تخلي أوروبا عن الغاز الروسي هل يقلل من انبعاثات الميثان؟ (تقرير)
نوار صبح
- • يمكن استخدام الغاز الطبيعي الأميركي للتخلص التدريجي من نظيره الروسي الملوِّث
- • العالم الغربي يسارع للاستغناء عن إمدادات النفط والغاز التي موّلت غزو روسيا لأوكرانيا
- • من السذاجة الاعتقاد أن العالم سيتخلى عن الوقود الأحفوري بالسرعة التي يحددها العلماء
- • دعوة معظم بلدان الاتحاد الأوروبي إلى وقف استيراد النفط الخام الروسي خلال 6 أشهر
- • تؤكد إدارة بايدن حرصها على تحقيق أهداف المناخ مع تزويد أوروبا بالغاز
قبل اجتياح أراضي أوكرانيا، الذي بدأ في أواخر فبراير/شباط الماضي، كانت أوروبا تعتمد على الغاز الروسي، إضافة إلى النفط، إذ تحصل من روسيا على نحو ربع نفطها وأكثر من ثلث غازها الطبيعي.
أما الآن، فإن أوروبا تبحث عن مصدر آخر للطاقة، في وقت أثارت فيه جهود الرئيس الأميركي جو بايدن لزيادة صادرات الولايات المتحدة من الغاز جدلًا بشأن ما إذا كانت الإدارة الأميركية تتراجع عن أهدافها المناخية أو تحسّنها بطريقة جديدة.
يأتي الجدل في الوقت الذي يسارع فيه العالم الغربي للاستغناء عن إمدادات النفط والغاز التي موّلت غزو روسيا لأوكرانيا، حسبما نشر موقع إسنشل إنرجي آند إنفيرونمنت نيوز (إي إي نيوز)، المعني بأخبار الطاقة والبيئة.
ويرى قطاع النفط والغاز -جنبًا إلى جنب مع بعض مراقبي المناخ- أن هذا يمثّل فرصة لاستخدام الغاز الطبيعي الأميركي للتخلص التدريجي من نظيره الروسي الملوِّث.
مزايا الغاز الطبيعي الأميركي
قال المستشار الإستراتيجي في معهد السياسة التقدمية، المسؤول المناخي السابق في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بول بليدسو: إن هناك فائدة مناخية هائلة في استخدام الغاز الطبيعي الأميركي.
وأوضح أن من المهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تنوّه بأن الغاز الأميركي هو الأنظف في العالم.
وتعكس وجهة نظر بول بليدسو نهجًا سياسيًا واقعيًا لسياسة المناخ، مفاده بأن من السذاجة الاعتقاد بأن العالم سيتخلى عن الوقود الأحفوري بالسرعة التي يحددها العلماء.
لذلك، يُفضَّل اختيار أنواع الوقود الأحفوري الأقل إضرارًا بالمناخ مكملًا للتحول إلى الطاقة المتجددة وطاقة الهيدروجين.
ويقول مؤيدو الطاقة المتجددة إن هذا النهج يعتمد على افتراض ساذج يتلخّص في أن استبدال الإنتاج الروسي بالغاز الأميركي من شأنه أن يخفض أو ينهي انبعاثات غاز الميثان.
علاوة على ذلك، لا يتقبّل مؤيدو الطاقة المتجددة فكرة أن الغاز المنتج في الولايات المتحدة أنظف كثيرًا مما هو عليه في روسيا، لذا فهم لا يرون أن إنتاج المزيد منه هنا مفيد.
ومن ناحيته، أعلن الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، خطة للتخلص التدريجي من واردات النفط الروسي، بوصفه جزءًا من حزمة العقوبات الأخيرة. وتدعو الخطة معظم بلدان الاتحاد الأوروبي إلى وقف استيراد النفط الخام الروسي خلال 6 أشهر والمنتجات المكررة بحلول نهاية العام.
وانضمت أوكرانيا إلى مقاطعة إمدادات الغاز هذا الأسبوع. وأفادت شركة تشغيل خطوط الأنابيب في البلاد بأنها رفضت شحن الغاز إلى أوروبا من المناطق الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية.
يأتي ذلك في وقت كانت أوروبا تواجه فيه نقصًا في الطاقة قبل الإعلان.
