لها الشركة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق