تجارة النفط في منعطف حرج بعد انخفاض منسوب نهر الراين
منسوب المياه يتراجع إلى 30 سنتيمترًا
مي مجدي
بات انخفاض مستوى المياه في نهر الراين تهديدًا رئيسًا لقطاع الطاقة، ويزيد من صعوبة عبور السفن المحملة بالإمدادات وعرقلة تجارة النفط.
ومن المتوقع أن تتفاقم حالة الفوضى التي تضرب إمدادات المشتقات النفطية والمواد الأولية للبتروكيماويات عبر نهر الراين، مع انخفاض منسوب المياه إلى أدنى مستوياته، حسبما نشر موقع إس آند بي غلوبال بلاتس (S&P Global Platts).
فقد انخفض منسوب المياه في بلدة كاوب، وهي نقطة عبور رئيسة تقع بين نهري الراين السفلي والراين الأعلى، إلى 30 سنتيمترًا أمس الإثنين 15 أغسطس/آب (2022)، وهو أدنى مستوى له منذ سنوات، وفقًا لبيانات من إدارة الممرات المائية والشحن الفيدرالية الألمانية، اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وأصبحت تجارة النفط في مرحلة حرجة، خاصة أن الناقلات تواجه صعوبة عبور كاوب عندما يكون مستوى المياه أقل من 40 سنتيمترًا، وحتى تصل إلى كاوب، ليس باستطاعتها حمل أكثر من 500-600 طن متري.
ويعني انخفاض منسوب المياه تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، إذ سيؤثّر في حركة شحن إمدادات النفط والغاز والفحم، ومن ثم ارتفاع تكاليف الشحن، فضلًا عن انخفاض مستوى المياه في السدود، ومن ثم انخفاض الإنتاج من الطاقة الكهرومائية.
اضطرابات تواجه تجارة النفط
يعدّ نهر الراين ممرًا مائيًا رئيسًا في شمال غرب أوروبا لنقل المشتقات المكررة والسلع الأخرى من منطقة (أمستردام-روتردام-أنتويرب) الساحلية إلى الأسواق البرية.
ويتسبب انخفاض مستويات الأنهار في صعوبة وصول الإمدادات إلى المستهلكين الرئيسيين في ألمانيا وسويسرا، ولجأت الدولتان إلى استخدام السكك الحديدية.
ومع توقّع استمرار انخفاض مستويات مياه نهر الراين، من المرجح أن تشهد تجارة النفط المزيد من العراقيل، بينما سترتفع أسعار الشحن إلى مستويات قياسية.
وقالت محللة سوق النفط في بلاتس أناليتيكس، ريبيكا فولي، إن الوضع أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن، وأصبح توصيل الإمدادات أكثر تكلفة، وشكّل ذلك عبئًا إضافيًا على فروق الأسعار في منطقة (أمستردام-روتردام-أنتويرب)، إذ يمكن أن تتراكم الإمدادات بسبب بطء التدفقات.
وبدأت سويسرا في السحب من مخزون النفط الإستراتيجي؛ بسبب العقبات اللوجستية الناجمة عن انخفاض مستويات المياه.
وقال أحد تجّار الديزل في سويسرا، إن التجّار يحاولون النجاة في ظل هذه الظروف، موضحًا أن البلاد تعتمد بالكامل على السحب من المخزون الإستراتيجي، والإنتاج من مصفاة وحيدة في البلاد.
أزمة أوروبية
أدى ارتفاع درجات الحرارة القياسي، وندرة الأمطار في جميع أنحاء شمال غرب أوروبا، إلى ارتفاع تكلفة نقل المشتقات النفطية عبر الممرات المائية الداخلية الرئيسة في أوروبا، ونتج عن ذلك أزمة في الأسواق البرية بالمنطقة.
فقد ارتفعت تكاليف شحن الناقلات في الأسابيع الأخيرة؛ نتيجة انخفاض منسوب مياه نهر الراين، وبطء حركة الناقلات، وأفضى إلى صعوبة إعادة ملء الخزّانات.
وارتفعت أسعار شحن الناقلات متوسطة الحجم التي يمكنها حمل 4 آلاف طن متري من "روتردام-بازل" إلى مستويات قياسية خلال شهر يوليو/تموز (2022)، وبلغت 260 فرنكًا سويسريًا (284 دولارًا أميركيًا)/طن متري، في الأسبوع المنتهي يوم 12 أغسطس/آب (2022)، ارتفاعًا من 86 فرنكًا/طن متري في 15 يوليو/تموز (2022).
(الفرنك السويسري=1.05 دولارًا أميركيًا)
وأوضحت محللة سوق النفط في بلاتس أناليتيكس، ريبيكا فولي، أن انخفاض مستويات المياه يجبر السفن على تخفيف حمولتها، ويزيد ذلك من أسعار الشحن، ويسمح بتضخم المخزون في منطقة (أمستردام-روتردام-أنتويرب).
