هل يسبب سد النهضة أزمة كهرباء في مصر؟.. خبيران يجيبان لـ"الطاقة"
أسماء السعداوي
أثار نبأ استعداد أثيوبيا للملء الرابع لسدّ النهضة مخاوف بشأن تراجع حصة المياه اللازمة لتوليد الكهرباء من المياه في مصر.
إذ تتجه أثيوبيا، في شهر أغسطس/آب المقبل (2023)، إلى تخزين نحو 13 مليار متر مكعب عبر زيادة ارتفاع سد النهضة 20 مترًا، ليرتفع حجم عمليات التخزين الـ 4 إلى 30 مليار متر مكعب.
ويبرز توليد الكهرباء من المياه عالميًا بوصفه أحد مصادر الطاقة النظيفة التي يُعوّل عليها ضمن مساعي خفض الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، والصادرة من مصادر الوقود الأحفوري التقليدية، فضلًا عن تحقيق هدف الحياد الكربوني.
غير أن مصر، التي تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل، تعاني عجزًا مقداره 54 مليار متر مكعب سنويًا؛ إذ تصل احتياجاتها المائية إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، في حين يصل حجم الموارد المائية المتاحة إلى 60 مليار متر مكعب سنويًا فقط.
دور محدود للسد العالي
من المعروف أن جريان المياه في الأنهار يؤدي دورًا كبيرًا في توليد الكهرباء، إذ تمارس قوة تيار النهر ضغطًا على التوربينات.
ويثير سد النهضة الإثيوبي مخاوف بشأن حجم حصة مصر من مياه النيل وتوليد الكهرباء من السدود، لذلك استطلعت منصة الطاقة المتخصصة آراء خبيرين مصريين بارزين لمعرفة حجم تأثير السد الجديد بتوليد الكهرباء في مصر.
في البداية، يقول أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور نادر نور الدين، إن السد العالي يسهم بنحو 5% فقط في مزيج الكهرباء في مصر بقدرة 1.9 ميغاواط سنويًا.
ولفت الخبير في شؤون المياه إلى أن مصر -الأضخم من حيث عدد السكان عربيًا- تستهلك حاليًا أكثر من 35 ميغاواط سنويًا؛ ولذلك فإن مساهمة السد العالي قليلة -حاليًا- مقارنةً بسنوات افتتاحه.
وكان السد العالي، وقت افتتاحه في عام 1971، يمثّل حصة كبيرة من احتياجات مصر للكهرباء، لكن مع التطور الكبير وانتشار أجهزة التكييف زاد استهلاك وإنتاج الكهرباء إلى حدٍ كبير، بحسب نور الدين.
يُشار إلى أن محطة توليد السد العالي هي أكبر محطة لتوليد الكهرباء من المياه في أفريقيا، بقدرة إجمالية 2100 ميغاواط، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر 10 دول أفريقية امتلاكًا لسعة الطاقة الكهرومائية المركبة:
مخاطر سد النهضة الإثيوبي
عن المخاطر الناجمة عن سد النهضة، قال الخبير نادر نور الدين -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة-، إنه كانت هناك مخاوف من أن يتزامن الملء الإثيوبي مع سنوات الجفاف -كما جاء في القرآن الكريم-، لكن حدث العكس، ومن ثم لم يتأثر مخزون السد العالي بملء سد النهضة.
ولفت إلى أن العام الماضي (2022) شهد ملء أكبر كمية من المياه خلف السد الإثيوبي في تاريخه، لكن جاءت إلى مصر كمية كبيرة من مياه الفيضان، ومُلئت بحيرة السد العالي بكامل سعتها البالغة 162 مليار متر مكعب.
"نأمل أن يستمر الفيضان العالي للعام السابع، بالتزامن مع الملء الرابع المنتظر لسد النهضة"، وفق نور الدين.
"هناك تقديرات تقول، إنه إذا حدث ملء جديد للسد الإثيوبي في السنوات العجاف للنهر، سيحدث "التأثير المزدوج"، إذ تقل تدفقات نهر النيل والأمطار، ما يؤدي إلى انخفاض تدفقات النيل الأزرق إلى النصف، ثم تحتجز إثيوبيا من تلك التدفقات المنخفضة أصلًا خلف السد"، بحسب الخبير المصري.
وأوضح أن حصة مصر من مياه النيل، البالغة 55 مليار متر مكعب، تأتي من النيل الأزرق (بنسبة 64-59%)، بالإضافة إلى 3 أنهار أخرى، مؤكدًا أن الخطر يتمثل في جفاف النيل الأزرق الذي سيؤثّر في كمية الملء في مصر.
وأشار أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة إلى دراسات لفتت إلى أنه في حالة إجراء ملء جديد في السنوات العجاف، وإذا اضطرت مصر للسحب من بحيرة السد لمدة 5 سنوات، ووصل منسوب المياه في البحيرة إلى 145 متر بدلًا من 182 مترًا، قد تتوقف التوربينات المصرية عن العمل.
تتمثل مخاطر السد الإثيوبي في تراجع منسوب مياه النيل، ما يدفع مصر إلى السحب من بحيرة السد العالي حتى تنتهي تمامًا، حينها سيعاني قطاع الزراعة الذي يستهلك نحو 82% من موارد مصر المائية.
فالسد العالي لا يُعتمد عليه بصورة كبيرة في توليد الكهرباء، إذ إنه يغطي احتياجات محافظة واحدة فقط.
واختتم الخبير والأكاديمي المصري تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- بالقول، إن تأثير سد النهضة الإثيوبي في قطاع الكهرباء "محدود"، وتستطيع مصر استيعابه وتعويضه بمحطات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
قطاع الكهرباء في مصر
من جانبه، يقول أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، إن توليد الكهرباء من المياه يشكّل أقلّ من 10% فقط من إنتاج الكهرباء في مصر.
وفي تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، أشار شراقي إلى أن السد العالي هو المصدر الرئيس لتوليد الطاقة الكهرومائية في مصر؛ إذ يولِّد 2100 ميغاواط من الكهرباء.
ولفت إلى أن إنتاج السد الأكبر في مصر ثابت منذ سنة 1968، إذ يشكّل فقط 5% من أصل 7% هي إجمالي إنتاج الطاقة الكهرومائية في مصر.
بيد أن الزيادة السكانية دفعت نحو التوسع في إنشاء محطات الكهرباء العاملة بالسولار والمازوت ثم الغاز الطبيعي حاليًا، بالإضافة إلى محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وإذا حدث تراجع بحجم الكهرباء المنتجة من السد العالي، فلن تتضرر منه مصر، إذ إن نطاق تأثيرها "محدود"، بحسب الدكتور عباس شراقي.
وأوضح أن البلاد لديها فائض من إنتاج الكهرباء، والذي يبلغ أكثر من 45 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حجم الاستهلاك أقلّ من 30 ميغاواط، حتى إن السلطات اضطرت إلى إغلاق بعض المحطات لعدم الحاجة إليها.
فعلى سبيل المثال، تنتج محطة بني سويف وحدها 4500 ميغاواط، أي ضعف إنتاج السد العالي، حسبما قال الدكتور عباس شراقي.
ودعا الخبير المصري إلى إيجاد حلول لتسويق صادرات الكهرباء، ولكن "بالسعر المناسب".
يُشار إلى أن مصر تُصدّر الكهرباء إلى 4 دول، منها: السودان بقدرة 80 ميغاواط، وليبيا بقدرة 150 ميغاواط، والأردن بقدرة تصل إلى 450 ميغاواط.
كما تسعى إلى مصر إلى تنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا، بقدرات تتراوح بين 2000 و3 آلاف ميغاواط.
السد العالي سبب "ضبط النفس"
لفت شراقي إلى أن مصر لجأت إلى زيادة مواردها المائية إلى 82 مليار متر مكعب -من إجمالي 55 مليار متر مكعب من النيل-، عن طريقة تحلية مياه البحر في المدن الجديدة ومعالجة مياه الصرف الزراعي.
وأكد الخبير المصري على أن سد النهضة "عجّل" بلجوء مصر لزيادة مواردها المائية، نتيجة لتزايد عدد السكان والحاجة إلى مزيد من الرقع الزراعية.
فالسد العالي يضمن مخزونًا واحتياطيًا فعّالًا من المياه؛ إذ لو انخفضت مياه النيل بفعل سد النهضة، سيعوّضها مخزون السد العالي، ولو انخفض مخزون السد العالي وقلّ إنتاج الكهرباء منه، فلن يؤثّر في نسب توليد الكهرباء في مصر؛ لأن نسب مساهمته "محدودة"، بحسب الدكتور عباس شراقي.
وأوضح شراقي أن السد العالي هو السبب الرئيس لضبط النفس لدى المسؤولين في مصر، لأنه يحمي المواطن والأرض الزراعية، فلولا وجوده لاختلف الأمر عمّا هو عليه حاليًا.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وصف، في ديسمبر/كانون الأول 2022، سد النهضة بالتهديد الوجودي.
وخلال زيارة إلى الولايات المتحدة، قال السيسي: "التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا يمكن أن يحقق شيئًا جيدًا وفقًا للمعايير والأعراف الدولية، ولا نطلب أيّ شيء آخر غير ذلك.. نحتاج إلى دعمكم في هذا الشأن".
اقرأ أيضًا..
- أمين عام أوابك لـ"الطاقة": النهج الاستباقي لـ"أوبك+" ينقذ سوق النفط
- سيناريوهات تعافي الطلب الصيني على الغاز المسال في 2023 (تقرير)
- الجفاف يقوض سعة الطاقة الكهرومائية في تركيا.. كيف تتصرف حكومة أردوغان؟
- طائرة تعمل بالهيدروجين أسرع من الصوت.. مشروع قد يرى النور قريبًا