أزمة متوقعة تجبر اليابان على العودة إلى الطاقة النووية
استعدادات لتشغيل المحطات وبناء مفاعلات من الجيل التالي
مي مجدي
- الأزمة العالمية تجبر السياسيين على تغيير سياسات والعودة إلى استخدام الطاقة النووية
- اليابان تخطط لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، وبناء مفاعلات من الجيل التالي
- دعم الجماهير اليابانية للطاقة النوية بلغ أكثر من 60% خوفًا من الأزمات في فصل الشتاء
- بناء مفاعلات الجديدة رفع آمال الشركات، وشهدت أغلب الشركات قفزة في الأسهم
- الطاقة النووية لا غنى عنها في اليابان لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050
- اليابان لم تكن وحدها، فالمشهد الجيوسياسي المتغير أعاد إحياء الجدل النووي في الولايات المتحدة وأوروبا
باتت الطاقة النووية في اليابان في طي النسيان منذ كارثة فوكوشيما عام 2011، لكن الأزمات العالمية المتتالية، بداية من الحرب الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، جعلت طوكيو تتغاضى عن ماضيها المؤلم.
فحتى وقت قريب، كانت الحكومة تتجنّب أيّ نقاش حول العودة لتطوير أيّ محطات نووية جديدة، وأوقفت أغلب محطاتها النووية لأكثر من عقد، بعدما تسبّب زلزال مدمر وتسونامي عام 2011 في كارثة نووية بمحطة فوكوشيما دايتشي، حسب وكالة رويترز.
إلّا أن تصريحات رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، اليوم الأربعاء 24 أغسطس/آب (2022)، بالعودة إلى الطاقة النووية لتحقيق الاستقرار في إمدادات الطاقة، جاءت بمثابة ضربة لسياسات الطاقة اليابانية.
ويبدو أن أزمة الكهرباء الأخيرة، وارتفاع تكاليف السلع، والغزو الروسي لأوكرانيا، قد غيّرت المفاهيم، ومهدت الطريق لاستعادة الطاقة النووية مكانتها الآخذة في الزوال.
كما بدأت الدول الأخرى إعادة النظر في سياسة الطاقة، لا سيما ألمانيا، إذ أجبرت الأزمة السياسيين على النظر في جميع البدائل المتاحة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
الطاقة النووية في اليابان
كانت سياسة الطاقة في اليابان في حالة جمود، منذ أن أدت كارثة 2011 إلى إغلاق أغلب مفاعلاتها النووية، وتجنّبت بناء أي مفاعلات جديدة، وأجبر ذلك أكبر اقتصاد في آسيا على حرق المزيد من الفحم والاعتماد على الغاز الطبيعي وزيت الوقود، رغم تعهداتها بتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050.
وسعت الدولة -أيضًا- إلى تطوير مشروعات الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى، لكنها عانت بسبب ندرة الأراضي والظروف الجوية غير المستقرة.
ونظرًا لاعتماد اليابان على واردات الطاقة، فقد تضررت بشدة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وبناءً على ذلك، قال رئيس الوزراء الياباني، إن الحكومة ستعيد تشغيل المزيد من محطات الطاقة النووية المتوقفة عن العمل، وتتطلع إلى تطوير مفاعلات من الجيل التالي، ما يشير إلى تحوّل كبير في السياسة اليابانية التي اتّبعتها منذ كارثة فوكوشيما.
وأضاف كيشيدا -أيضًا- أن بلاده تنظر في إطالة عمر المفاعلات الحالية، ويسلّط ذلك الضوء على كيف أن الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة دفعت لإحداث تغيير في توجّهات الرأي العامّ والسياسات تجاه الطاقة النووية.
وأوضح كيشيدا للصحفيين أنه أصدر تعليمات للمسؤولين باتخاذ إجراءات ملموسة بحلول نهاية العام (2022)، بما في ذلك كسب ثقة الجماهير للطاقة المستدامة والطاقة النووية.
واجتمع مسؤولون حكوميون، اليوم الأربعاء 24 أغسطس/آب (2022)، لوضع خطة تُعرف بـ"التحول الأخضر"، تهدف إلى تهيئة ثالث أكبر اقتصاد في العالم لتحقيق الأهداف البيئية.
وحاليًا، تنظر الحكومة إلى الطاقة النووية -التي قوبلت بمعارضة شديدة من الجماهير عقب أزمة فوكوشيما- على أنها جزء من هذا التحول الأخضر.
وخلال شهر يوليو/آذار (2022)، أعربت الحكومة عن أملها في إعادة تشغيل المزيد من المفاعلات النووية؛ لتجنّب أيّ أزمة في الكهرباء خلال فصل الشتاء، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وبدءًا من أواخر شهر يوليو/تموز (2022)، كان لدى اليابان 7 مفاعلات قيد التشغيل، و3 أخرى متوقفة عن العمل بسبب عمليات الصيانة، ويخضع العديد من المفاعلات الأخرى إلى إعادة الترخيص بموجب معايير صارمة فُرضت بعد فوكوشيما.
انقسام الرأي العام
قبل كارثة عام 2011، حصلت اليابان على قرابة ثلث احتياجاتها من الكهرباء بوساطة 54 مفاعلاً نوويًا.
وما يزال المواطنون في حالة انقسام بشأن إعادة تشغيل هذا المفاعلات؛ بسبب سلسلة من الحوادث المتعلقة بالسلامة، وانعدام الثقة في شركة "طوكيو إلكتريك"، التي تمتلك المفاعلات الـ3 المنصهرة في فوكوشيما.
وفي هذا الصدد، قال المدير التنفيذي السابق لوكالة الطاقة الدولية، نوبو تاناكا، إن الدعم الياباني لإعادة تشغيل الطاقة النووية في أعلى مستوياته منذ كارثة فوكوشيما، حسب موقع سي إن بي سي (CNBC).
وتابع: "في سابقة لليابان منذ كارثة فوكوشيما بلغ الدعم الشعبي لإعادة تشغيل الطاقة النووية أكثر من 60%".
وعزا تاناكا ذلك إلى احتمال حدوث أزمات خطيرة بحلول نهاية هذا العام، في حال عدم وجود طاقة نووية باليابان.
وأضاف أن اليابان تهدف لتوفير إمدادات الطاقة، لكنها تعمل -أيضًا- على هدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وقد يزيد تحقيق هذا التوازن من حدّة التحديات التي تواجه البلاد.
ووصف الطاقة النووية بأنها خيار مهم لإزالة الكربون.
ورغم وجود تحفظات لدى الجمهور الياباني حول استخدام الطاقة النووية، لا سيما عندما يتعلق بمسألة السلامة، قال تاناكا، إن مستقبل الطاقة النووية أصبح أكثر أمانًا، وشدد على أهمية تقليل المخاطر ومواصلة الاستخدام السلمي.
رفع آمال الشركات
عقب انتشار تصريحات رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، ببناء مفاعلات نووية جديدة، سجلت أسهم شركة "ميتسوبيشي هيفي إندستريز" وشركة "آي إتش آي كورب" ارتفاعًا حادًا، صباح يوم الأربعاء 24 أغسطس/آب (2022)، حسبما نقل موقع ماركت ووتش "Market Watch".
وتعمل شركة ميتسوبيشي هيفي إندستريز على بناء وتطوير محطات الطاقة النووية، بينما تتولى شركة "آي إتش آي كورب" تطوير أوعية ضغط المفاعلات، وغيرها من المعدّات الرئيسة.
وارتفعت أسهم شركة ميتسوبيشي هيفي بنسبة 5.3%، لتصل إلى 5 آلاف و135 ينًا يابانيًا (37.55 دولارًا أميركيًا)، بعد ارتفاعها بنسبة 5.5% في وقت سابق.
(الين الياباني = 0.0073 دولارًا أميركيًا)
وقفزت أسهم شركة "آي إتش آي كورب" -مؤخرًا- بنسبة 4.8% عند 3 آلاف و610 ينّات يابانية، بعد ارتفاع بنسبة 5.4% في وقت سابق.
الطاقة النووية لا غني عنها
إذا لم تمضِ اليابان قدمًا في خطط إعادة التشغيل، فقد تواجه صعوبة بتحقيق الأهداف الصارمة لانبعاثات الكربون في عامي 2030 و2050.
ويرى الأستاذ في معهد طوكيو للتكنولوجيا، تاداشي ناراباياشي، أن الطاقة النووية في اليابان واجهت رياحًا معاكسة، لكنها بدأت تأخذ منعطفًا مختلفًا في الوقت الحالي، وفق صحيفة فاينانشال تايمز.
وقال: "إذا كانت اليابان جادة في تحقيق الحياد الكربوني، فالطاقة الشمسية لن تكون كافية، ويجب أن تكون المحطات النووية جزءًا من هذا المزيج".
وتمثّل الطاقة النووية -حاليًا- 6% من توليد الكهرباء، وتخطط الحكومة لزيادتها بنسبة تصل إلى 20-22% بحلول عام 2030، عن طريق إعادة تشغيل المفاعلات الحالية بدلًا من بناء مفاعلات جديدة.
ومن المعروف أن روسيا تزوّد اليابان بنسبة 9% من الغاز الطبيعي، وفقدان هذه الإمدادات قد يسفر عن أزمة في البلاد، وسيجبرها على البحث عن مصادر بديلة مكلفة، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، انتقدت اليابان مرارًا روسيا، وفرضت على موسكو عقوبات اقتصادية.
وردًا على ذلك، فرضت موسكو عقوبات على أكثر من 300 مشروع ياباني في يوليو/تموز (2022).
اليابان ليست وحدها
أعاد المشهد الجيوسياسي المتغير إحياء الجدل النووي في الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من تزايد المخاوف بشأن السلامة والتكلفة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ومع تفاقم أزمة الطاقة العالمية، لجأت العديد من الدول إلى الطاقة النووية لتوليد كهرباء خالية من الكربون، والفحم أكثر مصادر الطاقة تلويثًا للبيئة.
فعلى سبيل المثال، أعرب رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته، بوريس جونسون، عن أمله في وقت سابق، أن توفر الطاقة النووية 25% من الكهرباء بحلول عام 2050.
وفي أبريل/نيسان (2022)، وافقت الصين على بناء 6 مفاعلات جديدة، إلى جانب 54 مفاعلًا قيد التشغيل، و19 قيد الإنشاء، كما تتفاوض الشركات الصينية لتطوير 40 مفاعلًا جديدًا حول العالم.
ورغم أن ألمانيا بدأت في إغلاق محطاتها النووية منذ عام 2011، ومن المقرر إغلاق محطاتها الـ3 المتبقية بحلول نهاية العام (2022)، تدرس الحكومة تأجيل إغلاق هذه المحطات لمساعدتها في تخطّي أزمة الطاقة هذا الشتاء.
وتحظى الطاقة النووية -حاليًا- باهتمام كبير في الاتحاد الأوروبي، لتحلّ محلّ إمدادات الغاز الروسي، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن فرنسا ستبني قرابة 14 مفاعلاً نوويًا جديدًا، بدءًا من عام 2028.
في حين قدّمت بولندا خططًا في مارس/آذار (2022)، لبناء 6 مفاعلات جديدة.
موضوعات متعلقة..
- توليد الكهرباء من الطاقة النووية عالميًا يسجل ثالث أعلى مستوى في تاريخه
- محطات الطاقة النووية في اليابان تثير القلق بعد تسرب مياه مشعة
- أكبر 10 دول حسب سعة الطاقة النووية في العالم (إنفوغرافيك)
اقرأ أيضًا..
- اكتشاف نفطي جديد في الجزائر باحتياطيات 150 مليون برميل
- هل تمتد احتجاجات العراق إلى حقول النفط وإغلاق المواني؟.. 4 خبراء يجيبون
- 6 خطوات لترشيد استهلاك الكهرباء في الصيف.. لن تضطر لإغلاق المكيف