ماذا يعني إغلاق نهر الراين لتجارة النفط؟
قد يؤدي إغلاق نهر الراين إلى توقّف تجارة النفط، وتعطيل وصول مئات آلاف البراميل من المشتقات النفطية؛ ما يزيد من أزمة الإمدادات في أوروبا، وفقًا لبلومبرغ.
وسبق أن أعلنت شركة "فاكتس غلوبال إنرجي"، يوم الأربعاء 10 أغسطس/آب (2022)، أن إغلاق نهر الراين يمكنه عرقلة وصول 400 ألف برميل يوميًا من المشتقات النفطية، وأوروبا في أمسّ الحاجة إلى هذه البراميل.
فالمناطق البرية في القارة تعاني من نقص شديد في وقود الديزل، نتيجة الأعطال في العديد من المصافي المتمركزة حول الحدود النمساوية الألمانية.
ويعدّ خط أنابيب (آر إم آر) النفطي، الذي يمتد من روتردام إلى لودفيغسهافن، وينتهي في الجنوب من بلدة كاوب، أحد البدائل؛ إذ يمكنه نقل قرابة 250 ألف برميل يوميًا، لكن يعمل بكامل طاقته، وسيكون من الصعب نقل تدفقات إضافية.
كما إن السكك الحديدية تعدّ خيارًا آخر، وتقوم بنقل قرابة 25 ألف برميل يوميًا من المشتقات النفطية من منطقة (أمستردام-روتردام-أنتويرب) إلى ألمانيا، و30 ألف برميل إضافية يوميًا من ألمانيا إلى سويسرا، إلّا أنها تعمل بكامل طاقتها -أيضًا-، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نقص الموظفين والشاحنات، وبسبب زيادة الطلب من قطاع النفط وقطاعات أخرى، مثل الفحم.
وترى شركة "فاكتس غلوبال إنرجي" أن الشحن البري هو أفضل خيار ليحلّ محلّ الناقلات، لكنه سيكون مكلفًا -مدفوعًا بارتفاع أسعار الوقود وزيادة الطلب-، وصعبًا بالنظر إلى نقص المعروض من شاحنات الطرق والسائقين المؤهلين.
صناعة البتروكيماويات
لم تكن تجارة النفط ومشتقاته الوحيدة التي تأثّرت بأزمة الجفاف في أوروبا، فقد شهدت صناعة البتروكيماويات الأوروبية تراجعًا بعد انخفاض منسوب مياه نهر الراين، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وكانت الأوليفينات، مثل البروبيلين والإيثيلين، والسلع الأولية، مثل النافثا، هما الأكثر تضررًا في أسواق البتروكيماويات، مع صعوبة الوصول للمصانع المبنية على نهر الراين أو بالقرب منه.
كما أن إنتاج مركب ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر (إم تي بي إم) -معزز أوكتان للبنزين (محسن وقود)- في ألمانيا يواجه رياحًا معاكسة نتيجة انخفاض منسوب مياه نهر الراين.
في حين لم تتأثر عمليات تكرير ومعالجة وتسويق البوليمر بشدة، إلّا أنها تعاني من ضعف الطلب.
أزمة الطاقة
على صعيد آخر، بدأت تداعيات أزمة الجفاف تتفاقم في مختلف الدول الأوروبية، فبريطانيا -منذ أيام قليلة- أعلنت رسميًا اجتياح الجفاف في نصف البلاد تقريبًا، وتدرس فرض قيود على استخدام المياه، وهو إجراء أعلنته بولندا بعد انخفاض مستويات الأنهار، بما في ذلك نهر فيستولا.
وظهر أثر ذلك واضحًا بإنتاج الطاقة الكهرومائية في النرويج، إذ تراجع إلى مستويات قياسية، وتتجه البلاد للحدّ من صادرات الكهرباء.
كما أدى انخفاض منسوب الأنهار إلى خفض الإنتاج في محطات الطاقة النووية بفرنسا خلال الأسابيع الأخيرة، مع تراجع إمدادات المياه اللازمة للتبريد.
وتواجه محطتان رئيستان لتوليد الكهرباء بالفحم في ألمانيا صعوبة في الإنتاج؛ نتيجة شح إمدادات الفحم المنقولة عبر نهر الراين.
وتثير موجة الجفاف الممتدة في نهر الراين -أيضًا- قلق البلدان غير الساحلية في وسط وشرق أوروبا، التي عادة ما تحصل على الوقود من خلال النهر، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
اقرأ أيضًا..
- إيران تلجأ إلى مصافي النفط بأميركا اللاتينية للتحايل على عقوبات واشنطن
- توقعات بارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي فوق 9 ملايين برميل يوميًا
- أكبر صفقة في تاريخ صناعة النفط الإيرانية مهددة بالفشل