خدعة مثيرة.. شركة أميركية تتسلم شحنات قمامة بدلًا من النيكل
محمد عبد السند
- حوداث سرقة النيكل تتزايد في السنوات الأخيرة
- تتعرض شركات تجارة السلع لوقائع احتيال بخصوص معدن النيكل
- تمكّن ممثلو كاتامان من تحديد موقع الحاويات التي كانت ما تزال راسية في ميناء كلانج الماليزي في مارس 2023
- تعدّ شركة نيو ألويز من بين الشركات التي تزعم ترافيجوار أنها جزء من عملية الاحتيال المزعومة
- قالت كاتامان ميتالز، إنها وقعت فريسة لعملية احتيال نيكل بقيمة 3.3 ملايين دولار
تتوالى حوادث سرقة النيكل التي تتعرض لها العديد من شركات تجارة السلع العالمية الرائدة بين الحين والآخر، إذ عادةً ما تُستبدل أشياء عديمة القيمة، مثل الحجارة أو -حتى- القمامة، بهذا المعدن الثمين، .
ويبرز النيكل من المعادن الأكثر عُرضة لحوادث الاحتيال؛ لارتفاع قيمته المادية، إذ إن حاوية واحدة ممتلئة لآخرها بهذا المعدن تصل تكلفتها إلى نصف مليون دولار أميركي.
وفي أحدث وقائع سرقة النيكل، كشفت شركة تجارة السلع الأميركية كاتامان ميتالز "Kataman Metals" أنها وقعت فريسة لعملية احتيال، حينما دفعت 3.3 ملايين دولار لشراء شحنات من النيكل من شركة "نيو ألويز تريدنغ"، لتكتشف خلوّ تلك الشحنات من المعدن، واحتواءها -بدلًا من ذلك- على قمامة، حسبما أوردت شبكة "بلومبرغ".
ترافيغورا بطلة واقعة سابقة
ليست تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها شركة تجارة السلع لوقائع احتيال بخصوص معدن النيكل.
ففي شهر فبراير/شباط (2023)، أعلنت عملاقة تجارة السلع العالمية ترافيغورا Trafigura ،ومقرّها سنغافورة، تعرّضها لحادث احتيال، بعدما اكتشفت خلوّ شحنات اشترتها بمبلغ 600 مليون دولار من معدن النيكل الذي كان يُفترض أن تحتوي عليه تلك الشحنات.
وأثّرت حادثة النيكل المفقود سلبًا في الشركة التي شهدت نموًا سريعًا خلال العقد الماضي، لتصير واحدة من كبريات شركات تجارة السلع في العالم.
كما مثّلت تلك الواقعة نقطة سوداء في تاريخ صناعة تجارة المعادن، التي عانت الأمرّين من ويلات حوادث متنوعة في السنوات الأخيرة، تتدرج من تزوير إيصالات رسمية، وتزوير وثائق شحن، وصولًا إلى حاويات ممتلئة بأحجار مطلية.
وأدت الواقعة التي تعرضت لها ترافيغورا إلى تحرير دعاوى قضائية عديدة، عندما اكتشفت بورصة لندن للمعادن في شهر مارس/آذار (2023) أن 54 طنًا من النيكل المحتجزة في مستودع في ميناء روترادم الهولندي، والتي تتبع مباشرة شركة جيه بي مورغان تشيس المصرفية الأميركية، ما هي إلّا أكياس من الحجارة.
علاقات تجارية غامضة
تسلّط واقعة النيكل الضوء على العلاقات التجارية المتشابكة بين العديد من الشركات والكيانات المختلفة، التي تقول ترافيغورا، إنها ذات صلة برجل الأعمال الهندي براتيك جوبتا.
وتعدّ شركة نيو ألويز New Alloys من بين الشركات التي تزعم ترافيغورا أنها جزء من عملية الاحتيال المزعومة.
ولا تتبع شركة نيو ألويز في ملكيتها جوبتا، وتشير كاتامان بإصبع الاتهام إلى الأولى، دون الإشارة إلى قطب الأعمال الهندي.
ويبدو أن المعاملة التي تعرضت خلالها كاتامان إلى احتيال النيكل هي جزء من مجموعة أوسع من المعاملات التي تشتمل على العديد من الشركات ذات الصلة بالملياردير جوبتا.
يُشار إلى أن جوبتا نفسه منخرط في مفاوضات بشأن تلك الشركات، وفق دعوى قضائية منفصلة حرّكتها كاتامان في لندن.
وعلاوة على ذلك، يتشابه العديد من تفاصيل ما يُزعم حصوله في حالتي احتيال النيكل اللتين تعرضت لهما كاتامان وترافيغورا، ويبدو أن المعاملات التي دخلت فيها الشركتان قد انهارت في الوقت نفسه تقريبًا.
ملابسات الواقعة
تُعدّ كاتامان -ومقرّها ولاية ميزوري- شركة متوسطة الحجم، وتعمل في مجال تجارة السلع، إذ تُعرف بدورها في سوق اليورانيوم.
لكن في أغسطس/آب (2022)، أبرمت كاتامان اتفاقًا لشراء 167 طنًا من النيكل نظير 3.3 مليون دولار من شركة نيو ألويز، وفق ما ورد في حيثيات الدعوى التي حرّكتها الأولى في سنغافورة.
وكان من المفترض أن تتجه شحنة النيكل في مسار سهل من سنغافورة إلى ميناء جبل علي في دبي، خلال أغسطس/آب (2022).
وبدلًا من ذلك، ودون علم كاتامان، استقرّت الحاويات في النهاية على الرصيف بميناء كلانج بماليزيا في مارس/آذار (2023).
في غضون ذلك، انهارت سبل التواصل بين الأطراف، وفُقدت وثائق الشحن المهمة التي تثبت ملكية بضائع معينة، خلال توجّهها إلى شركة كاتامان من بنكها جيه بي مورجان تشيس.
وحينما حاولت كاتامان إعادة استخراج الوثائق المفقودة، عمد ممثّلو شركة نيو ألويز ووكيل الشحن التابع لها، ممثلًا في شركة تيكيز لوجيستيكس Techies Logistics، إلى تأخير تلك العملية، وفق ما ورد في صحيفة الدعوى التي حرّكتها كاتامان في سنغافورة.
لكن، وفي أواسط يناير/كانون الثاني (2023)، توقفت كاتامان ونيو ألويز عن الردّ على الرسائل المرسلة عبر البريد الإلكتروني، وتطبيق "واتس آب"، وفق ما قالته كاتامان في الدعوى القضائية.
وفي مارس/آذار (2023)، تمكّن ممثلو كاتامان من تحديد موقع الحاويات التي كانت ما تزال راسية في ميناء كلانج، ليكتشفوا -بمعاونة خبراء التفتيش ومحامين- أن الحاويات خالية تمامًا من النيكل.
قمامة بدلًا من النيكل
ورد في صحيفة الدعوى المرفوعة أمام المحكمة العليا في سنغافورة أن "كل حاوية من حاويات الشحن الـ7 تحتوي على 16 أو 17 كيسًا ضخمًا، تحتوي على نفايات قوالب الصلب عديمة القيمة".
ويزعم محامو كاتامان أن شركتي نيو ألويز وتيكيز قد "تآمرتا واتّحدتا معًا بوسائل غير مشروعة للاحتيال على المدّعي، وإخفاء تفاصيل هذا الاحتيال عليه".
ردّ وكيل الشحن
قدّمت شركة تيكيز ردًا في الدعوى القضائية المرفوعة ضدها في سنغافورة، مشيرةً فيها إلى أن دورها كان مقتصرًا على تنظيم التخزين والشحن لشركة نيو ألويز، وأنها لم تضمن أبدًا محتويات الشحنة.
وكان مدير نيو ألويز مانوج مينون قد نفى جميع مزاعم الاحتيال المنسوبة إلى شركته في قضية ترافيغورا.
وقال ممثل شركة نيو ألويز، إن شركته لم تحصل على المستندات القانونية ذات الصلة، موضحًا أنه سيحتفظ بتعليقاته فيما يتعلق بشحنة النيكل.
وأكد أن شركته لديها "علاقة عمل عامة فقط" مع براتيك جوبتا، وأنها كانت تتعامل مع شركة كاتامان ميتالز منذ نوفمبر/تشرين الثاني (2020).
أوجه شبه
تبرز هناك أوجه شبه بين رواية كاتامان وقضية ترافيغورا.
فقد قالت ترافيغورا في حيثياتها القانونية، إنها عثرت كذلك على "مواد غير متوافقة، تتراوح من منتجات الصلب إلى منتجات الحديد" في حاويات كان من المفترض أن تحتوي على النيكل.
كما كان لشركة تيكيز، بوصفها وكيل شحن، دورٌ في شحنة من النيكل، كانت محور نزاع قانوني مرتبط بقضية ترافيغورا.
جوبتا.. علاقة غامضة
يبدو أن تجارة النيكل جزء من مجموعة أوسع من المعاملات التجارية بين شركة كاتامان وشركات عديدة، ترتبط واحدة منها -على الأقلّ- برجل الأعمال الهندي جوبتا.
ففي دعوى قضائية منفصلة حرّكتها في لندن، قالت كاتامان، إنها أبرمت الاتفاقيات مع شركة "تي إم تي ميتالز ليمتد" و"ماين كرافت ليمتد"، والتي ستدفع بموجبها الأخيرتان سعر فائدة سخيًا إلى كاتامان لشراء شحنات النيكل والقصدير، ثم إعادة بيعهما.
وستحدد "تي إم تي" موردًا للنيكل والقصدير، اللذَين ستشتريهما كاتامان بعد ذلك، ثم تعيد بيعهما لاحقًا إلى "تي إم تي" أو "ماين كرافت"، بجانب سعر فائدة يُدفع شهريًا بنسبة 8.5% فوق سعر ليبور.
وليبور هو مصطلح يطلق على سعر الفائدة بين البنوك في لندن.
والمثير أن شركتي "تي إم تي" و"ماين كرافت" كانتا قد واجهتا اتهامات في قضية ترافيغورا ضد كوبتا.
وتزعم ترافيغورا أن الثري الهندي يمتلك كلتا الشركتين، غير أن الأول ينفي ملكيته شركة ماين كرافت.
ولم يرد اسم أيٍّ من "تي إم تي" أو "ماين كرافت" في الدعوى القضائية التي حركتها كاتامان في لندن، كما لم تشر الدعوى على الإطلاق إلى نظيرتها المُحركة في سنغافورة.
لكن يبدو أن نيو ألويز كانت هي الشركة التي اختارتها "تي إم تي" لتوريد النيكل، ولذا فإن النيكل المشار إليه في قضية سنغافورة هو المعدن نفسه الذي كان من المفترض بيعه إلى "تي إم تي"؛ نظرًا لتطابق التواريخ وقيمة المبلغ المشار إليهما في كلتا الدعوتين.
يُذكر أنه رغم ارتفاع قيمته المادية، يُتداوَل معدن النيكل المستعمل في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ، وبطاريات المركبات الكهربائية، بأحجام كبيرة نسبيًا، ودون تطبيق المعايير الأمنية المشددة التي عادةً ما تقترن بشحنات المعادن النفيسة، مثل الذهب.
موضوعات متعلقة..
- ترافيغورا تتعرّض للاحتيال بعد تسلم شحنات خالية من النيكل
- ترافيغورا تفشل في التفاوض مع إقليم كردستان العراق.. وتعلن إنهاء صفقة النفط
- ترافيغورا تحذر: أسعار النفط سترتفع إلى 150 دولارًا.. وأسواق الطاقة في وضع حرج
- مبادلة الإماراتية وترافيغورا تبيعان حصصهما في شركة إسبانية لأخرى أسترالية
اقرأ أيضًا..
- قيمة صادرات النفط السعودي تفقد 42 مليار دولار في 6 أشهر (إنفوغرافيك)
- بوتين: بدائل النفط والغاز المطروحة لن تلبي الطلب على الطاقة مستقبلًا
- قمة المناخ كوب 28 تطلق خطة عملها للمياه