رئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

مستقبل التعاون النفطي بين الهند وروسيا (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • بدلًا من عزل روسيا تسبّبت العقوبات في جعلها أقرب إلى دول مثل الصين والهند
  • روسيا نجحت في إعادة توجيه النفط والمنتجات النفطية والفحم إلى الأسواق غير الغربية
  • يتعيّن على روسيا أن تسعى إلى الحصول على إمدادات المعدات من الصين
  • حصة الغاز الطبيعي في مزيج الكهرباء في الهند تُعد ضئيلة حاليًا

يتصدّر التعاون النفطي أجندة زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو، في خطوة تشير إلى تحولات جيوسياسية كبيرة.

وتمثّل الزيارة أول مشاركة رسمية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، وتأتي في أعقاب تنصيب كل من فلاديمير بوتين لولايته الخامسة في مايو/أيار 2024، ومودي لولايته الثالثة في يونيو/حزيران من العام نفسه.

في المقابل، يقف العالم على شفا تغييرات هائلة، إذ تتمسّك الولايات المتحدة بسياستها الخارجية المتعثرة.

ومن المرجح أن إدارة بايدن، المتمسكة بإستراتيجية العقوبات، قلّلت من قدرة روسيا على الصمود والمناورة الإستراتيجية التي يقوم بها اللاعبون العالميون الرئيسون مثل الهند.

النفط الروسي

يتمثّل أحد المحاور المهمة لهذه الزيارة في العلاقة الثنائية التي تركز على النفط الروسي، إذ وقّعت شركة ريلاينس إندستريز الهندية Reliance Industries، التي تدير أكبر مصفاة للنفط في العالم، اتفاقًا مع شركة روسنفط Rosneft، عملاقة النفط الروسي، لاستيراد ما لا يقل عن 3 ملايين برميل من النفط شهريًا، مدفوعة الثمن بالروبل.

ويُعد الاتفاق أكثر من مجرد صفقة تجارية؛ إنه إعلان جريء للمجتمع الدولي بأن روسيا تحتفظ بنفوذها على الرغم من العقوبات الغربية.

أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم مملوك لشركة ريلاينس إندستريز في الهند
أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم مملوك لشركة ريلاينس إندستريز في الهند - الصورة من بلومبرغ

ويشكّل الحجم الهائل من النفط المستخدم -3 ملايين برميل شهريًا- نحو 7% من إجمالي إنتاج النفط في روسيا.

وبالنظر إلى شراء الصين كميات كبيرة من النفط الروسي بالعملات الوطنية، تجد الولايات المتحدة نفسها تفقد نفوذها في العلاقات الروسية الصينية في السوق الهندية بالغة الأهمية.

ويمثل تحرك الهند نحو تسوية وارداتها من النفط الروسي بالروبل بيانًا إستراتيجيًا وسياسيًا، ويسلّط الضوء على تصميم الهند على متابعة طريقها، ما يدل على عدم الرغبة في الاستسلام للضغوط الخارجية.

من جهتها، أظهرت إدارة مودي، التي تتمتع بمهارة في التعامل مع المشهد السياسي المعقد في الهند، استقلال البلاد عمليًا.

هيمنة الدولار

تُعد الضربة الموجهة إلى الولايات المتحدة كبيرة، إذ اعتمدت العقوبات الأميركية على هيمنة الدولار في المعاملات المالية الدولية.

وكان ربط الاقتصاد العالمي بالتسويات بالدولار سببًا في منح الولايات المتحدة نفوذًا هائلًا.

رغم ذلك، فإن تحول الهند إلى مدفوعات الروبل يشير إلى التحول بعيدًا عن هذا النظام، ما يشير إلى اتجاه عالمي أوسع.

وتستكشف المزيد من الدول بدائل للدولار، ما يقوّض أسس التفوق الاقتصادي الأميركي.

دروس تاريخية

يقدّم التاريخ أمثلة عديدة على العقوبات التي جاءت بنتائج عكسية، فقد نجت كوبا وكوريا الشمالية وإيران من قيود اقتصادية شديدة.

وتمكّنت روسيا، بمواردها الطبيعية الهائلة واقتصادها القوي، من الصمود، وأنشأت تحالفات اقتصادية جديدة.

وبدلًا من عزل روسيا، تسببت العقوبات في جعلها أقرب إلى دول مثل الصين والهند، الأمر الذي أدى إلى تعزيز العلاقات القائمة وإنشاء علاقات جديدة.

على صعيد آخر، ارتفع التعاون الاقتصادي والعسكري بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا جزئيًا بالعقوبات الأميركية.

ونوّعت الهند، التي لاحظت هذه التطورات، شراكاتها، والحد من اعتمادها على الولايات المتحدة وتعزيز العلاقات مع روسيا والحفاظ على استقرار العلاقة مع الصين.

وتحقّق هذه الإستراتيجية فوائد اقتصادية، وتعمل على زيادة نفوذ الهند السياسي على الساحة العالمية.

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي - الصورة من رويترز

دبلوماسية الغاز

قبل زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى موسكو، ازداد التركيز على العلاقات الثنائية في مجال الطاقة، ومن ذلك الغاز الطبيعي.

وبعد تخفيض روسيا إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، اكتسبت إستراتيجية شركة غازبروم Gazprom الروسية الرامية إلى الاستفادة من الأسواق البديلة إلحاحًا متزايدًا.

وعلى الرغم من أن روسيا نجحت في إعادة توجيه النفط الروسي والمنتجات النفطية والفحم إلى الأسواق غير الغربية، فإن قطاع الغاز يشكل تحديًا أكثر تعقيدًا بسبب البنية التحتية اللازمة لنقل الميثان.

وأدى الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على توريد المعدات إلى مصانع الغاز المسال والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تفاقم هذه التحديات.

وبالتالي، يتعيّن على روسيا أن تسعى إلى الحصول على إمدادات المعدات من الصين، والضغط من أجل استبدال الواردات، على الرغم من أن المصانع المحلية بالكامل لن تكون مجدية إلا على المدى الطويل.

الطلب على الغاز

يتصاعد اعتماد الهند على الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج المحلي منذ ذروته في عام 2010، استمر استهلاك الغاز في الهند في الارتفاع؛ ما أدى إلى عجز مستمر بنحو 30 مليار متر مكعب سنويًا.

وتجري تغطية هذا العجز حاليًا عن طريق استيراد الغاز المسال، بصفة أساسية من دول الخليج العربي، وعلى نحو متزايد، من الولايات المتحدة، التي أصبحت أكبر مصدر للغاز المسال في العالم في عام 2023.

وتُعدّ حصة الغاز الطبيعي في مزيج الكهرباء في الهند ضئيلة حاليًا، نحو 2.5%، وفي مزيج الطاقة الإجمالي تبلغ 5.74%.

ومن المتوقع أن تؤدي خطط الكهربة لدى الحكومة الهندية وجهودها لتقليل الاعتماد على الفحم إلى زيادة استهلاك الغاز بصورة كبيرة.

وتتوقع شركة النفط البريطانية بي بي أن يتضاعف استهلاك الطاقة الأولي في الهند بحلول عام 2050، إذ يشكّل الغاز ما بين 7% و11% من مزيج الطاقة.

ويؤكد هذا الاتجاه ضرورة تأمين الهند واردات موثوقة وكبيرة من الغاز.

مشروعات خطوط الأنابيب

منذ مدة طويلة، تدرس الهند إمدادات الغاز من دول الشمال الغربي، ولا يزال مشروع خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند (TAPI)، الذي بدأ قبل أكثر من عقد من الزمان، متوقفًا بسبب المخاوف الأمنية في أفغانستان والعقبات المالية، بما في ذلك غياب اتفاقيات شراء تجارية من جانب الشركات الهندية.

وبالمثل، يواجه خط الأنابيب بين إيران وباكستان والهند عقبات كبيرة، بسبب العقوبات المفروضة على إيران والتوترات الجيوسياسية بين الهند وباكستان.

التحديات والفرص الإستراتيجية

تتجلى قدرة شركة غازبروم على إعادة توجيه كميات كبيرة من الغاز إلى أسواق بديلة، في قدرتها على إنتاج 100 مليار متر مكعب إضافية في الحقول التي طُوّرت.

ونظرًا إلى انخفاض الصادرات الأوروبية بصورة كبيرة من 160 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى 27 مليار متر مكعب في عام 2023، يمكن لشركة غازبروم زيادة الإنتاج بنحو 230 مليار متر مكعب.

