الطاقة النووية تثير انقسامات في الولايات الأميركية (تقرير)
دينا قدري
تبرز الطاقة النووية بصفتها جسرًا لسد فجوة إمدادات الكهرباء مع انتقال الولايات الأميركية بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لمواجهة تغير المناخ المتسارع.
وتوّفر الطاقة النووية نحو 20% من الكهرباء في الولايات المتحدة، وهو ما يمثّل نحو نصف الطاقة الخالية من الكربون في البلاد، وتقع معظم المفاعلات الـ93 العاملة في البلاد شرق نهر المسيسيبي.
ويُمكن أن يؤدي صعود الطاقة النووية إلى أول توسع لبناء مفاعل نووي في الولايات المتحدة منذ أكثر من 3 عقود.
يأتي الاهتمام المتجدد بالطاقة النووية في الوقت الذي تطوّر فيه الشركات مفاعلات أصغر وأرخص تكلفة يُمكن أن تكمل شبكة الكهرباء في المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حسبما نقلت منصة "كيه تي إيه آر نيوز".
سياسة إدارة بايدن
ترى إدارة بايدن -التي حاولت اتخاذ خطوات حازمة لتقليل الغازات المسببة للاحتباس الحراري- أن الطاقة النووية ضرورية للمساعدة في التعويض عن تراجع الوقود الكربوني في شبكة الكهرباء في البلاد.
فقد صرّحت وزيرة الطاقة الأميركية، جينيفر غرانهولم، إلى وكالة أسوشيتد برس، بأن الإدارة تريد الحصول على كهرباء خالية من الكربون، و"هذا يعني الطاقة النووية، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية، وهذا يعني بوضوح الرياح البرية والبحرية، والطاقة الشمسية".
وستخصص حزمة البنية التحتية -التي تبلغ قيمتها تريليون دولار ودافع عنها بايدن بشدة- نحو 2.5 مليار دولار لمشروعات المفاعلات التجريبية المتقدمة.
وقالت وزارة الطاقة إن الدراسات التي أجرتها جامعة برينستون ومبادرة أبحاث ديكارب أميركا تظهر أن الطاقة النووية ضرورية لمستقبل خالٍ من الكربون.
انقسام ملحوظ
تشهد الطاقة النووية انقسامًا بين مواطني ومسؤولي الولايات المختلفة، ما بين مؤيدين لتحقيق الاستقرار في إمدادات الكهرباء، ومعارضين للمشكلات المحتملة التي يمكن أن تتسبب فيها، خصوصًا المواد المشعة.
ووجد مسح -أجرته وكالة أسوشيتد برس- لسياسات الطاقة في جميع الولايات الـ50 ومقاطعة كولومبيا، أن الغالبية العظمى -نحو الثلثين- ترى أن الطاقة النووية ستساعد بطريقة أو بأخرى في استبدال الوقود الأحفوري.
بينما أكد ثلث مواطني الولايات ومقاطعة كولومبيا أنهم ليست لديهم خطط لدمج الطاقة النووية في أهداف الطاقة الخضراء الخاصة بهم، ويميلون بدلًا من ذلك إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وقال مسؤولو الطاقة في تلك الولايات إن أهدافهم قابلة للتحقيق، بسبب التقدم في تخزين الطاقة باستخدام البطاريات، والاستثمارات في الشبكة لنقل الجهد العالي بين الولايات، وجهود كفاءة الطاقة لتقليل الطلب والكهرباء التي توفرها السدود الكهرومائية.
ويعكس الانقسام حول الطاقة النووية في الولايات المتحدة نقاشًا مشابهًا يظهر في أوروبا، إذ تلغي دول -من بينها ألمانيا- مفاعلاتها تدريجيًا، في حين تلتزم دول أخرى -مثل فرنسا- بالتكنولوجيا أو تخطط لبناء المزيد من المحطات.
مشروعات غيتس النووية
وافقت لجنة التنظيم النووي في الولايات المتحدة على تصميم واحد فقط من تصميمات المفاعلات المعيارية الصغيرة الجديدة، من شركة نوسكيل باور، في أغسطس/آب 2020، وأبلغت 3 شركات أخرى اللجنة أنها تخطط لتقديم طلب للحصول على تصاميمها.
وتتوقع لجنة التنظيم النووي تقديم نحو 6 تصميمات للمفاعلات المتقدمة، التي تستخدم شيئًا آخر غير الماء للتبريد، مثل الغاز أو المعدن السائل أو الملح المصهور.
ويتضمن ذلك مشروعًا لشركة بيل غيتس، تيرا باورا، في ولاية وايومنغ، التي اعتمدت منذ مدة طويلة على الفحم لتوليد الكهرباء وتوفير فرص العمل، إذ تخطط لبناء مفاعل سريع مبرد بالصوديوم مقترن بنظام تخزين الطاقة، في بلدة كيميرير.
وقال المدير التنفيذي لهيئة الطاقة في وايومنغ، غلين موريل، إنه من غير الواقعي توقع توفير كل كهرباء البلاد حصريًا من خلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مشددًا على أن الطاقة المتجددة يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب مع التقنيات الأخرى، مثل الطاقة النووية والهيدروجين.