وقد قطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شحنات الغاز إلى بولندا وبلغاريا، وتراجعت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا الشهر الماضي.
واغتنمت النرويج فترة ركود الصادرات الغاز الروسي، إذ زادت التدفقات إلى بقية أوروبا بنسبة 17% في الأسبوع الماضي، وفقًا لشركة ريستاد إنرجي ومقرها أوسلو.
إدارة بايدن ومشكلات الإمداد في أوروبا
وضعت صناعة النفط والغاز الأميركية، وداعموها السياسيون، غازها الطبيعي المسال حلًا لمشكلات الإمداد في أوروبا، أو على الأقل جزء كبير منها.
ويعرض مصدِّرو الغاز إمكان التوسع إذا التزمت الحكومات والصناعة الأوروبية بشراء الغاز الطبيعي المسال لسنوات مقبلة.
وقطعت إدارة بايدن شوطًا في هذا المضمار، من حيث منح الموافقات على المزيد من صادرات الغاز الطبيعي المسال والحث على زيادة الإنتاج.
وأعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مارس/آذار أنهما سيعملان معًا لتقليل طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بما يصل إلى الثلثين، مع تكوين الولايات المتحدة الثلث المتبقي من خلال إمداد ما يصل في النهاية إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.
وقد لاقت تحركات بايدن المؤيدة للغاز الطبيعي المسال ترحيبًا لدى أقطاب الصناعة، على الرغم من أنهم استمروا في انتقاد بايدن بسبب سياسات إلغاء مزادات التنقيب البحرية المخطط لها.
زيادة صادرات الغاز الطبيعي
قال الرئيس التنفيذي لمجموعة (إل إن جي ألايز)، المؤيدة للتصدير، فريد هوتشيسون، إن تعهد بايدن بزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال يُظهر "الدور الحاسم الذي يمكن أن يقدمه الغاز الطبيعي المسال الأميركي في تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي غير الموثوق".
وأردف قائلًا إن "الغاز الطبيعي المسال الأميركي يلبي طموحات الولايات المتحدة المناخية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050".
تُجدر الإشارة إلى أن زيادة الصادرات قد تعني المزيد من المحطات، والمزيد من خطوط الأنابيب والمزيد من الحفر أو "التكسير" في أنحاء الولايات المتحدة.
ومن المحتمل أن يثير ذلك معارضة من جانب المجموعات المعارضة للتصنيع، وعلماء البيئة الذين يقولون إن إنتاج النفط والغاز يولد تلوثًا خطيرًا، وقادة المناخ الذين يقولون إن المزيد من البنية التحتية للوقود الأحفوري لا تتوافق مع تحقيق أهداف خفض الانبعاثات في العالم.
وبينما تؤكد إدارة بايدن أنها لا تزال تريد تحقيق أهداف المناخ مع تزويد أوروبا بالغاز، يقول بعض علماء البيئة إن بايدن لا يستطيع فعل الأمرين معًا.
وقال مدير السياسات في مجموعة "فود آند ووتر ووتش" البيئية، جيم والش، مشيرًا إلى معالجة الإدمان على دواء الألم الشديد: إن التحول من الهيروين إلى الأوكسي كونتين لن يساعد المدمن. وأكد الحاجة إلى التخلص من هذه السلعة التي يسهل التلاعب بها.
ويرى المستشار الإستراتيجي في معهد السياسة التقدمية، المسؤول المناخي السابق في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بول بليدسو، أن من النفاق تجاهل أن إنتاج الغاز الروسي أكثر ضررًا.
وقال إن منتقدي الغاز الطبيعي المسال يتظاهرون بأن الغاز الطبيعي الروسي جيد إلى حد ما للمناخ، مضيفًا أن الشركات في روسيا ليست لديها لوائح تنظيمية، ولا إنفاذ للقوانين، ولا رقابة.
الحسابات غامضة بشأن الانبعاثات
وفقًا لمعظم المقاييس، يطلق إنتاج الغاز في الولايات المتحدة كميات ميثان أقل من إنتاج الغاز في روسيا.
وفي عام 2020، تصدّرت صناعة النفط والغاز الروسية العالم قائمة انبعاثات الميثان، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وعلى الرغم من أن غازات الدفيئة قصيرة العمر، فإنها قوية، وتحتبس الحرارة في الغلاف الجوي تزيد بمقدار 80 مرة على ثاني أكسيد الكربون في الـ20 سنة الأولى بعد إطلاقها.
