الرابحون من أزمة الطاقة العالمية بعد الحرب الروسية (تقرير)
دينا قدري
- القوى العظمى تسعى لفرض سيطرتها على أسواق الطاقة العالمية
- أزمة الطاقة تغير موازين القوى في العالم لتعويض الإمدادات الروسية
- أميركا من أكبر المستفيدين من الأزمة الحالية مع زيادة صادراتها من الغاز المسال
- قطع صادرات الغاز إلى أوروبا لعبة خطيرة بالنسبة لروسيا حتى على المدى القصير
ما تزال أزمة الطاقة المتفاقمة تلقي بظلالها على الأسواق العالمية، وسط رغبة متزايدة من القوى العظمى في فرض هيمنتها سياسيًا واقتصاديًا.
وتقاوم روسيا العقوبات الغربية من خلال تقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا؛ في حين يتسبب احتمال حدوث قطع كامل للغاز الروسي في حالة من الذعر في أوروبا.
وفي هذه الأثناء، يتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن -الذي يكافح للسيطرة على ارتفاع أسعار البنزين قبل انتخابات التجديد النصفي- إلى الرياض الشهر المقبل لمناشدة السعوديين ضخ المزيد من النفط، حسبما أفاد تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".
موقف القوى العظمى من أزمة الطاقة
أكد التقرير -الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- أنه ما يزال بإمكان منتجي النفط الرئيسين في العالم جعل أكبر القوى السياسية في العالم تمتثل إلى مطالبهم، مثلما حدث في عام 1973، إلا أن الجغرافيا السياسية للطاقة أكثر تعقيدًا.
وتتمتع روسيا بنفوذ على المدى القصير وسط أزمة الطاقة الحالية، لكن موقفها سيتدهور بصفة كبيرة خلال السنوات الـ3 المقبلة، في حين لدى أميركا مشكلة كبيرة على المدى القصير، لكنها في وضع قوي على المدى الطويل، بحسب التقرير.
وأما الاتحاد الأوروبي فهو يعاني أكبر المشكلات على المديين القصير والمتوسط، إذ ما يزال الأوروبيون بعيدين عن إيجاد إستراتيجية طاقة جديدة قابلة للتطبيق، على الرغم من الحديث الشجاع عن تنويع مصادر الإمدادات وإزالة الكربون.
خطر قطع الإمدادات الروسية عن أوروبا
تعلّمت أوروبا الآن درسًا مريرًا من أزمة الطاقة الحالية، حول مخاطر اعتماد وارداتها على روسيا، وهي عازمة على ألا تكون معرضة للخطر مرة أخرى.
ويُعد قطع صادرات الغاز إلى أوروبا لعبة خطيرة بالنسبة إلى روسيا، حتى على المدى القصير.
فما يقرب من مليار يورو يوميًا (1.06 مليار دولار أميركي) ما زالت تتدفق إلى خزائن روسيا، بصفة أساسية من أوروبا. وإذا ضحى بوتين بهذه الإيرادات، فإن قدرته على شن الحرب ستتضاءل بسرعة.
"قبل الحرب، كانت روسيا تتطلع إلى 30 عامًا أخرى من عائدات النفط والغاز المضمونة. الآن هم ينظرون إلى 3 أعوام فقط"، حسبما قال أحد كبار المسؤولين الألمان.
ويُمكن لروسيا أن تجد أسواقًا بديلة لنفطها بسهولة نسبيًا، ويتجلى ذلك في "شغف" الهند والصين بزيادة وارداتهما من النفط الروسي الذي يتميز بأسعار مخفضة.
إلا أن تصدير الغاز الروسي يجري عبر خطوط الأنابيب، وتتجه خطوط الأنابيب الرئيسة نحو أوروبا؛ وهو ما يعرض روسيا للخطر؛ نظرًا إلى أن بناء منشآت جديدة يستغرق سنوات.
هل تتمكن أوروبا من استبدال الطاقة الروسية؟
يُمكن رؤية جدّية الجهود الأوروبية لتحرير نفسها من الاعتماد على الإمدادات الروسية في جداول سفر قادتها، لتخطي تداعيات أزمة الطاقة المتفاقمة.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، للتو في إسرائيل ومصر، لتوقع صفقة غاز جديدة، كما زار المستشار الألماني أولاف شولتس السنغال مؤخرًا، وقدّم دعمه لتطوير حقل غاز جديد هناك.
