تقارير الهيدروجينالنشرة الاسبوعيةسلايدر الرئيسيةهيدروجين

الهيدروجين الطبيعي.. "سيجارة" تمهد الطريق لـ5 تريليونات طن

دينا قدري

برز الهيدروجين الطبيعي في الآونة الأخيرة بوصفه أكثر بدائل الوقود الأحفوري فعالية وأرخصها تكلفة، في ظل السعي المستمر لتحقيق الأهداف المناخية وخفض انبعاثات الكربون.

ويُطلَق الهيدروجين الطبيعي على الغاز الموجود بصورة حرة في طبقات الأرض الجوفية، وعادةً ما يُستخرج عبر عمليات الحفر، مثل التكسير المائي وحقن مزيج من المياه والرمال والمواد الكيميائية، في ضغط مرتفع، بهدف إطلاق الغاز من الصخور، حسب تعريفه من جانب منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

كما يُطلق عليه الهيدروجين الأبيض لتمييزه عن الهيدروجين الأخضر المستخلص من الماء، والهيدروجين الأزرق المستخلص عبر حرق الغاز، مع استعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، والأنواع الأخرى من الهيدروجين.

وقدّمت سيجارة مشتعلة أول دليل على وجود الهيدروجين في أعماق الأرض؛ إذ أشعل عمال الحفر النار عن طريق الخطأ في الغاز المنبعث مما كانوا يعتقدون أنه بئر مياه جافة في قرية بوراكيبوغو، جنوب غرب مالي، في عام 1987.

كيف بدأ العثور على الهيدروجين الطبيعي؟

كانت احتياطيات الهيدروجين الطبيعي غير معلومة، أو يصعب التحقق منها، خلال العقود الماضية، حتى أعلنت مالي اكتشاف أحد مواقع إنتاجه في عام 2012، ثم توالت المشروعات في مختلف أنحاء العالم.

بدلًا من الغاز الطبيعي، الذي يُعدّ مكوّنه الرئيس غاز الميثان -وهو مسبّب للاحتباس الحراري- فقد استخرجت شركات الحفر الهيدروجين.

والآن، بعد مرور عقود، ما تزال قرية بوراكيبوغو، التي يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، تستعمل خزان الغاز النظيف لتوليد الكهرباء، وفق تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times).

وكانت 40 شركة، في دول من بينها أستراليا وألبانيا وكندا وكوريا الجنوبية، تبحث عن رواسب الهيدروجين بدءًا من نهاية عام 2023، وفقًا لشركة ريستاد إنرجي الاستشارية (Rystad Energy)؛ أي أعلى من 10 شركات قبل 3 سنوات فقط.

في العام الماضي (2023)، اكتشف العلماء الذين يبحثون عن الغاز الطبيعي في لورين، شمال شرق فرنسا، ما يقولون إنه قد يكون أكبر مستودع هيدروجين طبيعي اكتُشِف حتى الآن.

وتعدّ سلطنة عمان أول دولة عربية تفكّر باستخراج الهيدروجين الطبيعي واستغلاله تجاريًا، ومن بعدها المغرب.

آفاق التنقيب عن الهيدروجين الطبيعي

اكتشفت غولد هيدروجين الأسترالية (Gold Hydrogen) آفاق التنقيب عن الهيدروجين الطبيعي في جنوب أستراليا لأول مرة، وتجاهَلها المنقّبون عن النفط منذ قرن مضى.

وأوضح المدير الإداري لشركة غولد هيدروجين، نيل ماكدونالد، أن "العالم يحتاج إلى طاقة يمكن الاعتماد عليها وبأسعار معقولة.. نأمل أن نكون جزءًا كبيرًا من ذلك".

إن الحاجة كبيرة لدرجة أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع زيادة في الطلب السنوي على الهيدروجين بأكثر من 4 أضعاف: يجب أن يرتفع من 95 مليون طن في عام 2022 إلى 430 مليون طن في عام 2050، لتحقيق أهداف الحياد الكربوني عن طريق استبدال الوقود الأحفوري الذي تستعمله المصافي ومحطات الكهرباء والمركبات حاليًا.

ويُنتَج معظم الهيدروجين المستعمل اليوم عن طريق فصله عن الغاز الطبيعي، وهي عملية تترك ثاني أكسيد الكربون منتجًا ثانويًا.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أنواع الهيدروجين حسب طريقة الإنتاج:

أنواع الهيدروجين

وقد ركّزت الجهود المبذولة لإنتاج وقود أنظف لتحقيق أهداف الحياد الكربوني حتى الآن، إمّا على احتجاز الكربون وتخزينه، أو على استعمال الطاقة المتجددة لتشغيل أجهزة التحليل الكهربائي على نطاق صناعي لفصل الهيدروجين من الماء.

وعمومًا، لم يكن التنقيب عن الاحتياطيات القابلة للاستغلال من الهيدروجين الطبيعي ممكنًا.

وقال عالم الجيولوجيا البحثي في هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، جيفري إليس: "لقد عرفنا عن الوجود الطبيعي للهيدروجين منذ أكثر من قرن.. ولكن كان من المفترض أنك لا تستطيع الحصول على تراكمات منه".

ويخضع هذا الافتراض الآن لاختبار جدّي، وذلك بفضل الاكتشافات ونتائج الحفر في مالي وأماكن أخرى؛ في حين إن السوق المحتملة المتنامية للهيدروجين تدفع الجهود الرامية إلى فهم أفضل لما يكمن تحت الأرض.

احتياطيات الهيدروجين الطبيعي

وضع عالم الجيولوجيا جيفري إليس وفريقه نموذجًا للاحتياطيات العالمية من الهيدروجين الطبيعي، ما أدى إلى تقدير متوسط يبلغ نحو 5 تريليونات طن.

ولكن نظرًا لمجموعة واسعة من حالات عدم اليقين، فإن الحجم الفعلي قد يكون أعلى أو أقل بعض الشيء.

يُنشأ الكثير من الغاز عن طريق العمليات الطبيعية، مثل التفاعل بين الصخور الغنية بالحديد والماء عند درجة حرارة عالية، لكن ربما يكون بعض الهيدروجين قد أصبح محاصرًا خلال تكوين الأرض.

ويقول إليس: "من الممكن أن تكون هناك كميات كبيرة من الهيدروجين الأصلي تتسرب من باطن الأرض".

وتُعدّ الكمية التي يمكن استخراجها غير مفهومة تمامًا، ومع ذلك، يشير "إليس" إلى أن 2% فقط من متوسط تقديراته سيَفي بتقدير الطلب الصادر عن وكالة الطاقة الدولية لمدّة 200 عام.

ومن الناحية النظرية، فإن استغلال احتياطيات الهيدروجين تحت الأرض يمكن أن يكون -أيضًا- أرخص بكثير من فصله عن الغاز الطبيعي، أو عن الماء، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

"إن إنتاج الهيدروجين من خلال التحليل الكهربائي في أستراليا يكلّف ما لا يقل عن 6 دولارات للكيلوغرام الواحد قبل النقل"، كما يذكر المدير الإداري لشركة غولد هيدروجين الأسترالية نيل ماكدونالد.

وأضاف: "بناءً على تجربة مالي وعمليات الحفر التي نقوم بها، نعتقد بقوة أنه يمكننا إنتاجه قبل النقل مقابل دولار للكيلوغرام الواحد أو أقل".

التنقيب عن الهيدروجين الطبيعي

عقبات أمام الهيدروجين الطبيعي

حتى الآن، لا يُستخرج الهيدروجين الطبيعي على نطاق تجاري، وأغلبية الباحثين عنه هم شركات ناشئة، تواجه العديد من الشكوك؛ بدءًا من حجم الرواسب وموقعها ونقاوتها إلى سهولة الاستخراج والمنتجات الثانوية المحتملة، ومعدلات التسرب، والنقل.

ويُمكن مساعدة اقتصادات مشروعات الاستكشاف من خلال حقيقة وجود الهيدروجين الطبيعي في بعض الأحيان إلى جانب الهيليوم، وهو بالفعل غاز له قيمته في صناعات تتراوح بين الدفاع والطب.

ومع ذلك، غالبًا ما يكون ثاني أكسيد الكربون موجودًا أيضًا، ويجب احتجازه لمنع الانبعاثات الضارة.

ويُعدّ تسرب الهيدروجين في أثناء الاستخراج مشكلة محتملة أخرى أيضًا، إذ يمكن أن يكون للغاز تأثير غير مباشر في عمر الميثان، إلى الحدّ الذي يُعدّ فيه الهيدروجين أحد غازات الدفيئة غير المباشرة.

ومن ثم، فإن السماح له بالتسرب من شأنه أن يقلل من إسهامه في معالجة ظاهرة الانحباس الحراري العالمي.

يقول كبير مسؤولي الأعمال في شركة كولوما الأميركية (Koloma) بول هاراكا: "لقد اجتذبت بئر مالي الكثير من الاهتمام، كما أسهمت بعض الاكتشافات في أستراليا ببناء الزخم.. لكن ما يزال الوقت مبكرًا جدًا.. ما يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به قبل أن يُنشر الهيدروجين الطبيعي على نطاق واسع".

يُذكر أن شركة كولوما تدعمها شركة بريكثرو إنرجي فنتشرز (Breakthrough Energy Ventures)، التي أسسها بيل غيتس، والتي تستكشف الهيدروجين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق