تغير المناخ يُحيي أزمة القراصنة في أفريقيا.. ما القصة؟
محمد عبد السند
- يتسبّب تغير المناخ في تدمير مصائد الأسماك بالمناطق الساحلية في أفريقيا.
- يدفع تغير المناخ العديد من الشباب للانضمام إلى القراصنة بحثًا عن كسب العيش.
- تراجعت هجمات القراصنة قبالة السواحل الصومالية من أعلى مستوياتها (237 هجومًا) في عام 2011 إلى 9 هجمات فقط في عام 2017.
- تُعد الأرباح غير الشرعية المتحققة من سرقة النفط ضخمة جدًا.
- في غانا هبط معدل صيد الأسماك الصغيرة بنسبة 59% خلال المدة بين 1993 و2019.
عادت مخاطر القرصنة لتطل بوجهها القبيح، مجددًا، على أفريقيا نتيجة ظهور آثار تغير المناخ في العديد من المناطق الساحلية في القارة السمراء.
ويلجأ المزيد من الأشخاص اليائسين إلى القرصنة من أجل كسب العيش والبقاء على قيد الحياة؛ ما يتطلب معه نزع فتيل هذا التهديد عبر تحقيق مستقبل أكثر استدامة وإنصافًا وقدرة على الصمود في وجه التهديدات المناخية بالنسبة للمجتمعات الساحلية في أفريقيا.
وسيضع عدم التحرك العاجل من جانب حكومات الدول الأفريقية، أرواح الكثير من الأشخاص في خطر عبر تهديد سبل عيشهم، إلى جانب تقويض التجارة البحرية، أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي.
وفي عام 2020 وحده سُجلت 135 حادثة اختطاف عبر البحار، في حين مثّل خليج غينيا الواقع غرب الساحل الأفريقي ما يزيد على 95% من تلك الحالات، وفق تقديرات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).
تدمير مصائد الأسماك
لا تزال القرصنة تمثّل تهديدًا خطيرًا على صناعة الشحن والتجارة العالمية وسلامة البحارة؛ ما يزيد الطين بلة في عالم تشتد فيه التوترات الجيوسياسية بالعديد من المناطق.
وفي مناطق مثل شرق أفريقيا، يدمر تغير المناخ بشكل مباشرة مصائد الأسماك الساحلية التي كثيرًا ما اعتمد عليها الناس لأجيال عديدة، وفق ما أورده موقع ذا كونفيرزيشن (The Conversation) الأسترالي.
ويتسبّب تغير المناخ بتناقص مخزون الأسماك في ظل هجرة بعض الأنواع منها هربًا من الوقوع في شباك الصائدين.
كما أن الجفاف المطول والطقس المتطرف من شأنهما أن يفاقما انعدام الأمن الغذائي والفقر في الدول.
وكان من نتائج تلك الظروف أن اتجه بعض صائدي الأسماك، بالتنسيق مع الميليشيات المسلحة، والشباب العاطل، إلى نشاط القرصنة بوصفه وسيلة لكسب لُقمة العيش والبقاء.
عودة القرصنة
نجحت التدابير الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات قبالة السواحل الصومالية، على مدار العقد الماضي، في خفض معدلات حوادث القرصنة في المنطقة.
ومع ذلك بدأت تلك الحوادث تطل برأسها من جديد في الصومال، وفق بيانات حديثة تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).
فخلال الربع الأول من العام الحالي (2024)، سُجلت 33 حادثة قرصنة قبالة السواحل الصومالية؛ من بينها حالتا اختطاف.
ويتكرر هذا السيناريو على بُعد آلاف الكيلومترات في خليج غينيا؛ حيث يرتبط نشاط القرصنة هناك بسرقة النفط بوساطة الجماعات الإجرامية التي تجنّد الشبان الفقراء لاختطاف ناقلات النفط وسرقة ما بها من خام.
ووجدت دراسة بحثية أجراها معهد سلاطة للمناخ والاستدامة (The Salata Institute for Climate and Sustainability) التابع لجامعة هارفارد أن المياه الساخنة وانتشار أنشطة الصيد غير القانوني قد أسهما في تقليل مصائد الأسماك المحلية، ولم يُترَك لسكان المناطق الساحلية سوى القليل ليعتمدوا عليه في كسب أرزاقهم.
وفي ساحل العاج هبط إجمالي نشاط صيد الأسماك بنحو 40% خلال المدة بين عام 2003 و2020؛ أما في غانا فقد تراجع معدل صيد الأسماك الصغيرة بنسبة 59% خلال المدة بين عامي 1993 و2019.
وتشير التوقعات الخاصة بتلك الدولتين ومعهما نيجيريا إلى أن تلك الحصيلة من الممكن أن تنخفض بنسبة 50% أخرى بحلول أواسط القرن الحالي (2050).
سرقة النفط
تحقق سرقة النفط أرباحًا غير شرعية ضخمة جدًا؛ ففي نيجيريا وحدها، تُقدر تلك الأرباح بما يتراوح بين 3 مليارات و8 مليارات دولار سنويًا.
وتغذي تلك الأموال القذرة عمليات تهريب الأسلحة والفساد والخروج على القانون، وهي حلقة مفرغة تفوض -في النهاية- جهود التنمية والأمن.
وبينما يعمق تغير المناخ والصيد غير القانوني الفقر في المنطقة، قد يتّجه المزيد من الأشخاص اليائسين إلى الجرائم البحرية؛ ما من شأنه أن يُديم حالة الاضطرابات، ويهدد سلامة البحارة والتجارة العالمية.
استئصال شأفة القرصنة
تبرز أهمية الاستثمارات في الصيد المستدام وسُبل العيش البديلة والتنمية الاقتصادية في المناطق الساحلية والتي تواجه تهديدًا جراء تغير المناح، في صد الموجة العاتية من أنشطة القرصنة.
وتكافح قوة الشرطة البحرية في بونتلاند بي إم بي إف (PMPF)، قوة أمنية بحرية محترفة، أنشئت بهدف مكافحة القرصنة والصيد غير القانوني والأنشطة غير المشروعة قبالة سواحل الصومال وتحديدًا في منطقة بونتلاند شمال غرب البلاد، تلك الظاهرة في المياه الصومالية بعد تشكيلها في عام 2010.
وبفضل تلك الجهود تراجعت هجمات القراصنة قبالة السواحل الصومالية من أعلى مستوياتها (237 هجومًا) في عام 2011 إلى 9 هجمات فقط في عام 2017.
وعبر القيام بدوريات في المياه الإقليمية، تكبح "بي إم بي إف" أنشطة القراصنة وتتصدى لهجماتهم قبل وقوعها.
كما تركز "بي إم بي إف" على تدريب السلطات المحلية وتجهيزها؛ لتعزز بذلك الشعور بالملكية في الأمن البحري.
وإلى جانب تدابير الأمان، تساعد "بي إم بي إف" -كذلك- على بناء مجتمعات ساحلية أكثر مرونة لمواجهة آثار تغير المناخ، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبمساعدة دولة الإمارات العربية المتحدة، تستثمر "بي إم بي إف" في مشروعات بنية تحتية مهمة مثل تأسيس المدارس والمستشفيات والطرق، مع دعم سبل عيش بديلة عبر الجمعيات التعاونية لصيد الأسماك وبرامج التدريب المهني.
أسباب أخرى للقرصنة
لا يبرُز تغير المناخ السبب الأوحد في ظهور القراصنة في أفريقيا مجددًا؛ بل هناك أسباب أخرى مثل الصيد غير القانوني بوساطة السفن الأجنبية؛ ما يسهم في تناقص مخزون الأسماك إلى جانب تدمير الموائل البحرية بشكل أو بآخر.
ويخلق هذا، إلى جانب تغير المناخ، والقيود المفروضة على البدائل الاقتصادية والحوكمة الضعيفة، ظروفًا مواتية لنمو أنشطة القرصنة في أفريقيا.
ولذا فإن كبح جماح أنشطة الصيد غير القانوني وتحسين إمكانات المراقبة البحرية يمكن أن يُسهِما كذلك في مكافحة القرصنة.
موضوعات متعلقة..
- تغير المناخ يجمع الصين والولايات المتحدة حول طاولة واحدة رغم الحرب الشرسة
- تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود متجدد.. تقنية ثورية تكافح تغير المناخ
اقرأ أيضًا..
- واردات مصر من غاز ليفياثان الإسرائيلي تقفز 20%
- سوق النفط الأنغولية.. 5 مغريات تضعها في أولويات المستثمرين
- أكبر مشروع هيدروجين أخضر في أفريقيا يتأهب للانطلاق بدولة عربية