الوقود الاصطناعي أغلى 100 مرة من البنزين.. لماذا تؤيده ألمانيا؟
المفوضية الأوروبية تستثنيه من حظر 2035
رجب عز الدين
ما زال الجدل مستمرًا حول الوقود الاصطناعي بين دول الاتحاد الأوروبي، وسط تحديات تحيط بتكلفة إنتاجه الباهظة، مقارنة بالمشتقات النفطية المستعملة في تشغيل السيارات التقليدية، أو بالتقنيات النظيفة مثل الهيدروجين والبطاريات الكهربائية.
وتصطدم آمال المؤيدين لهذا النوع من الوقود المحايد كربونيًا بتكلفته الباهظة التي تزيد 100 مرة على تكلفة البنزين أو الديزل، وفقًا لموقع هيدروجين إنسايت المتخصص (hydrogen insight).
ويُنتج الوقود الاصطناعي المحايد كربونيًا من عملية كيميائية مركبة تجمع بين كميات من الهيدروجين الأخضر، وأخرى من ثاني أكسيد الكربون الملتقط من الغلاف الجوي مباشرة، ويطلق عليه أسماء أخرى مثل البنزين الاصطناعي أو الوقود الكهربائي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
سعر اللتر الواحد 54 دولارًا
تبلغ تكلفة إنتاج لتر من الوقود الاصطناعي في الوقت الحالي أكثر من 50 يورو (54 دولارًا أميركيًا)، ما يزيد على تكلفة إنتاج البنزين بأكثر من 100 مرة، وفقًا لتقرير صادر عن معهد بوتسدام لبحوث تأثيرات المناخ.
(اليورو= 1.09 دولارًا أميركيًا)
ويحتاج إنتاج هذا النوع من الوقود المحايد كربونيًا إلى استهلاك كميات كبيرة من الكهرباء النظيفة بصورة غير مباشرة، لاعتماد تركيبته على الهيدروجين الأخضر المستخلص من الماء باستعمال مصادر الطاقة المتجددة.
ولهذا السبب يتعرّض الوقود الاصطناعي لانتقادات من حيث تكلفة إنتاجه الباهظة، ومزاحمته على استهلاك الكهرباء النظيفة مستقبلًا.
وعلى الجانب الآخر، تتشبث شركات السيارات التقليدية في أوروبا بهذا النوع من الوقود، لتناغمه مع الدعوات التي تطالب بعدم حظر سيارات الوقود الأحفوري نهائيًا، والسماح بتشغيلها بمصادر وقود منخفضة الكربون، كونها أحد الخيارات إلى جانب السيارات الكهربائية.
ألمانيا تضغط لصالحه
تؤيد هذا الرأي ألمانيا أكبر دول الاتحاد الأوروبي، إذ تنتقد قانونًا أصدره الاتحاد عام 2022، وينص على حظر بيع سيارات الوقود الأحفوري نهائيًا بعد عام 2035.
وتعترض برلين على هذا القانون وتطالب بتخفيفه بصورة أو بأخرى، واستجابت المفوضية الأوروبية إلى ذلك منذ أيام قليلة عبر اقتراح تعديل قد يزيل الخلاف مع ألمانيا.
واقترحت المفوضية تعديلًا تشريعيًا يجيز بيع سيارات الوقود الأحفوري الجديدة التي تعمل بالوقود الاصطناعي المحايد كربونيًا بعد عام 2035، ما قد يسمح للشركات الأوروبية بالاستمرار في إنتاج أنواع سيارات الوقود الأحفوري المعدلة جزئيًا للعمل بالوقود الاصطناعي.
ورغم ارتفاع تكلفة إنتاج هذا النوع من الوقود الاصطناعي فإن معهد بوتسدام الألماني الممول من الحكومة الألمانية، ما زال متفائلًا بإمكان خفض تكلفته بصورة قياسية لتصل إلى 1 يورو فقط لكل لتر.
تجارب في تشيلي
تُجرى تجارب أولية لإنتاج الوقود الاصطناعي عبر مشروع رائد في جنوب تشيلي المعروف باسم "هارو أوني"، وهو مموّل من عدة شركات عالمية أبرزها بورشه الألمانية الرائدة في صناعة السيارات.
كما يشترك في رعاية هذا المشروع شركات أخرى، مثل سيمنس إنرجي الألمانية، وإكسون موبيل الأميركية، وإيناب التشيلية المحلية، وفقًا للموقع الإلكتروني للمشروع.
وتتجاوز تكلفة إنتاج اللتر الواحد من الوقود الاصطناعي -حاليًا- 50 يورو، في حين تبلغ تكلفة لتر البنزين الجملة 0.5 يورو، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
توقعات بانخفاض التكلفة
يُرجح معهد بوتسدام الألماني انخفاض تكلفة هذ النوع من الوقود مع اتساع نطاق تصنيعه إلى 2 يورو لكل لتر، مع عدم استبعاد وصول سعره بعد ذلك إلى 1 يورو، لكن دون تحديد أجل زمني لهذه الترجيحات السعرية المتفائلة.
ويعوّل المعهد على انخفاض تكلفة تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرة، بوصفها العامل الأساس في خفض التكلفة النهائية.
ويمكن للوقود الاصطناعي أن يُسهم في تحقيق خطط الاتحاد الأوروبي الطموحة لخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، لا سيما في قطاع الطيران.
وتُعد ألمانيا أكبر دولة أوروبية تراهن على استعمال الوقود الاصطناعي في قطاع النقل الجوي، إذ تخطط لوصول نسبة استهلاكه في قطاع الطيران إلى 2% على الأقل بحلول 2030.
بينما تخطط المفوضية الأوروبية لاستعماله بنسبة أقل تصل إلى 0.7% بحلول 2030، ثم ترتفع إلى 5% بحلول 2035، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
مناقصة لاستيراده
يمكن لهذه الخطط على مستوى ألمانيا ودول الاتحاد أن تشجع مبادرات إنتاج هذا الوقود على نطاق واسع، إلى جانب تطوير تقنيات استخلاصه من الهيدروجين الأخضر وثاني أكسيد الكربون الملتقط من الهواء مباشرة، وفقًا للمعهد الألماني.
وأطلقت ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول 2022 مناقصة لاستيراد البنزين الاصطناعي من دول أخرى في إطار برنامج طموح يُطلق عليه "إتش2 غلوبال".
كما اعترضت -مؤخرًا- على خطط المفوضية الأوروبية للتخلص التدريجي من سيارات الوقود الأحفوري وحظرها نهائيًا بحلول 2035، متمسكة باستثناء السيارات التي ستتجه إلى الوقود الاصطناعي.
وتشتري شركة بورشه الألمانية لصناعة السيارات كل كميات الوقود الاصطناعي المنتج من مشروع "هارو أوني" التجريبي في تشيلي، تمهيدًا لاستهلاكه في سياراتها عالية الأداء في المستقبل القريب.
معضلة الكهرباء
تبدو تكلفة استعمال البطاريات الكهربائية أو الهيدروجين في تشغيل السيارات أقل من الوقود الاصطناعي، وفقًا للتقديرات المتداولة في أوساط مصنعي السيارات الكهربائية حتى الآن.
وتشير دراسة حديثة إلى ارتفاع تكلفة تشغيل سيارات الوقود الاصطناعي 6 مرات عن نظيرتها العاملة بالبطاريات الكهربائية، من حيث استهلاكها للكهرباء النظيفة المولدة من مصادر متجددة، وفقًا لبيانات هيئة النقل والبيئة غير الربحية في بروكسل.
ويعتمد مشروع "هارو أوني" التجريبي في تشيلي على استعمال 3.4 ميغاواط من طاقة الرياح ومحلل كهربائي بطاقة 1.2 ميغاواط لإنتاج الهيدروجين الأخضر والتقاط ثاني أكسيد الكربون.
وما زال إنتاج هذا المشروع محدودًا، لكن شركة بورشه تتوقع ارتفاع الإنتاج، ليصل إلى 130 ألف لتر سنويًا دون تحديد أجل زمني لهذا التوقع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
موضوعات متعلقة..
- فولكس فاغن تتراجع عن تعهدها بالتخلي عن سيارات البنزين بحلول 2035
- بالأرقام.. وزن السيارات الكهربائية خطأ مميت يهدد سلامة الطرق
- الاتحاد الأوروبي يمنح سيارات الوقود الأحفوري قبلة الحياة بخطة جديدة
اقرأ أيضًا..
- خط أنابيب غاز شرق المتوسط يشهد تطورات قد تحرم مصر من مليارات الدولارات
- إضراب عمال النفط في بريطانيا يحظى بتأييد واسع قبل أسابيع من تنفيذه (تقرير)
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا يترقب طفرة بقيادة 3 دول عربية