قواعد الاستثمار المستدام في أوروبا تكشف الاختلافات بشأن مزيج الطاقة المثالي
نوار صبح
- الطاقة النووية والغاز يخدمان هدف الانتقال إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050
- الطاقة النووية محايدة كربونيًا والغاز الطبيعي يطلق انبعاثات من الفحم
- تبدو محاولة استخدام الكهرباء المولَّدة من طاقتَي الرياح والشمس خيارًا مرغوبًا
- من الأفضل إصلاح نظام الكهرباء في أوروبا بإشراف الدولة المسؤولة عن مواطنيها
كشف الجدل الدائر بشأن قواعد الاستثمار المستدام، عن الاختلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول مزيج الطاقة المثالي و/أو المحتمل.
يأتي ذلك في الوقت الذي ما يزال فيه نظام الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، الذي أُطلق منذ 30 عامًا، يخضع لإصلاحات مستمرة؛ كونه لا يعمل بالشكل المطلوب،
وقد أطلقت المفوضية الأوروبية، قبل أكثر من 3 سنوات، تصنيف التمويل المستدام الذي يهدف إلى توجيه المؤسسات المالية والمستثمرين، عمومًا، من أجل تحديد مجالات الاستثمار واحترام مبادئ الاستدامة.
وقد أُدرِج هذا التصنيف في سياسات الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى الوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2050 على مستوى الاتحاد الأوروبي، حسبما أورد موقع "وورلد نيوكلير نيوز".
وجرت الموافقة على المبادئ الرئيسة للتصنيف على مستوى الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2020، ما يمنح المفوضية الأوروبية السلطة الكاملة لتطوير المزيد من المعايير التفصيلية باستخدام قوانين التفويض.
تصنيف مصادر الطاقة المستدامة
نشرت المفوضية الأوروبية قانون التفويض الأول المتعلق بمعايير التخفيف والتكيف مع التغير المناخي في يونيو/حزيران 2021، ويتضمن الأنشطة المرتبطة بنشر مصادر الطاقة المتجددة.
ولم تُضَمَّن الطاقة النووية والغاز في التصنيف، إذ اقترحت المفوضية تغطية مصادر الطاقة هذه في قانون تفويض تكميلي مخصص.
ووافق البرلمان الأوروبي على قانون التفويض الأول في أكتوبر/تشرين الأول، ووافق مجلس المفوضين عليه بحلول الموعد النهائي في ديسمبر/كانون الأول، مع انقسام عدد ملحوظ من الدول الأعضاء بين معارض (بما في ذلك فرنسا)، أو ممتنع عن التصويت (بما في ذلك ألمانيا).
وأصدرت المفوضية الأوروبية قانون تفويض تكميليًا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعطت 3 أسابيع للدول الأعضاء وما يسمى بخبراء منصة التمويل المستدام، لإبداء الآراء، لتعتمد المفوضية بعد ذلك قانون التفويض التكميلي بعد موافقة هيئة المفوضين.
وقد أثار هذا القانون، فور صدوره، جدلًا كبيرًا وتباينًا في المواقف، على الرغم من أن الطاقة النووية والغاز يخدمان هدف الانتقال إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إذ إن الطاقة النووية محايدة كربونيًا، ولأن الغاز يطلق انبعاثات من الفحم.
- الطاقة النووية.. خيارات أوروبا لتحقيق الحياد الكربوني باهظة الثمن
- هل تنجح المفوضية الأوروبية في وضع الغاز والطاقة النووية بالقائمة الخضراء؟
ويحدد مشروع قانون التفويض التكميلي، الذي قد يأتي صفقة بين فرنسا (الداعمة للطاقة النووية) وألمانيا (الداعمة للغاز الطبيعي)، عددًا من القيود في شكل معايير الفرز التقني التي يجب أن تراعي الأنشطة ذات الصلة لاعتمادها على أنها متوافقة مع التصنيف.
وقد استجابت العديد من المنظمات التي تمثّل آراء مختلفة، وتستخدم قنوات اتصال متنوعة لتقديم وجهات نظرها.
ونشرت منصة التمويل المستدام تحليلها الذي يعارض أساسًا إدراج الطاقة النووية والغاز في إطار التصنيف "الأخضر" للاتحاد الأوروبي، في 21 يناير/كانون الثاني.
ووافقت هيئة المفوضين، في 2 فبراير/شباط، على نسخة منقحة قليلًا من قانون التفويض التكميلي، التي ستُنشَر، ليدقّقها مجلس المفوضين والبرلمان، قبل الموافقة عليها أو رفضها.
مزيج الطاقة المثالي و/أو المحتمل
كشفت قصة التصنيف الطويلة هذه، ورسّخت، الاختلافات الرئيسة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن مزيج الطاقة المثالي و/أو المحتمل في عالم مقيد باعتبارات الحدّ من انبعاثات الكربون، إذ يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون نموذجًا يحتذى به، حسبما أورد موقع "وورلد نيوكلير نيوز".
ويتمثل أحد المخاوف الرئيسة في التصنيف في أنه يستند إلى مفهوم الاستدامة شديد التقييد، وهو يقتصر حاليًا على الاعتبارات البيئية "الخضراء" فقط.
ولا يُعدّ النهج "الأخضر" جديدًا على مستوى الاتحاد الأوروبي، كما إن التغيير في الكلمات المستخدمة لتسمية وتعزيز مسعى الاتحاد الأوروبي لإزالة الكربون من "كوكب نظيف للجميع" إلى "الصفقة الخضراء" سيمثّل أحد مظاهر التأثير العميق للّوبي "الأخضر" في مؤسسات الاتحاد.
في المقابل، تأتي المشكلة من الاندفاع نحو مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة، التي تروّج لها بعض الدول الأعضاء كثيرًا تحت ضغط السياسة الخضراء لأحزابها، وتنعكس بقوة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتبدو محاولة استخدام الكهرباء المولَّدة من طاقتَي الرياح والشمس خيارًا مرغوبًا، لكن هذه الطاقة الكهربائية متقطعة، وتتطلب تركيبات ومصادر طاقة احتياطية، ويُعدّ تخزين الكهرباء بالبطاريات خيارًا جذابًا، إذ يساعد العائلات على استخدام سياراتها الكهربائية.
يضاف إلى ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر بتقنية الكهرباء-إلى-كهرباء- (باور تو باور) أو الكهرباء الخضراء التي تنتج الهيدروجين واستخدامه لتوليد الكهرباء، وإن كان بكفاءة متدنية.
- الطاقة المتجددة.. نمو اتفاقيات شراء الكهرباء في أوروبا بنسبة 58% خلال 2021
- الهيدروجين الأخضر.. تحديات تواجه أوروبا في التحول للطاقة النظيفة
الأمر اللافت هو انخراط ألمانيا، التي تدافع عن مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة،تعمل على مستوى الاتحاد الأوروبي (مع النمسا ولوكسمبورغ وبعض الدول الأخرى) لفرضها، في صميم مشروع خطوط أنابيب نورد ستريم لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أراضيها.
جدير بالذكر أنه ينبغي احترام رغبة بعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في الاعتماد على الطاقة النووية الخالية من الكربون بدلاً من الغاز الطبيعي، وقَصْر استخدامها بديلًا لمصادر الطاقة المتجددة المتقطعة لتوليد الكهرباء.
وقد بلغت تكلفة نشر مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة في ألمانيا نحو 500 مليار يورو (565 مليار دولار أميركي) على مدار 20 عامًا، دون احتساب تكلفة تقنيات الطاقة الاحتياطية البديلة.
وأصبح المفهوم الأصلي لسوق الكهرباء مشوّشًا عندما ظهرت مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة في مشهد الطاقة، وتبيَّن للمحللين أن دمج مرافق توليد الكهرباء الصغيرة اللامركزية مع المرافق المركزية الكبيرة القابلة للتوزيع لا يمكن أن يكون نافعًا.
وقد حان الوقت لإصلاح نظام الكهرباء في أوروبا وتقديم رؤية طويلة المدى حول طريقة عمله بصورة مستقرة وسليمة، مع مراعاة مبدأ أن الكهرباء تُعدّ منفعة عامة و ليست سلعة، والالتزام بالتوازن الدائم بين الإنتاج والطلب.
ويبدو أن من الأفضل إصلاح نظام الكهرباء في أوروبا بإشراف الدولة، التي تتحمل المسؤولية تجاه مواطنيها -المستهلكين- دافعي الضرائب، وبمساعدة المنظمات المتكاملة إداريًا.
تجدر الإشارة إلى أن التصنيف الأخضر المستدام كشف عن الانقسام العميق بين تأييد مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة الخضراء بنسبة 100%، وبين تأييد الطاقة النووية للغاز، من حيث التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
اقرأ أيضًا..
- سوق النفط.. كيف يرى كابسارك الأسعار والطلب في 2022؟
- نقص الرمال يهدد زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة
- الربط الكهربائي البحري يحول تسمانيا الأسترالية إلى "بطارية متجددة"