مصابيح ليد الموفرة.. أضرار بالجملة على الصحة (دراسة)
يمكن أن تؤثر في أنماط نوم الإنسان وتسبب الصداع وإرهاق العين
مي مجدي
منذ أن دخلت مصابيح ليد "إل إي دي" أو الثنائي الباعث للضوء حياةَ البشر في عام 1962، شكّلت نقطة حاسمة في التحول إلى بدائل صديقة للبيئة وموفرة للإضاءة مقارنة بالمصابيح التقليدية.
وعلى مدى السنوات الماضية، شهد العالم تطوّرات هائلة في عالم الإضاءة، وانتشر استخدام هذه المصابيح والتقنيات في جميع مناحي الحياة لتضيء منازلنا وشوارعنا.
إلا أن الدراسات الحديثة كشفت عن أن مصابيح ليد "LED" ينبعث منها ضوء أزرق يتسبب في إلحاق الضرر بصحة الإنسان والحيوان والبيئة مع زيادة انتشارها في جميع أنحاء العالم، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ما هي مصابيح ليد؟
تختلف مصابيح ليد عن المصابيح التقليدية في طريقة إنتاج الضوء؛ حيث تمرر المصابيح التقليدية الكهرباء من خلال سلك رفيع، بينما تستخدم مصابيح الثنائي الباعث للضوء أشباه الموصلات لإنتاج الضوء عندما تمر الكهرباء من خلاله.
وتتميز مصابيح ليد بالعديد من السمات، ومن بين الأسباب الأكثر شيوعًا التي أسهمت في زيادة استخدامها هو طول عمرها، فضلًا عن أنها موفرة في الكهرباء وفي التكلفة، وصغر حجمها جعلها قابلة للتكيف للاستخدام في العديد من الأدوات والمعدات الإلكترونية بجانب الاستخدام السكني والتجاري.
وبالمقارنة بالمصابيح الفلورية التي تحتوي على كميات صغيرة من الزئبق؛ لا تحتوي مصابيح ليد على مكونات سامة؛ حيث لا يمكن إلقاء المصابيح التقليدية في القمامة بعد تعرضها للكسر أو التلف، ويجب التخلص منها بوسائل آمنة لتفادي تلوث البيئة أو إيذاء الآخرين، في حين يمكن التخلص من مصابيح ليد مع قمامة المنزل.
ومع ذلك، حذّر علماء من الولايات المتحدة وأوروبا والهند من مخاطر مصابيح ليد، زاعمين أن أضرارها أكثر من منافعها.
أضرار مصابيح ليد
كشفت دراسة حديثة من جامعة إكستر البريطانية عن أن الضوء الأزرق المنبعث من مصادر الإضاءة الاصطناعية آخذ في الزيادة، وقد تنتج عنه عواقب وخيمة على صحة الإنسان والبيئة، حسب صحيفة الغارديان.
وفي الورقة البحثية المنشورة بمجلة "ساينس أدفانسز"، لاحظ الباحثون من خلال صور التقطها رواد فضاء على متن محطة الفضاء الدولية على مدار الأعوام 2012 إلى 2013 ومن 2014 إلى 2020، تحولًا في نوع تقنيات الإضاءة التي تستخدمها الدول الأوروبية ليلًا لإضاءة الشوارع والمباني.
ووجد الباحثون أن الانبعاثات بيضاء اللون التي تنتجها مصابيح ليد استبدلت الانبعاثات ذات اللون البرتقالي من مصابيح الصوديوم القديمة بوتيرة سريعة.
ومن خلال هذه اللقطات، تمكّن الباحثون من معرفة أي أجزاء من أوروبا تحوّلت إلى مصابيح ليد، ووجدوا أن دولًا مثل المملكة المتحدة وإيطاليا وأيرلندا شهدت تغييرات ضخمة، في حين أن دولًا أخرى، مثل النمسا وألمانيا وبلجيكا، شهدت تغييرًا طفيفًا.
ورغم أن هذه المصابيح تتميز بالكفاءة في استخدام الطاقة وأقل في التكلفة؛ فإن زيادة أشعتها الزرقاء تسبب تأثيرات بيولوجية خطيرة في جميع أنحاء القارة الأوروبية.
وتزعم الدراسة -أيضًا- أن الأبحاث السابقة عن تأثير التلوث الضوئي قللت من أهمية تأثير إشعاع الضوء الأزرق.
ما التداعيات على صحة الإنسان؟
من أهم المشكلات الصحية التي يسببها الضوء الأزرق؛ قدرته على إخماد هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم أنماط النوم عند البشر والكائنات الحية الأخرى.
فقد حذّر العديد من الدراسات العلمية من أن زيادة التعرض للضوء الأزرق الاصطناعي يمكن أن يسفر عن تفاقم عادات نوم الأشخاص، ومن ثم التعرض لمشكلات صحية مزمنة بمرور الوقت، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وحتى النوبات القلبية.
وأدت زيادة إشعاع الضوء الأزرق في أوروبا إلى الحد من رؤية النجوم ليلًا، وقد يكون له تأثير في شعور الإنسان بالطبيعة.
وفي عام 2021، حذرت دراسة إسبانية من أن هذه المصابيح يمكن أن تسبب أضرارًا دائمة في شبكية العين.
كما حذّرت الجمعية الطبية الأميركية في عام 2016 من تقنية الليد، مؤكدة أن الضوء يؤثر في دورة نوم الإنسان، والتعرض المناسب لها يحافظ على إيقاع الساعة البيولوجية للإنسان.
وقالت إن تعرض شبكية العين والعدسة الطويل للضوء الأزرق من هذه المصابيح يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بإعتام عدسة العين والتنكس البقعي المتعلق بالعمر.
وتكشف الدراسات -أيضًا- عن أن الضوء المنبعث من مصابيح ليد يمكن أن يسبب تغيرات في شبكة العين حال التعرض المستمر لمدة قصيرة من الزمن.
وأشارت دراسة أخرى نُشرت في مجلة "فيجن ريسيرش" في عام 2017، إلى أن هذه التقنيات يمكن أن تسبب الصداع؛ لأنها تومض كثيرًا مقارنة بالمصابيح الفلورية.
كما حذر تقرير صادر عام 2019 عن الوكالة الفرنسية للأغذية والصحة والسلامة المهنية والبيئية من تأثير التعرض للضوء الأزرق، مشيرًا إلى أن النظارات وفلاتر الشاشات التي تحجب هذه الإشعاعات قد لا تقي من هذه الآثار الضارة وغيرها.
ماذا عن الأطفال؟
تأثير الضوء الأزرق في صحة الأطفال، وخاصة عيونهم، أكبر بكثير، ويرجع ذلك إلى أن عيون الأطفال لا ترشح هذا الضوء كما تفعل عيون الأشخاص البالغين؛ فكلما كان الجيل أصغر سنًا زاد تعرضهم للشاشات والضوء الأزرق من الأجهزة المزودة بتقنية ليد.
وقد تتسبب هذه التقنية في إصابة الأطفال بقصر النظر؛ فمنذ عام 1971 تضاعف عدد الأشخاص المصابين بقصر النظر في الولايات المتحدة -تقريبًا-.
ويمكن أن تسبب إجهاد العين عند النظر إلى الشاشات لمدة طويلة، وينتج عن ذلك جفاف العين وحكة ورؤية ضبابية وصداع.
بالإضافة إلى قلة النوم؛ فعند استخدام الأطفال الأجهزة الإلكترونية قبل النوم يسفر ذلك عن قلة إفراز هرمون الميلاتونين ويغير أنماط النوم والاستيقاظ.
لذا يوصي العلماء بأخذ أوقات راحة متكررة، وتعليم الأطفال نظرية الـ20؛ أي أنه مقابل 20 دقيقة يقضيها الطفل في النظر إلى الشاشة، يجب النظر إلى شيء على بُعد 20 قدمًا لمدة 20 ثانية.
ومن بين التوصيات الأخرى، تشجيع الأطفال على اللعب في الهواء الطلق؛ فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن اللعب في الخارج يمكن أن يقلل الإصابة بقصر النظر، إلى جانب تعليم الأطفال الوضع المناسب لاستخدام الشاشات لتجنب أعراض الصداع وشد العضلات وإجهاد العين.
آثارها في الكائنات الحية الأخرى
يمكن للضوء الأزرق -أيضًا- أن يغير الأنماط السلوكية للحيوانات والحشرات، مثل الخفافيش والعث، وقد يتسبب في تغيير تحركاتها تجاه مصادر الضوء أو بعيدًا عنها، وفقًا للدراسة التي أجرتها جامعة إكستر البريطانية.
وأشاد أستاذ البيئة بجامعة نيوكاسل، دارين إيفانز، بالدراسة الجديدة، ووصفها بأنها عمل استثنائي.
وقال إيفانز إن الدراسة تتماشى مع النتائج التي توصل إليها حول كيف أن إضاءة الشوارع المحلية حدت بدرجة كبيرة من أعداد الحشرات الليلية.
وأوضح أن تحول المملكة المتحدة إلى مصابيح الليد لا يراعي الأضرار البيئية والبشرية.
وأضاف العضو في جمعية "باغلايف" الخيرية، ديفيد سميث، أن التلوث الضوئي يمكن أن يؤثر في اللافقاريات، وتقليل أعداد الأنواع التي تعيش في موائل مضاءة بواسطة مصابيح ليد.
وبالنظر إلى أن أعداد اللافقاريات تتراجع بصورة ضخمة؛ فمن الضروري التخفيف من الاضطرابات لتوفير فرص أفضل لها للتعافي.
وحث سميث حكومة المملكة المتحدة على تبني أهداف وطنية لتقليل مستويات التلوث الضوئي، موضحًا أن المعايير في البلاد غير مكتملة أو منسقة.
وقال: "يتعين النظر إلى الضوء من منظور بيولوجي أوسع من المنظور البشري، والتركيز على تطوير إضاءة ذات جودة أفضل تتماشى مع الطبيعة، وبدورها ستسهم في توفير الطاقة وخفض التكاليف، وتخلق بيئة أكثر أمانًا للافقاريات".
من جانبها، تتجه بعض الهيئات في المملكة المتحدة لتقليل تأثير تقنيات ليد "LED"، من خلال إطفاء الإنارة خلال ساعات الليل أو تغيير عرض النطاق الترددي لمصابيح ليد لإنتاج ضوء أزرق أقل ضررًا، كما في جزيرة وايت، ووصف العلماء هذه الإجراءات بأنها خطوة مشجعة.
مدى تأثير التقنية في دول العالم
وفقًا للدراسة الحديثة، تعد المملكة المتحدة من بين الدول الأكثر تضررًا من آثار التحول إلى مصابيح ليد، وخاصة احتمال كبح إفراز الميلاتونين.
فمنذ عام 2019، تعتمد المملكة المتحدة على هذه التقنيات لتشغيل 51% من مصابيح الشوارع.
كما أظهرت الدراسة أن إيطاليا ورومانيا وأيرلندا وإسبانيا من بين الدول الأكثر عرضة لخطر إشعاع الضوء الأزرق، بسبب تحولها إلى مصابيح ليد الليلية في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، كانت آثار هذه المصابيح أقل بكثير في بلدان، مثل النمسا وألمانيا، لمواصلة اعتمادها في الإضاءة الليلية على المصابيح القديمة والمصابيح الفلورية.
في الوقت نفسه، أصبحت هذه المصابيح شائعة في الهند بسبب قلة تكلفتها وكفاءتها، وبلغت قيمة سوق مصابيح ليد الهندية 3.7 مليار دولار أميركي في عام 2016، ونما القطاع بنسبة 17.5% بين عامي 2009 و2016 بدرجة كبيرة.
لذا بات من الضروري مراجعة آثارها الصحية، وينصح العلماء عمومًا استخدام المصابيح التقليدية للإضاءة الخارجية لحماية الحياة البرية، والامتناع عن استخدام مصابيح ليد بجانب السرير للقراءة.
اقرأ أيضًا..
- ألمانيا تؤمم أصول شركة روسنفط الروسية.. وتخطط للاستحواذ على 3 شركات غاز
- 3 مؤسسات تطرح توقعاتها لملامح الطلب على النفط والمعروض في 2023 (تقرير)
- وزيرة الطاقة ليلى بنعلي: المغرب يتفاوض على صفقة غاز مسال تغطي 10 سنوات (حوار - فيديو)