أزمة الوقود في باكستان تتفاقم بعد إغلاق إحدى المصافي الرئيسة مؤقتًا
انخفاض الطلب على زيت الوقود سبب الإغلاق الجزئي
عمرو عز الدين
تستعد أزمة الوقود في باكستان لضغوط إضافية بعد قرار مصفاة تكرير شركة أتوك ليمتد (أيه آر إل) الإغلاق المؤقت لمدة 8 أيام.
واضطرت مصفاة تكرير شركة أتوك (أيه آر إل) للإغلاق المؤقت بسبب ضعف الطلب على زيت الوقود ونقص التكنولوجيا، وفقًا لصحيفة ذا إكسبريس تربيون المحلية (tribune).
وتبلغ طاقة المعالجة لمصفاة أتوك قرابة 53 ألف و400 برميل يوميًا؛ ما يرجّح أن يتسبب اغلاقها بتفاقم أزمة الوقود في باكستان التي تعاني من نقص حادّ في إمدادات الغاز الطبيعي للمنازل والمصانع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتتعرض مصافي المنتجات النفطية –غالبًا- لمشكلات في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة، الذي يؤدي بالتبعية إلى تراجع الطلب على زيت الوقود أحد المنتجات الرئيسة من عمليات التكرير؛ ما يجعل المصافي أول ضحايا موسم الشتاء.
إخطار بورصة باكستان بالإغلاق
أخطرت شركة أتوك ليمتد المدرجة في بورصة باكستان للأوراق المالية المتعاملين على السهم (الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول) بالإغلاق المؤقت لوحدة التقطير الرئيسة، لمدة 8 أيام على الأقلّ.
وقالت الشركة في إفصاحها لسوق المال الباكستانية، إنها ستستغلّ هذا الإغلاق الجزئي المؤقت بإجراء أعمال صيانة لازمة للمصفاة، وفقًا لرئيس الشركة رحمان ميرازا.
وتلتزم الشركات المدرجة في البورصات والأسواق المالية- خلافًا لغيرها- بالإفصاح عن أيّ أحداث جوهرية مرتبطة بالنشاط أو بمجلس الإدارة أو بالخطط المستقبلية أو بأيّ أحداث أخرى قد يتأثر سعر السهم صعودًا وهبوطًا في حالة إخفائها أو تجاهل إعلانها.
وتتعرض الشركات التي لا تفصح عن أحداثها الجوهرية إلى غرامات مالية من قبل السلطات المنظمة لسوق المال والهيئات الرقابية، وأحيانًا تتطور العقوبات إلى الشطب أو رفع دعاوى قضائية بالتلاعب في سوق الأسهم.
طاقة إنتاجية بنسبة 35%
أشار إفصاح شركة أتوك ليمتد إلى انخفاض طاقة مصفاة التكرير الرئيسة إلى 35% بسبب هذا الإغلاق، لكنها طمأنت المتعاملين معها بوجود كمية من المنتجات النفطية تكفي لتلبية الطلبات الحالية.
وأرسلت الشركة إفصاحات مماثلة إلى قسم النفط بوزارة الطاقة في باكستان، إضافة إلى هيئة تنظيم النفط والغاز في البلاد، المعروفة باسم "أوجرا".
يخشى مراقبون أن تواجه مصافي التكرير الأخرى في البلاد -وعددها 4- مصيرًا مشابهًا، سواء في الإغلاق المؤقت و/أو الإغلاق الجزئي، كما حدث خلال فصول الشتاء الـ5 الماضية.
وإذا حدث الإغلاق الجزئي للمصافي، فسينتج عنه انخفاض بإنتاج المشتقات النفطية الحيوية في مجال النقل بصورة عامة وخاصة البنزين والديزل؛ ما يهدد بتفاقم أزمة الوقود في باكستان بصورة أقسى مما هي عليه الآن.
سبب الإغلاق زيت الوقود
تستعمل وزارة الطاقة الباكستانية زيت الوقود -أحد المنتجات الرئيسة للمصافي- في إنتاج الكهرباء، خاصة في فصل الصيف الذي تتزايد فيه ضغوط الاستهلاك بصورة ضخمة، بينما تتوقف عن استعماله في الشتاء، مع تراجع الاستهلاك وانخفاض الضغوط على الشبكة القومية للكهرباء.
وانخفض إجمالي الطلب على زيت الوقود إلى ما يتراوح بين 2 و2.5 مليون طن سنويًا خلال العام المالي 2021-2022، مقارنة بنحو 9 ملايين طن سنويًا خلال العام المالي 2017-2018.
ويوجد في باكستان 5 مصافي نفط رئيسة، تبلغ طاقتها التكريرية مجتمعةً قرابة 417 ألف برميل يوميًا، وتعد مصفاة شركة أتوك المعطلة جزئيًا من أكبرها.
وتلبي هذه المصافي احتياجات البلاد من البنزين والديزل بنسب تتراوح بين 30% إلى 40% فقط، بينما تُسَدّ الفجوة عن طريق الواردات.
باكستان تستورد أغلب المشتقات
تستورد وزارة الطاقة الباكستانية 70% من احتياجات البنزين من الخارج، كما تستورد أكثر من نصف احتياجات البلاد من الديزل بنسبة تتراوح بين 50 إلى 60%، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويتخوف خبير الأوراق المالية، إسماعيل إقبال، من تداعيات إغلاق مصفاة تكرير شرطة أتوك ليمتد على شركات التنقيب الأجنبية عن النفط والغاز التي قد تضطر إلى خفض وتيرة إنتاجها من الحقول في وقت حساس للغاية بالنسبة لباكستان، التي تعاني من أزمة حادّة على مستوى الغاز الطبيعي المسال والمشتقات النفطية، ممتدة منذ سنوات.
وارتفع الطلب على الغاز بصورة كبيرة منذ بداية فصل الشتاء، خاصة في المناطق الأكثر برودة مثل إقليم بلوشستان، لاعتماد الناس على أجهزة التدفئة التي تعمل بالغاز؛ ما يضيف عبئًا إضافيًا على وزارة الطاقة الباكستانية العاجزة عن توفير الإمدادات المحلية أو الاستيراد من الخارج؛ لارتفاع التكلفة.
وأعلنت وزارة الطاقة الباكستانية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 خطة طارئة بخفض إمدادات الغاز للمنازل بصورة مكثّفة تصل إلى قطع الإمدادات لمدة 16 ساعة يوميًا، وإتاحته لمدة 8 ساعات فقط، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تكنولوجيا عفا عليها الزمن
يقول رئيس قسم الأبحاث في شركة عارف حبيب المحدودة، طاهر عباس، إن إغلاق المصافي سيضطر الحكومة إلى الاستيراد من الخارج بثمن باهظ لتغطية العجز في بعض المشتقات النفطية، مثل الديزل الذي يشهد طلبًا محليًا مرتفعًا.
وتعاني جميع مصافي تكرير النفط المحلية من نقص التكنولوجيا على الجانب الآخر، فمازال أغلبها يستعمل تقنيات عفا عليها الزمن في إنتاج البنزين والديزل.
ولا تمتلك هذه المصافي وسائل تقنية حديثة تمكّنها من تحويل فائض زيت الوقود في فصول الشتاء إلى بنزين وديزل، ما يعرّضها لتهديد الإغلاق الجزئي الموسمي في الشتاء.
التحديث يتطلب مليارات
رغم استمرار هذه المشكلة لمدة 5 سنوات متتالية، فإن المصافي مازالت عازفة عن إصلاحها؛ إذ تتطلب هذه العملية تحديثًا شاملًا تُقدَّر تكلفته بمليارات الدولارات، في بلد لا يحتكم على احتياطي نقدي قادر على الوفاء باحتياجاته الضرورية لمدة شهرين على الأكثر.
وهبطت احتياطيات النقد الأجنبي في باكستان بصورة ضخمة خلال الأشهر الماضية، لتصل إلى 7.5 مليار دولار فقط، وفقًا لآخر رصد اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ويكفي هذا المبلغ من الاحتياطيات لتلبية احتياجات البلاد لمدة شهر ونصف على الأكثر؛ ما يؤكد حجم الأزمة التي تمرّ بها باكستان، بالتزامن مع عجز الحساب الجاري وميزان المدفوعات بصورة مزمنة.
وتطلب المصافي، في المقابل، حوافز من الحكومة الباكستانية عبر إقرار قواعد جديدة لقطاع المصافي، بما يمكّنها من اقتراض مليارات الدولارات للإنفاق على عملية التحديث الشاملة لأنظمتها التقنية القديمة.
وأخّرت ظروف عدم الاستقرار السياسي في البلاد الإصلاحات التشريعية والمالية لقطاع المصافي في البلاد؛ بسبب كثرة تغيير الحكومات وحالة الشد والجذب والاستقطاب السياسي الحادّ بين أحزاب الحكومة والمعارضة في البلاد.
روسيا قد تبيع المشتقات مخفضة
دخلت باكستان في مفاوضات مع روسيا، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لشراء النفط الروسي الخام وبعض المشتقات النفطية، مثل البنزين والديزل، بسعر مخفض.
وأعلن وزير النفط الباكستاني مصدق مسعود مالك، في 5 ديسمبر/كانون الأول (2022)، موافقة روسيا على البيع لبلاده بسعر مخفض لم يذكره، وفقًا لوكالة رويترز.
كما أشار إلى أن الحكومة الروسية دعت بلاده إلى البدء في محادثات عقود طويلة الأجل لشراء الغاز الطبيعي المسال، مؤكدًا وجود محادثات مع شركات غاز روسية خاصة .
ولم تعلّق وزارة الطاقة الروسية على مسألة السعر المخفض الذي أعلنه وزير النفط الباكستاني حتى الآن، لكن بعض المصادر الموثوقة رجّح بأن هذا السعر لن يكون كالذي مُنح للهند، وفقًا لصحيفة "إيكونوميك تايمز" المحلية الهندية.
وأشار تقرير نشرته وكالة رويترز 14 ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى أن السعر الروسي الممنوح للهند يصل إلى 49 دولارًا للبرميل، بما يقل 11 دولارًا عن سقف الأسعار المفروض على واردات النفط الروسي منذ 5 ديسمبر/كانون الأول من قبل مجموعة الـ7 والاتحاد الأوروبي، في إطار تشديد العقوبات على موسكو بسبب الحرب الأوكرانية .
ولم يتحدث الوزير الباكستاني عن التزام بلاده بالشراء وفق سقف الأسعار العقابي المحدد من قبل القوى الكبرى المتصارعة مع روسيا، إلّا أن موسكو صرّحت بأنها لن تبيع النفط الروسي إلى الدول التي تلتزم بهذا السقف.
موضوعات متعلقة
- باكستان تشتري النفط الروسي بأسعار مخفضة "غير معلنة"
- الكشف عن أسعار النفط الروسي إلى الهند.. خصومات مفاجأة
- إغلاق مصافي النفط يهدد بتفاقم أزمة الغاز في باكستان
اقرأ أيضًا
- باكستان تخطط لقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن المنازل 16 ساعة يوميًا
- باكستان تمنح حق استيراد الغاز المسال لشركات القطاع الخاص
- باكستان توافق مجددًا على تراخيص ملغاة للتنقيب عن النفط (تقرير)