ومع ذلك، ما يزال هناك سؤال كبير حول مدى السرعة والسلاسة التي يمكن أن تستبدل بها أوروبا الطاقة الروسية، إذ يتشكك بعض كبار الشخصيات في صناعة الطاقة خصوصًا.
ومن المرجح أن يترك الوضع على مدى السنوات الـ5 المقبلة أوروبا في وضع غير مريح، مع تقليل الحاجة إلى الطاقة الروسية -دون القضاء عليها- بينما يواجه المستهلكون ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار، وتواجه الصناعة إمدادات غير آمنة.
إذ يتمثل أحد الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا في أنه من الخطر أن يعتمد بلد ما على خصم جيوسياسي للحصول على طاقته.
والآن، تُعد أميركا مصدرًا صافيًا كبيرًا للطاقة، في حين لا تزال الصين تعتمد بصفة كبيرة على الواردات.
أميركا أكبر المستفيدين من أزمة الطاقة
على النقيض من ذلك، فإن أميركا في وضع مريح أكثر على المدى الطويل، إذ حّلت محل روسيا بوصفها أكبر مصدّر للطاقة في العالم، وفقًا لما صرح به محلل الطاقة البارز، دان يرغين.
وتتسبب أسعار الطاقة المرتفعة في معاناة المستهلكين الأميركيين، لكنها نعمة لصناعة الغاز الصخري في الولايات المتحدة.
إلا أن الإنتاج الأميركي وحده لا يمكنه حماية المستهلكين الأميركيين من ارتفاع أسعار النفط العالمية؛ فقد أدت رغبة أميركا في عزل روسيا، ومعها إيران وفنزويلا، إلى تعزيز موقف السعودية.
ومن المستحيل، حتى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، معاملة جميع منتجي النفط الرئيسين في العالم على أنهم منبوذون في الوقت نفسه. وعلى عكس روسيا أو إيران، فإن المملكة العربية السعودية حليف قديم لأميركا.
كما أدت أزمة الطاقة العالمية التي سببتها الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الطلب على الوقود الأحفوري غير الروسي، بما في ذلك الفحم، وهو أقذر أنواع الوقود.
انتعاش صادرات الغاز المسال العربية
في محاولة لمعالجة أزمة الطاقة، استحوذت الأسواق الأوروبية مجتمعة على حصة 26% من صادرات الغاز المسال العربية في المدّة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2022، بحسب التقرير الذي أصدرته منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول "أوابك"، في مايو/أيار 2022.
وانتعشت صادرات الغاز المسال من الإمارات وسلطنة عمان في الربع الأول من العام الجاري 2022، مقارنةً بالمدة نفسها من العام الماضي.
وتصدّرت الصين قائمة الأسواق الآسيوية بحصة 17% من إجمالي صادرات الغاز المسال العربية، ثم كوريا الجنوبية بحصة 15%، والهند 13%، واليابان 8%.
وشكّلت الأسواق الأسيوية مجتمعة نحو 72% من إجمالي صادرات الغاز المسال العربية، وفق ما جاء في التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
صادرات الغاز المسال الأميركية إلى أوروبا
في السياق ذاته، استحوذت أوروبا على ثلثي صادرات الغاز المسال الأميركية خلال الأشهر الـ4 الأولى من العام الجاري، مستفيدة من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
ووصلت 74% من صادرات الغاز المسال الأميركية إلى أوروبا في المدّة من يناير/كانون الثاني حتى أبريل/نيسان 2022، ارتفاعًا من متوسط سنوي قدره 34% في العام الماضي، وفق تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية مطلع الشهر الجاري.
وبذلك، أصبحت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في عام 2021؛ بنسبة 26% إجمالي الواردات الأوروبية.
وكان متوسط صادرات الغاز المسال الأميركية قد ارتفع خلال الأشهر الـ4 الأولى من عام 2022 بنسبة 18% مقارنة بالمتوسط السنوي لعام 2021، ليسجل 11.5 مليار قدم مكعبة يوميًا.
اقرأ أيضًا..
- جهل ماكرون بقطاع النفط يورط السعودية والإمارات
- أكبر مجمع كيماويات في العالم يواجه شبح الإغلاق بسبب الغاز الروسي
- تحلية المياه بالطاقة المتجددة.. دراسة سعودية تكشف حلولًا أقل تكلفة
- هل سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية أفضل وأوفر من الأنواع الأخرى؟