ناقلات النفط الروسي تسلك بديل قناة السويس للتحايل على العقوبات
هبة مصطفى
تخلّت ناقلات النفط الروسي تدريجيًا عن قناة السويس بصفتها مجرىً ملاحيًا لشحناتها، في إطار محاولات موسكو تجاوز مرحلة ما بعد العقوبات، وتداعيات تطبيق السقف السعري على الشحنات المنقولة بحرًا.
ومؤخرًا، انطلقت ناقلة من طراز أفراماكس إلى الصين محمّلة بخامات موسكو، في أولى رحلاتها منذ الموقف الأميركي ضدّها أواخر العام الماضي 2023.
وبحسب متابعة أجرتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن روسيا تستهدف التحرر من قيود العقوبات الغربية وملاحقتها في قطاع الشحن البحري، عبر تعزيز ممر الملاحة الشمالي بديلًا لقناة السويس المصرية.
ويُنظر إلى ممر الملاحة الشمالي بوصفه مسار شحن قصيرًا للربط بين أوروبا وآسيا؛ ما يوفر حاضنة جيدة لتحايل موسكو على العقوبات الأميركية والأوروبية، ومواصلة نشر تدفقاتها إلى المنافذ والوجهات المختلفة.
شحنة مثيرة للجدل
تحركت إحدى ناقلات النفط الروسي في طريقها من ميناء بريمورسك إلى الصين مرورًا بمياه المحيط الشمالي المتجمدة وبحر بارنتس، تمهيدًا للرسو في ميناء جوشان الصين.
وخلال رحلة تستغرق شهرًا -بدأت من 21 يوليو/تموز وتنتهي في 19 أغسطس/آب الجاري-، حملت الناقلة "فيكتور باكييف" من طراز أفراماكس على متنها 732 ألف برميل من خام الأورال.
وتعدّ هذه الرحلة أولى رحلات الناقلة، منذ إعلان أميركا -في ديسمبر/كانون الأول الماضي- إدراجها في قوائم الناقلات السوداء، واتهام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية للسفينة بتجاوز شحناتها السقف السعري المحدد.
وفرضت أميركا والاتحاد الأوروبي -أيضًا- عقوبات على شركة سوفكومفلوت (Sovcomflot) المالكة لعدد من ناقلات النفط الروسي، وفق تقرير إس أند بي غلوبال (S&P Global).
وتعدّ شحنة الأورال الروسي المتجهة إلى الصين ذات حمولة قياسية، وفق معيار الحمولات الساكنة المستعمل لتحديد الحمولة الإجمالية التي تستطيع الناقلات تحمّلها (dwt).
وتُسعّر شحنات خام الأورال الروسي للتسليم على ظهر السفينة من ميناء بريمورسك بما يفوق 60 دولارًا للبرميل، منذ عام (في يوليو/تموز 2023)، طبقًا لتقديرات بلاتس.
ويتنافى ذلك مع الشروط التي أقرّتها عقوبات مجموعة الدول الـ7 والاتحاد الأوروبي وأستراليا، مع تحديد السقف السعري في ديسمبر/كانون الأول 2022.
بديل قناة السويس
لم تلتزم ناقلات النفط الروسي بشروط السقف السعري، ولجأت إلى حيل مختلفة للتغلب على العقوبات، من بينها الممر الملاحي الجديد بديل قناة السويس، واستعمال ناقلات الظل.
وتركّز موسكو على تكثيف حركة الشحن في ممر الملاحة الشمالي (الذي يُطلَق عليه أحيانًا طريق بحر الشمال، أو الممر الشمالي الشرقي)، بين أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، بعيدًا عن قناة السويس المصرية.
وتؤسس لأسطول ضخم من ناقلات الظل (الناقلات القديمة غير المبيعة عبر شركات علنية رسمية) لدعم هذا الممر، بالتعاون مع الصين.
ويدعم موقف الممر الملاحي الروسي الجديد ما يشهده البحر الأحمر من توترات إثر قصف الحوثيين للناقلات المحمّلة بالبضائع المتجهة للمواني الإسرائيلية، واضطرار غالبية الناقلات تغيير مسار شحناتها بعيدًا عن قناة السويس لطريق رأس الرجاء الصالح الأطول.
ويتطلب الممر الجديد ناقلات من نوع خاص، يمكنها التكيف مع برودة المياه المتجمدة (يُطلَق عليها ناقلات جليدية)، وقد تؤدي أحواض بناء السفن الصينية هذه المهمة، وفق ما نشره موقع "روسيا اليوم"، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
مزايا واستثمارات
يوفر الممر الملاحي الشمالي -المقترح من قبل شركة "روسنفط" الروسية، للربط بين المحيط الأطلسي والهادئ- مسافة أقل بنحو 50% لمسار الشحنات، مقارنة بقناتي السويس وبنما.
وتلقّى مقترح مشروع الممر دعمًا من الهند التي تخطط أيضًا لبناء خط نقل بري دولي من المواني الروسية وإليها، قبل تحميل ناقلات النفط الروسي وتسييرها عبر الممر البحري الشمالي.
وتعكف شركة روساتوم الروسية على بناء عدد من كاسحات الجليد لتمهيد الطريق للسفن التجارية وناقلات النفط الروسي، وفي المقابل، تضخ روسيا استثمارات ضخمة في طريق بحر الشمال تصل إلى 24 مليار دولار على مدار 13 عامًا.
وينعكس ذلك سلبًا على حركة الشحن في قناة السويس المصرية، لكن التكلفة الضخمة المتوقعة لممر الملاحة الشمالي البالغ 5.600 كيلومتر، قد تدعم القناة المصرية.
ويغطي الممر 4 بحار، بدءًا من المحيط الشمالي المتجمد ومضيق "كارا" قرب بحر بارنتس، وانتهاءً بمضيق بيرنغ قرب آسيا.
شحنات النفط الروسي
استغرقت رحلة ناقلات النفط الروسي من ميناء بريمورسك إلى المواني الصينية 40 يومًا العام الماضي، مقابل 50 يومًا لدى مرورها بقناة السويس.
وعلى صعيد الصادرات، انخفضت شحنات صادرات النفط الروسي المنقول بحرًا إلى 2.9 مليون برميل خلال شهر يوليو/تموز 2024، ويرجع ذلك إلى أسباب عدّة، من بينها استئناف مصافي التكرير في موسكو عملها بعد تعطُّل، إثر الهجمات الأوكرانية بالمسيرات.
وللتهرب من العقوبات التي تجبر ناقلات النفط على الالتزام بالسقف السعري، شحنت الناقلات التي تخضع للمراقبة والمتابعة ما يُقدَّر بنحو 400 ألف طن من خامات موسكو، خلال الربع الثاني من العام الجاري (من أبريل/نيسان حتى نهاية يونيو/حزيران).
وهبطت صادرات النفط الروسي (سواء المنقولة بحرًا أو عبر خطوط الأنابيب) إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، خلال الـ17 يومًا الأولى من شهر يوليو/تموز الجاري، مسجلة 3.85 مليون برميل يوميًا.
موضوعات متعلقة..
- روسيا تدعم بديل قناة السويس بخطة أسطول ضخم
- مصير ناقلات النفط الروسي بعد 8 أشهر من عقوبات الخزانة الأميركية
- ناقلات النفط الروسي داخل قفص العقوبات.. سوفكومفلوت آخر الضحايا
اقرأ أيضًا..
- مشروع مغربي لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره يحصد الموافقة الرسمية
- واردات مصر من الغاز المسال تشهد قفزة قياسية في 2024.. رصد بالأرقام تاريخيًا
- علاقة الجزائر بفرنسا تشتعل.. هل تقطع إمدادات النفط والغاز؟