منافسة شرسة على صناعة الرقائق الإلكترونية بين أميركا وعدة دول آسيوية (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
- الكونغرس الأميركي قدم دعمًا بمليارات الدولارات لدعم الشرائح الإلكترونية
- صناعة الرقائق في أميركا تواجه تحديات كبيرة مع المنافسة العالمية
- ضرورة البناء على جهود المؤسسات البحثية القائمة في أميركا
- دعم البحث والتطوير وتنمية القوى العاملة عبر سلسلة صناعة الرقائق
- الاستفادة من المؤسسات البحثية الرائدة عالميًا والتعلم من التجارب السابقة
تتعرّض صناعة الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة لضغوط كبيرة خلال السنوات الماضية، وسط منافسة شرسة مع العديد من الدول الآسيوية وتعمل حاليًا على استعادة قوتها في هذه الصناعة الإستراتيجية.
وتعتمد جميع أنظمة الدفاع الرئيسة ومنصاتها في الولايات المتحدة على الشرائح الإلكترونية، ومن شأن تآكل القدرات الأميركية في هذا المجال أن يمثل تهديدًا مباشرًا لقدرة البلاد على الدفاع عن نفسها وحلفائها، لا سيما في ظل الصراعات التي يشهدها العالم حاليًا، والتي يقودها الغزو الروسي لأوكرانيا.
وانتبه الكونغرس الأميركي لهذا التهديد وخصص 52 مليار دولار ضمن قانون المنافسة، الذي أقرّه مجلس الشيوخ منتصف 2021، لدعم أبحاث الرقائق الإلكترونية وإنتاجها في الولايات المتحدة، لكن كيف يمكن إنجاز هذه المهمة على أكمل وجه؟
ويوضح تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية المسار الصحيح لدعم صناعة الرقائق الإلكترونية محليًا في الولايات المتحدة، الذي يرتكز على مواجهة التحديات الحالية والاستفادة من المنظمات البحثية والأصول القائمة في أميركا، فضلًا عن التعلم من المؤسسات الدولية الرائدة وتجاربها السابقة.
مواجهة التحديات
هناك العديد من التحديات التي تواجه صناعة الرقائق الإلكترونية في أميركا، مثل المنافسة الدولية ومتطلبات الاستثمار الرأسمالي والتمويل واحتياجات القوى العاملة والفجوات في سلسلة التوريد.
وأمام ذلك، يوضح التقرير 4 عوامل لمواجهة هذه العقبات:
أولًا، الحوافز الضريبية؛ إذ يجب الاستفادة من الحوافز الفيدرالية الممنوحة بصورة تنافسية في دعم استثمارات الشركات لإنشاء مرافق تصنيع الرقائق الإلكترونية والبنية التحتية وتوسيعها وتحديثها داخل الولايات المتحدة.
ثانيًا، تنمية القوى العاملة عبر ضمان أن يركز أي جهد لتوسيع قدرات الولايات المتحدة في تصنيع الرقائق الإلكترونية، على وجود قوة عاملة كبيرة كافية بمجموعات المهارات الضرورية.
ثالثًا، دعم التعبئة والتغليف من خلال توجيه الإنفاق الحكومي نحو ضمان وجود إمكانات حديثة في تغليف الرقائق الإلكترونية، بما في ذلك الأدوات والمرافق والخبرة والبنية التحتية لما بعد التصنيع وغيرها.
رابعًا، تعزيز البحث والتطوير من خلال عمل المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا (NSTC) الأميركي على دمج قدرات البحث والتصميم والتصنيع في الولايات المتحدة، ومعالجة الثغرات في البنية التحتية للإلكترونيات الدقيقة.
الاستفادة من أصول الأبحاث الأميركية القائمة
يجب أن تعمل الولايات المتحدة على معالجة الثغرات في سلسلة صناعة الرقائق الإلكترونية والاستفادة من تجارب الماضي والجهود المؤسسية المستمرة بدلًا من تكرارها.
وهذا بالإضافة إلى البناء على البنية التحتية الكبيرة للبحث والتطوير في مجال الرقائق الإلكترونية، والاستفادة مما هو موجود في الولايات المتحدة.
لذلك هناك حاجة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الأميركية التي تواجه تحديات، مثل مؤسسة أبحاث الرقائق الإلكترونية (SRC) والمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، تحت قيادة المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا.
وبالنسبة إلى الاستفادة من تجارب الماضي في أميركا، يجب التعلم من تجربة سيماتك (Sematech)، وهو اتحاد بحثي حكومي وصناعي تأسس عام 1988، في وقت هدد فيه التآكل السريع لقدرة أميركا في صناعة الرقائق الإلكترونية القدرة التنافسية والأمن القومي للبلاد.
ومن أجل استعادة قوة هذا القطاع، تعاون (سيماتك) مع المؤسسات القائمة مثل مؤسسة أبحاث الرقائق الإلكترونية والمختبرات الفيدرالية، وأقبل وقتها على عدة أمور، يجب على صانعي السياسات والمجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا الاستفادة منها وهي:
- تحديد خريطة طريق التكنولوجيا الدولية للرقائق الإلكترونية، الأمر الذي شجع على زيادة الاستثمارات الخاصة إلى جانب الإنفاق الحكومي.
