شركات الطاقة الشمسية تهرب من أوروبا وأميركا.. 60% انهيار بالأسعار
أسماء السعداوي
تواجه شركات الطاقة الشمسية في أوروبا وأميركا أزمة مصيرية تهدد استمرار مصانع إنتاج الرقائق والخلايا والوحدات ومستقبل وظائف العاملين بها.
وبين فيضان الواردات الصينية الرخيصة وانخفاض الأسعار، تتزايد تركيبات الطاقة الشمسية، لكن العديد من الشركات الأوروبية والأميركية بات يهرب إلى الخارج بحثًا عن ظروف تشغيلية مواتية، بينما لجأت شركات أخرى إلى إيقاف أو إلغاء خطط للتوسع.
ولم يفرض الاتحاد الأوروبي قيودًا على الواردات من الصين حتى الآن، رغم تكرار النداءات المطالبة بالخطوة لإفساح المجال أمام إرساء قواعد صناعة محلية مستقلة ومستقرة، واتخذت الولايات المتحدة إجراءات، لكنها غير كافية من وجهة نظر مديرين تنفيذيين.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع نصيب الطاقة الشمسية ليتجاوز طاقة الرياح والطاقة النووية بحلول عام 2028.
وتعوّل أوروبا على الطاقة الشمسية لأداء دور حاسم في خطة توليد 45% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2035، وفي الولايات المتحدة وضعت إدارة الرئيس جو بايدن هدف توليد 100% من مصادر خالية من الكربون بحلول العام نفسه.
شركة سولارواط
تبدو شركة سولارواط الألمانية كأنها مثال على ما يحدث داخل صناعة الطاقة الشمسية في أوروبا بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وأصبحت الشركة التي تأسست في مطلع تسعينيات القرن الماضي رمزًا لطموحات الطاقة المتجددة بالقارة العجوز، ونال افتتاح مصنعها في دريسدن أواخر عام 2021 إشادة واسعة، بوصفه انتصارًا صغيرًا في المعركة ضد الشركات الصينية التي أنتجت الحصة الكبرى من الألواح الشمسية المستعملة بالقارة.
وفي خطوة صادمة، أعلنت الشركة استعداداها لوقف الإنتاج بمصنعها في دريسدن في أغسطس/آب المقبل (2024)، والتوجه إلى الصين.
وأعرب المدير التنفيذي للإنتاج بالشركة بيتر باتشمان عن أسفه بشأن تأثير الخطوة في العاملين، لكنه أكد أنه لم يكن بوسعهم خيار آخر من وجهة النظر الاقتصادية.
وأبقت الشركة بعض المعدّات داخل المصنع، أملًا في استئناف الإنتاج يومًا ما.
وبحسب باتشمان، يقبع مصير مصنع الألواح الشمسية في يد السياسيين، مؤكدًا أن عليهم أن يقرروا بشأن ما إذا كانوا يريدون الاعتماد بشكل كامل على آسيا، أو أن تكون أوروبا مرنة على الأقل، ولكن بنسبة محددة.
معضلة كبرى
أدت الوفرة بالمعروض إلى انخفاض أسعار ألواح الطاقة الشمسية على مدار العامين الماضيين، لتترك عددًا من شركات التصنيع الأوروبية دون أرباح، وتهدد طموح الولايات المتحدة بأن تصبح قوة في صناعة الطاقة المتجددة.
ووصف الأمين العام للمجلس الأوروبي لتصنيع الطاقة الشمسية، يوهان ليندال، الوضع الحالي بالأزمة.
وخفضت شركات في أوروبا والولايات المتحدة والصين عدد الوظائف، وأجّلت مشروعات، وعلّقت العمل بمنشآت أخرى.
ووفّرت الصناعة أكثر من 800 ألف فرصة عمل في أوروبا بنهاية العام الماضي 2023، وفي الولايات المتحدة يعمل نحو 265 ألف شخص بالقطاع.
يؤكد ذلك الوضع مأزق الحكومات التي تعهدت بإزالة الكربون من الاقتصاد، لكنها ستواجه صعوبات أكبر ما لم يكن التحول التاريخي عن الوقود الأحفوري على نحو يسير التكلفة للمواطنين، ويوفر فرص عمل جديدة.
ويقول مدير مجموعة "ألترا لو كاربون سولا أليانس" التجارية (Ultra Low Carbon Solar Alliance) مايكل بار، إن الحكومات أمام مهمة حساسة وعسيرة لتحقيق التوازن؛ إذ يجب عليها تعظيم نشر مصادر الطاقة المتجددة وإزالة الكربون وتعزيز التصنيع المحلي وإبقاء أسعار الكهرباء منخفضة وضمان أمن الطاقة، وفق صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية (Financial Times).
انخفاض الأسعار وانهيار الشركات
تقول مديرة أبحاث سلسلة توريد الطاقة الشمسية العالمية في شركة أبحاث الطاقة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie) يانا هريشكو، إن الطاقة الإنتاجية الفائضة موجودة بكلّ قطاعات الصناعة من البوليسيلكون إلى الوحدات.
وبسبب وفرة المعروض، انخفضت أسعار الألواح بأكثر من 60% منذ يوليو/تموز (2022).
وانخفضت قدرات تصنيع الألواح الشمسية في أوروبا بنحو النصف إلى 3 غيغاواط في نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، بسبب فشل الشركات هناك، أو توقُّف المنشآت، أو اتجاه الإنتاج للخارج، وفق معلومات المجلس الأوروبي لتصنيع الطاقة الشمسية.
يُشار هنا إلى أن غيغاواط واحد يوفر الكهرباء لمليون منزل.
ولتفسير الأزمة، يقول الرئيس التنفيذي لشركة "إيه إي إس"، إحدى أكبر مطوري الطاقة النظيفة في العالم (AES)، أندريس غلوسكي، إن السياسة التجارية والسياسة المناخية غير متزامنتين.
تحرك سياسي؟
رفضت المفوضية الأوروبية مطالب بفرض رسوم جمركية على واردات الطاقة الشمسية، رغم أن تلك القادمة من الصين تمثّل نصيب الأسد حاليًا، بعدما كانت قد فرضتها لأول مرة في عام 2012، ثم تراجعت عنها في 2018.
وفي مايو/أيار (2024)، قدّمت المفوضية الأوروبية قانون صناعة الحياد الكربوني؛ بهدف تعزيز صناعات الطاقة النظيفة من خلال الحدّ من الروتين وتدعيم بناء سلسلة توريد إقليمية.
وفي مايو/أيار (2024)، ألغت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إعفاءً جمركيًا على الألواح ثنائية الجانب، ورفعت الرسوم على واردات الخلايا الشمسية الصينية من 25% إلى 50%.
وبالفعل، تواجه شركات صينية عقوبات إذا ثبت أنها تهربت من سداد تلك الرسوم الجمركية.
كما تأثرت واردات الولايات المتحدة من البولي سيلكون الصيني المستعمل في إنتاج الألواح الشمسية، بفعل حظر دخول المنتجات من منطقة شينغيانغ، على خلفية اتهامات بالعمالة القسرية.
ورغم ذلك، ما زالت الشركات الأميركية تقول، إن خطوات بايدن لم توفر الحماية الكافية، وطالب تحالف شركات في أبريل/ نيسان بفرض رسوم جديدة، وقدّمت شركة ماير بيرغر السويسرية شكوى للجنة التجارة الدولية الأميركية لفرض رسوم جديدة على واردات الخلايا الشمسية.
ويبلغ سعر الخلية الشمسية المصنوعة في أميركا باستعمال الخلايا محلية الصنع 18.5 سنتًا للواط، لكن ذلك يزيد عن 15.6 سنتات للخلية المستوردة من جنوب شرق آسيا، و10 سنتات للخلية المستوردة من الصين.
إلغاء مشروعات بسبب الأسعار
شكّك الرئيس التنفيذي لأكبر شركة ألواح شمسية في سويسرا ماير برغر غونتر إرفورت في كفاية الإجراءات الحالية لحماية الصناعة الأوروبية، قائلًا: "أنت بحاجة لتكافؤ الفرص".
وتكبدت الشركة خسائر؛ ما دفعها في مطلع العام الجاري (2024) إلى إغلاق مصنع الألواح الشمسية التابع لها في مدينة فرايبرغ الألمانية.
وخططت الشركة لتوسيع نطاق الإنتاج في الولايات المتحدة للاستفادة من قانون خفض التضخم الذي يقدّم إعانات وحوافز بهدف تسريع نمو صناعة الطاقة النظيفة، لكن انهيار الأسعار جعلها تؤجّل خططها لإقامة مصنع الخلايا الشمسية بقدرة 2 غيغاواط.
وقال مدير شركة ماير برغر في أميركا أندريس جونسون: "ببساطة لا يمكننا التوسع أكثر في الولايات المتحدة في ظل مثل تلك الظروف السوقية".
وتراجعت شركة هيلين الكندية (Heliene) عن خطط لإضافة خطوط إنتاج للخلايا والوحدات، وألغت شركة "كوبيك بي في" المدعومة من رجل الأعمال بيل غيتس (Cubic PV) مقترحًا لبناء مصنع طاقة شمسية بقدرة 10 غيغاواط في الولايات المتحدة، بسبب "الانهيار الدراماتيكي للأسعار".
موضوعات متعلقة..
- مشروعات الطاقة الشمسية على الأسطح في فرنسا تتراجع 30%
- صادرات الطاقة الشمسية الصينية تسجل نموًا قياسيًا يتجاوز 40% (تقرير)
- الطاقة الشمسية قد تتحول إلى الرقم الأهم في معادلة توليد الكهرباء (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- من أين تستورد مصر الغاز المسال؟.. بلد عربي يظهر وسيطًا للإمدادات
- أوابك: الطلب على النفط لن يتأثر بالسيارات الكهربائية
- شركة بريطانية تدعم الغاز المغربي بأكثر من 6 ملايين دولار