خبراء يتحدثون لـ"الطاقة" عن سبب انخفاض أسعار النفط وهل فشلت خطة أوبك+؟
مي مجدي
بعد مضي أسابيع من قرار السعودية و8 دول في تحالف أوبك+ خفضًا طوعيًا في الإنتاج، بدءًا من مايو/أيار المقبل، شهدت أسعار النفط تراجعًا ملحوظًا وباتت تحوم حول 82 دولارًا للبرميل.
وبناءً عليه، أشارت بعض التقارير إلى أن الهدف الرئيس من قرار بعض أكبر منتجي النفط في العالم هو ارتفاع الأسعار، ويبدو أن قرار التحالف المفاجئ لم يؤتِ ثماره، زاعمةً أن إعلان خفض الإنتاج فشل في إشعال أسعار الخام.
وكان أعضاء بارزون في تحالف أوبك+ قد أعلنوا يوم 2 أبريل/نيسان (2023) خفض الإنتاج بمقدار 1.6 مليون برميل يوميًا، بدءًا من مايو/أيار إلى نهاية العام الجاري.
ونتيجة للقرار، توقع المحللون ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 100 دولار خلال الربع الحالي، لكن لم تسر الأمور كما كان يأمل منتجو أوبك+ حتى الآن، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
ويحوم خام برنت حول 82 دولارًا للبرميل في الوقت الراهن، لكن كانت أسعار النفط في نهاية شهر مارس/آذار، أي آخر يوم قبل إعلان السعودية و8 دول من تحالف أوبك+ قرار خفض الإنتاج الطوعي، تحت مستوى 80 دولارًا، والقفزة البالغة دولارين للبرميل، ليست عائدًا كبيرًا لخفض الإنتاج بمقدار الضعف.
على الجانب الآخر، حذّرت وكالة الطاقة الدولية، أوبك من ارتفاع أسعار النفط، وبرأيها قد تضر خطوة خفض الإنتاج الاقتصاد العالمي، وتسرّع التحول بعيدًا عن الوقود الاحفوري إلى الطاقة النظيفة.
وقال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، إن التدخل قد يؤثر عكسيًا في منظمة البلدان المصدرة للنفط، موضحًا أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الوقود، ودفع المستهلكين نحو الكهرباء المتجددة ومصادر الطاقة النظيفة الأخرى.
وسلط بيرول الضوء -خلال مقابلة أجراها مع بلومبرغ- على محاولة منتجي النفط رفع الأسعار، محذرًا أوبك من أن اتخاذ أي إجراء سيؤدي إلى تسريع انتشار السيارات الكهربائية.
ويعتقد بيرول أن تدخل أوبك+ لم يكن مفيدًا لانتعاش الاقتصاد العالمي، لا سيما في الأسواق العالمية، مضيفًا أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة حرجة، وآخر شيء يحتاج إليه العالم الآن هو ارتفاع أسعار النفط، والضغوط التصاعدية على معدل التضخم.
في المقابل، هناك رأي آخر يقول إن أوبك+ لم يكن هدفه الرئيس هو رفع أسعار النفط، وإنما الهدف الحقيقي هو منع أسعاره من الانخفاض عن المستويات وقت إعلان القرار (مستوى 70 إلى 72 دولارًا)، ومواجهة المضاربات المستمرة في أسواق الطاقة، إلى جانب ضمان استقرار السوق.
وأوضح خبراء -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع أسعار النفط مؤخرًا.
ما هو الهدف الحقيقي من قرار بعض دول أوبك+؟
يرى المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية سابقًا، علي بن عبدالله الريامي، أن الخفض الأخير كان طوعيًا وسياديًا من قبل الدول التي شاركت في التخفيض دون تدخل من أوبك أو أوبك+.
وأوضح الريامي أن القرار رُبط بمنظمة البلدان المصدرة للنفط، لأن الدول المشاركة هي جزء من الأعضاء الموقعين على اتفاقية أوبك+، وهم سلطنة عمان والسعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت والجزائر وقازاخستان والغابون.
وقال الريامي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-: "أنا على يقين بأن هذه الدول نسّقت فيما بينها قبل اتخاذ هذا القرار، وحددت الكميات".
وتابع: "في النهاية هي خطوة استباقية من هذه الدول، وسط المخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي، ودخول الاقتصادات الضخمة في ركود، فهذا الهاجس ما يزال قائمًا، إلى جانب محاربة المضاربين الذين أخذوا مواقف تجارية قصيرة، والتي كانت سلبية فيما يتعلق بالسوق".
إلى جانب السببين السابقين، أضاف الريامي أنه كان هناك تخوف من النمو على الطلب في آسيا، على الرغم من وجود مؤشرات تدل على وجود حركة في الطلب على النفط بالصين والهند وبقية الدول الآسيوية.
وقال: "كل هذه الأسباب مجتمعة كانت المحرك الحقيقي لاتخاذ هذه الدول هذا القرار، وليس له علاقة بأوبك+ مباشرة، على الرغم من أن النتائج لها علاقة بأوبك وأوبك+".
وبالنسبة إلى روسيا قررت مسبقًا خفض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل، ولكن اختارت استمرار الخفض حتى نهاية العام الجاري مشاركةً مع هذه الدول.
ويرى الريامي أن قرار أوبك لم يُظهر فشلًا، وإنما على العكس من ذلك.
وقال: "شاهدنا أخبارًا مشجعة من السوق حول مسألة المضاربين، إذ تأثروا بدرجة كبيرة، خصوصًا أن هذا القرار كان مفاجئًا وغير معلن".
وأضاف: "فشل المضاربون المستهدفون في اتخاذ مواقفهم السابقة، وتكبدوا خسائر ضخمة جراء هذه الخطوة، وسوف يتريثون قبل اتخاذ مواقف تجارية في المستقبل، خوفًا من وجود هذا النوع من القرارت، وكان ذلك بمثابة درس قوي من الدول المشاركة إلى المضاربين قصيري النظر".
وأكد هذا الرأي، الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط سيريل وودرشوفن، قائلًا إن قرار أوبك كان مرتبطًا باستقرار الأسعار التي كانت تتراجع ومواجهة المضاربات المستمرة في السوق.
وقال -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-: "حتى لو كان الدافع الرئيس لأوبك هو استقرار الأسواق ومنع الأسعار من الانخفاض، فإن السبب الآخر الأكثر وضوحًا هو إظهارة القوة في السوق.. ولجميع الأسباب، الجيوسياسية والاقتصادية، زادت قوة أوبك بوجه عام في أسواق النفط والغاز".
وأضاف: "إستراتيجية أوبك واضحة، فهدفها استقرار القوة السوقية، وزيادة حصتها في السوق، والمحافظة على الأسعار عند مستويات لا تتداخل مع النمو الاقتصادي ببقية العالم، مع ضمان عدم انخفاض إيراداتها اللازمة".
واستطرد موضحًا: "بالنظر إلى الأسواق الآن، يمكن القول إن أوبك كانت على حق في اتخاذ هذا القرار، فالاتجاه الصعودي القصير للأسعار بدأ في التراجع".
وأشار إلى أن استمرار مخاوف النمو الاقتصادي، والذعر المصرفي في الولايات المتحدة، وسياسات تحول الطاقة المدمرة التي يتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لا تؤدي إلى زيادة الطلب على النفط.
ورغم ما تشهده الصين من النمو فإن البيانات بوجه عام بعيدة كل البعد عن السيناريوهات المتفائلة التي كان يأملها المحللون، حتى إن البعض قد يشير إلى أن تحرك أوبك المفاجئ باتخاذ قرار خفض إضافي في الإنتاج قد وضع روسيا في مأزق صعب، بحسب وودرشوفن.