- تطوير معايير مشتركة تتيح إمكان التشغيل البيني للأدوات والبرامج التي كانت غير متوافقة في السابق، وهذا فرض تكاليف هائلة وأعباء تشغيلية على شركات الأجهزة وموردي الأدوات والمواد.
- تحسين أداء صناع المعدات من خلال إتاحة نظام لقياس أدائهم مقارنة مع الآخرين.
- دعم سلسلة التوريد من خلال تعزيز العلاقة بين عناصر سلسلة القيمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، وتحديد الأهداف التكنولوجية للموردين، ما مكنهم من تركيز جهودهم التنموية على نقاط واضحة.
- خفض التكلفة والمخاطر؛ إذ مكّن (سيماتك) الشركات الأعضاء من تقليل تكاليف أبحاثها عبر تجميع الجهود، مع تقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات في التصنيع.
- الاستفادة من المختبرات الفيدرالية ذات الخبرة عالية الجودة والبنية التحتية القائمة.
المنظمات البحثية الرائدة عالميًا
إلى جانب الهيئات الأميركية، يمكن أن يستفيد المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا في أميركا من دراسة الهياكل المؤسسية والممارسات التشغيلية الموجودة في المنظمات الأجنبية التي لها باع كبير في صناعة الرقائق، ومن أبرزها:
- معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية (ITRI) في تايوان، الذي يرجع إليه الفضل في دفع الدولة الآسيوية من اقتصاد زراعي إلى إحدى القوى البارزة التكنولوجيا الفائقة عالميًا، فضلًا عن أنها موطن شركة "تايوان لصناعة الرقائق الإلكترونية المحدودة"، وهي الشركة الرائدة في تصنيع الشرائح حاليًا.
- جمعية فراونهوفر الألمانية، تُعد أفضل منظمة في العالم للأبحاث التطبيقية المرتبطة بالصناعة.
- مركز الإلكترونيات الدقيقة (IMEC)، وهو منظمة بحثية رائدة على مستوى العالم مقرها بلجيكا، ويعمل به 4 آلاف باحث من 90 دولة، ويدير العديد من مراكز البحث والتطوير عالميًا، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
سمات المنظمات البحثية
من أجل إحياء صناعة الرقائق الإلكترونية في أميركا على المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا الاستفادة من السمات المشتركة في المؤسسات البحثية العالمية، فعلى الرغم من أن هذه المنظمات تختلف اختلافًا جوهريًا فيما يتعلق بدورها داخل أنظمة الابتكار الوطنية، وكذلك في هيكلها وممارساتها التشغيلية، فإنها تشترك في سمات مهمة.
وأولى هذه السمات وجود شبكة بين عناصر صناعة الرقائق الإلكترونية من أجل سد الفجوة بين البحث والتطبيق وتحقيق التكامل التكنولوجي.
وفضلًا عن تحديد مهمة واضحة للمجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا، الذي تشير التوقعات إلى أنه يسعى لتحقيق ابتكارات تكنولوجية في الموضوعات الجديدة، مع بعض المشروعات التي تنطوي على آفاق زمنية طويلة، وهنا يجب على الحكومة الفيدرالية إجراء عملية للتقييم الدوري لإنجاز المهام.
ومن السمات المهمة أيضًا للمنظمات البحثية هو التكيّف بين عناصر صناعة الرقائق الإلكترونية من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يجعل الأهداف العامة واضحة ويعمل على تقاسم التكاليف.
وهذا بالإضافة إلى الاستقلال المؤسسي؛ إذ تتمتع المنظمات البحثية العامة الرائدة باستقلالية كبيرة عن الرقابة الحكومية، إلى جانب السمعة المؤسسية، إذ تعد العلامة التجارية أداة توظيف قوية وتمكّن من تكوين علاقات تعاون مع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات البحثية الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم.
كما أن القيادة القوية -أيضًا- أمر بالغ الأهمية لنجاح أيّ منظمة بحثية، فضلًا عن جودة الموظفين المؤهلين تقنيًا.
ومن أهم المميزات التي يجب أن يستفيد المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا منها هو إنشاء صندوق استثمار وهيكلته وإدارته بين القطاعين العام والخاص، لدعم الرقائق الإلكترونية، مثل تفعيل جمعية فراونهوفر الألمانية.
وفي النهاية، يرى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ضرورة التعلم من التجارب السابقة، حتى تحقق الولايات المتحدة رغبتها في استعادة قوة صناعة الرقائق الإلكترونية، موضحًا أنه حتى المنظمات البحثية العامة الناجحة في نهاية المطاف تواجه أزمة كبيرة، في كثير من الأحيان بعد وقت قصير من إنشائها.
موضوعات متعلقة..
- نقص الرقائق الإلكترونية معضلة تهدد صناعة السيارات في العالم
- السعودية تطلق مشروعًا لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية.. الأول في المنطقة
اقرأ أيضًا..
- آسيا تستعيد زخم واردات الغاز المسال بعد سيطرة أوروبا (تقرير)
- إيرادات صادرات النفط السعودي تسجل 30.39 مليار دولار في مارس