طاقة متجددةأخبار منوعةتقارير الطاقة المتجددةرئيسيةمنوعات

عمره 150 عامًا.. قانون المناجم والتعدين يهدد البيئة في أميركا

زيادة النشاط بهدف تحول الطاقة يدفع إلى مطالب بتعديل تشريع صدر عام 1872

حياة حسين

يحكم قطاع التعدين في أميركا قانون المناجم الصادر سنة 1872، وعدّة قوانين منبثقة منه، وهو ما يراه نشطاء البيئة والسكان الأصليون في المناطق التي يقع فيها هذا النشاط، خاصة في الغرب، تهديدًا لموطنهم وثرواته الطبيعية ومقدساتهم، رغم مرور 150 عامًا على إقراره.

ولا يشفع لتلك المناجم، ولا الشركات العاملة بها، أنها تستخرج خامات ومعادن تُستخدم في تصنيع أدوات ومعدّات الحفاظ على البيئة، وتساعد في تحقيق هدف تحول الطاقة، مثل الليثيوم، الذي يُعدّ مكونًا رئيسًا في إنتاج بطارية السيارة الكهربائية.

فالسكان الأصليون ونشطاء البيئة لا يرون سوى حفر وبؤر مهجورة في المناجم القديمة التي انتهى العمل بها، أو ثروات يجنيها الغرباء ويغترفون منها دون دفع أيّ تكلفة.

الأراضي العامة

منح قانون المناجم في أميركا، المستثمرين الحق بالعمل في أيّ أراضٍ عامة، والحصول على كل ما ينتجه من معادن، دون دفع أيّ مبالغ للدولة.

على سبيل المثال، وافقت السلطات، العام الماضي، على مشروع استخراج الليثيوم في منجم بمنطقة "ثاكر باس" في ولاية نيفادا، وهو في الأراضي العامة المملوكة للمكتب الفيدرالي لإدارة الأراضي، وتُقدَّر قيمة ثروات تلك المنطقة من الليثيوم بنحو 4 مليارات دولار.

ويُعدّ الليثيوم واحدًا من أهم الخامات التي تحتاجها صناعة السيارات الكهربائية، إذ إنه مكوِّن رئيس في بطاريتها.

قطاع النقل

تسعى الدول إلى كهربة قطاع النقل ضمن مجهودات تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إذ يُعدّ القطاع مسؤولًا عن نحو 30% من الانبعاثات الكربونية.

بطاريات الليثيوم والكبريت
شحن السيارات الكهربائية - أرشيفية

غير أن شركة "ليثيوم أميركاس"، التي فازت بمشروع ليثيوم نيفادا، وهي كندية، والمستثمر الرئيس فيها صيني، حصلا على أراضي دافعي الضرائب الأميركيين؛ بمنحهم ترخيصًا للمنجم، وفق معايير قانون القرن الـ19، حسبما أشار تقرير تحليلي على موقع "إنسايدر كليمت نيوز".

ويرى المنتقدون أن الشركة الكندية الصينية ستترك المنجم في نهاية المطاف، إثر انتهاء عمره، بعد تشويه الأراضي، لتكون عبارة عن حفرة بحجم وادٍ مياهه الجوفية ملوثة وغير قابل للاستصلاح.

وتقول الشركة، إنها ستضخّ استثمارات بقيمة مليار دولار، لإنتاج خام ضروري لمستقبل الطاقة النظيفة.

وعبّر عن ذلك -بصيغة أخرى- نائب رئيس شركة ليثيوم أميركاس، تيم كراولي، قائلًا: "نحن نستجيب لدعوة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن ضرورة تأمين سلسلة الإمدادات وعلاج تغير المناخ".

التحالف الرافض

يرفض تحالف من نشطاء البيئة والسكان الأصليين وأصحاب المزارع المحلية مشروع ليثيوم أميركاس في نيفادا، وأقاموا دعوى ضد الحكومة لوقفه.

ويطالب التحالف بوقف مشروع منجم الليثيوم، بسبب آثاره السلبية في المنطقة، إذ إنه يهدد المياه والمواقع المقدسة لدى السكان الأصليين، ويتّهم الحكومة بالتسرع في اتخاذ القرار الخاص بالعمل فيه قبل تقييم الأثر البيئي في المنطقة، ودون استشارة القبائل التي تقطنها.

ويثير الصراع الحالي في نيفادا وغيرها بأنحاء الولايات المتحدة -بين انتعاش اقتصاد الطاقة المتجددة، وحماة البيئة- الدهشة، وربما السخرية، إذ إن قانون المناجم والتعدين المتسبب فيه صدر بهدف تحقيق استقرار للغرب الأميركي.

وصدّق الرئيس الأميركي الـ18، يوليسيس غرانت، على قانون المناجم في مايو/أيار من عام 1872؛ بهدف تنمية قطاع المناجم في الولايات المتحدة.

ومنح القانون تفويضًا مطلقًا لأيّ شخص يرغب في استخراج المعادن من الأراضي العامة.

الذهب والفضة

سمح قانون المناجم والتعدين الأميركي القديم باستخراج عدد كبير من المعادن، مثل الذهب والفضة والنحاس واليورانيوم والليثيوم، وبكميات كبيرة في مئات الملايين من الأفدنة.

ويعني ذلك نقل ما في محفظة الأراضي العامة المملوكة لدافعي الضرائب من ثروات إلى جيوب مجموعة أشخاص استطاعوا استخراجها دون أيّ تكلفة.

ومنذ صدور قانون المناجم والتعدين قبل 150 عامًا، زاد عدد سكان الغرب الأميركي، واليوم يُنظر لتلك المناطق على أنها جزء من وسيلة فطام اقتصاد الولايات المتحدة عن الوقود الأحفوري، الذي يسبّب تغير المناخ.

يُذكر أن العالم بحاجة لزيادة إنتاج الليثيوم ومعادن أخرى ضرورية للتحول إلى الكهرباء بنسبة 500%، لتحقيق مستهدفات الطاقة النظيفة والحياد الكربوني بحلول عام 2050، وفق بيانات البنك الدولي.

كما قفز سعر الليثيوم مؤخرًا، ليبلغ 35 ألف دولار للطن، ويهدد التوسع الكبير في الحفر بحثًا عن تلك المعادن في أميركا، بأضرار بالغة للبيئة لا يمكن علاجها بسهولة.

ويأتي هذا التوسع في الحفر بعدما قرر الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن من أولويات إدارته توفير إمدادات محلية من تلك المعادن، تكفي تحقيق هدف تحول الطاقة، وفي الوقت ذاته يوجد قانون المناجم والتعدين الصادر عام 1872.

عهد اعتقال النساء

قال رئيس لجنة مجلس النواب، راؤول غريجالفا: "إن قانون المناجم في أميركا وضعه مشرّعون في وقت كانت الحكومة الفيدرالية تحاول طرد السكان الأصليين من أراضيهم، وتعتقل النساء اللاتي يسعين إلى المشاركة بالانتخابات في البلاد".

ويشير غريجالفا إلى وقت تأججت فيه العنصرية في أميركا بسبب اللون والجنس، وضد السكان الأصليين من الهنود الحمر -أيضًا-.

وأضاف رئيس لجنة مجلس النواب، الذي خاض حربًا طويلة لتعديل هذا القانون العتيق: "إن نشاط المناجم في أميركا تسبّب في بثّ التلوث إلى السكان الأصليين، والمجتمعات الريفية، إضافة إلى خسارة الدولة مقابل هذا النشاط لمدة قرن من الزمن".

وأطلق البروفسور المتقاعد من جامعة كولورادو، تشارلس ويلكينسون، على القانون القديم، وكل التشريعات المنبثقة عنه، اسم "أسياد الأمس"، كونها تمنح تفويضًا مفتوحًا لاستغلال الأراضي العامة، مهما كانت الأضرار الناجمة عنها، سواء بيئية أو ثقافية، وقد كانت أضرارها البيئية هائلة، من وجهة نظره.

فقد وجد مكتب الحسابات العامة أن هناك أكثر من 14 ألف معلَم لمناجم مهجورة في الأراضي العامة، وأنه منذ عام 2019، بلغت تكلفة إصلاح الموقع الواحد من 50-583 مليون دولار.

تلوث 40% من الآبار

قانون المناجمأشارت وكالة حماية البيئة الأميركية إلى أن 40% من آبار الغرب الأميركي تلوّثت مياهها بسبب نشاط المناجم والتعدين، وأنه يُطلق -يوميًا- نحو 50 مليون غالون من المياه الملوثة بحمض الكبريت والمعادن الثقيلة.

وكتب أحد سكان القبائل في الغرب الأميركي، وضمن مجموعة المعارضين لنشاط المناجم، قائلًا: "إن الدولة تسعى إلى استخراج تلك المعادن لتحقيق تحول الطاقة وحماية البيئة، لكن ما يسبّبه النشاط التعديني من أضرار بيئية أخطر من التلوث الحالي الناجم عن الأنشطة الأخرى".

وأعلنت الإدارة الأميركية، في فبراير/شباط الماضي، أنها شكّلت مجموعة تضم ممثلين من وكالات لتقديم توصيات بشأن طرق تحديث لوائح التعدين.

ويرى بعضهم أن تلك التعديلات ستخوض معركة شاقّة، بسبب انقسام الكونغرس الأميركي.

ومن المتوقع أن يطلب تحالف نشطاء البيئة والسكان الأصليون التشاور مع القبائل التي تقطن تلك المناطق، بسبب آثار النشاط التعديني التي تنعكس عليهم.

وكان تقرير حديث لشركة "أم إس سي آي"، التي تُجري دراسات حول الآثار البيئية والاجتماعية للاستثمارات المالية، قد كشف عن أن معظم المعادن المطلوبة لعملية تحول الطاقة تقع على بعد 35 ميلًا من القبائل الهندية التي تقطن المنطقة؛ ما يعني أن تلك المشروعات ستواجه معارضة كبيرة مع التوسعات الكبيرة في النشاط، وتهديده لـ "أماكن مقدسة".

يُذكر أن المحكمة تنظر -حاليًا- فيما إذا كانت إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترمب قد أخطأت بالموافقة على مشروع ليثيوم أميريكاس، رغم رفض القاضية المعنية طلبًا من السكان الأصليين للمنطقة، في سبتمبر/أيلول الماضي، بمنع الشركة من الحفر، لأن المكان يضمّ "رفات الأجداد"، ولم تتفاوض الشركة معهم بشأنه.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق