أزمة النفط الليبي تتفاقم.. وخبراء لـ"الطاقة": الإنتاج قد يتعطل لأشهر
انخفاض الإنتاج الليبي سيزيد من تقييد سوق النفط
مي مجدي
بات النفط الليبي سلاحًا لتحقيق الأهداف السياسية، وظهرت تداعيات ذلك واضحة على الإنتاج مع تصاعد التوترات بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وحكومة الاستقرار في الأسابيع الأخيرة.
فالدولة الواقعة في شمال أفريقيا تعاني -حاليًا- من تأجج الصراعات؛ إذ يتنافس سياسيان على منصب رئيس الوزراء: رئيس الوزراء المؤقت عبدالحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا.
ومع انخفاض الإنتاج اليومي بنحو 1.1 مليون برميل، أصبح قطاع النفط الليبي على المحك، لا سيما أن الأزمة السياسية أسفرت عن إغلاق المزيد من الموانئ والحقول.
وحال استمرار البلاد بضخّ قرابة 100 ألف برميل يوميًا فقط، توقّع محللون في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة أن الأزمة ستزيد من تفاقم نقص الإمدادات في السوق العالمية، وستعزز ارتفاع أسعار النفط الخام.
ويأتي التراجع الأخير بعد إغلاق مجموعة من المحتجين مينائي النفط الرئيسين في شرق السدرة ورأس لانوف، أكبر وثالث أكبر ميناء في البلاد.
خطر الانقسام السياسي
خلال العام الماضي، بلغ متوسط الإنتاج اليومي لعضو أوبك نحو 1.2 مليون برميل يوميًا.
وبحسب التصريحات الأخيرة لوزير النفط الليبي، محمد عون، فقد انخفض الإنتاج اليومي بنحو 1.1 مليون برميل، أي إن ليبيا تضخّ 100 ألف برميل يوميًا فقط، مشيرًا إلى أن حقل الوفاء -40 ألف برميل يوميًا- هو الحقل الوحيد الذي يواصل الإنتاج -حاليًا-.
وقال عون في تصريح لوكالة بلومبرغ: "تقريبًا، كل أنشطة النفط والغاز في شرق ليبيا متوقفة".
ومع ذلك، لم تصدر مؤسسة النفط الليبية -المسؤولة عن قطاع النفط الليبي- أي بيان رسمي عن حجم الإنتاج اليومي للبلاد.
وفي هذا الشأن، كشف الباحث المهتم بشؤون قطاع النفط الليبي، محمود محمد، أن عمليات إغلاق المواني والحقول في شرق وغرب وجنوب البلاد تنظمها جماعات تابعة لجهات وأطراف سياسية.
وقال لمنصة الطاقة المتخصصة: "كل هذه الإغلاقات ليست من قبل مجموعات لها مطالب حياتية، بل إغلاقات بسبب الانقسام السياسي، وهذا أخطر".
وعلّق على عدم ردّ مؤسسة النفط الليبية حتى الآن على تصريحات الوزير، قائلًا: "الجميع يعرف الخلاف الكبير والقديم بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله، ووزير النفط محمد عون، ولهذا ليس من المستغرب عدم تعليق المؤسسة على تصريحات عون".
من جانبه، أشار المدير الجيوسياسي لمجموعة رابيدان إنرجي، فرناندو فيريرا، إلى أن الحصار النفطي في ليبيا جوهره سياسي، متوقعًا استمرار الوضع حتى تنجح البلاد في التوصل إلى حلّ وسط أو استسلام أحد الأطراف المتنازعة.
وقال في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة: "لسوء الحظ، يبدو أن جميع الأطراف تنذر بنزاع طويل، وقد يعطّل ذلك الإنتاج لعدّة أشهر".
وأضاف: "يمكن أن يؤدي استمرار عدم الاستقرار السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية إلى انخفاض الإنتاج على المدى الطويل، ومع بدء سحب الاستثمارات ستتدهور قدرات المنبع".
تداعيات الأزمة على السوق
في ظل الفوضى الحاصلة، أسفر انخفاض الصادرات من ليبيا عن تفاقم أزمة شحّ الإمدادات، إذ يكافح المنتجون الآخرون في تحالف أوبك+ للوفاء بحصص الإنتاج.
ومن جانبها، قالت مؤسّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة، فاندانا هاري: "إن فقدان أكثر من مليون برميل يوميًا من الإنتاج الليبي يعدّ أسوأ ما شهدناه بخصوص انقطاعات الإنتاج في ليبيا منذ أواخر عام 2020".
وأضافت: "يستحيل التنبؤ بموعد عودة الإنتاج للحجم الطبيعي، كما إن حالة الركود السياسي في البلاد تزيد من استمرار الحصار واضطراب الإمدادات".
وهو ما أكده المدير الجيوسياسي لمجموعة رابيدان إنرجي، فرناندو فيريرا، لمنصة الطاقة المتخصصة، أن خسارة 600-700 ألف برميل يوميًا إضافية من ليبيا هو آخر ما يحتاجه سوق النفط -حاليًا-.
