توليد الكهرباء بالفحم في الصين بين زيادة الإنتاج وخفض الانبعاثات
الحكومة تميل إلى الوقود الأحفوري بدلًا من إزالة الكربون
مي مجدي
- الحكومة تؤيد توليد الكهرباء بالفحم لتعزيز النمو الاقتصادي
- الحكومة فرضت غرامة على ثاني أكبر منتج للفحم بالبلاد لتجاوز حدود الإنتاج
- الشركة تستعد لبناء 5 محطات فحم بقدرة 10 غيغاواط
- أزمة الطاقة دفعت المسؤولين لتبنّي سياسات تحفّز البنية التحتية كثيفة الكربون
- جائحة كورونا صرفت انتباه الشركات والحكومة عن خطة المناخ
- الحكومة تخطط لاستثمار 1.5 مليار دولار لدعم مشروعات توليد الكهرباء بالفحم
- نظام تداول الكربون في الصين سيجبر الشركات على خفض الانبعاثات
تعهدت الصين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وسيتطلب ذلك تسريع وتيرة خفض توليد الكهرباء بالفحم في السنوات المقبلة.
إلّا أن بكين تواصل الاعتماد على الفحم في توليد الكهرباء، على خلفية انقطاع التيار الكهربائي، والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، والمنافسة بين القوى العظمى.
لذا تأبى المخاطرة، وتؤيد ترسيخ سياسات توليد الكهرباء بالفحم؛ لتعزيز النمو الاقتصادي بعد عمليات الإغلاق جراء تفشّي جائحة كورونا، حسب تقرير نشره موقع فاينانشال تايمز.
في الوقت نفسه، فرضت الصين، أواخر العام الماضي، غرامة على ثاني أكبر منتج للفحم بالبلاد؛ لتجاوز حدود الإنتاج، وتجاهل فحوصات السلامة، وزيادة إمدادات الفحم بطريقة غير مشروعة، وهو ما يُظهر تناقضًا صارخًا في السياسات، حسبما رصدت منصة الطاقة المتخصصة.
تناقض السياسات
في نهاية عام 2021، فرضت السلطات في مقاطعة شانشي شمال الصين غرامة على شركة "جينينغ هولدينغ شانشي كول إنداستري" للقيام بالتعدين بطريقة غير قانونية في أكثر من 50 موقعًا.
ووفقًا لتقارير، انتهكت الشركة قيود الإنتاج الصارمة، التي اتُّخذت بعد وقوع سلسلة من حوادث التعدين في جميع أنحاء البلاد، إذ استخرجت الفحم من منجم واحد أزيد مما كان مسموحًا به بنسبة 400%.
ومع ذلك، لم تؤثّر الغرامة في نمو شركة جينينغ، وأنتجت 380 مليون طن من الفحم خلال عام 2021، وجعلها ذلك ثاني أكبر منتج للفحم في الصين.
كما إن إلقاء منظّمي السلامة في شانشي باللوم على الشركة لم يمنع الحكومة المحلية من إعطاء جينينغ الضوء الأخضر لزيادة إنتاج الفحم.
وما يزيد الوضع سوءًا، أن الشركة تستخرج الفحم، ثم تقوم بحرقه لتوليد الكهرباء، وتخطط لبناء 5 محطات فحم جديدة بقدرة تبلغ 10 غيغاواط، خلال الخطة الخمسية الحالية 2021-2025، وفقًا لبحث أجراه مركز الأبحاث الأميركي غلوبال إنرجي مونيتور (جي إي إم).
وأشار البحث إلى أن هذه الزيادة في الإنتاج أكبر من طاقة توليد الكهرباء بالفحم الحالية في المملكة المتحدة.
وفي هذا الصدد، قالت كبيرة الباحثين في المركز، يو آيكون، إن معاملة جينينغ المتناقضة على يد سلطات شانشي تُبيّن أن الجهات الحكومية لديها خطط مختلفة، وأحيانًا متضاربة.
