الطاقة المتجددة تنتظر استثمارات خليجية ضخمة.. الإمارات والسعودية في المقدمة (دراسة)
محمد عبد السند
تسرّع دول الخليج وتيرة التحول إلى الطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة، في إطار جهودها الرامية لمجابهة تحديات تنامي الطلب على الطاقة، وارتفاع مستويات الانبعاثات الكربونية، وتعرض اقتصاداتها -بين الحين والآخر- للهزات الخارجية، مثل التقلب المستمر في أسعار الخام، مع التزاماتها المناخية.
ورغم اعتمادها على صناعتي النفط والغاز، حيث تستحوذ على 30% من احتياطيات النفط المثبتة في العالم، و20% من احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة في العالم، أعلنت دول الخليج -البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات- مستهدفات جديدة، أو جددت التزاماتها باتفاقية باريس المناخية في العامين الماضيين.
وبوصفه أحد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، يحضر قطاع الطاقة بقوة في معظم خطط إزالة الكربون التي تتبناها دول المنطقة. وفي هذا الصدد، تتوقع وكالة "إس أند بي غلوبال ريتنغ" أن يشهد قطاع الطاقة المتجددة في الخليج استثمارات ضخمة خلال العقد المقبل، حسبما أورد موقع "سولار كوارتر" SolarQuarter المتخصص.
الإمارات والسعودية تقودان المسيرة
تواصل الإمارات والسعودية -أكبر اقتصادين في منطقة الخليج- قيادة الجهود المناخية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وبنهاية عام 2021، استحوذت أبوظبي والرياض على ما نسبته 90% من سعة الطاقة المتجددة في منطقة الخليج، بينما كان للإمارات وحدها نصيب الأسد من تلك النسبة (70%).
ويبين الرسم البياني التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج السعودية من النفط الخام:
والتزمت دول الخليج -أيضًا- بتحديث مستهدفاتها في هذا الخصوص في إطار مساعيها للوصول إلى الحياد الكربوني.
وأعلنت الدولتان الخليجيتان نيتهما مواصلة ضخ استثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، مع توقعات بأن يساعد النهوض بقطاع الطاقة المتجددة، الرياض وأبوظبي على تحقيق أهدافهما المناخية.
وأخذت الكيانات المرتبطة بالحكومة زمام المبادرة فيما يتعلق بدعوة المطورين المحليين والدوليين للتقدم بعطاءات في مشروعات الطاقة المتجددة.
ثم يمول معظم المطورين الأصول على أساس غير قانوني؛ ما يعني استخدام ديون البنوك التجارية الكبيرة، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك، أسست الإمارات والسعودية إطارات لشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ ما جعل دعم المشروعات خيارًا واضحًا لمنح التمويلات.
وفيما يمضي قطار تحول الطاقة في المنطقة على قدم وساق، يتوقع المحللون تزايدًا في مشروعات الطاقة المتجددة، التي ستستفيد على الأرجح من أسواق رأس المال لتقديم التمويلات، من بينها عدد متزايد من مشروعات الطاقة الشمسية.
الطاقة المتجددة جزء من خريطة الطاقة المناخية
تشترط اتفاقية باريس المناخية على كل الأطراف الموقعة عليها وضع أهداف والمحافظة عليها، والتي تُعرف باسم "المساهمات المحددة وطنيًا".
ورغم تفاوت ظروفها؛ فقد أعلنت كل حكومات دول الخليج أهدافها الخاصة بالحياد الكربوني، مشيرةً إلى أن تلك الأهداف تتطلب تبني الطاقة المتجددة بشكل كامل بغية الوفاء بالتزاماتها المناخية وفق ما هو منصوص عليه في "المساهمات المحددة وطنيًا".
وحصدت الإمارات والسعودية -اللتان تُطلقان معظم انبعاثات غازات الدفيئة في دول الخليج- نصيب الأسد من الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتُعَد الإمارات والسعودية من بين دول العالم التي أعلنت أهداف الحياد الكربوني، وخريطة الطريق التي تقود إلى تلك الأهداف.
وفي العام الماضي (2022)، رفعت الإمارات مستهدفها لخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى ما نسبته 31% بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، نسبة إلى سيناريو "العمل كالمعتاد" الخاص بها.
والتزمت الإمارات في السابق بخفض نسبته 23.5% من تلك الانبعاثات، مقابل المستوى المنصوص عليه في سيناريو "العمل كالمعتاد".
ويُظهر التصميم أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- محطات جديدة للطاقة الشمسية في قطر:
خفض الانبعاثات
في ظل "المساهمات المحددة وطنيًا" الجديدة، ستقلص الإمارات انبعاثات غازات الدفيئة إلى 208 ملايين طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2030، مقارنة بـ301.2 مليون طن متري من انبعاثات الكربون المتوقعة بموجب سيناريو "العمل كالمعتاد".
وتضع إستراتيجية الطاقة المتجددة التي تتبناها الإمارات قضية إزالة الكربون من قطاع الطاقة على رأس أولوياتها، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وفيما لا تُدرج منظمات مثل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، الطاقة النووية في مجموعة بياناتها الخاصة بالطاقة المتجددة، تُدرج الإمارات الطاقة النووية والطاقة المتجددة في تعريفها للطاقة النظيفة.
وتستهدف الإمارات الوصول بالطاقة النظيفة إلى 30% في مزيج الطاقة لديها بحلول عام 2030، و50% بحلول عام 2050.
وفي عام 2021، أعلنت السعودية تحديث "المساهمات المحددة وطنيًا"، قائلة إنها تُخطط لخفض الانبعاثات السنوية وتفاديها وإزالتها، التي يُقدر حجمها بنحو 78 مليون طن متري، بحلول عام 2030.
ولتحقيق هذا الهدف، تتطلع الرياض لتوليد قرابة 50% من الكهرباء لديها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، كما تستهدف تحقيق أهداف الحياد الكربوني في عام 2060.
الطاقة الشمسية ونصيب الأسد
استخدمت دول مجلس التعاون الخليجي توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أكثر من أي تقنية أخرى من الطاقة المتجددة.
وبدءًا من عام 2021، جاءت 97% من السعة المركبة لمصادر الطاقة المتجددة في دول الخليج، من الطاقة الشمسية.
وتعود تلك النسبة الهائلة من استغلال الطاقة الشمسية في دول الخليج إلى:
- المستويات المرتفعة من السطوع الشمسي وزيادة الساعات التي تتوافر خلالها أشعة الشمس.
- توافر الأراضي التي يمكن تركيب الألواح الشمسية عليها.
- التناغم بين الإنتاج والطلب؛ حيث تصل معدلات توليد الكهرباء واستهلاكها إلى ذروتها في وقت النهار، وفي فصل الصيف.
ومن المتوقع أن تدخل محطة الظفرة للطاقة الشمسية في أبوظبي حيز التشغيل الكامل، خلال العام الجاري (2023)، وستكون واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم.
وعند البدء في تشغيل المحطة من قبل شركة مياه وكهرباء الإمارات "دبليو إي سي"، وشركائها، ستصل سعة المحطة إلى 2.1 غيغاواط، وستنخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 2.4 مليون طن سنويًا.
وأعلنت شركة مياه وكهرباء الإمارات، الجهة الوحيدة المخولة بشراء المياه والكهرباء في إمارة أبوظبي وخارجها، مناقصة بشأن مشروع العجبان للطاقة الشمسية في إمارة أبوظبي، الذي ستعزز سعته المركبة الحالية بواقع 1500 ميغاواط إضافية.
خيارات أخرى لإزالة الكربون
رغم أن الطاقة الشمسية هي المصدر الرئيس لإنتاج الطاقة المتجددة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي؛ فقد أقدمت بعض الدول في المنطقة، وهي البحرين والكويت والسعودية وعمان، على تضمين مزارع الرياح في مزيج الطاقة الخاص بها بحلول نهاية عام 2021.
وتُعَد دومة الجندل أول مزرعة رياح في المملكة العربية السعودية، وأكبر مزرعة رياح -أيضًا- في منطقة الخليج، بحسب ما ذكرته مبادرة السعودية الخضراء.
ومن المتوقع أن تحل مزرعة الرياح محل نحو مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وأسهم تنفيذ هذا المشروع البالغة سعته 400 ميغاواط، بصورة كبيرة في رفع سعة الطاقة المتجددة الإجمالية في البلد الغني بالنفط.
وعلاوة على ذلك، تُطور الرياض مشروعات مزارع رياح أكبر في ينبع بسعة 700 ميغاواط، وفي واد الشمال (500 ميغاواط)، والغاط (600 ميغاواط).
الهيدروجين الأخضر
بجانب طاقة الرياح، تمضي الحكومة السعودية قدمًا في تنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر، التي تعول عليها بوصفها مصدرًا للكهرباء النظيفة.
وفي هذا الصدد، تُخطط السعودية لبناء واحدة من أكبر محطات توليد الهيدروجين الأخضر في العالم، تعمل بسعة تزيد على 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح، ومن المتوقع البدء في تشغيل تلك المحطة بحلول عام 2025.
ويوضح التصميم التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- مشروعات الهيدروجين في الدول العربية حتى نهاية مارس 2021:
ويُتوقع أن تلامس سعة المحطة -وهي جزء من مشروع نيوم الضخم- 560 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا، و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا.
وفي الإمارات دخلت شركة "مصدر" للطاقة المتجددة ومقرها العاصمة أبوظبي، في تحالف إستراتيجي مع شركة "إنجي" الفرنسية للطاقة والمرافق، لاستكشاف عملية التطوير المشترك لمركز هيدروجين أخضر في الإمارات.
وتتطلع الشركتان لتطوير مشروعات بسعة لا تقل عن 2 غيغاواط بحلول عام 2030، وضخ استثمارات في المنطقة بتكلفة إجمالية قيمتها 5 ملايين دولار، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتستهدف "مصدر" تعزيز سعتها الإنتاجية من الطاقة المتجددة عالميًا إلى ما لا يقل عن 100 غيغاواط بحلول عام 2030، وأن تصبح رائدًا في مجال الطاقة النظيفة، والهيدروجين الأخضر.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في سلطنة عمان تتفوق على دول الخليج والشرق الأوسط
- تحلية المياه بالطاقة الشمسية.. هل تحل أزمة ندرة المياه في المنطقة العربية؟
- إنتاج الأمونيا منخفضة الكربون.. 7 دول عربية تتنافس على فرص التصدير (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- كارول نخلة رئيسة كريستول إنرجي: عام مرعب لأسواق الطاقة.. وهذه توقعاتي لأسعار النفط (حوار)
- حفارات النفط والغاز ترتفع في 4 دول عربية خلال فبراير
- أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم تواجه شبح الانهيار