وأوضح أن الاضطرابات ستؤدي إلى تفاقم ضيق الأسواق التي تعاني من آثار خسارة محتملة لكميات كبيرة من روسيا، خاصة أن عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجبر موسكو على إعادة توجيه الصادرات إلى آسيا.
وقال: "ستتأثر مصافي التكرير الأوروبية -خاصة الموجودة في البحر المتوسط- أكثر من غيرها، وهي عادة أكبر مشتري للنفط الليبي، وتُسارع -حاليًا- لاستبدال البراميل الروسية قبل بدء تنفيذ قرار حظر الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول".
وتابع: "تمتُّع ليبيا بقاعدة موارد مهمة ومنخفضة التكلفة سيبقيها محلّ جذب لشركات النفط الأجنبية، لكن لسوء الحظ، أدى الصراع بين الفينة والأخرى لأكثر من عقد إلى تدهور البنية التحتية للنفط في البلاد".
تأثير الوضع في أسعار النفط
في المقابل، ارتفعت أسعار النفط صباح اليوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران في آسيا؛ بسبب نقص المعروض الناجم عن انخفاض صادرات النفط الليبية.
ووفقًا لأحدث تقرير لبنك يو بي إس في سويسرا -واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة-، رفع البنك توقعاته لأسعار النفط، مدفوعًا بالانخفاض في مخزونات النفط، وتضاؤل القدرات الاحتياطية، والفجوة بين العرض والطلب.
ويتوقع البنك تداول خام برنت بسعر 130 دولارًا للبرميل بنهاية سبتمبر/أيلول، وبسعر 125 دولارًا للبرميل للأرباع الـ3 التالية، ارتفاعًا من 115 دولارًا للبرميل.
وأوضح البنك أن عدّة عوامل على صعيد العرض أدت دورًا لرفع توقعاته، أهمها استمرار الاحتجاجات في ليبيا، وأدى ذلك لانخفاض إنتاج النفط في البلاد، إلى جانب توقّف المفاوضات بين إيران والقوى العالمية، ويعني ذلك تأجيل عودة براميل النفط الإيرانية الإضافية هذا العام، وسينتج عن ذلك نقص في الإمدادات.
كما إن العديد من دول تحالف أوبك+ تكافح للوفاء بأهداف الإنتاج الحالية، رغم تعهداتها بزيادة الإنتاج.
وفي هذا الصدد، قال محلل السلع في بنك يو بي إس بسويسرا، جيوفاني ستانوفو، إن انخفاض إنتاج النفط الليبي سيزيد من تقييد سوق النفط، وسيعتمد تأثر أسعار الخام على مدى استمرار الاضطرابات.
وأوضح: "على مدار السنوات الماضية، شهدنا حالات انقطاع استمرت لمدة زمنية قصيرة، وحالات أخرى امتدت لمدة أطول، لكن إذا أخذنا في الحسبان أن النفط يدرّ عائدات لليبيا، فثمّة مصلحة في التوصل إلى اتفاق، ومع ذلك، من المرجح أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى حدوث اضطرابات مماثلة في المستقبل".
وأشارت مؤسّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة، فاندانا هاري، إلى أن الأخبار المتداولة عن إغلاق المواني والحقول الليبية انعكست على الأسعار، وأسفرت عن خسائر لحظية تصل إلى 2.5% في العقود الآجلة للخام، أمس الإثنين 13 يونيو/حزيران.
وقالت: "أعاد ذلك توجيه انتباه السوق من المخاوف الاقتصادية والطلب على النفط إلى الانشغال بشحّ الإمدادات".
إنتاج النفط الليبي
تراجع إنتاج النفط الخام الليبي من طاقته البالغة 1.2 مليون برميل يوميًا خلال الأشهر الأخيرة، حسب موقع إس آند بي غلوبال بلاتس (S&P Global Platts).
وانخفض إنتاج النفط في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى أدنى مستوى في 16 شهرًا، عند 770 ألف برميل يوميًا في مايو/أيار، إذ تسبّب النزاع السياسي بموجة جديدة من الاحتجاجات، ومن ثم أدى إلى موجة من الإغلاق هذا العام.
فقد رفض رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة التنازل عن السلطة لرئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي فتحي باشاغا.
وفي منتصف مايو/أيار، فشل باشاغا في السيطرة على عاصمة البلاد.
ورغم إعفاء ليبيا من نظام الحصص لمنظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، فإن الانخفاض الهائل في إمداداتها لا يزال يغذّي الأداء الضعيف للمجموعة بصفة مورّد.
وتكافح أوبك وحلفاؤها لاستعادة الإنتاج كما هو مخطط له، مع اقتصار الطاقة الفائضة على عدد قليل من الأعضاء، مما يمنح المستهلكين بعض الراحة من ارتفاع تكلفة الطاقة هذا الصيف.
اقرأ أيضًا..
- محطة تهدارت المغربية لتوليد الكهرباء.. الأولى من نوعها في أفريقيا (صور)
- 3 طرق خفية لنقل النفط الروسي وسط العقوبات الغربية
- توقعات بارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي 143 ألف برميل يوميًا