وسيجري بناء مفاعل ثانٍ من تصميم تيرا باور في مختبر أيداهو الوطني. وسيكون لتجربة مفاعل الكلوريد المنصهر نواة صغيرة مثل الثلاجة وملح مصهور لتبريدها بدلًا من الماء.
ولايات مؤيدة
يحاول بعض المشرّعين في ولاية فيرجينيا الغربية -التي تعتمد أيضًا على الفحم- إلغاء قرار الدولة بتجميد بناء منشآت نووية جديدة.
ومن بين الولايات الأخرى التي تدعم الطاقة النووية، تؤكد جورجيا أن توسيع مفاعلها النووي سيوفر لها طاقة نظيفة وافرة لمدة 60 إلى 80 عامًا، إذ تمتلك المشروع النووي الوحيد قيد الإنشاء في الولايات المتحدة.
ويتمثّل ذلك في توسيع محطة فوغتل من اثنين من المفاعلات الكبيرة التقليدية إلى 4. والتكلفة الإجمالية الآن هي أكثر من ضعف التوقعات الأصلية البالغة 14 مليار دولار، والمشروع متأخر عن الجدول الزمني بسنوات.
من جانبها، قالت ولاية نيو هامبشاير إنه سيكون من المستحيل تحقيق الأهداف البيئية للمنطقة كما هو معتاد، دون الطاقة النووية.
وتعمل هيئة الطاقة في ألاسكا منذ عام 2007 على التخطيط لاستخدام مفاعلات نووية معيارية صغيرة، ربما في مواقع المناجم البعيدة والقواعد العسكرية أولًا.
وصرحت إدارة الطاقة في ولاية ماريلاند بأنه في حين أن هدف جميع مصادر الطاقة المتجددة جدير بالثناء وأن التكاليف آخذة في الانخفاض، "إلا أننا في المستقبل المنظور نحتاج إلى مجموعة متنوعة من الوقود"، بما في ذلك أنظمة الطاقة النووية وتلك التي تعمل بالغاز الطبيعي لضمان الموثوقية والمرونة.
وتوجد في ماريلاند محطة نووية واحدة، وإدارة الطاقة تتحدث مع مصنعي المفاعلات الصغيرة.
أسباب الرفض
أكد مسؤولون آخرون -معظمهم في الولايات التي يقودها الديمقراطيون- أنهم يتخطون الطاقة النووية، إذ قال البعض إنهم لم يعتمدوا عليها بشدة في البداية، ولا يرون أي حاجة لها في المستقبل.
وأوضحوا أن تكلفة المفاعلات الجديدة مقارنة بتركيب توربينات الرياح أو الألواح الشمسية، والمخاوف المتعلقة بالسلامة، والمشكلة التي لم يجرِ حلها حول كيفية تخزين النفايات النووية الخطرة، هي عوامل حاسمة.
ويعارض بعض علماء البيئة -أيضًا- المفاعلات المعيارية الصغيرة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة ومشكلات النفايات الخطرة.
ولايات معارضة
في نيويورك -التي لديها بعض من أكثر الأهداف طموحًا في البلاد لمكافحة تغير المناخ- ستهيمن طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية على شبكة الطاقة المستقبلية، حسبما قالت رئيسة هيئة أبحاث وتطوير الطاقة بولاية نيويورك، دورين هاريس.
وأكدت هاريس أنها ترى مستقبلًا بعيدًا عن الطاقة النووية، وستنخفض النسبة من نحو 30% من مزيج الطاقة في الولاية حاليًا إلى نحو 5%، لكن الولاية ستحتاج إلى بطاريات تخزين متطورة طويلة الأمد وربما وقود أنظف مثل الهيدروجين.
أما ولاية نيفادا فهي حساسة خصوصًا للطاقة النووية، بسبب الخطة الفاشلة لتخزين الوقود النووي التجاري المستهلك في البلاد في جبل يوكا.
والمسؤولون هناك لا يرون الطاقة النووية خيارًا قابلًا للتطبيق. وبدلًا من ذلك، فإنهم يرون إمكانات تكنولوجيا البطاريات لتخزين الطاقة والطاقة الحرارية الأرضية.
ومن المقرر أن تغلق كاليفورنيا آخر محطة طاقة نووية متبقية، ديابلو كانيون، في عام 2025، إذ تتحول إلى مصادر طاقة متجددة أرخص لتشغيل شبكتها بحلول عام 2045.
ويعتقد المسؤولون أنهم يستطيعون تحقيق هذا الهدف إذا استمرت كاليفورنيا في توسعها في توليد الكهرباء النظيفة "بمعدل قياسي على مدار الأعوام الـ25 المقبلة"، وبناء في المتوسط 6 غيغاواط من مصادر تخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات الجديدة سنويًا، وفقًا للولاية.
اقرأ أيضًا..
- صفقة أرامكو السعودية في بولندا.. هل تهدد صادرات روسيا النفطية؟
- أوبك تثبت تقديرات الطلب على النفط والمعروض في 2022
- هل تنخفض أسعار السيارات في 2022؟.. مفاجأة صادمة بانتظار العملاء