إلى أين تميل كفة الميزان؟
عمومًا، وصلت حملة إزالة الكربون في الصين إلى طريق مسدود، بعدما بدأت كفة الميزان بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة تميل لصالح البنية التحتية لتوليد الكهرباء بالوقود الأحفوري، عقب عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا، والتي أسهمت في خفض مؤقت بانبعاثات الكربون منذ منتصف عام 2021.
ورغم أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تكافح لتحقيق التوازن بين أمن الطاقة، والنمو الاقتصادي، والعمل المناخي، فإن المشكلة تتفاقم في البلاد؛ نظرًا لحجم القاعدة الصناعية، والاعتماد الكبير على الفحم.
كما إن الرئيس شي جين بينغ أعلن، في عام 2020، تعهُّد الصين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، ومنح واضعي الخطط البيئية سلطات جديدة لتضييق الخناق على الممارسات المسبّبة للتلوث.
وسارعت المؤسسات الصناعية الكبرى المملوكة للدولة باتخاذ خطوات تتماشى مع هذا الهدف، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وبعد بضعة أشهر، أعلنت شركة "باوو" للصلب، أكبر منتج في البلاد، التزامها بالحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وفي العام التالي، أعلنت شركة تابعة لمجموعة "جينينغ" خططًا لتوسيع مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وبعثت تعهدات الرئيس شي جين بينغ المتعلقة بالكربون، والضجة الإعلامية التي تلت ذلك، الأمل في نفوس نشطاء المناخ، واعتقدوا أن أكبر مسبّب للانبعاثات لثاني أكسيد الكربون في العالم بدأ في إعادة هيكلة اقتصاده كثيف الانبعاثات.
وبلغت ذروة هذه الحقبة القصيرة من العمل البيئي عندما تلقّت إدارة الطاقة الوطنية توبيخًا علنيًا من هيئة حكومية رفيعة المستوى كلّفها الرئيس الصيني بضمان تنفيذ خطته الخضراء.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، انتقدت الهيئة إدارة الطاقة الوطنية؛ بسبب تدهور السياسات البيئية، وفشلها في السيطرة على تجاوز قدرات توليد الكهرباء بالفحم.
تجاهل الخطة الخضراء
دفعت الأهداف المحددة للانبعاثات المسؤولين المحليين إلى الحدّ من توليد الكهرباء بالفحم.
بعد ذلك، تعرضت الصين خلال الصيف الماضي إلى نقص في الطاقة، إذ أدى التعافي الاقتصادي عقب الوباء والطقس الحار إلى زيادة الطلب على الكهرباء.
في الوقت نفسه، كان المقصود من وضع سقف لأسعار الكهرباء هو ارتفاع تكاليف الفحم، كما إن المدخلات الأخرى لم تحدّ هذا الطلب.
وبعد أزمة الطاقة، أدرك واضعو السياسات مخاطر تسريع خطوة الابتعاد عن الفحم كونه مصدرًا موثوقًا لكنه أكثر تلويثًا، وما يزال يشكّل قرابة 60% من إجمالي توليد الكهرباء في الصين.
بالإضافة إلى ذلك، أدّت عودة ظهور فيروس كورونا إلى تفاقم الأوضاع.
فبعد تفشّي المتحور أوميكرون في مارس/آذار من هذا العام (2022)، سبّبت عمليات الإغلاق حالة من الفوضى في القاعدة الصناعية بالبلاد، ودفع ذلك صنّاع السياسات للّجوء إلى الأساليب القديمة المحفزة للبنية التحتية كثيفة الكربون.
وقال كبير مسؤولي سياسات المناخ والطاقة في منظمة غرينبيس بشرق آسيا، لي شو، إن جائحة كورونا صرفت انتباه الشركات والحكومة عن خطة المناخ.
وحذّر من أن سياسات المناخ ستواجه صعوبة، مع إعطاء الضوء الأخضر لمشروعات البنية التحتية كثيفة الكربون لتعزيز النمو.
وفي الأسابيع الـ6 الأولى من هذا العام وحده، وافقت الصين على تطوير محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم بقدرة 7.3 غيغاواط، وهو ضعف أرقام عام 2021 بأكمله، وفقًا لأبحاث غلوبال إنرجي مونيتور (جي إي إم).
ومن المقرر توسيع بناء محطات الفحم الجديدة، بعدما أعلن مجلس الدولة خططًا لاستثمار 1.5 مليار دولار لدعم مولدات الكهرباء وزيادة توليد الكهرباء بالفحم في مايو/أيار، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
فيضان من مشروعات الفحم
مع تزايد اهتمام بكين بأمن الطاقة بدلًا من خفض الانبعاثات، فُتحت الأبواب لتطوير مشروعات الفحم الجديدة.
وفي هذا الشأن، كشفت كبيرة الباحثين في مركز غلوبال إنرجي مونيتور، يو آيكون، أن منتجي الفحم يشعرون بضرورة زيادة الإنتاج قبل عام 2025، بعدما تعهَّد الرئيس الصيني بخفض إنتاج الفحم.
وقالت: "قبل غلق الأبواب، يتسابق القطاع لتنفيذ أكبر عدد ممكن من مشروعات الفحم".
وأوضحت أن استخراج الفحم بالنسبة للسكان المحليين في المدن الشهيرة باستخراج الوقود القذر، يشبه النبش عن المال.
نظام تداول الكربون
رغم عودة الزخم إلى الوقود الأحفوري، يعتقد خبراء البيئة أنه ما تزال هناك دوافع تدعو إلى التفاؤل.
ويبدو أن بكين تُرسي الأسس لنظام تداول الكربون، الذي سيُجبر الشركات على خفض الانبعاثات.
وفي الصيف الماضي، قدّمت الصين خطة تداول الانبعاثات، إذ غطت في البداية قطاع توليد الكهرباء ومحطات الكهرباء التي تلبي احتياجات المنشآت الصناعية.
ويقول الخبراء، إن سعر ائتمان الكربون البالغ 59 يوانًا (8.90 دولارًا) للطن منخفض جدًا لتحفيز الشركات على خفض انبعاثاتها.
في المقابل، يصل سعر تداول ائتمان الكربون في أوروبا قرابة 80 يورو (80.50 دولارًا) للطن.
ومع ذلك، يقول الخبير في تسعير الكربون بشركة الاستشارات "آي سي إف"، هوو سلاتر، إن عملية حساب الانبعاثات لها فوائدها، قائلًا: "الشركات تُجبَر للنظر إلى الانبعاثات على أنها تكلفة محتملة في المستقبل، ويبدو الآن توليد الكهرباء غير الفعّال بصفته تكلفة محتملة، والتي ستؤثّر في إستراتيجية الاستثمار للشركات".
وأشار إلى أن خطط تجارة الكربون في أوروبا وكاليفورنيا بدأت -أيضًا- بأسعار منخفضة، مضيفًا أن خطوة تمييز الشركات نظير بياناتها المتعلقة بالانبعاثات يعدّ علامة جيدة على أن بكين جادة في بناء سوق شرعية للكربون.
فخلال شهر مارس/آذار، انتقدت وزارة البيئة 4 شركات لتزييف بيانات الكربون، ويعدّ ذلك جزءًا من جهودها لتحسين جودة البيانات.
ويشير محللو المناخ إلى أن الحكومة المركزية هي الوحيدة القادرة على دفع المتسببين في التلوث للحدّ من الانبعاثات.
اقرأ أيضًا..
- بالأرقام.. إغلاق محطة فريبورت للغاز المسال يهدد السوق الأوروبية
- حظر النفط الروسي يهدد بتفاقم نقص الإمدادات العالمية (مقال)
- النفط الليبي يخسر مليون برميل يوميًا وأنباء عن توقف الإنتاج نهائيًا