وتُعد المفاوضات مع الصين بشأن خط أنابيب باور أوف سيبيريا 2، الذي تبلغ قدرته 50 مليار متر مكعب سنويًا، مستمرة، ولكنها طويلة بسبب المساومة الصعبة التي تجريها الصين بشأن التسعير.

وفي الوقت نفسه، تمثّل الهند سوقًا واعدة، نظرًا إلى احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

حقل ياراكتا النفطي بمنطقة إيركوتسك في روسيا
حقل ياراكتا النفطي بمنطقة إيركوتسك في روسيا - الصورة من رويترز

ومن الممكن أن يؤدي توقيع مذكرة إستراتيجية بين شركة غازبروم وشركة الغاز الوطنية الإيرانية (NIGC) إلى إحياء فكرة بناء خط أنابيب إلى الهند وباكستان، وتنفيذ مشروعات لإسالة الغاز الطبيعي في جنوب إيران. وتحدد هذه المذكرة، الموقّعة يوم الأربعاء 26 يونيو/حزيران الماضي، تطور إمدادات الغاز الروسي إلى إيران.

ويسلط الخبراء الضوء على ذلك بصفته "فرصة لتنويع إمدادات التصدير"، ما قد يسمح "بتسجيل" الغاز الروسي داخل السوق الإيرانية.

ويشمل هذا الاهتمام المتجدد عمليات التسليم المباشرة إلى السوق المحلية الإيرانية، وعمليات التسليم المتبادلة، التي تُعد قيد المناقشة.

من ناحيتها، تحرص روسيا تحديدًا على تسهيل مزيد من عمليات التسليم المتبادلة إلى دول أخرى، سواء عبر خطوط الأنابيب أو الغاز المسال.

ويجري، حاليًا، إعادة النظر في المشروعات المستكشفة سابقًا، مثل مبادرات الغاز المسال في جنوب إيران وبناء خط أنابيب الغاز إلى الهند عبر باكستان.

بالإضافة إلى ذلك، وقّعت شركة غازبروم مذكرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) في يوليو/تموز 2022، التي تتضمّن تعاونًا محتملًا في مشروعات النفط والغاز الطبيعي والمسال، فضلًا عن بناء خطوط أنابيب الغاز الرئيسة.

التغلّب على عوائق النقل والبنية التحتية

يواجه بناء خط أنابيب الغاز من روسيا إلى الهند تحديات كبيرة، بما في ذلك المسافة الطويلة والتكلفة العالية لضخ الغاز.

بالإضافة إلى ذلك، يشكّل العبور عبر تركمانستان أو إيران مخاطر جيوسياسية وتنافسية، فقد ترفض تركمانستان العبور لتجنب المنافسة، على الرغم من أن العقوبات والتوترات الجيوسياسية يمكن أن تعوق العبور عبر إيران.

ومن الممكن أن تعالج الجهود المشتركة التي يبذلها اللاعبون الرئيسون هذه القضايا من خلال خطط المبادلة والاستثمارات المشتركة، وتحسين طرق النقل وتقليل مخاطر الاستثمار.

من ناحية ثانية، فإن الافتقار الحالي إلى روح التعاون بين أصحاب المصلحة الرئيسين يؤدي إلى استمرار العجز في الطاقة في الهند ويعوق فرص إسالة الغاز للمنتجين مثل روسيا.

التداعيات المستقبلية

يشهد المشهد العالمي عملية إعادة تنظيم، فالبلدان التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها تعتمد على الولايات المتحدة تؤكد، حاليًا، استقلالها وترسم مساراتها الخاصة.

من جهتها، فإن الولايات المتحدة، التي تعاني من قضايا داخلية مثل الصعوبات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، والسخط العام المتزايد، قد تجد نفوذها العالمي يتضاءل.

وعلى الرغم من بحث الدول عن بدائل للدولار والهيمنة الأميركية، ستظهر تحالفات وعقود جديدة، ما يعيد تشكيل النظام العالمي.

وتُعد زيارة مودي المرتقبة إلى موسكو بمثابة شهادة على هذه الديناميكية المتطورة، وهي تسلط الضوء على المستقبل، إذ تصبح القوى العالمية أكثر تشتتًا، ويتعرّض نفوذ القوى المهيمنة التقليدية مثل الولايات المتحدة للتحديات.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق