الاندماج النووي في أميركا يثير غيرة بريطانيا.. وهذه أبرز العقبات (تقرير)
أسماء السعداوي
- إنجاز أميركي ضخم في تكنولوجيا الاندماج النووي.
- مقارنة بين إمكانات الطاقة النووية في أميركا وبريطانيا.
- نقص التمويل والدعم الحكومي أبرز أسباب تخلُّف بريطانيا عن الركب.
- محاولات بريطانية قوية لكن تفتقر إلى المال والسياسات الداعمة.
تحمل تكنولوجيا الاندماج النووي في طياتها منافع هائلة، قد تُغني العالم يومًا ما عن مصادر الوقود الأحفوري باهظة التكلفة المالية والبيئية، والمسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وللمرة الثانية خلال 7 أشهر، يحصل العلماء في منشأة الإشعال الوطنية التابعة لمختبر "لورانسليفر مور" بولاية كاليفورنيا الأميركية، على طاقة من هذه التكنولوجيا.
لكن الجديد هنا هو أن حجم الطاقة الناتجة عن التجربة، أعلى من تلك المُستعملة لإحداث التفاعل، كما أنها أكبر بكثير من تلك المُنتجة خلال التجربة الأولى، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأثار النجاح الأميركي تساؤلات داخل قطاع الطاقة النووية في بريطانيا حول التحديات التي تعترض سبيل إحراز تقدم مماثل؛ إذ دعا البريطانيون إلى زيادة حجم التمويلات والدعم الحكومي اللازم لمسايرة الولايات المتحدة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "تيليغراف" البريطانية.
ما هو الاندماج النووي؟
تُفسِّر وكالة الطاقة الذرية الاندماجَ النووي على أنه استنساخ لطريقة توليد الطاقة على سطح الشمس والنجوم، وفيه "تندمج نواتان ذريتان خفيفتان لتكوِّنا نواة ذرية واحدة أثقل وزنًا".
وعلى عكس الانشطار النووي، لا تنتج عن الاندماج أي انبعاثات كربونية أو غازات دفيئة أو مخلفات نووية، وهو ما يُبشر بأداء دور فاعل لتخفيف وطأة تغير المناخ في المستقبل.
وينتج الاندماج النووي عبر طريقتين؛ إما "الاندماج بالاحتواء المغناطيسي"، ويعتمد على حبس البلازما داخل مجالات مغناطيسية قوية على شكل كعكة دائرية، وإما "الاندماج بحصر القصور الذاتي"، ويستعمل أشعة ليزر قوية لتفجير الحبيبات التي تحتوي على ذرات الهيدروجين، وضغط هذا الوقود حتى الاندماج.
تجربة الاندماج النووي
أعرب الرئيس التنفيذي المؤسس لشركة "فيرست لايت فيوجن" (First Light Fusion) المعنية بأبحاث "الاندماج بحصر القصور الذاتي" نيك هوكر، عن سعادته بالاكتشاف الأميركي، قائلًا إنه علامة فارقة في عالم الفيزياء.
وقارن رئيس الشركة الناشئة ومقرها أوكسفورد الإنجاز الأميركي بتخلف بريطانيا عن ركب الاندماج النووي، كما عدّد ميزات يحظى بها قطاع الطاقة النووية الأميركي، ومنها حصول منشأة الإشعال الوطنية في مختبر لورانس ليفر مور التي حققت الإنجاز التاريخي على تمويل بقيمة 3.5 مليار دولار من الحكومة.
في المقابل، يحصل برنامج مفاعلات التوكاماك الكروية لإنتاج الطاقة، وهو مختبر الاندماج للطاقة النووية في بريطانيا، على 220 مليون جنيه إسترليني (279.2 مليون دولار) فقط.
كما أقر الرئيس جو بايدن قانون خفض التضخم الأميركي في العام الماضي (2022)، والذي منح تمويلًا قدره 1.5 مليار دولار لعلوم الطاقة الخضراء، والتي تشتمل على هذه التكنولوجيا المهمة.
وعلى العكس من ذلك، أصبحت إستراتيجية الاندماج النووي الموضوعة خلال مدة رئاسة بوريس جونسون للحكومة البريطانية، طي النسيان بعد خروجه من السلطة.
وتلك هي المرة الرابعة التي يتمكن فيها العلماء الأميركيون من إحداث الاشتعال، وهو ما يبعث آمالًا بشأن إنتاج الطاقة النظيفة بصورة لا تنضب.
من جانبها، وصفت وزارة الطاقة الأميركية الاكتشاف بأنه "إنجاز علمي كبير منذ عقود من شأنه أن يُمهِّد الطريق للتقدم في قطاعات الدفاع الوطني والطاقة النظيفة".
وبحسب تقارير، أنتج التفاعل الأخير ما يعادل كيلوواط/ساعة، وهي كافية لتشغيل فرن لمدة ساعة من الزمن.
مشكلات التمويل والدعم الحكومي
أعرب رئيس شركة الأبحاث النووية البريطانية نيك هوكر، عن مخاوفه إزاء جذب أميركا لتمويلات أبحاث الاندماج النووي والاستثمارات العالمية، وذلك على حساب مشروعات أخرى في بقاع مختلفة من العالم.
من جانبه، أرجع المدير العام لشركة "توماكاك إنرجي" البريطانية واريك ماثيوس، التفوق الأميركي في تمويل أبحاث وتقنيات الاندماج مقارنة ببلاده، بقوله: "يمكن القول إن جمع المال اللازم في أميركا، أبسط من المملكة المتحدة".
وتتسابق الشركات البريطانية لإبداء كفاءة تقنياتها الخاصة بهذه التكنولوجيا، في محاولة لجذب المستثمرين؛ إذ تعد شركة "فيرست لايت فيوجن" أحد الباحثين في تقنية الاندماج بحصر القصور الذاتي، التي اعتمد عليها مختبر لورانس ليفر مور الوطني الأميركي في إنجازه الأخير.
لذلك، انتقد الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية شح الدعم الحكومي والصناعي الذي تحصل عليه شركات مثل شركته، التي "تكافح بيد واحدة مغلولة"، مضيفًا: "لدينا امتياز أكاديمي كبير في تقنية الاندماج بحصر القصور الذاتي في هذه البلاد. لكن ليست لدينا منشأة كبيرة أو مشروع ضخم أو جهود منسقة".
وتتضمن عملية "الاندماج بحصر القصور الذاتي" توجيه أضخم أجهزة ليزر في العالم نحو حبيبات صغيرة من بلازما الهيدروجين، بهدف إشعال تفاعل الاندماج، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وخلال العملية، تُطلَق نحو 192 حزمة من الليزر في فجوة مفرغة، لتسخينها وتكوين البلازما، بحيث تُنتزع الإلكترونات، وبعد ذلك تستهدف الأشعة السينية الناتجة عن تأثير الليزر في الفجوة المفرغة إلى تفجير كبسولة الوقود الموجودة في مركزها، والتي تحتوي على الديوتيريوم والتريتيوم، ومن ثم حدوث اندماج نووي.
يقول رئيس شركة "فيرست لايت فيوجن" البريطانية إن الأكاديميين لا يحصلون سوى على قدر ضئيل من التمويل، داعيًا لزيادة حجم التمويل المقدم لأبحاث وتقنيات الاندماج بحصر القصور الذاتي.
وتوقّع أن يكون عائد الاستثمارات مهولًا؛ إذ إن العالم سيحتاج لإنشاء 10 آلاف محطة اندماج نووي بحلول عام 2050.
من جانبه، يقول متحدث باسم الحكومة إن المملكة المتحدة تستهدف تحقيق الريادة العالمية في الترويج لتكنولوجيا الاندماج النووي"، مشيرًا إلى استثمارات تزيد على 700 مليون جنيه إسترليني (888.5 مليون دولار) للأبحاث والمنشآت ذات الصلة خلال السنوات الـ3 المقبلة.
ولفت إلى دور إستراتيجية الاندماج النووي في المملكة المتحدة وإطار العمل المنظم لها، والذي يشمل كل مناحي التكنولوجيا النووية ومنها الاندماج.
محاولات بريطانية على الطريق
طوّرت شركة "فيرست لايت فيوجن" البريطانية طريقة للاندماج بحصر القصور الذاتي باستعمال سلاحًا طوله 22 مترًا يطلق قذيفة وزنها 100 غرام بسرعة 6.5 كيلومترًا/ثانية -أي ضعف سرعة الصوت بمقدار 20 مرة- على حبيبة تحتوي على التريتيوم والديوتيريوم، وهما من نظائر الهيدروجين.
وتقول وكالة الطاقة الذرية إن بضعة غرامات فقط من هذين المتفاعلَيْن، يمكنهما إنتاج كمية من الطاقة تبلغ تيراغول واحدًا، وهي كافية لتلبية احتياجات شخص واحد من سكان البلدان المتقدِّمة لمدة تزيد على 60 عامًا.
بينما يقول رئيس الشركة نيك هوكر، إنه يرغب في تطوير محطات لتوليد الكهرباء لتكرار العملية كل 30 ثانية، وفيها ستُنتج الحبيبة الواحدة كهرباء تكفي لإنارة منزل بريطاني على مدى أكثر من عامين.
ويعتزم هوكر بناء محطة تجريبية بحلول منتصف العقد المقبل الذي يبدأ في 2030، ومحطة تجارية أخرى بحلول نهاية العقد المقبل لبيع الكهرباء بسعر 45 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة.
على صعيد آخر، تعمل شركة "توكاماك إنرجي" على تقنية الاندماج النووي بالاحتواء المغناطيسي.
ويعتمد الاندماج بالاحتواء المغناطيسي على الاحتفاظ بوقود الهيدروجين في مكانه بواسطة مغناطيس قوي، ويُسخَّن إلى درجات حرارة عالية بحيث تنصهر نواة الذرة.
وطورت الشركة أداة في العام الماضي للوصول بدرجات الحرارة إلى 100 مليون درجة مئوية، وهي الحد الأدنى لاستدامة الاندماج النووي.
ويشيد المدير العام للشركة واريك ماثيوس، بمثل تلك الاختراقات، لكنه قال إن استمرار تدفق الاستثمارات أمر حاسم لمنع تخلف بريطانيا عن نظرائها العالميين.
وأضاف: "نعلم جميعًا أنه من السهل تجاوزنا إذا لم تستمر الاستثمارات".
موضوعات متعلقة..
- الاندماج النووي.. هل اقترب العلماء من تحقيق حلم بعيد المنال؟
- باستخدام الاندماج النووي.. علماء أميركيون يكتشفون مصدر طاقة هائلة بلا انبعاثات
- كيف يدعم الاندماج النووي أهداف الحياد الكربوني وأمن الطاقة؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أكبر وحدة لتخزين الغاز المسال في العالم تستعد لبدء العمل
- مسؤول: الهيدروجين في الجزائر قادر على سد حاجة أوروبا.. وهذه أبرز الأسباب (حوار وفيديو)
- التعاون النووي بين المغرب وروسيا ضروري لثلاثية "الغذاء والماء والطاقة" (مقال)