الطاقة في ترينيداد وتوباغو.. دور متزايد للغاز وتجاهل للمصادر المتجددة (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة
- إنتاج النفط في ترينيداد وتوباغو يشهد هبوطًا في السنوات الأخيرة
- ترينيداد وتوباغو تُولي اهتمامًا كبيرًا لإنتاج الغاز الطبيعي
- قطاع البتروكيماويات يستحوذ على غالبية استهلاك الغاز في البلاد
- تعدّ ترينيداد وتوباغو مصدّرًا رئيسًا للغاز المسال في العالم
- النفط والغاز العمود الأساس لنمو اقتصاد ترينيداد وتوباغو
- ترينيداد وتوباغو لا تزال بعيدة للغاية عن تحول الطاقة
واجه قطاع الطاقة في ترينيداد وتوباغو تحديات كبيرة، جراء وباء كورونا، إلّا أن البلاد تعمل على تعزيز استثمارات النفط والغاز، والتي تعدّ بمثابة الركن الرئيس للاقتصاد.
وتعدّ البلاد أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في منطقة البحر الكاريبي، ورغم تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة، فإن قطاع الطاقة في ترينيداد وتوباغو لا يزال جزءًا لا يتجزأ من النمو الاقتصادي طويل الأجل والتنمية للبلاد.
ويرجع ذلك إلى أن قطاع الطاقة في ترينيداد وتوباغو يسهم بشكل كبير في الإيرادات الحكومية وعائدات الصادرات، وكذلك الناتج المحلي الإجمالي، رغم ضغوط تحول الطاقة والابتعاد عن المصادر المسبّبة للانبعاثات الكربونية الضارة.
وتركّز الدولة -الواقعة جنوب البحر الكاريبي- أكثر على الغاز الطبيعي في الوقت الحالي، مع امتلاكها احتياطيات كبيرة من هذا الوقود الأحفوري، وكذلك بالنظر إلى الغاز بصفته وقودًا انتقاليًا في إطار اتجاه تحول الطاقة عالميًا.
ومع وفرة احتياطيات النفط والغاز، فإن ترينيداد وتوباغو تتمتع بأنها إحدى الدول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الأعلى من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي.
كما إنها تستغل هذه الموارد في إنتاج الأمونيا؛ إذ تتميز البلاد بامتلاكها 11 مصنعًا بسعة إجمالية تبلغ 5.2 مليون طن سنويًا، ما يجعلها واحدة من أكبر مصدّري الأمونيا في العالم.
ويمكن الاطلاع على التقارير التي أعدّتها وحدة أبحاث الطاقة فيما يتعلق بتاريخ منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) والدول الأعضاء منذ التأسيس عام 1960، من خلال الضغط هنا.
قطاع النفط في ترينيداد وتوباغو
بعد اكتشاف النفط في منتصف القرن التاسع عشر، دخلت ترينيداد وتوباغو عصر إنتاج الخام تجاريًا عام 1902 من الحقول البرية، قبل بدء اكتشافات الحقول البحرية في 1954.
وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة من النفط في ترينيداد وتوباغو نحو 242.982 مليون برميل بنهاية العام الماضي، وهي الاحتياطيات المسجلة في العام السابق له، وفق تقديرات مجلة أويل آند غاز.
وارتفع إنتاج النفط في الدولة الواقعة جنوب البحر الكاريبي بنحو 2.1% العام الماضي، ليصل إلى 78 ألف برميل يوميًا، كما تشير أرقام أويل آند غاز.
وشهد الإنتاج هبوطًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مقارنة مع المستويات التي كانت تحوم حول 150 ألف برميل يوميًا في العقدين الماضيين، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، اعتمادًا على أرقام شركة بي بي البريطانية.
وبلغ إنتاج النفط الخام في البلاد ذروته عام 1978، عند مستوى 230 ألف برميل يوميًا، واستمر في التراجع منذ ذلك الحين، إذ انتقل قطاع الطاقة في ترينيداد وتوباغو من هيمنة النفط إلى قطاع يعتمد -في الغالب- على الغاز الطبيعي، وذلك أوائل التسعينيات.
وبحسب أرقام بي بي، فإن الاستهلاك السنوي من النفط في ترينيداد وتوباغو يقارب نحو 40 ألف برميل يوميًا، طوال العقدين الماضيين.
وفي عام 2020، بلغ إجمالي صادرات البلاد من النفط نحو 20.315 مليون برميل، وفق بيانات البنك المركزي في ترينيداد وتوباغو.
الغاز الطبيعي في ترينيداد وتوباغو
تمتلك ترينيداد وتوباغو 10.687 تريليون قدم مكعبة (0.302 تريليون متر مكعب) من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في 2021، وهي احتياطيات أعلى من الرقم المسجل في العام السابق له، والبالغة 10.526 تريليون قدم مكعبة (0.298 تريليون متر مكعب)، بحسب أويل آند غاز.
واتخذ إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد مسارًا هبوطيًا، منذ أن سجل مستوى قياسيًا عند 3.90 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.11 مليار متر مكعب يوميًا) عام 2010، وفق أرقام بي بي.
وفي عام الوباء 2020، تراجع إنتاج ترينيداد وتوباغو من الغاز الطبيعي بنحو 15%، ليصل إلى 2.84 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.080 مليار متر مكعب يوميًا).
وبلغ الإنتاج نحو 2.73 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.077 مليار متر مكعب يوميًا) في النصف الأول من 2021، أي أقلّ بنسبة 20% عن المدة المماثلة من العام السابق، وفقًا لوزارة الطاقة في ترينيداد وتوباغو.
ووفقًا لأحدث بيانات البنك المركزي في البلاد، بلغ إنتاج الغاز الطبيعي 2.87 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.081 مليار متر مكعب يوميًا) في يناير/كانون الثاني 2022.
ومن المتوقع أن تُسهم الدولة الكاريبية بنحو 25% من إنتاج الغاز الطبيعي في الأميركتين بحلول عام 2025، من المشروعات المخططة والمعلنة حتى الآن، بحسب شركة البيانات والتحليلات غلوبال داتا.
فيما يتعلق بالاستهلاك، فإن البلاد استهلكت 13.27 مليار متر مكعب من الغاز في 2020، مقارنة مع 15.09 مليار متر مكعب عام 2019، قبل الوباء، بحسب بيانات منتدى الدول المصدّرة للغاز.
وتأتي غالبية استهلاك الغاز من مصانع البتروكيماويات بصفة مادة وسيطة (10 مليارات متر مكعب)، فضلًا عن استهلاكه في قطاع الكهرباء.
وتعدّ ترينيداد وتوباغو من أعضاء منتدى الدول المصدّرة للغاز، الذي يمثّل 70% من احتياطيات الغاز المؤكدة عالميًا، و44% من إنتاجه المسوق، و51% من صادرات الغاز الطبيعي المسال.
الغاز المسال
بدأت ترينيداد وتوباغو إنتاج الغاز الطبيعي المسال عام 1999، مع بدء تشغيل مشروع أتلانتيك للغاز المسال.
وأدى الهبوط المتزايد في إنتاج الغاز الطبيعي إلى تراجع إنتاج الغاز المسال في ترينيداد وتوباغو لنحو 1.1 مليون متر مكعب خلال مايو/أيّار 2021، مسجلًا أقلّ إنتاج شهري في 18 عامًا، وفق بيانات البنك المركزي.
ورغم تعافي إنتاج الغاز المسال في الشهرين التاليين، فإنه عمّق تراجعه لأقلّ من مليون متر مكعب في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين، قبل أن يعاود الارتفاع خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
وبحسب أحدث البيانات، بلغ إنتاج الغاز الطبيعي المسال في البلاد 1.68 مليون متر مكعب في يناير/كانون الثاني لعام 2022.
وفي عام الوباء، تراجعت صادرات البلاد من الغاز المسال إلى 13.92 مليار متر مكعب، مقارنة مع 16.9 مليار متر مكعب عام 2019، إذ تعدّ ترينيداد وتوباغو مصدّرًا رئيسًا للغاز المسال حول العالم، وفقًا بيانات منتدى الدول المصدّرة للغاز.
دعم مشروعات الغاز
بين جميع مصادر الطاقة في ترينيداد وتوباغو، تعمل البلاد على تعزيز مشروعات الغاز، خاصة أنها تضم أحد أكبر منشآت معالجة الغاز في نصف الكرة الغربي، من خلال مجمع سوائل الغاز الطبيعي في ميناء سافونيتا، والذي تبلغ قدرة المعالجة فيه ملياري قدم مكعبة يوميًا (0.056 مليار متر مكعب يوميًا).
وفي إطار سعي الدولة لتعزيز إنتاج الغاز، أعلن وزير الطاقة في ترينيداد وتوباغو، ستيوارت يونغ، نهاية العام الماضي، إطلاق جولة عطاءات للتنقيب عن الغاز في المناطق البرية والمياه الضحلة خلال 2022.
بينما تخطط شركة شل إلى تطوير حقل الغاز البحري مانتي، الذي سيكون أكبر حقل في البلاد، إذ تُقدّر احتياطياته بنحو 10 تريليونات قدم مكعبة (0.283 تريليون متر مكعب)، وهو يقع على الحدود البحرية لترينيداد وتوباغو مع فنزويلا، حسبما ذكرت منصة آرغوس ميديا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتأمل الحكومة أن يُسهم حقل مانتي بحلّ أزمة عجز الغاز الطبيعي الطاحنة في البلاد، إذ من المتوقع أن ينتج 2.7 تريليون قدم مكعبة (0.076 تريليون متر مكعب)، بدءًا من عام 2025.
وفي بداية أبريل/نيسان، أعلنت شركة شل بدء الإنتاج بمشروع كوليبري في منطقة الساحل الشمالي البحرية في ترينيداد وتوباغو، والمتوقع أن يوفر الغاز إلى السوق المحلية وأسواق تصدير الغاز المسال، التي تشهد منافسة كبيرة لتوفير الإمدادات، خاصة من قبل الولايات المتحدة، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن المتوقع أن يضيف هذا المشروع 174 مليون قدم مكعبة يوميًا (4.93 مليون متر مكعب يوميًا) من إنتاج الغاز المستدام على المدى القريب، مع ذروة الإنتاج المتوقع 250 مليون قدم مكعبة يوميًا (7.08 مليون متر مكعب يوميًا)، عبر سلسلة من 4 آبار للغاز تحت سطح البحر.
الاقتصاد والطاقة في ترينيداد وتوباغو
مع النمو الكبير في السنوات الأخيرة، خاصة في الاستثمارات، أصبح قطاع النفط والغاز يمثّل 40% من الناتج المحلي الإجمالي و80% من إجمالي صادرات ترينيداد وتوباغو.
وبحسب البنك الدولي، بلغ متوسط النمو الاقتصادي في البلاد ما يزيد قليلاً عن 8% سنويًا بين عامي 2000 و2007، وهو أعلى بكثير من المتوسط البالغ 3.7% لمنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي خلال المدّة نفسها.
ومع ذلك، فقد تباطأ الناتج المحلي الإجمالي منذ ذلك الحين، بسبب الانخفاض الحادّ في أسعار النفط والغاز، وبعد تعافٍ ضعيف في 2012-2013، انكمش اقتصاد ترينيداد وتوباغو في الأعوام التالية.
وفي عام 2020، عمّق الوباء جراح الاقتصاد في البلاد، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي 7.4% عام 2020، بفعل الانخفاض الكبير في صادرات الطاقة في ترينيداد وتوباغو وإيراداتها، مع ضعف الطلب العالمي، وتراجع الأسعار إلى مستويات متدنية، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
واستمرت تداعيات كورونا خلال العام الماضي أيضًا؛ إذ انكمش الاقتصاد بنحو 1%، لكن من المتوقع نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 5.7%، بدعم الانتعاش المتوقع في إنتاج النفط والغاز، لكنه سيظل أقلّ من مستويات ما قبل الوباء، بحسب صندوق النقد.
وما يؤكد أهمية النفط والغاز لاقتصاد البلاد، تعليق رئيس الوزراء، كيث رولي، عن إمكان وقف تمويل البنوك الدولية للتنقيب عن الوقود الأحفوري، قائلًا: "هذا سيكون بمثابة خنجر في قلوبنا".
وقال رولي، إن اقتصاد البلاد في خطر، إذ ينتقل العالم إلى مصادر أنظف للطاقة، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تسود الطاقة المتجددة.
ونظرًا لاعتماد الاقتصاد بشدة على الطاقة في ترينيداد وتوباغو، خاصة الوقود الأحفوري، فإن سياسات تطوير القطاع غير المتعلق بالطاقة، تُعدّ أمرًا بالغ الأهمية لدعم النمو الشامل على المدى المتوسط وتعزيز المرونة، كما يرى صندوق النقد.
تحول الطاقة في ترينيداد وتوباغو
بالنسبة إلى دولة تعتمد كليًا على الهيدروكربونات في الاقتصاد، فإن تحول الطاقة في ترينيداد وتوباغو يعدّ بمثابة عملية صعبة للغاية، وما يفسر ذلك أن البلاد لم تتحرك كثيرًا على جبهة الطاقة المتجددة.
ويعتمد توليد الكهرباء في البلاد على الوقود الأحفوري، إذ يذهب 8% من إنتاج الغاز الطبيعي إلى محطات الكهرباء.
وفي تصريحات لرئيس وزراء البلاد خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكد أنه على الرغم من أن الاقتصاد يعتمد على إنتاج الهيدروكربونات، فإن البلاد تعتزم العمل على تقليل الانبعاثات.
وتعدّ ترينيداد وتوباغو -البالغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة- من بين أكبر الدول إطلاقًا للانبعاثات من حيث نصيب الفرد.
وبلغت انبعاثات ترينيداد وتوباغو من ثاني أكسيد الكربون أكثر من 18 مليون طن خلال عام 2020، مقارنة مع 20.3 مليون طن في العام السابق له، بحسب بيانات بي بي.
وصدّقت البلاد رسميًا على اتفاقية باريس للمناخ عام 2018، وتسعى لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 15% من القطاعات الرئيسة -توليد الكهرباء والنقل والصناعة- بحلول عام 2030، مع اعتزامها تقليل الانبعاثات 30% في وسائل النقل العام نهاية هذا العقد.
وتعمل الدولة الكاريبية على الانتقال إلى محطات الكهرباء ذات الدورة المركبة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، قبل أن تصبح الطاقة في ترينيداد وتوباغو تعتمد في النهاية على المصادر المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتي تبلغ قدرتها المركبة على نطاق المرافق نحو 112 ميغاواط، وفق موقع ترينيداد وتوباغو غارديان.
موضوعات متعلقة..
- ترينيداد وتوباغو تطلق جولة عطاءات للتنقيب عن الغاز في 2022
- ترينيداد وتوباغو تضع ركائز اقتصاد الهيدروجين المستدام (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- تصدير الغاز المسال.. كم من الوقت يستغرق بناء محطة في أميركا؟
- تلوث الهواء.. الهند تتصدر قوائم العالم للسنة الرابعة (تقرير)