ومن وجهة نظره، سيؤدي الاستقرار أو النقص المحتمل في السوق إلى ارتفاع أسعار النفط الروسي، وسيكون ذلك مصدر قلق في ضوء العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسقف السعري.
ويعتقد وودرشوفن أن استقرار أسعار النفط عند المستويات الحالية، مع وجود خصم على النفط الروسي بمثابة شريان الحياة لموسكو.
أما الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، فيرى أن منظمة أوبك لم تكن تطمح من قرار الخفض الطوعي بلوغ سعر البرميل إلى 150 دولارًا، لكي نحكم على القرار أنه فاشل.
وقال -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة-: "بلغ سعر خام برنت القياسي 87 دولارًا خلال الشهر الجاري، وهو سعر تحبذه أوبك، وتتطلع للاستقرار حوله قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ".
وتابع: "في المقابل ما تزال أسعار خام برنت فوق الـ80 دولارًا بعد إعلان قرار بعض دول أوبك خفض الإنتاج بمقدار 1.6 مليون برميل يوميًا بدءًا من مايو/أيار، وقد حافظت السوق على مستوى حسن نوعًا ما، وهذا يبين مرة أخرى أن المنظمة اتخذت قرارًا استباقيًا لضمان استقرار الأسعار".
وأضاف بوطمين أن الأسعار قاربت عند مستوى 87 دولارًا انعكاسًا للقرار، بعدما هوت لما دون 75 دولارًا قبل شهر، وهذا يُعد نجاحًا ولو قصيرًا، بما أن الأسعار شهدت تحسنًا قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ.
وتابع: "منحنى الهبوط الذي سلكته الأسعار في الأيام الماضية لا يعكس الوضعية الحقيقية للسوق للعام بأكمله، بل هناك متغيرات قد تدفع بتزايد الطلب على مصادر الطاقة".
ووفقًا لبوطمين، من بين هذه المتغيرات دخول قرار الخفض خلال أيام فقط مع انخفاض المخزون الأميركي بشدة منذ عشرات السنين، عند قرابة 369 مليون برميل يوم 14 أبريل/نيسان (2023)، وتوقعات زيادة الطلب في الصين وحتى الهند التي تُعد من أكبر الاقتصادات نموًا في العالم، إلى جانب احتمال رجوع مستويات الاستهلاك إلى ما قبل أزمة كورونا، خاصة أن الأسعار الحالية تزيد من شهية المستهلكين، لا سيما الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وآسيا، ومن شأن ذلك تعزيز استقرار السوق خلال الأشهر المقبلة.
وقال، إن الانخفاض المحسوس في الأسعار -حاليًا- تأثر بمستويات التضخم مع تداعياته السلبية على الطلب، لكنْ هناك أمر مهم يجب الإشارة إليه، وهو أن تحالف أوبك+ لا يريد أسعارًا تفوق 105 دولارات على المديين المتوسط والطويل.
ومن وجهة نظره، ارتفاع الأسعار لا يخدم مصالح دول التحالف الإستراتيجية، معللًا بأن بلوغ برميل النفط لأسعار خيالية يسمح للمستهلك بالبحث عن بدائل أخرى أقل تكلفة، كما يشجع الحكومات على الاستثمار في مشروعات الطاقة البديلة، وهي بذلك تستغني عن حصة سوقية من النفط والغاز.
وأضاف بوطمين أن ذلك يهدد بوفرة المعروض، وقد تتلاشى الأسعار إلى أقل من 28 دولارًا كما حدث عام 2014.
وقال: "الشيء الآخر هو أن أي ارتفاع حاد في الأسعار يخدم صناعة النفط في الولايات المتحدة، إذ تزيد شركات النفط والغاز الصخريين من ضخ استثمارات ضخمة لزيادة الإنتاج وجني أموال طائلة، وهذا ما حدث قبل عام 2018.. كما أن الارتفاع يحفّز كبريات شركات النفط على الاستثمار في حقول لم تكن لتبلغها من قبل، إذ إن مردوديتها الآن فيها نوع من المخاطرة، وببلوع أسعار أكثر من 110 دولارات تزيد هذه الشركات من التنقيب في مناطق أخرى، ما يجعل هناك تخمة في العرض، ومن شأنه أن يؤثر سلبًا في الأسعار".
وأشار بوطمين إلى أن تحالف أوبك+ يبحث عن استقرار الأسعار عند 90 دولارًا، لحماية مصالحه الاستثمارية، ويجعله لاعبًا معدلًا في السوق، ومن ثم لدى دول التحالف المصلحة التامة في الاستقرار من جهة، ومحاولة جعل العملاء قادرين على شراء منتجاتها وبثمن مناسب من جهة أخرى، وهذا التوازن يمنح الثقة للمستهلك وكذلك للمنتج.
ما هي أسباب انخفاض الأسعار؟
في رأي الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط، سيريل وودرشوفن، يرجع الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلى أن السوق ما تزال غير خاضعة لمسألة العرض والطلب، وإنما للاضطرابات؛ سواء في الصين أو إيران أو البنوك.
ويعتقد أن التأثير الكلي لهذه الاضطرابات منخفض جدًا في الوقت الحالي، لذا قد يسفر التشاؤم بشأنها عن تدهور السوق، موضحًا أن التوقعات والمضاربة تدفع الأسعار والعقود الآجلة للهبوط.
وأشار إلى أن السبب الثاني هو خوف المستهلكين الغربيين من التكاليف الإضافية المحتملة لانتقال الطاقة، وزيادة الضرائب، وتهديدات الأزمة المالية.
وقال: "بصفة عامة، يواجه الغرب ارتفاعًا في الفواتير، وستستمر في الارتفاع حتى يكون هناك رد فعل معاكس".
كما أضاف أن الاضطرابات السياسية المحتملة في الاتحاد الأوروبي، والخوف حتى من الاضطرابات السياسية المستمرة في الولايات المتحدة -المتمثلة في الأزمات بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب-، لا تؤدي إلى نتائج إيجابية فيما يخص أسعار الطاقة.
بينما أشار الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، إلى 4 أسباب أدت إلى انخفاض الأسعار خلال الأسابيع الاخيرة، أولها هشاشة عجلة النمو الصناعي داخل الاتحاد الأوروبي.
ويقصد بذلك أن هناك نوعًا من الشلل على طلب الطاقة في قطاع الصناعة، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، فهناك شركات ضخمة داخل الاتحاد باتت مقتنعة أن استمرار نشاطها مرتبط بمدى تأمين إمدادات الطاقة، وهذه الثقة أصبحت هشة نوعًا ما، وأصبحت تدرك أن واحدًا من الحلول الناجعة لحماية استثماراتها هو نقل بعض فروعها ذات الاستهلاك الضخم، إلى الصين والهند وأميركا، حيث أسعار الطاقة المنخفصة.
وأوضح أن دول الخليج والشرق الأوسط ستكون وجهة جذابة حال استغلت ذلك بذكاء، إلا أن الصين والهند تتمتعان بحظ أوفر، نظرًا إلى ارتفاع معدلات النمو، إذ تشتري الدولتان النفط والغاز بأسعار مخفضة من روسيا، ما يسمح بمنافسة أوروبا، إذ إن زمن الغاز الروسي المخفض عبر الأنابيب بات من الماضي، وأن زمن ناقلات الغاز المسال والتكلفة الباهظة أصبح حقيقة تؤرق أزمة ارتفاع فواتير الطاقة داخل أوروبا.
وقال: "خير دليل على ذلك تصريح المدير التنفيذي لعملاقة شركة البتروكيماويات (باسف) الألمانية، خلال الأسبوع الماضي، إذ قال إن فروعها الـ30 الموجودة داخل الصين مكّنتها من تغطية الخسائر التي تكبدتها داخل أوروبا، نتيجة الأسعار الجنونية للطاقة، إلى جانب غلاء الأيدي العاملة، وهو التوجه نفسه الذي اتخذته عملاقة السيارات فولكس فاغن".
وأضاف أن الخسائر التي تكبدتها الشركات داخل أوروبا مع ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة أسهمت في التقليل النسبي من الطلب على النفط والغاز، مشيرًا إلى أن استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي خلال سنة 2022 انخفض بنسبة 15%، من 400 مليار متر مكعب إلى 340 مليارًا.
أما السبب الثاني فهو ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، ومواكبتها لسياسة أوروبا نحو تحول الطاقة، مع خفض استهلاك مصادر الوقود الأحفوري.
وتمكّنت دول الاتحاد الأوروبي من توفير كميات ضخمة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وحققت مجتمعة أكبر نسبة في توليد الكهرباء 23%، متقدمة على الطاقة النووية والغاز الطبيعي، بنسب 21.9% و19.9 على التوالي.
ومكّنت هذه الظروف الطبيعية من توفير أكثر من 10 مليارات دولار كانت موجهة إلى استهلاك الغاز الطبيعي.
وتماشت هذه الأوضاع مع إستراتيجية هذه الدول المتمثلة في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية.
أما السبب الثالث فهو الخوف من عدوى إفلاس بنك سيليكون فالي إلى بنوك أخرى، وتأثيرها المباشر في مردودية الاستمرار، ومن ثم كبح استهلاك الطاقة.
وقال بوطمين -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن تداعيات إفلاس البنك الأميركي ما تزال تخيم على الأجواء المصرفية في العالم بأكمله.
وتابع: "كما تعلمون صناعة النفط والغاز مكلفة، وتتطلب استثمارات ضخمة ومدروسة، خاصة أنها تخضع لتمويل ممنهج يمتثل لقوانين مرتبطة بالبنوك، وأي مؤشر إفلاس يؤثر في صناع القرار، ويفرض على المساهمين التريث أو حتى العدول عن التمويل مؤقتًا لحماية المصالح المالية.. أعتقد أن هذا الوضع ظرفي وسيتجاوزه الزمن، حينما يعود الاقتصاد العالمي إلى الانتعاش".
أما السبب الأخير فهو انخفاض معدلات النمو المتوقعة في دول عديدة، الذي يرجع أساسًا إلى نسب التضخم المرتفعة في الاقتصادات العالمية، قائلًا إن الظروف أججّت من الوضع المالي للحكومات، وكذلك الشركات المستهلكة للطاقة، التي اضطرت إلى خفض وتيرة الإنتاج، ونقص المردودية الإنتاجية قلّص من الطلب المؤقت على الطاقة، وهو حصة استهلاكية مفقودة.
بينما قال المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية سابقًا، علي بن عبدالله الريامي، إن أسعار النفط بعد قرار الدول التي شاركت في خفض الإنتاج ارتفعت قليلًا، بعدما كانت في مستوى الـ70 دولارًا قبل اتخاذ القرار.
ويبدو للبعض أن اتخاذ هذا القرار كان لرفع الأسعار، ولكنه لم يكن الهدف الحقيقي، بحسب ما ذكره الريامي.
وقال: "إذا رجعنا نحو 4-5 أشهر السابقة، نلاحظ على الرغم من أن الأسعار كانت في مستوى الـ70 دولارًا، لكن كانت هناك ارتفاعات، قبل أن تقرر هذه الدول خفض الإنتاج، ورغم أنها كانت ارتفاعات محدودة وصغيرة فإن الاتجاه العام إلى أسعار النفط نحو الارتفاع".
وأضاف: "الوتيرة زادت في الارتفاع مع إعلان هذه الدول خفض الإنتاج، ومن ثم هذا يعطي مؤشرًا أن الهدف الحقيقي لم يكن لرفع الأسعار، لأنها كانت ترتفع، ولو صبرت الدول لكانت من الممكن وصولها إلى 80 دولارًا".
وقال: "عندما أعلنت الدول هذا الخفض ارتفعت الأسعار مباشرة خلال 4-5 أيام، ووصلت في حدود الـ85 دولارًا، والآن نشاهد تصحيحًا طبيعيًا ومنطقيًا للأسعار، وهذا دليل أن الهدف لم يكن رفع الأسعار، فلو كان الهدف الرفع لكان من الممكن أن تواصل الأسعار ارتفاعها، لكن انخفضت لارتباطها بالأسباب نفسها المتعلقة بالتخوف من دخول الاقتصادات الكبرى والاقتصاد العالمي في ركود، والمخاوف من قوة الدولار".
وتابع: "في الوقت الراهن الدولار قوي، لأن البنوك المركزية من خلال محاربتها للتضخم، ترفع نسبة الفائدة، لكن لها عوامل سلبية مستقبلية، والخوف هنا هو استمرار رفع نسبة الفائدة، وقد يؤثر في حجم القروض التي يمكن أن تدخل في الشق العلوي لبعض المنتجين، وهذا موضوع آخر وله أسباب اقتصادية أخرى، ولكن التخفيضات الأخيرة لها علاقة بتصحيح السوق، وبالعرض والطلب غير القوي في آسيا، وهذا كان غير متوقع، ومن ثم صحح السوق هذا الموقف، وأصبحنا في حدود الـ80 والـ85 دولارًا".
هل سترتفع أسعار النفط مع دخول الخفض حيز التنفيذ؟
قال الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط، سيريل وودرشوفن، إنه قد يكون هناك رد فعل سعري عند دخول قرار خفض الإنتاج حيز التنفيذ في مايو/أيار المقبل، لكنه سيكون ضعيفًا للغاية.
وفي الوقت الحاضر، ينصب التركيز على الاقتصاد والاضطرابات السياسية والاندفاع المستمر في الولايات المتحدة وأوروبا نحو قضايا تحول الطاقة، ويبدو أن السوق مقيدة بالمخاوف، التي يرى أنها غير واقعية.
وأشار إلى أن مع عدم كفاية الاستثمارات للتعامل مع الطلب في المستقبل، وصعوبة توفير إمدادات الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة وعدم كفايتها، يمكن لتحالف أوبك+ الاسترخاء، إذ ستقود الاقتصادات الغربية وربما الهند والصين إلى حدوث عجز قصير الأجل والدفع بارتفاع الأسعار.
وقد يكون الخيار المستقبلي لأوبك هو زيادة الإنتاج، لكن هذا -أيضًا- بمثابة كعب أخيل، إذ لا يمكن مواجهة النقص المحتمل من خلال القدرة الاحتياطية الحالية.
بينما توقع المستشار والخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، مدير عام التسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية سابقًا، علي بن عبدالله الريامي، أن تحوم الأسعار حول 80 إلى 85 دولارًا قبل نهاية هذه السنة، ولن تشهد الأسواق انخفاضًا كبيرًا إلى مستويات أدنى من 75 دولارًا، ومع ذلك لم يستبعد حدوث ذلك، لكن المبررات -حاليًا- غير قوية لانخفاض الأسعار إلى ما دون 75 دولارًا، وليس هناك مبررات ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 85 دولارًا.
وقال -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-: "لا توجد مبررات كبيرة اقتصادية أو لها علاقة بالعرض والطلب يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.. ومن وجهة نظري، المؤشرات الأولية الصينية -أكثر الدول استيرادًا للنفط- خصوصًا الصناعية غير مشجعة لزيادة الطلب على النفط من الصين، على الرغم من انتعاش حركة السفر في الدول الآسيوية، والصين خاصة، إلا أن القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل الزراعة والعقارات، لها مؤشرات قوية للنمو في آسيا.. ومن ثم لا نرى أي نمو كبير ممكن أن يؤدي إلى الطلب على النفط بصورة مطردة".
وعلى هذا الأساس، يرى أن الأسعار في الوضع الراهن مناسبة بالنسبة إلى الحركة التجارية والاقتصادية في آسيا، لا سيما الصين.
من جانبه، أشار الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، إلى أن سوق النفط ما تزال تتأثر بعوامل متعددة، أهمها بطء معدلات النمو منذ أزمة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أخذت أبعادًا جيوسياسية واقتصادية بامتياز، وتأثرت أسواق النفط، وباتت حبيسة بعض المتغيرات غير المتوقعة، لذلك يصعب التكهن بالأسعار.
وقال: "هناك بعض المؤشرات المستقبلية التي قد تزيد من الطلب على النفط والغاز، منها بوادر الانتعاش الاقتصادي في الأسواق الآسيوية، والرجوع التدريجي إلى الصناعة داخل الاتحاد الأوروبي، كما أن دخول قرار خفض الإنتاج من بعض دول أوبك+ حيز التنفيذ سيُسهم في استقرار الأسعار مستقبلًا".
ومن بين هذه المؤشرات، تغير المناخ مع ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق خلال فصل الشتاء مع انخفاض كبير في تساقط الأمطار، ما انعكس على ملء السدود والأنهار، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، ومن شأنه التأثير المباشر في مردودية إنتاج الطاقة الكهرومائية داخل التكتل.
ومع تراجع نسبة توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية خلال العام الجاري، سيزيد الطلب على مصادر الوقود الأحفوري.
واستطرد موضحًا: "نقص منسوب المياه في الأنهار سيضعف من إمكانات العديد من الدول من تبريد المفاعلات النووية المستعملة في توليد الكهرباء، وقد نعيش سيناريو العام الماضي نفسه، ما يضطر الدول إلى اللجوء لمصادر الوقود الأحفوري".
بالإضافة إلى هذه المؤشرات، هناك بعض العوامل التي ستؤثر في أسعار النفط، منها تغير سياسة الاتحاد الأوروبي من أجل ملء مخزونات الغاز قبل فصل الشتاء، وهو ما سيزيد من الطلب على النفط.
وتوقع أن تأخذ روسيا طوعيًا قرارًا أحادي الجانب بخفض الإنتاج من أجل بلوغ مستوى 100 دولار أو أكثر، لتغطية تكاليف الموازنة، وخدمة التوجه الجديد مع الدول العربية تحت مظلة بريكس.
وأشار بوطمين -أيضًا- إلى التقارب الإيراني السعودي، الذي من شأنه أن يوحّد الرؤى في سياسة النفط العالمية، ويوحّد النظرة التوافقية للحفاظ على أسعار فوق 90 دولارًا، ما يُغني إيران عن بعض الضغوط الغربية في الملف النووي.
وأخيرًا، سلط بوطمين الضوء على الانخفاض المحسوس في المخزون الإستراتيجي الأميركي، الذي يتطلب كميات مناسبة لإعادة الملء من 367 مليون برميل -حاليًا- إلى 700 مليون برميل، كما أن موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة يزيد من استهلاك الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- 6 خبراء: قرارات أوبك+ استباقية.. وأسعار النفط قد تتخطى الـ100 دولار (خاص)
- أمين عام أوابك للطاقة: النهج الاستباقي لأوبك+ ينقذ سوق النفط
- ما سعر النفط المناسب للسعودية وأوبك+؟.. 6 خبراء يجيبون للطاقة
اقرأ أيضًا..
- الجزائر تترقب مشروع غاز عملاقًا في نيجيريا لتحقيق طموح الأنبوب الضخم
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية 35% خلال 2023
- مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري يواجه تحديات.. وخبير: لا طائل من ورائه