وهذا يجعل تقليل انبعاثات الميثان تحديدًا أمرًا مهمًا، إذ يقول العلماء إن الأرض تتجه نحو نقطة تحول في غضون بضع سنوات فقط.
وبيّن تقرير تاريخي صدر العام الماضي أن نافذة الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات خطيرة قد أغلقت تقريبًا، وأن القيام ببعض التغييرات يُعدّ ضرورة حتمية.
فقد حددت دراسة أجرتها وزارة الطاقة الأميركية عام 2019 سجل إنجازات روسيا. ووجدت أن الغاز الذي يُسلّم عبر خط أنابيب من روسيا إلى أوروبا لديه احتمالية تزيد بنسبة 40% عن الاحترار العالمي مقارنة بالغاز الطبيعي المسال من ساحل الخليج الأميركي على مدار 20 عامًا. ووجدت الدراسة أن الغاز الروسي لديه أيضًا إمكان زيادة الاحتباس الحراري بنسبة 20% أكثر من الفحم الأوروبي.
وبحسب وزارة الطاقة الأميركية، فإن نحو 4% من الغاز يتسرب عند نقله عبر الأنابيب من الآبار الروسية إلى المحطات الأوروبية، ويبلغ معدل التسرب هذا 1% للغاز من الآبار الأميركية الذي يُشحن إلى أوروبا.
ونظرًا إلى نقص البيانات، استخدمت وزارة الطاقة أداء الصناعة الأميركية بديلًا لتمثيل إنتاج الغاز الروسي ونقله.
ولا يعرف الخبراء تمامًا كمية الميثان التي تنبعث من البنية التحتية القديمة في روسيا.
من جهتها، أصدرت روسيا تقديرات لانبعاثات غاز الميثان، لكن الأرقام كانت متغيرة على نطاق واسع على مر السنين.
أرقام مبهمة من روسيا ودول أخرى
في عام 2019، خفّضت روسيا تقديراتها لانبعاثات الميثان بأكثر من 90% دون تفسير، ما أثار انتقادات من المراجعين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كما أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تبلغ عن أرقام غامضة.
واستخدم تقرير وكالة الطاقة الدولية، في وقت سابق من هذا العام، بيانات الأقمار الصناعية لتقدير انبعاثات البلدان، ووجد أن البلدان في جميع أنحاء العالم تقلل بشكل كبير من الإبلاغ عن انبعاثات غاز الميثان من إنتاج الطاقة.
وبينما أبلغت بعض الدول في أميركا الشمالية عن نحو ثلثي انبعاثاتها الفعلية فقط، أبلغت روسيا والدول المحيطة ببحر قزوين عن أقل من نصف انبعاثاتها، وفقًا للتقرير.
وعلاوة على ذلك، يُعدّ تقدير وكالة الطاقة الدولية غير مكتمل، لأن الأقمار الصناعية تواجه نقاطًا عمياء، بما في ذلك حقول النفط والغاز الروسية الرئيسة.
وأشار تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أن تسرب غاز الميثان من عمليات الوقود الأحفوري في العالم قد زاد من كمية الغاز المستخدمة في قطاع الطاقة في أوروبا.
ووجد التقرير أيضًا "مصادر انبعاثات فائقة" موجودة في حوض برميان بولاية تكساس الأميركية.
وقال نائب الرئيس الأول للطاقة في صندوق الدفاع عن البيئة، مارك براونستين، إنه رغم أن الغاز الأميركي قد يكون أنظف من الغاز الروسي، فإنه لا يزال أمامه طريق طويل للحد من انبعاثات الميثان.
وأضاف أن الاستغناء عن الغاز الروسي حاصل الآن، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة والمنتجين الآخرين ما زالوا بحاجة إلى تقليل انبعاثات غاز الميثان، وأن أوروبا بحاجة إلى استبدال الغاز الروسي بأنظف وقود ممكن.
اقرأ أيضًا..
- أوروبا تتفاوض لاستيراد الغاز الإسرائيلي بعد تسييله في مصر (خاص)
- صناعة التعدين.. مفتاح انتقال الطاقة يفشل في تخطي التحديات (تقرير)
- هل ينجح خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب في تعويض إمدادات أوروبا من روسيا؟